علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
البحث حول كتاب من لا يحضره الفقيه.
المؤلف: الشيخ محمد طالب يحيى آل الفقيه
المصدر: سدرة الكمال في علم الرجال
الجزء والصفحة: ص 288 ـ 297.
7/12/2022
1924
ذهب بعض الرجاليّين إلى صحّة أحاديث كتاب الفقيه وادّعى على ذلك عدم الخلاف وعدم توقف أحد من الأصحاب في أخباره.
قال السيّد بحر العلوم (رحمه الله) في الفوائد الرجالية: "... كتاب من لا يحضره الفقيه، فإنّه أحد الكتب الأربعة التي هي في الاشتهار والاعتبار كالشمس في رابعة النّهار، وأحاديثه معدودة في الصّحاح من غير خلاف ولا توقّف من أحد، حتى أنّ الفاضل المحقّق الشيخ حسن بن الشهيد الثاني - مع ما عُلم من طريقته في تصحيح الأحاديث - عدّ حديثه من الصحيح عنده وعند الكل.. ومن الأصحاب من يذهب إلى ترجيح أحاديث الفقيه على غيره من الكتب الأربعة نظراً إلى زيادة حفظ الصدوق وحسن ضبطه وتثبّته في الرواية" (1) انتهى.
إلا أنّ جمعاً من الرجاليّين المتقدّمين والمتأخّرين - ومنهم السيد الخوئيّ وكثيرون - عارضوا ما أفاده بحر العلوم وذهبوا إلى لزوم مراجعة أحاديث الفقيه، فإن صحّت أسانيده أمكن العمل بأخباره، وإلا سقطت عن الاعتبار لضعف السند، ولهذا كان لا بدّ من البحث حول أحاديث الفقيه صحّة وضعفاً فنقول والله المستعان:
تعريف الكتاب:
إن من أقدم تراثنا الروائيّ وأهمّه كتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ محمد بن علي بن بابويه القمي، والمعروف بالشيخ الصدوق، وكان قد ألّف كتابه استجابة لما طلبه منه السيد الشريف محمد بن الحسن بن إسحاق، والمعروف ب "نعمة" وهو على غرار كتاب من لا يحضره الطبيب للمتطبّب الرازي، وهو عبارة عن خمسة آلاف وتسعمائة وثلاث وستّين رواية، منها ألفان وخمسون رواية مرسلة والباقي مسانيد، والمراسيل منها ما أُرسل على نحو المجهول كقوله :"قيل أو سُئل" ومنها ما أُرسل على نحو المعلوم كقوله: "قال أو سأل" فيكون على هذا قد غاير بطريقته طريقة الشيخ الكليني إذ أنّه أسند جميع أخبار كتابه الكافي.
ترجمة المؤلف:
هو الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، المتوفّى سنة 381 بالريّ والمدفون فيها، قريباً من المقام المعظّم للسيّد الحسنيّ والمعروف اليوم بـ "الشاه عبد العظيم الحسنيّ" وقبره بالريّ معروف مشهور، وهو موئل للزائرين.
قال الشيخ في الفهرست: "محمد بن علي بن الحسين بن موسى القمي يكنّى أبا جعفر، كان جليلا حافظا للأحاديث، بصيراً بالرجال، ناقداً للأخبار، لم يُرَ في القميّين مثله في حفظه وكثرة علمه، له نحو من ثلاثمائة مصنّف، وفهرستُ كتبه معروف ..."(2).
وقال الشيخ النجاشي في ترجمته: "محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن
بابويه القمي، أبو جعفر، نزيل الريّ، شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان، وكان ورد بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السنّ، وله كتب كثيرة..."(3).
وقال ابن إدريس في نكاح السرائر: "الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن بابویه ثقة جليل القدر، بصير بالأخبار وناقد للآثار، وكان عالما بالرجال وأستاذ الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان" انتهى.
وكذا أطراه وأثنى عليه ووثّقه كلّ من ذكره وترجمه من بعده، فكان ثقة صدوقا حافظ جليلا (رحمه الله) (4).
فالبحث في وثاقة الصدوق بعدما سمعتَ من كلمات الأجلّاء خلاف الإنصاف في حقّه.
طريق الكتاب:
يمكن القول: إنّه ما من كتاب بعد القرآن الكريم اشتُهر كما اشتُهرت الكتب الأربعة في أيّامها، ولذا ترى لكلّ من له طريق إلى كتب القدماء له طريق إلى كتاب الفقيه وذلك لشهرته ومعروفيّته بين الأصحاب، وهذه كتب القدماء الفقهيّة قد اعتمدت على كتاب الفقيه، وكتبهم منه ملأى ولذا لا يبعد القول بتواتر الكتاب من طبقته الأولى، نعم، لا إشكال في تواتره بعد حين.
وممّا تقدّم يُعلم عدم الحاجة إلى تتبّع الطرق لكتاب الفقيه بعدما اشتهر ذكره في كتب الإجازات، فوصوله إلينا بطريق صحيح ممّا لا ريب فيه، وهذا المقدار كافٍ للقول بثبوت الكتاب وصحّة نسبته إلى صاحبه (رحمه الله).
البحث حول صحة الأخبار:
اختلفت أقوال المصحّحين للفقيه بين قائل بقطعيّة الصدور أو بصحّة الأخبار، والثاني لا يستلزم صحّة الأسانيد، إذ قد تكون صحّة الأخبار لقرائن اعتقد ناقلها أنّها كافية للقول بالصحّة فدوّنها في كتابه، ولعلّ الصدوق من هؤلاء إذ أنّه صرّح في ديباجة كتابه أنّه نقل أخبار الفقيه من الكتب المشهورة، وهي قرينة على صحّة الأخبار لصعوبة الدين والزيادة والنقيصة فيها لشهرتها، فتكون قرينة على صحّة الأخبار.
على كلٍّ اعتمد القائلون بصحّة أخبار الفقيه على أدلّة كان أبرزها ما ذكره (رحمه الله) في مقدّمة كتابه إضافة إلى أدلّة أخرى وهاك هي:
الدليل الأول: ما ذكره الصدوق (رحمه الله) في مقدّمة كتاب من لا يحضره الفقيه إذ قال: "أمّا بعد.. فإنّه لمّا ساقني القضاء إلى بلاد الغربة، وجعلني القدر منها بأرض بلخ من قصبة إيلاق وردها الشريف الدين أبو عبد الله المعروف بنعمة، وهو محمد بن الحسن بن إسحاق بن الحسين بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، فدام بمجالسته سروري، وانشرح بمذاكرته صدري وعظم بمودّته تشرّفي لأخلاقٍ قد جمعها إلى شرفه من ستر وصلاح وسكينة ووقار وديانة وعفاف وتقوى وإخبات، فذاكرني بكتاب صنّفه محمد بن زكريا المتطبّب الرازي، وترجمه بكتاب (من لا يحضره الطبيب) وذكر أنّه شافٍ في معناه، وسألني أن أصنّف له كتابا في الفقه والحلال والحرام والشرائع والأحكام، موفيا على جميع ما صنّفت في معناه وأترجمه ب "من لا يحضره الفقيه" ليكون إليه مرجعه وعليه معتمده و مأخذه، ويشترك في أجره من ينظر فيه، فأجبته - أدام الله توفيقه - إلى ذلك لأنّي وجدته أهلا له، وصنّفت له هذا الكتاب بحذف الأسانيد لئلا تكثر طرقه وإن كثرت فوائده، ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي تقدّس ذكره وتعالت قدرته، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع، مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستانيّ .. وبالغت في ذلك جهدي مستعينا بالله ومتوكّلا عليه.."(5) انتهى.
وقد استدلّ القائلون بالصحّة من ثلاثة مواضع من المقدّمة وهي:
قوله: "ليكون إليه مرجعه وعليه معتمده وبه أخذه".
وقوله: "بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته وأعتقد أنّه حجّة فيها بيني وبين ربّي تقدّس ذكره".
وقوله: "وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع".
ووجه الاستفادة من العبارة الأولى أنّ الصدوق إنّما ألّف كتابه للسيّد نعمة ليعمل بمضمونه وليرجع إليه في أمور دينه، فلو لم تكن الأخبار صحيحة لما صحّ الاعتماد والرجوع والأخذ بالأخبار المدوّنة، ولكان التدوين على خلاف الغرض كما هو واضح، ولذا كان لازم ما ذكر كون الأخبار صحيحة.
وفيه أولا: أنّ غاية ما يستفاد ممّا ذكره (رحمه الله) أنّ الأخبار معتمدة بنظره، ولا تدلّ على الصحّة الواقعيّة، إذ الصحّة مستفادة من النظر والاجتهاد (وهي أمر حدسيّ) قابلة للصحّة والفساد كما هو واضح.
ثانيا: أنّ الصدوق صرّح بأنّ الأخبار مأخوذة من الكتب المشهورة التي إليها المرجع ككتاب البرقيّ وغيره، ولكنّ الشهرة تنفي الدسّ والتزوير ولا تنفي ضعف الأخبار، ولذا تضمن كتابه كثيرا من الأخبار التي صرّح الأصحاب بضعفها بل وأعرضوا عنها كأخباره بأنّ شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين يوما.
ووجه الاستفادة من العبارة الثانية أنّ الصدوق أورد في كتابه خصوص الصحيح من الأخبار وما يعتقد فيه أنّه حجّة فيما بينه وبين ربّه، وهذه العبارة صريحة في اعتقاده بصحّة الأخبار.
وفيه أولا: أنّ حجيّة الأخبار بنظره لا تلازم الصحّة عند غيره من الفقهاء، فاطمئنان أي من الفقهاء حجّة على نفسه ولا يحتمل حجيّته على غيره.
ثانيا: أنّ تعارض بعض الأخبار ما بين الصدوق والكلينيّ والذي يقول أيضا بصحّة أخباره دليل على اعتماد الحدس والنظر والاجتهاد في العمل بأيّ من الطائفتين المتعارضتين، لذا نرى التنافي بين ما اختاره الصدوق من جهة والكلينيّ من جهة أخرى وهذا يعني أنّ كلا منهما إنّما اعتمد على قرائن الصدور بحسب ما يرى، خاصّة أنّ الأخبار في أيّامهم كانت متكاثرة متعارضة على ما ذكره الكلينيّ في ديباجة كتابه والشيخ في مقدّمة التهذيب، ومع هذا كيف يطمئن الفقيه بصدور جميع ما في الفقيه.
ووجه الاستفادة من العبارة الثالثة أنّ الصدوق قد صرّح بشهرة الكتب التي اعتمدها وهو مسلك موازٍ لمسلك تصحيح الأخبار بالأسانيد، فكما كانت الأخبار تُعتمد لصحّة سندها كذلك كانت الكتب تُعتمد لشهرتها.
وفيه: أنّ الكتب تُعتمد من جهة شهرتها ككتاب وليست كأخبار، فإنّ الشهرة صح الكتاب في الجملة، أي: صمم الكتاب ولا صحح أخباره وأحاديثه، ولهذا لا يطعن الكتاب مع شهرته وإن كان يمكن الطعن في أفراد أخباره، فالشهرة تحفظ الكتاب من الدس. ولكن مصنّف الكتاب قد يكون قد دوّن فيه من ضعاف الأحاديث.
الدليل الثاني: تلقّي الأصحاب الكتاب بالقبول، ولذا نرى كلّ الأصحاب قديما وحديثا قد اعتمدوا الكتاب بلا تردّد بل لا تخلو مكتبتهم منه وهو كافٍ للاعتقاد بصحّة أخباره.
وفيه: ما ترى إذ تلقّي الأصحاب الكتاب بالقبول إنّما هو تصحيح في الجملة، وليس تصحيحا لأخباره، ولذا تراهم يناقشون أحاديثه سند ومتنا ودلالة، فالتلقّي للكتاب كذلك إنّما يدلّ على أهميّة الكتاب وليس مثله مثل كثير من كتب القدماء كما هو واضح.
الدليل الثالث: ادّعاء الإجماع على صحّة أخباره، وهو ما أفاده السيد بحر العلوم (رحمه الله) في فوائده وقد تقدّم كلامه والذي منه: "وأحاديثه معدودة في الصحاح من غير خلاف ولا توقف من أحد".
وفيه أولا: أنّ الإجماع - لئن تمّ - فهو حدسيّ نظريّ بلا شك، وغايته حجيّته على مدّعيه.
ثانيا: بطلان الإجماع صغرى، فإنّ كثيرا من الفقهاء من لا يعتبر القول المذكور.
ثالثا: حتّى على القول بحجيّة الإجماع فإنّ الإجماع فيما نحن فيه غير حجّة لعدم إثباته حكم شرعيّاً، إلا صحّة أخباره، ولم يدلّ دليل على حجيّة الإجماع في الموضوعات على غير حكم شرعي.
بل لا بدّ من تأويل كلام السيد بحر العلوم، إذ من الواضح جدا لدى علمائنا أنّ أخبار الفقيه كأخبار غيره محلّ أخذ ورد، ولا أقلّ من الخلاف في ذلك، ومع هذا لا يمكن للسيد بحر العلوم ادّعاء عدم الخلاف في صحّة أخبار الفقيه، ولذا من الراجح جدا أنّ مراده صحّة الكتاب في الجملة وليس على نحو الموجبة الكليّة.
هذا ما يمكن قوله في الدليل على حجيّة أخبار كتاب الفقيه.
أمّا ما ذكره آخرون لإثبات عدم صحته.
فمنها: نفي دليل الحجيّة المساوق لعدم الحجيّة.
ومنها: تعارض كثير من أخباره مع أخبار الكافي المدّعي لصحّة أخباره أيضا، ما يسقط أخباره مع المعارضة.
ومنها: إعراض القدماء عن كثير من أخباره واعتقادهم بعدم صدوره كلّه، ولهذا نرى الشيخ في التهذيب يُسقط جملة من أخباره، ونراهم يعاملون كتاب الفقيه كما يعاملون بقية كتب الأخبار من لزوم الرجوع إلى الأسانيد لتصحيحها.
والحق يُقال: بعدما تبيّن لك الدليل على صحّة أخبار الفقيه وردّها وأدلّة النافين يظهر جليّا القول بعدم حجيّة أخبار من لا يحضره الفقيه إلا مع اعتماد السند أو أن تكون الأخبار محفوفة بقرائن الصدور.
نعم، كون الخبر وارداً في كتاب الفقيه يُعتبر قرينة قويّة على الصدور، ولكن لا تصل إلى درجة الاطمئنان أو العلم بالصدور. والله العالم بحقائق الأمور.
بحث ذو صلة:
قال الشيخ البهائيّ (رحمه الله) في شرح الفقيه: "... وقال الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام): كلّ ماء طاهر حتى تعلم أنّه قذر، هذا الحديث من مراسيل المؤلف - .الصدوق - وهي كثيرة في هذا الكتاب، تزيد على ثلث الأحاديث الموردة فيه، وينبغي أن لا يقصر الاعتماد عليها من الاعتماد على مسانيده من حيث تشريكه بين النوعين في كونه ممّا يفتي به ويحكم بصحّته، ويعتقد أنّه حجه بينه وبين ربّه، بل ذهب جماعة من الأصوليّين إلى ترجيح مرسل العدل على مسانيده محتجّين بأنّ قول العدل :"قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) كذا" يشعر بإذعانه بمضمون الخبر، بخلاف ما لو قال: "حدّثني فلان عن فلان أنّه (صلى الله عليه وآله) قال: كذا" (6).
وقال السيد بحر العلوم ... بهذا الاعتبار قيل: إنّ مراسيل الصدوق في الفقيه كمراسيل ابن أبي عمير في الحجيّة والاعتبار، وإثر هذه المزيّة من خواص هذا الكتاب لا توجد في غيره من كتب الأصحاب"(7) انتهى.
في حين ذهب أكثر المتأخّرين إلى أنّ مراسيل الصدوق كمراسيل غيره من الضعف كالسيد الخوئيّ وغيره رحمهم الله برحمته.
وقد تبين لك أنّ في المسألة ثلاثة أقوال:
الأول: الاعتماد على مراسيل الصدوق كمسانيده مطلقا.
الثاني: ترجيح المرسل على المسند من الأخبار.
الثالث: القول بضعف المراسيل كالضعيف صريحاً.
وهناك قول رابع قائل بالتفصيل بين ما أرسله الصدوق على نحو المعلوم بأن قال: "قال الصادق (عليه السلام)" وبين المبنيّ للمجهول كأن قال: "قيل: إنّ الصادق (عليه السلام) قال:" فإنّ لفظ "قال وسأل" يغاير قوله: " قيل: وسُئل" فإنّ الأول يمكن اعتماده بخلاف الثاني، هذا وقد نُقلَ هذا القول عن السيّد الخمينيّ والسّيد الشهيد وهو الحقّ والله العالم.
أمّا القول الأوّل فليس بعزيز فقد اعتمد جملة من الأصحاب على مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده، وكذا قال الشهيد في الذكرى عند إرسال ابن الجنيد رواية: "وإرساله في قوة المسند لأنّه من أعاظم العلماء".
وقال الفاضل المقداد في التنقيح بحق الشيخ: "ومثله لا يرسل إلا عن ثقة" وغيرها من الكليات التي لا تخفى على المتتبّع.
إلّا أنّ ما أفاده الأعاظم أولئك لا يفيد علماً ولا عملاً"، إذ كون الناقل ابن الجنيد أو الشيخ الصدوق أو الشيخ لا يثبت صحّة الخبر، وقد علمنا من دأبهم روايتهم الصريحة الأخبار الضعيفة فكيف يمكن الإلتزام بعدم إرسالهم إلا الصحيح! بل هذه الدعوى لم نسمعها من ابن الجنيد ولا من الشيخ مع كثرة كتبه وعظم شهرته، نعم، هي محتمل طريقة الصدوق وقد علمت الإيراد على الدعوى مع دعوى الكليّة.
نعم، لإخراج كلمات الصدوق عن اللغويّة في التفريق بين تعبيريه "قال وقيل" إنّ ما نقله على نحو المعلوم يكون قاطعاً أو مطمئناً بصدوره بخلاف قوله: قيل: "فإنّ قرائن الصدور وإن تمّت عنده إلا أنّها لا تصل إلى درجة العلم بالصدور، ولحسن ظنّنا بالصدوق وعلمه وتضلّعه بعلم الرواية والحديث يمكن الاطمئنان بصحّة ما أفاده مبنيّاً للمعلوم دون المجهول، خاصّة أنّ الصدوق صرّح بأنّ سند الأخبار المذكورة في كتابه ليس إلّا لإخراج الخبر من الإرسال إلى الإسناد لئلا يثقل حمله، وليست الأسانيد لإخراج الأخبار من الضعف إلى الصحّة.
وممّا تقدّم يُعلم إمكان الاعتماد على المسانيد مع صحّتها من كتاب الفقيه إضافة إلى ما ذكرنا من بعض مراسيله خاصة. والله العالم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القواعد الرجاليّة، ج3، ص299.
(2) الفهرست، ص 442، رقم 710.
(3) رجال النجاشي، ج 2، ص311.
(4) من جملة اللطائف ما نقله الشيخ سليمان بن صالح البحرانيّ إذ قال: أخبرني العالم الربّاني الشيخ علي بن سليمان البحرانيّ قال: أخبرني الشيخ العلامة البهائيّ وقد كان سُئل عن ابن بابویه فعدّله ووثّقه وأثنى عليه وقال: سُئلت قديماً عن زكريا بن آدم والصدوق محمد بن علي بن بابويه أيهّما أفضل وأجلّ مرتبة؟ فقلت: زكريا بن آدم لتوافر الأخبار بمدحه، فرأيت شيخنا الصدوق عاتب علي وقال: من أين ظهر لك فضل زكريا بن آدم علي؟ وأعرض عنّي. انتهى.
(5) مقدّمة من لا يحضره الفقيه.
(6) مستدرك الوسائل، الفائدة الخامسة، ص718.
(7) الفوائد الرجاليّة، ج3، ص299.