علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
نظرات في كتاب من لا يحضره الفقيه.
المؤلف: الشيخ باقر الايرواني.
المصدر: دروس تمهيدية في القواعد الرجالية
الجزء والصفحة: ص 166 ـ 172.
15-8-2016
1451
كتاب من لا يحضره الفقيه هو للشيخ الجليل محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المشهور بالشيخ الصدوق.
والمعروف ولادة الشيخ المذكور بدعاء الإمام الحجة ارواحنا له الفداء، فقد ذكر النجاشي في ترجمة علي بن الحسين بن بابويه والد الشيخ الصدوق انه قدم العراق واجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح ـ رضوان الله تعالى عليه ـ وسأله مسائل ثم كاتبه بعد ذلك يسأله ان يوصل له رقعة إلى الصاحب (عليه السلام) ويسأله فيها الولد فكتب اليه قد دعونا الله لك بذلك وسترزق ولدين ذكرين خيّرين فولد له أبو جعفر وأبو عبد الله.
وكان أبو جعفر ـ يعني الشيخ الصدوق ـ يقول انا وُلدت بدعوة صاحب الأمر ويفتخر بذلك. انتهى.
والشيخ الصدوق نفسه ينقل هذه القصة في اكمال الدين ص276.
وفي روضات الجنات ينقل ان الإمام العسكري (عليه السلام) كان له مكاتبة مع علي ابن الحسين وفي ضمنها يقول: وفّقك الله لمراضيه وجعل من صلبك أولاداً صالحين برحمته بتقوى الله و إقام الصلاة وايتاء الزكاة...
وعليك بانتظار الفرج فان النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أفضل أعمال امتي انتظار الفرج، ولا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي.
وقد ذكر الشيخ الصدوق في مقدمة كتابه سبب تأليفه الكتاب المذكور، وهو انه لما ساقه القضاء إلى بلاد الغربة ونزل أرض بلخ من قصبة ايلاق( 1) وردها الشريف أبو عبد الله محمد بن الحسن المعروف بنعمة وطلب منه ان يصنف كتاباً في الفقه والحلال والحرام ويسميه بكتاب من لا يحضره الفقيه كما صنّف الطبيب الرازي محمد بن زكريا كتاباً في الطب باسم كتاب من لا يحضره الطبيب فأجاب ما سأله وألف الكتاب المذكور(2 ).
وقد طبع الكتاب المذكور في النجف الأشرف سنة 1376 هـ في أربعة أجزاء بعد ان طبع ثلاث مرات قبل ذلك احداها في لكنة و الهند واُخرى بتبريز وثالثة بطهران.
والطبعة المتداولة اليوم هي تصوير عن طبعة النجف الأشرف.
والشيخ الجليل المذكور قد خدم المذهب بكتبه التي ألّفها والتي تقرب من 200 مؤلفاً.
ومن احد مؤلفاته كتاب مدينة العلم الذي يبلغ عشرة اجزاء. وهو أكبر من كتاب الفقيه ولكنه مع الأسف لا أثر منه اليوم.
يقول الشيخ البهائي في درايته: «واصولنا الخمسة: الكافي ومدينة العلم ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب والاستبصار».
ويقول الشيخ آقا بزرك الطهراني في الذريعة: «فالأسف على ضياع هذه النعمة العظمى من بين اظهرنا وايدينا من لدن عصر والد الشيخ البهائي الذي مرت عبارته الظاهرة في وجوده عنده... حتى ان العلاّمة المجلسي صرف اموالاً جزيلة في طلبه وما ظفر به... نعم ينقل عنه ابن طاووس في فلاح السائل وغيره من كتبه...»( 3).
وقد توفي الشيخ الجليل المذكور سنة 381 هـ. ودفن بالري بالقرب من قبر السيد عبد العظيم الحسني.
وقد قيل انه حدث انشقاق في قبره الشريف بسبب طغيان المطر فوُجد جثمانه الطاهر لم يتغير حتى اثر الحناء الذي كان على اظفاره بالرغم من مرور 857 سنة على دفنه.
والكلام حول الكتاب المذكور يقع ضمن عدة نقاط:
النقطة الأولى
ذكرنا سابقاً ان طريقة الشيخ الكليني في كتابه الكافي جرت على ذكر تمام السند غالباً ولم يشذ عن ذلك إلّا نادراً.
بينما طريقة الشيخ الصدوق جرت على العكس، فهو غالباً يحذف السند ويكتفي بذكر الراوي المباشر عن الإمام (عليه السلام) فيقول مثلاً: زرارة أو روى زرارة عن الإمام الباقر (عليه السلام). ونادراً ما يذكر تمام السند.
وعلل ذلك في المقدمة بقوله: وصنفت هذا الكتاب بحذف الاسانيد لئلا تكثر طرقه وان كثرت فوائده.
ومن هنا احتاج إلى ان يذكر آخر الكتاب طرقه إلى من يبتدأ بهم السند فيقول مثلاً: وما رويته عن زرارة فقد حدثني به أبي عن... وتسمى تلك الطرق بالمشيخة جمع شيخ.
ومن المؤسف عدم ذكره طرقه إلى بعض من ابتدأ بهم السند. ومن هنا تصبح الأحاديث المذكورة مرسلة.
النقطة الثانية
ان الصدوق لم يألف كتابه كجامع لأحاديث أهل البيت (عليهم السلام)وانما الّفه كمرجع عملي للشيعة وليس كمرجع حديثي ويظهر ذلك من بعض فقرات المقدمة ومن اسلوب الكتاب نفسه.
ومن هنا برزت ظاهرة فيه، وهي انه حينما يذكر بعض الأحاديث يأخذ بالتفسير أو التعليق عليها ويذكر ذلك متصلاً بالحديث.
ولربما يخفى ذلك على المراجع احياناً ويتخيل ان الجميع هو حديث واحد والحال ان بعضه حديث الإمام (عليه السلام) والبعض الآخر من كلام الصدوق.
وعلى سبيل المثال ذكر الصدوق في الحديث الثاني من الجزء الأول ما نصه: «وقال (عليه السلام) الماء يطهِّر ولا يطهَّر. فمتى وجدتَ ماء ولم تعلم فيه نجاسة فتوضأ منه واشرب. وانِّ وجدت فيه ما ينجسه فلا تتوضأ منه ولا تشرب إلّا في حال الاضطرار فتشرب منه ولا تتوضأ منه وتيمم...».
ان المراجع يظن ان جميع الفقرات المذكورة هي من كلام الإمام (عليه السلام)والحال ان كلام الإمام (عليه السلام) فقط هو جملة: الماء يطهر ولا يطهر. والباقي هو من كلام الصدوق.
النقطة الثالثة
هناك رأي مشهور يرى حجية جميع الأحاديث المذكورة في الفقيه بدون حاجة إلى التدقيق في اسنادها.
ويستند في ذلك إلى احد الوجهين التاليين:
1- بعض الفقرات المذكورة في المقدمة حيث قال الصدوق: «ولم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت إلى ايراد ما افتي به واحكم بصحته واعتقد فيه انه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره».
ان العبارة المذكورة صريحة في انه لا يذكر إلّا الأحاديث الصحيحة. ومعه فيلزم الأخذ بكل حديث مذكور في الفقيه.
ويرده: ان الصدوق وان التزم ان لا يذكر إلّا الخبر الصحيح إلّا ان الصحيح في مصطلح المتقدمين غيره في مصطلح المتأخرين، فهو فى مصطلح المتأخرين عبارة عن الحديث الذي رواته عدول إمامية بينما في مصطلح المتقدمين عبارة عن كل حديث يجب العمل به ولو لبعض القرائن المحتفة به والموجبة للاطمئنان بحقانيته حتى ولو فرض فسق رواته وعدم وثاقتهم.
و إذا كان هذا هو مقصود الصدوق من الخبر الصحيح فلا يكون ذكره للخبر في كتابه مستلزماً لحجيته علينا، إذ لعل تلك القرائن لو اطلعنا عليها لم توجب لنا الاطمئنان.
هذا مضافاً إلى ان للصدوق طريقة خاصة في تصحيح الأحاديث، وهي ان كل حديث صححه شيخه محمد بن الحسن بن الوليد فهو صحيح عنده، وكل حديث لم يصححه شيخه فلا يكون صحيحاً عنده. وقد صرح بهذه الطريقة في بعض الموارد.
ومعه فكيف تكون شهادته بصحة أحاديث كتابه موجبة لاعتبارها في حقنا؟
2- ذكر الصدوق في مقدمة كتابه عبارة اُخرى غير العبارة المتقدمة وهي قوله: «وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول و إليها المرجع مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي و...».
ان أحاديث الفقيه مادامت مستخرجة من كتب مشهورة وعليها اعتماد الأصحاب فلا تبقى حاجة إلى وجود طريق صحيح بين الصدوق وصاحب الكتاب الذي ينقل عنه الحديث.
اجل نحتاج إلى طريق صحيح بين صاحب الكتاب والإمام (عليه السلام). وقد تقدمت الاشارة إلى هذا الرأي فيما سبق(4 ).
ويـرده:
أولاً: ان ما ذكر يتم على تقدير افتراض ان كل من ابتدأ الصدوق السند باسمه فقد اخذ الحديث من كتابه، وهذا غير ثابت، فانه لم يصرح في مقدمة كتابه أو في المشيخة بذلك.
أجل الشيخ الطوسي صرح بذلك في مقدمة مشيخة التهذيبين دون الصدوق.
ومما يؤكد عدم التزام الصدوق بذلك ذكره في المشيخة طريقاً إلى إبراهيم بن سفيان واسماعيل بن عيسى وانس بن محمد وجعفر بن القاسم وغيرهم والحال عدم وجود كتب لهم بقرينة عدم ذكر النجاشي والشيخ لهما في فهرستيهما الموضوع لاستعراض اصحاب الكتب.
بل ان الصدوق ذكر طريقاً له إلى اسماء بنت عميس والحال ان من البعيد وجود كتاب لها.
واكثر من هذا قد يذكر الصدوق في المشيخة طريقاً إلى رواية معينة خاصة كالرواية التي تنقل مجيء نفر من اليهود إلى النبي (صلى الله عليه وآله).
ان قلت: إذا لم يكن من ابتدأ به الصدوق السند له كتاب فكيف قال جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة؟
قلت: لا غضاضة في التعبير المذكور، فبالإمكان ان نفترض ان ابان بن تغلب يبتدأ الصدوق به السند وليس له كتاب وانما اخذ حديثه من كتاب شيخه محمد بن الحسن بن الوليد. وكتاب شيخه وان كان مشهوراً ولكن اقصى ما يستلزم ذلك هو عدم الحاجة إلى طريق صحيح بينه وبين كتاب شيخه لا بينه وبين من ابتدأ به السند وهو ابان.
وثانياً: ان شهرة الكتاب والتعويل عليه لا يغني عن الحاجة إلى طريق معتبر إذ قد تكون للكتاب نسخ متعددة في بعضها زيادة أو نقيصة أو تحريف، فان شهرة كتاب والتعويل عليه لا يساوق انتفاء الاحتمالات المذكورة، فالكافي مثلاً في زماننا هذا يصدق عليه انه من الكتب المشهورة التي عليها المعول ولكنها يعني ذلك صحة جميع نسخه ومأمونيتها من الزيادة والنقيصة.
ومع التسليم بما ذكرناه نكون بحاجة إلى طريق معتبر يثبت من خلاله صحة النسخة بان يقول الصدوق ان شيخي قد اجازني رواية نسخة معينة من كتاب حريز مثلاً، وشيخه بدوره قد اجازه شيخه أيضاً حتى تصل سلسلة اجازات الثقات إلى حريز نفسه.
فحريز نفسه لا بدَّ قد دفع نسخة معينة من كتابه إلى ثقة واجازه روايتها، وهو بدوره دفعها إلى ثالث واجازه روايتها وهكذا حتى وصلت إلى الصدوق.
وثالثاً: ان شهرة الكتاب والتعويل عليه لا يعني التعويل على جميع احاديثه بدون استثناء وانما يعني ان التعويل عليه هو الطابع العام عليه، فكتاب الكافي مثلاً يصدق عليه انه من الكتب المشهورة لدى الشيعة والمعول عليها بَيْد ان ذلك لا يعني صحة جميع احاديثه والعمل بكل واحد منها.
النقطة الرابعة
ان كتاب الفقيه يشتمل على 5963 حديثاً على ما قيل. بَيْدَ ان قسماً كبيراً منها يبلغ 2050 حديثاً هو من المراسيل.
ومن هنا تنشأ الحاجة إلى التفكير في طريقة يمكن بها تصحيح المراسيل المذكورة.
وقد ذهب البعض إلى حجيتها وان مراسيل الصدوق في الفقيه كمراسيل ابن أبي عمير في الحجية والاعتبار.
ويمكن توجيه حجيتها اما ببيان ان الصدوق ذكر في المقدمة انه لا يذكر في كتابه إلّا ما يحكم بصحته ويفتي به ويكون حجة بينه وبين ربه، او من جهة انه ذكر في المقدمة أيضاً ان جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعتمد والمعول.
وكلا البيانين المذكورين قد تقدمت الاشارة إلى مناقشته.
وهناك رأي ذهب اليه غير واحد من الأعلام يفصِّل بين ما إذا عبّر الصدوق بكلمة «قال» كأن ذكر هكذا: قال الصادق (عليه السلام): كل ماء طاهر حتى تعلم انه قذر وبين ما إذا عبّر بكلمة رُوي، بأن قال: روي عن الصادق: كل ماء...، فالأول حجة دون الثاني.
ومن جملة من اختار التفصيل المذكور السيد الخوئي (قدس سره)في بعض دورات بحثه الاُصولي القديمة بتقريب ان الصدوق إذا عبّر بكلمة «قال» دلَّ ذلك على جزمه بصحة الحديث وحجيته و إلّا لما عبّر بكلمة «قال» الدالة على جزمه بصدور مضمون الرواية عن الإمام (عليه السلام)(5).
والتأمل في ذلك واضح حيث ان تعبير الصدوق بكلمة «قال» وان دلَّ على جزمه بصحة الرواية وحجيتها إلّا ان ذلك لا يعني شهادته بوثاقة رجال السند بل قد يكون ذلك لاحتفافها بقرائن توجب العلم بصدقها في نظره دون نظرنا ومن هنا تراجع عنه (قدس سره) في الدورات المتأخرة(6).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- وايلاق هي المعروفة اليوم بجمهورية تركستان أو تركمنستان.
2- نلفت النظر إلى ان كلمة كتاب ينبغي ان تكون جزء من الاسم، فاسم كتاب الفقيه ليس هو «من لا يحضره الفقيه» بل «كتاب من لا يحضره الفقيه».
3- الذريعة إلى تصانيف الشيعة 20: 252.
4- وقد قيل ان من جملة من يختار الرأي المذكور السيد البروجردي (قدس سره).
5- راجع الدراسات: ص322.
6- راجع مصباح الاُصول 2: 520.