إدارة الانتخاب عن طريق السلطة التنفيذية
المؤلف:
سعد مظلوم عبدالله العبدلي
المصدر:
ضمانات حرية ونزاهة الانتخابات
الجزء والصفحة:
ص 114-116
2025-11-26
59
يجري العمل في العديد من دول العالم على إسناد مهمة الإشراف على العملية الانتخابية إلى السلطة التنفيذية ، وغالبا ما يكون ذلك معهودا إلى وزارة الداخلية ، وسواء تم ذلك من خلال إسناد تلك المهمة برمتها إلى موظفين مختصين ـ كما هو الحال في انكلترا(1) ، أو إلى لجان إدارية تشكل بمعرفة السلطة التنفيذية ـ كما هو الحال في فرنسا(2) ، ولا يغير من طبيعة إشراف السلطة التنفيذية على أعمال الانتخاب ما قد تلجأ إليه الحكومة من انتداب بعض القضاة لكي يساعدوها في ذلك(3) .
وإشراف الحكومة القائمة على أمور الانتخاب ، أمر معمول به في البلاد التي بلغت درجة متقدمة في الوعي والتطبيق الديمقراطي ، وتأتي نتائج هذه الانتخابات في غاية الدقة ، وغالبا ما تتم إجراءاتها بحيادية تكاد تكون مطلقة ، والسبب في ذلك يكمن فيما بلغته هذه الدول من حرية وممارسة ديمقراطية وقوة غير منكرة في الرأي العام يمنع هذه الحكومة من أي تلاعب في العملية الانتخابية ، على أن الأمر جد مختلف في بلاد العالم الثالث ، فهذه الدول في غالبها غير ذات تقاليد راسخة في الديمقراطية ، وبات العصف بإرادة الأمة وتزويرها أمرا معتاداً ، ولذا وجب أن تشرف على العملية الاستفتائية والانتخابية جهة تتسم بالحياد ، فإشراف الحكومة القائمة في هذه الدول على هذه العمليات يؤدي إلى أن تصبح الممارسة الديمقراطية في واقع الأمر شكلاً بلا مضمون .
ففي فرنسا ، يتم تشكيل لجان الانتخاب بقرار إداري يصدر من المحافظ ، ويشترك مفوض الحكومة مع العمدة في عملية توزيع اللجان الانتخابية والذي يتم لمرة واحدة ويكون صالحا لكل الانتخابات أو الاستفتاءات خلال تلك السنة ، مع مراعاة ان تتم التعديلات التي تطرأ على تلك اللجان قبل نهاية أغسطس من كل عام (4) .
أما في العراق ، فإنه ومنذ بدء الحياة النيابية في العراق وعلى طول الممارسات الانتخابية التي جرت في الدولة العراقية منذ تأسيسها ، وحتى سقوط النظام السابق عام 2003 ، تولت الحكومة القائمة مهمة الإشراف على العمليات الانتخابية .
حيث أناط قانون انتخاب النواب لسنة 1924 هذه المهمة إلى الشعب الانتخابية وهيئات التفتيش والتي تتكون بشكل أساسي من رجال الدولة ويترأسها رؤساء الوحدات الإدارية(5) ، أما في العهد الجمهوري ، فقد ذهب القانون رقم (55) لسنة 1980 ( قانون المجلس الوطني ) إلى تشكيل هيئة تسمى بـ ( الهيئة العليا للانتخابات ) للإشراف على العملية الانتخابية ، تشكل بقرار من مجلس قيادة الثورة ، وتتكون بموجب قانون التعديل رقم (21) لسنة 1989 من أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة رئيسا وعضوية كل من وزير الحكم المحلي ووزير العدل وممثل عن حزب البعث العربي الاشتراكي وكل حزب من الأحزاب المشاركة في الانتخابات ، أما القانون رقم (26) لسنة 1995 فقد نص على ان تشكل بقرار من مجلس قيادة الثورة هيئة تتولى الإشراف على الانتخابات تسمى ( الهيئة المشرفة على الانتخابات في العراق )(6) ، ودون ان يتطرق القانون لطبيعة تشكيلها وتُرك الأمر لتقدير مجلس قيادة الثورة الذي يتولى تشكيل الهيئة وفق الظروف السائدة في البلد ، إلا ان القانون سمى أعضاء اللجان التي تشرف على الانتخابات في المناطق الانتخابية(7) ، حيث تتشكل برئاسة قاضي لا يقل صنفه عن الصنف الثاني يختاره وزير العدل وعضوية ممثلين اثنين عن حزب البعث العربي الاشتراكي وممثل عن كل حزب مرشح في الانتخابات في المنطقة الانتخابية وممثل عن وزير الداخلية .
ويلاحظ على نصوص القانون السابقة ـ والخاصة بانتخابات المجلس الوطني ـ ما يلي :
1 : ان القانون لم يعهد بمهمة الإشراف إلى الحكومة القائمة فحسب ، بل ان الملاحظة الدقيقة للنصوص أعلاه تظهر ان المهمة أنيطت أصلا إلى الحزب الحاكم ـ حزب البعث العربي الاشتراكي ـ والذي هو في الوقت نفسه المنافس الرئيس ـ بل قد يكون الوحيد ـ في تلك الانتخابات .
2 : أنيطت مهمة رئاسة الهيئة العليا للانتخابات في البلد إلى احد أعضاء مجلس قيادة الثورة وهذه مخالفة صريحة وفاضحة لكل المعايير التي جرى عليها العمل في الدول الديمقراطية التي تتبع أسلوب الإشراف على الانتخابات من قبل الحكومة القائمة ، وذلك من حيث :
أ : ان عضو مجلس قيادة الثورة هو تحصيل حاصل عضوا في القيادة القطرية ـ أو القومية ـ لحزب البعث الحاكم ، وليس من المقبول إطلاقا ان يكون احد أعضاء قيادة حزب ما ، هو الذي يرأس اللجنة العليا للانتخابات في ذلك البلد .
ب : ان مجلس قيادة الثورة هو السلطة التشريعية في البلد ، وعند استعراضنا لتجارب دول العام ، فان مهمة الإشراف على الانتخابات لا يمكن بأي حال من الأحوال ان تناط إلى السلطة التشريعية لتعارض ذلك مع طبيعة هذه السلطة .
ج : امتنع القانون الأخير ـ قانون 1995 ـ عن تحديد أعضاء الهيئة العليا ، وهذا مسلك منتقد لوجوب تحديد تشكيلة هذه الهيئة بنص القانون ، لا ان يترك الأمر إلى مستوى تشريعي أدنى ، ونعتقد ان السبب في ذلك هو الإحراج الذي وضع مجلس قيادة الثورة نفسه فيه ، عندما استوجب مشاركة ممثلين عن الأحزاب الأخرى المنافسة في الانتخابات ، في الوقت الذي كانت الحياة الحزبية فيه مشلولة تماما .
د : يلاحظ على تشكيل اللجان في الدوائر الانتخابية حتمية وجود ممثلين اثنين عن حزب البعث وفي كل المناطق الانتخابية سواء وجد فيها مرشحون للحزب المذكور أم لم يوجدوا ـ بافتراض ذلك ـ بينما نص القانون على وجود ممثل واحد لبقية الأحزاب أو الكيانات المرشحة ، وهذا مسلك يخالف كل معايير النزاهة والحيادية في العملية الانتخابية .
أما بعد سقوط النظام فقد انتهج العراق اتجاها يقضي بإسناد مهمة الإشراف على الانتخابات إلى هيئة مستقلة .... .
________________
1- ففي بريطانيا ، تنيط المادة (23) من قانون التمثيل البرلماني في ( المملكة المتحدة ) مهمة إدارة الانتخابات لموظفين مختصين يطلق عليهم مأمورو الانتخابات تساعدهم أجهزة مختصة في وزارة الداخلية ، وفي ( اسكتلندا ) يتم تعين مأموري الانتخابات من قبل مجلس كل منطقة أو منطقة جزر ، بمقتضى المادة (4) من قانون تمثيل المواطنين الصادر عام 1983 ؛ ينظر : زكريا زكريا محمد المرسي المصري ، مدى الرقابة القضائية على إجراءات الانتخاب للسلطات الإدارية والسياسية ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ، 1998 ، ص 252 .
2- علي محمد صالح الدباس ، نظم الانتخاب ـ دراسة مقارنة ـ ، رسالة ماجستير في الحقوق مقدمة إلى كلية الدراسات العليا في الجامعة الأردنية ، 1997 ، ص 120 .
3- د. عفيفي كامل عفيفي ، الانتخابات النيابية وضماناتها الدستورية والقانونية ، دار الجامعين ، 2002 ، ص 1008 .
4- زكريا محمد المرسي المصري ، مصدر سابق ، ص 250 .
5- ينظر المواد ( 9 ، 11 ، 13 ، 14 ، 17 ، 19 ) من القانون المذكور .
6- نص الفقرة ( أولا ) من المادة (28) من القانون (26) لسنة 1995 .
7- نص المادة (29) من القانون (26) لسنة 1995 .
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة