إدارة الانتخاب عن طريق السلطة القضائية
المؤلف:
سعد مظلوم عبدالله العبدلي
المصدر:
ضمانات حرية ونزاهة الانتخابات
الجزء والصفحة:
ص116-118
2025-11-26
59
يجري العمل في بعض الدول على إسناد مهمة الإشراف على الانتخابات إلى السلطة القضائية في الدولة ، والتي عادة ما يكفل الدستور حياديتها واستقلالها عن باقي السلطات الأخرى في الدولة حيث يتمتع أعضائها بالعديد من الضمانات التي تمكنهم من أداء المهام الموكولة لهم دون شبهة التأثير أو المحاباة أو التحيز لأحد أطراف العملية الانتخابية ، مما يوفر مناخا ملائما لإجراء العملية الانتخابية وفي أجواء تسودها الثقة المتبادلة بين جميع الأطراف مما ينعكس على الثقة بنزاهة العملية الانتخابية(1) .
ونقصد هنا بلا شك هيمنة القضاء على تفاصيل العملية الانتخابية ، بما يضمن إشرافاً جدياً على هذه العمليات ، حيث لا يعد من قبيل الإشراف القضائي ، إشراك بعض القضاة في رئاسة اللجان العامة والرئيسة لعمليات التصويت ، فهذا إشراف صوري لا تحقق من ورائه الأهداف المرجوة من تدخل القضاء في العملية الانتخابية(2) .
ففي مصر ، مر الإشراف القضائي على الانتخابات بمراحل ثلاث هامة يمكن إجمالها بما يلي :
المرحلة الأولى :
وكان فيها الإشراف القضائي على العملية الانتخابية منقوصا وغير كاملا ، بل يمكن وصفه بأنه رمزيا ، حيث كان هذا الإشراف قاصرا على اللجان العامة دون ان يمتد إلى اللجان الفرعية ، في حين تشير المادة (88) من الدستور " ... على أن يتم الاقتراع تحت إشراف أعضاء من هيئة قضائية " ، ورغم صراحة هذا النص الدستوري إلا أنه لم يطبق تطبيقاً صحيحا وفُسر الإشراف في هذا النص بأنه يعني إشراك عدد قليل من أفراد السلطة القضائية يختارهم وزير العدل ـ وهو احد أجنحة السلطة التنفيذية ـ لرئاسة اللجان العامة والرئيسة(3) .
المرحلة الثانية :
وأصبح فيها الإشراف القضائي على العملية الانتخابية أكثر فاعلية ، حيث عمد المشرع إلى توسيع نطاق الإشراف القضائي بإنشائه بموجب القانون رقم (13) لسنة 2000 ، لجانا للإشراف القضائي في مقر كل لجنة من اللجان العامة تتكون من رئيس وعدد كاف من أعضاء الهيئات القضائية تتناسب مع عدد اللجان الفرعية ومراكز التصويت التي تتبع اللجنة العامة(4) .
المرحلة الثالثة :
قبل ان يرى القانون رقم (13) لسنة 2000 شمس التطبيق ، أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها التاريخي بعدم دستورية الفقرة ( الثانية ) من المادة (24) من قانون مباشرة الحقوق السياسية قبل تعديلها بالقانون رقم (13) ، من حيث ما تضمنته من إناطة مهمة الإشراف على العملية الانتخابية لأعضاء لا ينتمون للهيئات القضائية(5) ، واستجابة للحكم المذكور صدر القانون رقم (167) لسنة 2000 ، والذي أصبح الإشراف القضائي على الانتخابات بموجبه إشرافا كاملا غير منقوص ، حيث أصبحت اللجان العامة والفرعية وكل صندوق انتخابي على حد سواء تخضع لإشراف قضائي مباشر(6) .
هذا قبل التعديل الذي جرى على الدستور المصري ، وبالذات على المادة (88) من الدستور ، والذي وافق عليه مجلس الشعب المصري يوم الاثنين 19/3/2007(7) ، ثم جرى عليه الاستفتاء في يوم الاثنين 26/3/ 2007 حيث أقر تعديل هذه المادة ، وأصبح النص الجديد لها ، هو " تتولى لجنة عليا تتمتع بالاستقلال والحيدة الإشراف على الانتخابات على النحو الذي يبينه القانون , على أن يكون من بين أعضائها أعضاء من هيئات قضائية حاليون وسابقون " ، وقد صوت بـ ( نعم ) للتعديل ما نسبتهم 75,9% من المقترعين في الاستفتاء ، وبلغت نسبة المشاركة 27,1% من المسجلين ،ـ حسب الإحصاءات الرسمية ـ ، في حين قالت منظمات المجتمع المدني ان نسبة التصويت لم تتجاوز الـ 5% (8 ) .
______________
1- ينظر : د. حسن البدراوي ، الأحزاب السياسية والحريات العامة ، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية ، 2000 ، ص 847 ؛ زكريا زكريا محمد المرسي المصري ، مدى الرقابة القضائية على إجراءات الانتخاب للسلطات الإدارية والسياسية ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ، 1998 ، ص 263 ؛ د. محمد فرغلي محمد علي ، نظم وإجراءات انتخاب أعضاء المجالس المحلية في ضوء القضاء والفقه ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1998 ، ص 744 .
2- ينظر : د. حسن البدراوي ، الأحزاب السياسية والحريات العامة ، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية ، 2000 ، ص 840 .
3- وقد علل المشرع موقفه من عدم مد الإشراف القضائي إلى اللجان الفرعية بأمرين : 1: عدم وجود أعداد كافية من القضاة لكي يتولوا الإشراف على اللجان الانتخابية التي يبلغ عددها نحو (23) ألف لجنة انتخابية . 2: انشغال القضاة عن عملهم الرئيسي وتعطيل المحاكم عن الفصل في المنازعات بين الأفراد خلال فترة الإعداد والإشراف على العمليات الانتخابية ؛ ينظر : د. سامي جمال الدين ، دور القضاء في تكوين مجلس الشعب والرقابة على صحة عضويته ، بحث منشور في مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية ، كلية الحقوق ـ جامعة الإسكندرية , العدد الثالث والرابع ، 1990 ، ص 74 .
4- د. عمرو هاشم ربيع ، تقييم نظم انتخابات مجلس الشعب ( 1984 - 2005 ) ، الموقع الالكتروني : مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ، الرابط الالكتروني : www.ahram.org.eg . .
5- فقد نص حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بتاريخ 8 يوليو 2000 على " ... ان المشرع وان كان قد عقد رئاسة اللجان العامة لأعضاء الهيئات القضائية إلا انه سمح برئاسة اللجان الفرعية ـ وهي التي يجري فيها الاقتراع وفقا للفقرة الخامسة من ذات المادة ـ لغيرهم ، ومن ثم يتحول الإشراف القضائي على الاقتراع والذي تطلبه الدستور إلى مجرد إشراف صوري غير حقيقي ، الأمر الذي يفرغ حق الانتخاب من مضمونه ويؤثر بالتالي على حق الترشيح ، مما مؤداه حرمان المواطنين من ضمانة أساسية في اختيار ممثليهم ، ... ، مهددا بذلك ضمانة رئيسية تتعلق بحقي الترشيح والانتخاب وبالتالي يكون مخالف لأحكام المواد ( 3 و 62 و 64 و 88 ) من الدستور " ؛ ينظر : د. فاروق عبد البر ، دور المحكمة الدستورية المصرية في حماية الحقوق والحريات ، النسر الذهبي للطباعة ، القاهرة ، 2004، ص 665 .
6- ينظر : المستشار يحيى الرفاعي ، استقلال القضاء ومحنة الانتخابات ، المكتب المصري الحديث ، القاهرة ، 2000 ، ص 15 ؛ د. عمرو هاشم ربيع ، الأنظمة الانتخابية والانتخابات البرلمانية في مصر ، بحث منشور ضمن كتاب " الديمقراطية في العالم العربي " ، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات (IDEA) ، لبنان ، 2004 ، ص 52 .
7- شارك في التصويت (419) عضو من أعضاء مجلس الشعب المصري البالغ عددهم (454) ، وقد أيد التعديل (315) نائبا بينما عارضه (104) نواب .
8- شبكة CNN الإخبارية ، نتائج الانتخابات المصرية ، الرابط الالكتروني : www.arabic.cnn.com .
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة