علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
صفات الحقّ سبحانه وتعالى في الكافي.
المؤلف: السيّد هاشم معروف.
المصدر: دراسات في الحديث والمحدّثين.
الجزء والصفحة: ص 204 ـ 213.
2023-08-30
1492
لقد تعرض الكليني في كتابه الكافي للواجب وصفاته، ودون فيه بعض المرويات التي تتعرض لحدوث العالم واثبات الصانع وصفاته الثبوتية والسلبية وغير ذلك مما يليق بذاته، فروى عن محمد بن عبد الله الخراساني خادم الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) انّه قال: دخل رجل من الزنادقة على ابي الحسن الرضا (عليه السلام) وعنده جماعة من اصحابه فقال له الامام (عليه السلام): ايها الرجل أرأيت ان كان القول قولكم وليس هو كما تقولون السنا وايّاكم شرعا سواء لا يضرنا ما صمنا وصلينا وزكّينا وأقررنا؟!، فسكت الرجل، ثم قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): وان كان القول قولنا وهو الحق ألستم قد هلكتم ونجونا فقال: رحمك الله أوجدني كيف هو واين هو، فقال الامام (عليه السلام): ويلك انّ الذي ذهبت إليه غلط، هو ايّن الاين بلا اين، وكيّف الكيف بلا كيف، فلا يعرف بالكيفيّة ولا بالأينيّة، ولا يدرك بحاسّة ولا يقاس بشيء، فقال الرجل: اذن انّه لا شيء إذا لم يدرك بحاسة من الحواس. فقال أبو الحسن: ويلك لمّا عجزت حواسك عن ادراكه انكرت ربوبيته، ونحن إذا عجزت حواسنا عن ادراكه أيقنا انّه ربنا لا يشبه شيئا من الاشياء. فقال له الرجل: فأخبرني متى كان، فقال أبو الحسن: فأخبرني متى لم يكن فأخبرك متى كان. قال الرجل: فما الدليل عليه؟ قال أبو الحسن (عليه السلام): انّي لمّا نظرت إلى جسدي ولم يكن فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره عنه وجرّ المنفعة إليه، علمت انّ لهذا البنيان بانيا فأقررت به، مع ما ارى من دوران الفلك بقدرته، وإنشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المبينات علمت انّ لهذا مقدرّا ومنشأ (1).
وروى عن هشام بن الحكم انّ ابا عبد الله الصادق (عليه السلام) قال في جواب بعض الملحدين: لا يخلو قولكم انّهما اثنان من ان يكونا قديمين قويّين، أو يكونا ضعيفين، أو يكون أحدهما قويا والاخر ضعيفا، فان كانا قوييّن فلم لا يدفع أحدهما صاحبه ويتفرّد بالتدبير، وان زعمت انّ أحدهما قوي والآخر ضعيف ثبت انّه واحد للعجز الظاهر في الثاني. فان قلت انّهما اثنان لم يخل من ان يكونا متفقين من كل جهة أو مفترقين من كل جهة، فلمّا رأينا انّ الخلق منتظم، والفلك جار، والتدبير واحد والشمس والليل والقمر والنهار دلّ صحة الامر والتدبير وائتلاف الامر على انّ المدبّر واحد، ثم ان ادعيت انّهما اثنان يلزمك فرجة ما بينهما حتى يكونا اثنين، فصارت الفرجة ثالثا بينهما قديما معهما، فيلزمك ثلاثة، فان ادعيت ثلاثة لزمك ما قلت في الاثنين حتى يكون بينهما فرجة فيكونوا خمسة، ثم يتناهى العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة. فقال الزنديق: فما الدليل عليه؟ قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) وجود الأفاعيل دلت على انّ صانعا صنعها، الا ترى انّك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت انّ له بانيا وان كنت لم ترَ الباني ولم تشاهده. قال فما هو؟ قال الامام (عليه السلام): شيء لا كالأشياء غير انّه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس، ولا يدرك بالحواس الخمس لا تدركه الاوهام، ولا تنقصه الد هور ولا تغيره الازمان (2).
وقد اورد الكليني عشرات الأحاديث عن الائمة (عليه السلام) حول التوحيد والصفات، واكثرها تنص على انّه واحد لا يشبه شيئا من مخلوقاته، ولا يدرك بالحواس، ولا تحيط به الاوهام، ولا تحويه الامكنة والازمان.
وجاء في بعضها عن ابي جعفر الباقر (عليه السلام) انّه قال: ايّاكم والتفكّر في الله، ولكن إذا اردتم ان تنظروا إلى عظمته، فانظروا إلى عظيم خلقه.
وجاء في بعضها عن ابي جعفر الباقر (عليه السلام) انّه قال: ايّاكم والتفكّر في الخالق ولكن إذا اردتم ان تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه.
وتعرّض في كتاب التوحيد لمسألة الرؤية التي أثبتها اهل السنة واورد مجموعة من الأحاديث تنصّ على انّه لا يرى في الدنيا والآخرة.
فمن ذلك ما رواه أبو الحسن الموصلي عن ابي عبد الله الصادق (عليه السلام) انّه قال: جاء حبر إلى امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) فقال يا امير المؤمنين هل رأيت ربك؟ قال (عليه السلام) ويلك ما كنت لاعبد ربا لم اره.
قال: وكيف رأيته؟ قال ويلك: لا تدركه العيون بمشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان.
وروى عن ابي هاشم الجعفري انّه قال: سألت ابا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الله هل يوصف فقال: اما تقرأ القرآن؟ قلت بلى: قال: اما قرأت قوله تعالى: {لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار} قلت بلى. قال: انّ اوهام القلوب أكبر من ابصار العيون، فهو لا تدركه الأوهام وهو يدرك الأوهام.
واضاف إلى ذلك أبو هاشم الجعفري في رواية اخرى انّ ابا الحسن قال: يا ابا هاشم انّ اوهام القلوب ادقّ من ابصار العيون، انت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها، ولا تدركها ببصرك، واوهام القلوب لا تدركه فكيف تدركه ابصار العيون.
وروى عن صفوان بن يحيى انه قال: سألني أبو قرة المحدث ان ادخله على ابي الحسن الرضا (عليه السلام) فاستأذنته في ذلك، فأذن له ودخل عليه، فسأله عن الحلال والحرام والاحكام حتى انتهى إلى التوحيد، فقال أبو قرة: انا روينا انّ الله قسم الرؤية والكلام بين نبيّين، فجعل لموسى الكلام ولمحمد الرؤية فقال أبو الحسن الرضا (عليه السلام) فمن المبلّغ عن الله إلى الثقلين من الإنس والجن {لا تدركه الابصار}، و{لا يحيطون به علما}، و{ليس كمثله شيء}، أليس محمد (صلى الله عليه وآله)؟ قال بلى: قال كيف يجيئ رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم انّه جاء من عند الله وانّه يدعوهم إلى الله بأمر الله، فيقول: {لا تدركه الابصار}، و{لا يحيطون به علما}، و{ليس كمثله شيء}، ثم يقول: انا رأيته بعيني واحطت به علما، وهو على صورة البشر اما تستحون، اما قدرت الزنادقة ان ترميه بهذا ان يكون يأتي من عند الله بشيء، ثم يأتي بخلافه من وجه آخر. قال أبو قرة، فانّه يقول: {ولقد رآه نزلة أخرى}، فقال أبو الحسن: انّ بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال: {ما كذب الفؤاد ما رأى} يقول: ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه ثم اخبر بما رأى فقال: لقد رأى من آيات ربّه الكبرى، وآيات الله غير الله، وقال: {ولا يحيطون به علما}، وإذا رأته الابصار فقد احاطت به علما ووقعت المعرفة. فقال أبو قرة: فنكذّب الروايات (3) فقال أبو الحسن (عليه السلام): إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذّبتها، وقد اجمع المسلمون على انّه لا يحاط به علما، ولا تدركه الابصار، وليس كمثله شيء، إلى غير ذلك من الروايات التي اوردها في الكافي حول امتناع الرؤية في الدنيا والآخرة (4).
وجاء في الكافي المجلد الاول في باب النهي عن وصفه بغير ما وصف به نفسه، انّ عبد الرحيم القصير قال: كتبت على يدي عبد الملك بن اعين إلى ابي عبد الله الصادق (عليه السلام): انّ قوما بالعراق يصفون الله بالصورة والتخطيط، فان رأيت جعلني الله فداك ان تكتب اليّ بالمذهب الصحيح من التوحيد، فكتب الي: سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وتعالى عمّا يصفه الواصفون المشبّهون الله بخلقه المفترون على الله فاعلم رحمك الله، انّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عزّ وجلذ، فانفِ عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه (5) هو الله الثابت الموجود تعالى الله عما يصفه الواصفون ولا تعدوا القرآن فتضلّوا بعد البيان (6).
وقد اورد في الكافي اثنتي عشر رواية في هذا الباب وكلّها تؤكّد مضمون هذه الرواية. وروى في باب النهي عن التجسيم والتصوير عن علي بن حمزة انّه قال: قلت لابي عبد الله الصادق (عليه السلام) سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم انّ الله جسم صمدي نوريّ معرفته ضرورة يمنّ الله بها على من يشاء من خلقه، فقال (عليه السلام): سبحان من لا يعلم أحد كيف هو الا هو ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لا يحد ولا يحس، ولا تدركه الابصار ولا الحواس، ولا يحيط به شي، ولا جسم، ولا صورة، ولا تخطيط ولا تحديد.
وروي عن محمد بن زيد انه قال: جئت إلى الرضا (عليه السلام) اسأله عن التوحيد، فأملى عليه: الحمد لله فاطر الأشياء انشاء ومبتدعها ابتداعا بقدرته وحكمته، لا من شيء فيبطل الاختراع، ولا لعلة فلا يصح الابتداع، خلق ما شاء كيف شاء متوحدا بذلك لإظهار حكمته وحقيقة ربوبيّته لا تضبطه العقول ولا تبلغه الاوهام، ولا تدركه الابصار، ولا يحيط به مقدار عجزت دونه العبارة، وكلّت دونه الابصار، وضلّت فيه تصاريف الصفات، احتجب بغير حجاب، واستتر بغير ستر، وعرف بغير رؤية، ووصف بغير صورة، ونعت بغير جسم، لا اله الا الله الكبير المتعال.
وأكثر المرويات التي ذكرها الكليني حول نفي التجسيم تشير إلى انّ هشام بن الحكم، وهشام بن سالم كانا يذهبان إلى القول به، ولعلّ نسبة التجسيم التي الصقت بهما ظلما وعدوانا، كانت من جملة الدوافع لسؤال الائمة عن هذه الناحية، بالإضافة إلى شيوع هذه المقالة بين محدّثي السنة وفقهائهم.
ولكن المتتبع لتاريخ هشام بن الحكم بصورة خاصة يطمئن إلى براءته من هذه التهمة(7) وقد ذكرنا في الفصول السابقة انّ مرويات الكافي ليست كلّها جامعة لشروط الصحة، وانّ القسم الاكبر منها يدخل في نوع الضعيف نتيجة للتصنيف الذي أحدثه الحلي واستاذه. ويؤيّد ذلك انّ بين هذه المرويات التي تنسب التجسيم لهشام بن الحكم رواية علي بن أبي حمزة التي يدعى فيها انّ هشاماً يقول: انّ الله جسم صمدي نوري، وعلي بن اي حمزة من ضعفاء الرواة، ومتّهم بالكذب، ووضع الأحاديث، وبالإضافة إلى ذلك، فقد كان من وكلاء الامام موسى ابن جعفر، وتحت يده من امواله ثلاثون ألف دينارا، أنكرها بعد وفاته، وانحرف عن المخطّط الاثني عشري، وقد اطال المؤلّفون في الرجال الحديث عنه، وجاء في بعض نصوصهم انّه كان من المجدّين في اطفاء نور الله.
وقد روى عنه الكليني في مختلف المواضيع، ولعلّ ذلك من حيث اعتماد محمد بن عمير، وصفوان بن يحيى على بعض مروياته، وهما لا يرويان الا عن ثقة، كما يدّعي ذلك بعض المؤلفين في الرجال (8).
وممّن نسب التجسيم لهشام بن الحكم يونس بن ظبيان، فقد روى عنه في الكافي انّه قال دخلت على ابي عبد الله الصادق (عليه السلام)، فقلت له: انّ هشام بن الحكم يقول قولا عظيما ويزعم: انّ الله جسم، ويونس بن ظبيان من الغلاة الوضّاعين للحديث، وقد لعنه الامام على بن موسى (عليه السلام) (9) ومنهم علي بن العباس الذي يروي عن الحسن بن عبد الرحمن الحماني، فقد روى عن الحسن بن عبد الرحمن انّه قال: قلت لابي عبد الله: انّ هشام بن الحكم زعم انّ الله جسم ليس كمثله شيء، عالم قادر سميع بصير متكلّم ناطق، والكلام والقدرة والعلم يجري مجرى واحد، ليس شيء منها مخلوقا، فقال: قاتلة الله، اما علم انّ الجسم محدود والكلام غير المتكلم، معاذ الله وابرأ إلى الله من هذا القول. وعلي بن العباس من المذمومين، والمتهمين بالغلو كما نص على ذلك المؤلفون في الرجال (10).
ومهما كان الحال فالروايات التي تنسب التجسيم لهشام بن الحكم وغيره من اصحاب الائمة، والتي تعطي للائمة خصائص الخالق، وغير ذلك من الروايات المنافية لكتاب الله وسنّة نبيه، هذا النوع من بين مرويات الكافي، لم تتوفر فيها شروط الرواية التي يصح الاعتماد عليها في الاصول والفروع كما ذكرنا.
وروى في الكافي في باب صفات الذات عن محمد بن مسلم انّ ابا جعفر الباقر (عليه السلام) قال في تحديد صفاته: انّه واحد إحدى المعنى، ليس بمعان كثيرة مختلفة: قال قلت: جعلت فداك يزعم قوم من اهل العراق انّه يسمع بغير الذي يبصر، ويبصر بغير الذي يسمع، فقال: كذبوا وألحدوا وشبّهوه، تعالى عن ذلك، انّه سميع بصير يسمع بما يبصر، ويبصر بما يسمع، قال قلت: يزعمون انّه بصير على ما يعقلونه (11) فقال (عليه السلام): كذبوا انّما يعقل ما كان بصفة المخلوق، وليس الله كذلك.
وروى عن هشام بن الحكم ان الامام الصادق (عليه السلام) قال في جواب الزنديق الذي سأله عن الله سبحانه: هو سميع بصير يسمع بغير جارحة ويبصر بغير آلة، سميع بنفسه، ويبصر بنفسه، وليس قولي انّه سميع بنفسه انّه شيء والنفس شيء آخر، ولكنّي اردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولا وافهاما لك إذ كنت سائلا، فأقول: سميع بكلّه لا انّ كلّه له بعض، لأنّ الكل لنا له بعض، ولكنّي أردت افهامك، وليس مرجعي في ذلك كلّه الا أنّه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى(12).
وفي بيان المراد من الآية: {الرحمن على العرش استوى} من كتاب التوحيد اورد بعض المرويات التي تفسر المراد من العرش والاستواء عليه، والحركة والانتقال فقد روى عن عيسى بن يونس ان ابن ابي العوجاء قال لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في بعض محاوراته معه: ذكرت الله فأحلت على غائب، فقال أبو عبد الله: ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهدهم واليهم أقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم، ويرى اشخاصهم، ويعلم اسرارهم. فقال ابن ابي العوجاء: أهو في كل مكان؟ اليس إذا كان في السماء كيف يكون في الارض، وإذا كان في الارض كيف يكون في السماء؟! فقال أبو عبد الله: انّما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل من مكان اشتغل به مكان وخلا منه مكان، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما يحدث في المكان الذي كان فيه، فأمّا الله العظيم، فلا يخلو منه مكان، ولا يشتغل به مكان، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان.
وروى عن عبد الرحمن الجاج انه قال: سالت ابا عبد الله الصادق (عليه السلام) عن قول الله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} فقال: استوى في كلّ شيء، فليس شيء اقرب إليه من شيء، لم يبعد عنه بعيد، ولم يقرب منه قريب استوى في كلّ شيء(13).
وقد اطال في الكافي في عرض المرويات عن الائمة (عليه السلام) حول التوحيد، وما يتفرّع عنه، وتضمنت تلك المرويات دفع جميع الشبه والآراء التي راجت في ذلك العمر بين فرق المسلمين، وتنزيهه عن الجسمية والشبه بمخلوقاته عن كلّ ما لا يليق بذاته تعالى من الصفات والنعوت وغير ذلك ممّا أثبته له الملاحدة والمشبهة والاشاعرة، واقتصرنا على هذه النماذج من المرويات تهرّبا من التطويل على انّ بقية الروايات لا تختلف عن هذه النماذج الا بالأسلوب وعرض الفكرة، وأحيانا قد يختصر الامام أو يطيل في عرض الفكرة وتقريبها حسب المناسبات ويختلف ذلك باختلاف حال السائل (14).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا الاسلوب في مقام الاستدلال على وجود الصانع قد تكرّر في أحاديث اهل البيت (عليهم السلام) وقد اورد في الكافي مجموعة من الأحاديث بهذا المضمون وتكرّر في القران أيضا هذا النوع من الاستدلال بالمعلول على وجود العلة.
(2) وملخص هذا الدليل الذي استدل به الامام على وجود الصانع، هو انّ المبدأ الاول لو كان اثنين فلا يخلو من ان يكونا قديمين قويين أو ضعيفين، أو يكون أحدهما قويا والأخر ضعيفا، والمراد بالقوي ان يكون قادرا على فعل الكل وفاعلا له بالإرادة والمراد بالضعيف هو الذي لا يقوى على فعل الكل ولا يستبد به ولا يصلح لمقاومة القوي، فان كانا قويين فيلزم ان يدفع كل منهما صاحبه ويتفرد به ولازم ذلك عدم وقوع الفعل في مثل هذه الحالة وان كان أحدهما ضعيفا. فيلزم من ضعف وجود احتياجه إلى العلة الموجدة فيكون ممكنا وان كانا ضعيفين فلا يخلو من ان يكونا متفقين في الحقيقة من كل جهة بحيث لا يكون لكل منهما جهة تشخيص يتعيّن بها عن صاحبه ولازم ذلك وحدتهما وهو خلاف الفروض. وان كانا مفترقين من كل جهة. فانتظام الخلق وائتلاف الأمر يدل على وحدة المدبر ثم انّ فرض الإثنينيّة ولو من جهة يلزمه ان يكون بينهما مميّز فاصل وقد عبّر عنه الامام (عليه السلام) بالفرجة وهذا المميز لا بدّ وان يكون قديما موجودا بذاته ولازم ذلك تعدّد القديم كما ذكر الامام (عليه السلام).
(3) المراد من الروايات التي اشار إليها أبو قرة ما أوردناه عن البخاري حول هذا الموضوع من مرويات ابي هريرة وانس بن مالك وغيرهما ممّا هو موجود في صحاح اهل السنّة.
(4) انظر ص 96 من المجلد الاول اصول الكافي.
(5) المراد من نفي البطلان هو النهي عن تجريده عن الصفات لأنّ تجريده عن جميع الصفات يلزم منه التعطيل والمراد من نفي التشبيه اي عدم وصفه بصفات مخلوقاته بنحو يلزم منه تثسبيهه بهم والمقصود بقوله (عليه السلام): فلا نفي ولا تشبيه عدم جواز نفي الصفات عنه نفيا باتا وعدم جواز تشبيهه بمخلوقاته كما يصنع الأشاعرة.
(6) ص 100 ج 1.
(7) لقد تعرضنا لهذا الموضوع مفصلا في كتابنا الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة في خلال حديثنا عن التجسيم وما يترتب عليه من اللوازم الفاسدة التي لا يمكن الالتزام بها بحال من الاحوال.
(8) انظر اتقان المقال ص 222 و223.
(9) نفس المصدر ص 394 و395.
(10) المصدر السابق ص 327.
(11) أي من الابصار بآلة البصر اما لانّه جسم مركب من مجموعة اجزاء ومنها آلة البصر أو لانّ صفاته غير ذاته كما يدّعي الاشاعرة وملخّص الجواب: انّهم يثبتون لله تعالى ما يعقلونه من صفاتهم والله منزّه عن مشابهتهم.
(12) والذي اراده الامام (عليه السلام) من ذلك انّ الله ليس له نفس وبعض كما هو الحال بالنسبة لمن يسمع ويبصر من مخلوقاته بل جرى في كلامه مع السائل على المألوف في مقام التخاطب بقصد افهام السائل ويعني بذلك انّه لا يسمع ويبصر بآلة ترسم الصور في عقله وذهنه ولو كان كذلك لزم تعدّد القديم.
(13) ومن هذه الرواية وغيرها مما جاء حول تفسير هذه الآية انّ المراد من العرش هو جميع مخلوقاته، والاستواء عليه كناية عن الاستيلاء، والاشراف فيكون المعنى المتحصل من هذه الآية انّه قد استولى وأشرف على جميع مخلوقاته وتساوت نسبته ألى جميعها من حيث علمه وقدرته عليها واحاطته بها.
(14) انظر ص 78 و81 و96 و100 و117 و128 وما بعدها المجلد الاول.