الرقابة القضائية في تقسيم الدوائر الانتخابية
المؤلف:
سعد مظلوم عبدالله العبدلي
المصدر:
ضمانات حرية ونزاهة الانتخابات
الجزء والصفحة:
ص 102-105
2025-11-25
42
تعتبر الرقابة القضائية من أهم الضمانات الجوهرية التي من شأنها تحقيق المساواة والعدالة في تقسيم الدوائر الانتخابية والمحافظة على التكافؤ في الوزن النسبي لأصوات جميع أعضاء هيئة المشاركة الانتخابية في الدولة ، وذلك من خلال قيام الأجهزة القضائية بمراقبة أعمال السلطات العامة ، لاسيما فيما يتعلق بحق المواطنين بالمشاركة في الشؤون العامة(1) .
ففي فرنسا يختص المجلس الدستوري بالرقابة القضائية على مدى مشروعية القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والخاصة بعملية تقسيم الدوائر الانتخابية، وقد تبنى المجلس في هذا المجال قاعدتين هامتين أوجب على المشرع مراعاتهما وهو بصدد تنظيمه لعملية تقسيم الدوائر وهما :
1 : قاعدة الأسس الإحصائية :
حيث اوجب المجلس الدستوري الفرنسي على المشرع ان يراعي عند تقسيمه للدوائر ، الأسـس الإحصائية الجوهرية ، والتي من مؤداها ضرورة ان يتناسب عدد الدوائر الانتخابية مع عدد السكان(2) .
2 : قاعدة المراجعة الدورية :
وهذا ما قرره المجلس الدستوري في حكمه الصادر في أول يوليو عام 1986 ، حيث أرسى المبدأ التالي " ان مراعاة قاعدة المساواة في الاقتراع تفترض منطقيا ان يكون تحديد الدوائر الانتخابية محلا لمراجعة دورية تبعا للتطور الإحصائي " ، وهذا ما يتفق مع نص المادة (125) من قانون الانتخاب التي توجب إجراء مراجعة دورية لعدد الدوائر ومدى تناسبها مع عدد السكان وذلك بعد ثاني تعداد عام تقوم به الجهات المختصة ووفقا للتطورات الإحصائية لعدد السكان(3) .
أما في مصر ، وفيما يتعلق بالرقابة القضائية لتحديد الدوائر الانتخابية ، نشير بهذا الصدد ، إلى الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا سنة 1987 في القضية الشهيرة التي قدمها الأستاذ ( كمال خالد ) ، فبتاريخ 23/12/1984 تقدم الطاعن بصحيفة طعنه لقلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ، مبيناً فيها أسباب طعنه ، والتي من أهمها مخالفة القانون المطعون فيه لأحكام الدستور التي تقضي بضرورة المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين ، هذه المخالفة التي تظهر بوضوح في التفاوت الصارخ في تحديد الدوائر الانتخابية ومكوناتها وعدد أعضائها وإهدار التوازن في الثقل النسبي لأصوات جميع المواطنين ، وبرهن الطاعن على ذلك ببعض الأدلة ، منها أن الصوت الواحد في محافظة ( البحر الأحمر ) يعادل (7) أصوات في الدائرة الثانية بمحافظة ( الغربية ) ، ويعادل الصوت الواحد في ( جنوب وشمال سيناء ) ، (6) أصوات في الدائرة الثانية بمحافظة ( الغربية ) ، فإذا كان الدستور قد حرص على النص على ضرورة تحديد الدوائر الانتخابية بمقتضى قانون ، للحؤول دون إمكانية تلاعب جهة الإدارة في هذا الشأن ، ومراعاة الأسس الموضوعية ، فلا غرو في أن القانون الذي ينحرف في تقسيمه للدوائر الانتخابية عن هذه الأسس الموضوعية ، ويهدر كلية مبدأ المساواة القانونية في الوزن النسبي لأصوات المواطنين ، يكون بالضرورة مخالفاً للدستور .
وبجلسة 16 مايو 1987 انتهت المحكمة الدستورية العليا إلى الحكم في هذه القضية " ... بعدم دستورية المواد (5) مكرر (أ) ، و(6) فقرة (1) ، و(17) فقرة (1) من القانون رقم (38) لسنة 1972 ، في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم (114) لسنة 1983 ... "(4) ، وقام المشرع المصري بعد ذلك بتعديل قانون مجلس الشعب ، والذي جمع فيه بين نظامي الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة في وقت واحد ، واحتفظ بالتقسيم السابق للدوائر الانتخابية ، الذي تم إقراره بموجب القانون رقم (114) لسنة 1983 .
وفي هذا السياق أيضا يجدر بنا أن نشير أيضاً إلى حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بالجلسة العلنية المنعقدة في يوم السبت 3 فبراير 1996 ، في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم (2) لسنة (16) قضائية ( دستورية ) ، والذي أكدت فيه أيضاً على ما سبق أن انتهت إليه في الحكم السابق ، بقولها "... إن نظاماً ديمقراطياً للحكم ، يفترض أن يكون حق الاقتراع منضبطاً وفق قواعد محددة ، يكون إعمالها منصفاً وفعالاً ، فلا يباشره المواطنون مثقلاً بقيود تؤثر في وزن أصواتهم ، لتضعفها أو تفرقها ، كتلك التي تمايز بين المواطنين تبعاً لأصلهم ، أو مكان توطنهم ، بل يتعين دوماً أن يكون هذا الحق متكافئاً ، وهو ما يظهر على الأخص في الدوائر الانتخابية التي تتماثل فيما بينها في عدد سكانها ، إذ ينبغي ، كلما كان ذلك ممكناً عملاً ، أن يكون ممثلوها متكافئين عدداً ، وهو نفس المبدأ المقرر في هذا الشأن في المحاكم الأمريكية " ، وانتهت المحكمة الدستورية العليا المصرية في هذه القضية إلى الحكم " بعدم دستورية المواد ( 10 ، 39 ، 47 ، 59 ، 66 ، 75 ، 3 مكرر ) من القرار بقانون رقم (43) لسنة 1979، وذلك فيما قررته من انتخاب عضو واحد بطريق الانتخاب الفردي وانتخاب باقي أعضائه عن طريق القوائم الحزبية "(5) .
أما في العراق ، فلم تتطرق الدساتير ولا قوانين الانتخابات في العهد الملكي أو الجمهوري حتى تغيير النظام عام 2003 ، إلى الرقابة القضائية على تقسيم الدوائر الانتخابية ، فعدا إشارات بسيطة لدور القضاء في الرقابة على عملية إعداد سجل الناخبين في قانون الانتخاب لسنة 1924(6) ، لم تتطرق باقي التشريعات لهذا الأمر .
أما بعد سقوط النظام السابق ، فقد تبنى الأمر رقم (92) الصادر عن سلطة الائتلاف ( قانون إنشاء المفوضية العليا للانتخابات ) ولأول مرة إنشاء هيئة قضائية استئنافيه للنظر في الشكاوى والطعون المتعلقة بالعملية الانتخابية ، بما فيها الطعون المتعلقة بتقسيم الدوائر الانتخابية(7) ، بعد ان تكون الجهة المشتكية قد تقدمت بشكواها إلى مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ، يكون قرار مجلس المفوضين خاضع للطعن أمام الهيئة الانتخابية الانتقالية القضائية أعلاه ، ونفس الآلية كررها القانون الجديد للمفوضية ( القانون رقم 11 لسنة 2007 )(8) ، لكن وباستعراض سريع للشكاوى التي تم استئنافها أمام هذه الهيئة بمناسبة انتخابات مجلس النواب العراقي التي جرت بتاريخ 15 كانون الأول 2005 ، نرى انه لا يوجد من ضمن الاثنا عشر طعنا التي تقدمت بها الكيانات السياسية لهذه الهيئة أي طعن يتعلق بتقسيم الدوائر الانتخابية ، ومرد ذلك في اعتقادنا هو بسبب اعتبار البلد اجمعه دائرة انتخابية واحدة في الانتخابات الأولى ، مما يستحيل معه وجود أي طعن لتقسيم الدوائر ، لأنه لا توجد دوائر أصلا ، عدا الدائرة الوطنية الواحدة ، أما في الانتخابات الثانية ، فنرى انه وبسبب اختيار المعيار المزدوج ، أي المعيار الذي يعتمد على ان لكل (62.518) ناخب نائب واحد ، والمعيار الثاني المعتمد على اعتبار المحافظات بحدودها الإدارية مناطق انتخابية ، هذا المعيار المزدوج أدى إلى توفير القناعة إلى حد كبير بعدالة تقسيم الدوائر الانتخابية ، عدا المشكلة التي أثيرت بخصوص اعتماد عدد الناخبين وليس عدد السكان كأساس للتقسيم واحتساب حصة الدائرة الانتخابية من المقاعد النيابية ، وقد أوضحنا سابقا ، ان ذلك الحل هو الوحيد الذي كان متاحا في حينه ..... .
___________
1- د. داود الباز ، حق المشاركة في الحياة السياسية ـ دراسة تحليلية للمادة (62) من الدستور المصري مقارنة مع النظام في فرنسا ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2002 ، ص 497 .
2- مع التأكيد على ان المساواة في هذا الإطار هي مساواة قانونية وليست مساواة حسابية ، حسبما قرر المجلس الدستوري في قراره الصادر في أول يوليو 1986 من ان اختيار النواب يجب ان يجري بناء على أسس إحصائية جوهرية ؛ ينظر : داود الباز ، حق المشاركة في الحياة السياسية ـ دراسة تحليلية للمادة (62) من الدستور المصري مقارنة مع النظام في فرنسا ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2002 ، ص 525 .
3- وقد قضى المجلس الدستوري بتاريخ 8/8/1985 بعدم دستورية نص المادة (4) من القانون الخاص بتحديد الدوائر الانتخابية في إقليم ( نوفيل كاليدوني ) ، حيث ظهر من خلال هذا الحكم تفاوت الوزن النسبي لصوت المواطن بتفاوت عدد المواطنين الذين يختارون نائبا واحدا في كل دائرة ، وان هذا التفاوت ينطوي على إخلال بمبدأ المساواة في التمتع بحق الانتخابات وهو حق دستوري ، فالنائب في منطقة ( نوميا ) يمثل حوالي (4.727) مواطن ، وفي المناطق الأخرى يمثل النائب ما يقارب من (2.400) مواطنا ، مما يؤدي ذلك لمخالفة نص الفقرة الثالثة من المادة (3) من الدستور الفرنسي ، وكذلك مخالفته نص المادة (2) من الدستور الفرنسي ؛ ينظر : د. عفيفي كامل عفيفي ، الانتخابات النيابية وضماناتها الدستورية والقانونية ، دار الجامعين ، 2002 ، ص 784 .
4- القضية رقم (131) لسنة (6) قضائية ( دستورية ) ، مجموعة أحكام ( المحكمة الدستورية العليا ) ، الجزء الرابع ، قاعدة رقم 5 ، ص 31 ؛ ينظر : د. فاروق عبد البر ، دور المحكمة الدستورية المصرية في حماية الحقوق والحريات ، النسر الذهبي للطباعة ، القاهرة ، 2004 ، ص 679 .
5- ينظر : د. سليمان الغويل ، الانتخاب والديمقراطية ، ط1 ، أكاديمية الدراسات العليا ، طرابلس ، 2003 ، ص 192 ؛ خليل الهندي و أنطوان الناشف ، المجلس الدستوري في لبنان ، المؤسسة الحديثة للكتاب ، لبنان ، 1998 ، ص 152 .
6- المادة (16) من قانون الانتخاب لسنة 1924 ، والتي نصت على " لكل حق الاعتراض في السبعة أيام الآنفة الذكر على اسم لا يجب تسجيله وقد سجل أو يجب تسجيله ولم يسجل ، والاعتراض يكتب على ورقة عادية ( بدون طابع ) يخاطب بها هيئات التفتيش تدققه في ثلاثة أيام على الأكثر وتفهم المعترض قراراها المتخذ بأكثرية الآراء المتضمن الأسباب الموجبة ، فان قبل طلبه تصحح السجلات بموجبه وان رد ولم يقنع المعترض تعتبر محكمة القضاء محكمة استئناف لمثل هذه الدعاوى الناشئة من الانتخاب وللمعترض ان يستأنف دعواه باستدعاء يقدمه خلال ثلاثة أيام من تاريخ تبليغه صورة القرار فان ظهر الحق له تصحح السجلات ... " .
7- حيث نصت المادة (3) من القسم السابع من الأمر أعلاه على ما يلي " لا يجوز استئناف قرارات المجلس إلا أمام الهيئة الانتخابية الانتقالية ( الهيئة ) التي تضم ثلاثة قضاة يعينهم المجلس الأعلى للقضاء ، وقضاة الهيئة ليسوا أعضاء في المفوضية لأغراض المادة (51) من قانون الإدارة الانتقالية ، ولا يشترط ان يقتصر عملهم على العمل في الهيئة ، إلا ان أي عمل يتعلق بالهيئة يجب ان تكون له الأولوية على جميع المسائل الأخرى " .
8- ينظر نص الفقرة ( ثالثا ) من المادة (8) من القانون " تقوم محكمة التمييز بتشكيل هيئة تسمى الهيئة القضائية للانتخابات تتألف من ثلاثة قضاة غير متفرغين للنظر في الطعون المحالة إليها من مجلس المفوضين أو المقدمة من قبل المتضررين من قرارات المجلس مباشرة إلى الهيئة القضائية " .
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة