إدارة الانتخابات بواسطة حكومة محايدة
المؤلف:
سعد مظلوم عبدالله العبدلي
المصدر:
ضمانات حرية ونزاهة الانتخابات
الجزء والصفحة:
ص 108-110
2025-11-25
38
يرى أصحاب هذا الاتجاه ضرورة إسناد مهمة الإشراف على العملية الانتخابية إلى حكومة محايدة لا تنتمي للحزب الحاكم تتركز وظيفتها في إدارة وتنظيم عمليات المشاركة الانتخابية وتنتهي بانتهائها (1) .
ومن أهم مواصفات هذه الحكومة انها مشكلة إما بالتساوي بين جميع الأحزاب السياسية ، أو من أشخاص تتفق كل الأحزاب على اختيارهم ، كما أن هذه الحكومة لابد أن تكون ذات طبيعة إدارية وغير سياسية(2) ، تتولى فقط إدارة شئون البلاد أثناء فترة الانتخابات ، وتكون مهمتها بحكم طبيعتها المحايدة هي تحييد كافة أجهزة الحكومة والحكم المحلي ومنعهم من تسخير إمكانياتهم في خدمة الحزب الحاكم بالشكل الذي يخل بتكافؤ الفرص بين الأطراف السياسية المشاركة بالعملية الانتخابية ، وفي ذات الوقت تقوم هذه الوزارة بإتاحة الفرصة كاملة لكافة الأحزاب لتعبر عن نفسها وعن برامجها في أجهزة الإعلام الحكومية وبشكل متساو ودون أي تمييز أو محاباة (3) .
ان إسناد الإشراف على الانتخابات إلى حكومة محايدة يحقق في نظر أصحاب هذا الاتجاه العديد من المزايا ، أهمها :
1 : تحقيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين مختلف المرشحين أيا كانت اتجاهاتهم السياسية أو الحزبية ، وبدون الالتفات إلى قربهم أو بعدهم عن السلطة الحاكمة .
2 : الحد من فرص وإمكانيات تزييف عمليات المشاركة الانتخابية وبما يضمن نزاهة نتائجها .
3 : تشجيع كافة الأحزاب ـ لاسيما الصغيرة منها ـ على المشاركة بجدية في خوض غمار المنافسة الانتخابية ، بدلا من اللجوء إلى مقاطعتها .
4 : تشجيع المواطنين الذين يعزفون عن المشاركة للمساهمة بدور ايجابي في العملية الانتخابية .
5 : التوصل إلى انتخاب مجلس نيابي يعبر بصدق عن إرادة الناخبين ، ويحوز على ثقة الجميع مما يؤدي إلى قيام سلطات يثق بها المواطن(4) .
ويلاحظ ان مطلب إشراف حكومة محايدة على الانتخابات أصبح مطلب دائم لقوى المعارضة في العديد من دول العالم الثالث ، والتي تشهد صنوفا كثيرة من تزييف نتائج الاستفتاءات والانتخاب لصالح الحكومات القائمة ، بل إن النتائج تتجاوز في غالب الأمر حد المعقول ، بحصول مرشحي الحزب الحاكم على 99٪ من مجموع أصوات الناخبين ، وربما أكثر(5).
ففي مصر ، نرى ان أسلوب اللجوء إلى حكومة محايدة لإجراء الانتخابات هو أسلوب قديم قدم التعددية الحزبية فيها ، ووفقاً له تمت ثلاثة من الانتخابات التي أجريت في مصر قبل الثورة ، وهي التي جرت في ظل حكومة ( عدلي يكن ) في أكتوبر 1927 ، وحكومة ( على ماهر ) في يناير عام 1936 ، وحكومة ( حسين سري ) في يوليو عام 1949 ، الأمر الذي يجعل مطالبة أحزاب المعارضة في مصر بضرورة إخضاع عمليات المنافسة الانتخابية لإشراف جهات محايدة ، ليس بالأمر الجديد ، وإنما هو بمثابة عودة إلى ما كان عليه الحال في ظل تطبيق نظام التعددية الحزبية في مصر قبل الثورة(6) ، وكثيراً ما لجأت أحزاب المعارضة في مصر إلى مقاطعة الانتخابات ، عند عدم استجابة الحكومة إلى مطالبها في إسناد الإشراف على الانتخابات إلى جهة محايدة(7) .
لكن الملاحظ ان الأحزاب لا تطالب بضمانات جدية من الإدارة الانتخابية إلا عندما تكون هذه الأحزاب خارج سدة الحكم ، أما إذا كانت هي الحزب الحاكم فأنها ترفض الاحتكام إلى حكومة محايدة لإجراء الانتخابات(8) .
_____________
1- د. جابر جاد نصار ، الاستفتاء الشعبي والديمقراطية ، ص 455 .
2- أجريت الانتخابات النيابية في باكستان عالم 1993 ، وفازت فيها ( بناظير بوتو ) ، وكانت الانتخابات نزيهة لأن حكومة انتقالية محايدة هي التي أجرتها ، وتمت في هدوء غير مسبوق أو متوقع على عكس الانتخابات العنيفة العديدة السابقة التي تعودت عليها باكستان ، وشهد على نزاهة الانتخابات مئات من المراقبين الدوليين ، وتم تحييد القوات المسلحة التي دفعت بـ (150) ألف جندي في (34) ألف مكتب اقتراع ، والدليل الأوضح هو سقوط عدد من الوزراء والشخـصيات الهامـة ؛ ينظر :
Nathan J. Brown , The Present and Future of Judiciaries and Parliaments , United Nations Development Programme , P.15 .
3- د. فاروق عبد البر ، دور مجلس الدولة المصري في حماية الحقوق والحريات العامة ، ج 3 ، المجلد الأول ، النسر الذهبي للطباعة ، القاهرة ، 1988 ، ص 60 .
4- فرانشيسكا بيندا وأندرو أليس ، الخيارات الرئيسية في عملية التحول الديمقراطي ، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات ، لبنان ، 2005 ، ص 25 .
5- د. جابر جاد نصار ، مصدر سابق ، ص 456 .
6- د. فاروق عبد البر ، دور مجلس الدولة المصري في حماية الحقوق والحريات العامة ، مصدر سابق ، ص 59 .
7- د. عمر حلمي فهمي ، الانتخاب وتأثيره في الحياة السياسية والحزبية ، ط 2 ، كلية الحقوق ، جامعة عين شمس ، 1991 ، ص 255 .
8- فحزب الوفد ، الذي كان دائما ينادي بهذا المطلب عندما كان في المعارضة ، رفض مطالب الأحزاب بإجراء الانتخابات في ظل وزارة محايدة ، عندما كان في الحكم عام 1951 ، وعلى أثر ذلك قاطعت هذه الأحزاب الانتخابات ، ينظر : د. جابر جاد نصار ، مصدر سابق ، ص 457 .
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة