الفرح والسعادة المطلوبان في الإسلام
المؤلف:
الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
المصدر:
أصلحُ الناسِ وأفسدُهُم في نهج البلاغة
الجزء والصفحة:
ص 39 ــ 41
2025-12-04
6
يمدح القرآن والروايات الحزن والخوف، كذلك يعتبران السرور والفرح أمراً حسنا، فقد تمت التوصية في كلمات المعصومين بإفراح الآخرين على الخصوص، ولكن بالطبع كما أن الخوف والحزن ليسا أمرين مقبولين بنحو مطلق ومطلوبيّتهما منوطة بأن يكونا مقرونين بتعالي الإنسان وكماله ومساعدته على ذلك، وألا يؤديا إلى الاختلال في حياة الإنسان ونفسيته، كذلك النشاط والفرح إنما يكونان مطلوبان حينما لا يؤديان إلى ذهول الإنسان وغفلته، وحينما لا يمنعان الإنسان من القيام بتكاليفه الاجتماعية والإلهية.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (مَنْ سَرَّ مُؤْمِنًا فَقَدْ سَرَّنِي وَمَنْ سَرْنِي فَقَدْ سَرْ الله) (1).
وفي رواية أخرى، قال الإمام الباقر (عليه السلام): (تَبَسْمُ الرَّجُلِ فِي وَجْهِ أَخِيهِ حَسَنَةٌ، وَصَرْفُ الْقَذَى عَنْهُ حَسَنَةٌ، وَمَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ) (2).
كذلك وردت روايات حول مطلوبيّة النشاط عند العبادة، حيث ورد أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يغسل بدنه في الليالي الباردة من أجل تحصيل النشاط عند قيامه بصلاة الليل (3).
إن الإسلام لا يعارض الفرح والسعادة بأي وجه من الوجوه، ويرى أن الحاجة إلى النشاط والفرح أمرا غريزيا، وبدون النشاط لا يمكن للإنسان أن يقوم بالأمور الدنيوية ولا أن يقوم بالأمور الأخروية، فالإنسان الخامد والكسول ليس لديه الدافع أو المهجة للقيام بالنشاطات الدنيوية من قبيل الكدح والعمل، والدراسة، ومعاشرة العائلة والأصدقاء، كما أنه يفتقد الرغبة في عبادة الله أيضا، أو للقيام بالنشاطات التي تؤمن آخرته.
إن الأمر الذي يُخالفه الإسلام هو الثمالة والملذات والمسرات التي تجعل الإنسان ينسى الآخرة والملذات المعنوية تماما.
إن الفرح المذموم هو الفرح المفرط والمسكر الذي يجعل الإنسان غافلاً عن نفسه وعن مكانته وعن آخرته أيضًا؛ ذلك الفرح الذي يعدم القيمة الوجودية للإنسان، ويجعله يتنزل إلى حدود حيوان ثمل باللذات الحيوانية الفارغة، فالأشخاص الذين يقضون أوقاتهم في مجالس اللهو واللعب بالاحتفالات الصاخبة والمتع، ويعيشون في أوج الفرح والثمالة غارقين في الرقص والتهتك، ففي الغالب لا يلتفتون إلى محيطهم، بل إلى حالاتهم، وأحيانًا يفقدون زمام حركاتهم وتصرفاتهم تماما، فمن المؤكد أن هذا النوع من الفرح مذموم وإلا فإن السعادة المعقولة والنشاط الناجم عن الحصول على النعم الإلهية والاستفادة منها أو السعادة الناشئة من كسب رضى الله، فهي سعادة ممدوحة وبنّاءة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، الجزء 2، ص 188، ح 1.
2ـ المصدر السابق، ح 2.
3ـ محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج 81، الباب 38، ص 23، ج 30.
الاكثر قراءة في معلومات عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة