النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
علاقة الإمام العسكري "ع" بنيسابور
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
الإمام الحسن العسكري "ع" والد الإمام المهدي "عج"
الجزء والصفحة:
ص217-252
2025-08-19
24
نيسابور عاصمة خراسان
فُتحت نيسابور في خلافة عثمان صلحاً بدون قتال ، على يد القائد الأحنف بن قيس رئيس بني تميم ، وعبد الله بن عامر بن كريز الأموي ، وسرعان ما فاقت مدينة طوس وأصفهان وصارت عاصمة خراسان : قال السمعاني في الأنساب ( 5 / 550 ) : ( النيسابوري . . هذه النسبة إلى نيسابور وهي أحسن مدينة وأجمعها للخيرات بخراسان ، والمنتسب إليها جماعة لا يحصون . وقد جمع الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ البيِّع تاريخ علمائها في ثمان مجلدات ضخمة . ذكر أبو علي الغساني الحافظ في كتاب تقييد المهمل قال : قال محمد بن عبد السلام : أخبرنا أبو حاتم سهل بن محمد قال : إنما قيل لها نيسابور لأن سابور مر بها فلما نظر إليها قال : هذه تصلح أن تكون مدينة ، فأمر بها ، فقُطع قصبها ثم كُبس ثم بُنيت ، فقيل لها : نيسابور ، والنِّيْ : القصب ) .
وقد اتخذها بنو طاهر عاصمة خراسان بدل طوس ، فكانت مقرهم وكانوا حكام خراسان والمشرق عامة .
قال اليعقوبي في تاريخه ( 2 / 494 ) : ( توفي طاهر بن عبد الله بن طاهر في رجب سنة 248 ، وهو ابن أربع وأربعين سنة . . فكتب المستعين إلى محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بولاية خراسان مكان أبيه . . وكان يوم ولي حدث السن ) .
قال الحموي في معجم البلدان ( 3 / 305 ) : ( فذكر الحاكم أبو عبد الله بن البيِّع في آخر كتابه في تاريخ نيسابور : أن عبد الله بن طاهر لما قدم نيسابور والياً على خراسان ونزل بها ، ضاقت مساكنها من جنده ، فنزلوا على الناس في دورهم غصباً ، فلقي الناس منهم شدة ، فاتفق أن بعض أجناده نزل في دار رجل ولصاحب الدار زوجة حسنة ، وكان غيوراً فلزم البيت لا يفارقه غيرةً على زوجته ، فقال له الجندي يوماً : إذهب واسق فرسي ماء ، فلم يجسر على خلافه ولا استطاع مفارقة أهله ، فقال لزوجته : إذهبي أنت واسقي فرسه لأحفظ أنا أمتعتنا في المنزل ، فمضت المرأة وكانت وضيئة حسنة ، واتفق ركوب عبد الله بن طاهر فرأى المرأة فاستحسنها وعجب من تبذلها فاستدعى بها وقال لها : صورتك وهيئتك لا يليق بهما أن تقودي فرساً وتسقيه ، فما خبرك ؟ فقالت : هذا فعل عبد الله بن طاهر بنا قاتله الله ! ثم أخبرته الخبر ، فغضب وحوقل وقال : لقد لقي منك يا عبد الله أهل نيسابور شراً ، ثم أمر العرفاء أن ينادوا في عسكره من بات بنيسابور حل ماله ودمه ، وسار إلى الشاذياخ وبنى فيه داراً له وأمر الجند ببناء الدور حوله ، فعمرت وصارت محلة كبيرة ، واتصلت بالمدينة فصارت من جملة محالها . ثم بنى أهلها بها دوراً وقصوراً . هذا معنى قول الحاكم ، فإنني كتبت من حفظي إذ لم يحضرني أصله ) .
وقد سكن العرب في نيسابور ، قال اليعقوبي في البلدان ( 1 / 96 ) : ( وأهلها أخلاط من العرب والعجم ، وشربها من العيون والأودية ، وخراجها يبلغ أربعة آلاف ألف درهم ) . أي : ضرائبها السنوية أربعة ملايين درهم .
ونصوا على الأصل العربي لعدد من عوائلها كالقشيري من هوازن ، والحاكم الحسكاني من أولاد الصحابي بريدة الأسلمي ( رحمه الله ) . وقالوا إن الجوينيين من بني سنبس ( النجوم الزاهرة : 5 / 42 ) واتفقوا على أن عائلة شاذان أزدية .
وفي كتاب توجيه النظر لطاهر بن صالح / 455 : ( بريدة بن حصيب الأسلمي مدفون بمرو ، وأبو برزة الأسلمي عبد الله بن خازم الأسلمي مدفون بنيسابور ، برستاق جوين ) .
والى يومنا هذا ، أي بعد ألف وأربع مئة سنة من فتح نيسابور ، نلاحظ وجود الله اللهجة العربية في مخارج الحروف عند أهلها ، في نطقهم الفارسية !
خبر شطيطة النيسابورية رضي الله عنها
كان في نيسابور شيعة من القرن الأول كالصحابي بريدة رضي الله عنه ، وتدل الرواية على كثرتهم في زمن الإمام الصادق وارتباطهم بالأئمة ( عليهم السلام ) وقد اشتهر خبر شطيطة النيسابورية ، ومكانتها الخاصة عند الأئمة ( عليهم السلام ) .
فقد روى ابن حمزة في الثاقب / 439 : ( عن عثمان بن سعيد ، عن أبي علي بن راشد قال : اجتمعت العصابة بنيسابور في أيام أبي عبد الله ( عليه السلام ) فتذاكروا ما هم فيه من الانتظار للفرج ، وقالوا : نحن نحمل في كل سنة إلى مولانا ما يجب علينا ، وقد كثرت الكذابة ومن يدعي هذا الأمر ، فينبغي لنا أن نختار رجلاً ثقة نبعثه إلى الإمام ليتعرف لنا الأمر ، فاختاروا رجلاً يعرف بأبي جعفر محمد بن إبراهيم النيسابوري ، ودفعوا إليه ما وجب عليهم في السنة من مال وثياب ، وكانت الدنانير ثلاثين ألف دينار ، والدراهم خمسين ألف درهم ، والثياب ألفي شقة ، وأثواب مقاربات ومرتفعات . وجاءت عجوز من عجائز الشيعة الفاضلات اسمها شطيطة ، ومعها درهم صحيح ، فيه درهم ودانقان ، وشقةٌ من غزلها ، خام تساوي أربعة دراهم ، وقالت : ما يستحق عليَّ في مالي غير هذا فادفعه إلى مولاي ، فقال : يا امرأة أستحي من أبي عبد الله أن أحمل إليه درهماً وشقة بطانة . فقالت : ألا تفعل ! إن الله لا يستحي من الحق ، هذا الذي يستحق ، فاحمل يا فلان فلئن ألقى الله عز وجل وما له قبلي حق قلَّ أم كثر ، أحب إليَّ من أن ألقاه وفي رقبتي لجعفر بن محمد حق !
قال : فَعَوَّجْتُ الدرهم وطرحته في كيس فيه أربع مائة درهم لرجل يعرف بخلف بن موسى اللؤلؤي ، وطرحت الشقة في رزمة فيها ثلاثون ثوباً لأخوين بلخيين ، يعرفان بابني نوح بن إسماعيل .
وجاءت الشيعة بالجزء الذي فيه المسائل وكان سبعين ورقة ! وكل مسألة تحتها بياض ، وقد أخذوا كل ورقتين فحزموها بحزائم ثلاثة ، وختموا على كل حزام بخاتم وقالوا : تحمل هذا الجزء معك وتمضي إلى الإمام فتدفع الجزء إليه وتبيته عنده ليلة وعد عليه وخذه منه ، فإن وجدت الخاتم بحاله لم يكسر ولم يتشعب فاكسر منها ختمه وانظر الجواب ، فإن أجاب ولم يكسر الخواتيم فهو الإمام فادفعه إليه ، وإلا فرد أموالنا علينا .
قال أبو جعفر : فسرت حتى وصلت إلى الكوفة ، وبدأت بزيارة أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، ووجدت على باب المسجد شيخاً مسناً قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر وقد تشنج وجهه ، متزراً ببرد متشحاً بآخر ، وحوله جماعة يسألونه عن الحلال والحرام ، وهو يفتيهم على مذهب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فسألت من حضر عنه فقالوا : أبو حمزة الثمالي ، فسلمت عليه وجلست إليه ، فسألني عن أمري فعرفته الحال ، ففرح بي وجذبني إليه ، وقبل بين عيني وقال : لو تجلب الدنيا ما وصل إلى هؤلاء حقوقهم ، وإنك ستصل بحرمتهم إلى جوارهم . فسررت بكلامه وكان ذلك أول فائدة لقيتها بالعراق ، وجلست معهم أتحدث إذ فتح عينيه ، ونظر إلى البرية وقال : هل ترون ما أرى ؟ فقلنا : وأي شئ رأيت ؟ قال : أرى شخصاً على ناقة ، فنظرنا إلى الموضع فرأينا رجلاً على جمل ، فأقبل فأناخ البعير وسلم علينا وجلس ، فسأله الشيخ وقال : من أين أقبلت ؟ قال : من يثرب . قال : ما وراءك ؟ قال : مات جعفر بن محمد ! فانقطع ظهري نصفين ، وقلت لنفسي : إلى أين أمضي !
فقال له أبو حمزة : إلى من أوصى ؟ قال : إلى ثلاثة أولهم أبو جعفر المنصور ، وإلى ابنه عبد الله ، وإلى ابنه موسى . فضحك أبو حمزة والتفت إليَّ وقال : لا تغتم فقد عرفتُ الإمام . فقلت : وكيف أيها الشيخ ؟ فقال : أما وصيته إلى أبي جعفر المنصور فسترٌ على الإمام ، وأما وصيته إلى ابنه الأكبر والأصغر فقد بين عن عوار الأكبر ونص على الأصغر . فقلت : وما فقه ذلك ؟ فقال : قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : الإمامة في أكبر ولدك يا علي ، ما لم يكن ذا عاهة ، فلما رأيناه قد أوصى إلى الأكبر والأصغر ، علمنا أنه قد بين عن عوار كبيره ، ونص على صغيره ، فَسِرْ إلى موسى فإنه صاحب الأمر .
قال أبو جعفر : فودعت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وودعت أبا حمزة ، وسرت إلى المدينة ، وجعلت رحلي في بعض الخانات ، وقصدت مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وزرته وصليت ، ثم خرجت وسألت أهل المدينة : إلى من أوصى جعفر بن محمد ؟ فقالوا : إلى ابنه الأفطح عبد الله . فقلت : هل يفتي ؟ قالوا : نعم ، فقصدته وجئت إلى باب داره ، فوجدت عليها من الغلمان ما لا يوجد على باب دار أمير البلد ، فأنكرت ، ثم قلت : الإمام لا يقال له لم وكيف ، فاستأذنت ، فدخل الغلام وخرج وقال : من أين أنت ؟ فأنكرت وقلت : والله ما هذا بصاحبي . ثم قلت : لعله من التقية ، فقلت قل : فلان الخراساني ، فدخل وأذن لي فدخلت فإذا به جالس في الدست على منصة عظيمة وبين يديه غلمان قيام فقلت في نفسي ذا أعظم ! الإمام يقعد في الدست ! ثم قلت : هذا أيضاً من الفضول الذي لا يحتاج إليه ، يفعل الإمام ما يشاء ، فسلمت عليه فأدناني وصافحني وأجلسني بالقرب منه وسألني فأحفى ، ثم قال : في أي شئ جئت ؟ قلت : في مسائل أسأل عنها وأريد الحج . فقال لي : إسأل عما تريد ، فقلت : كم في المائتين من الزكاة ؟ قال : خمسة دراهم . قلت : كم في المائة ؟ قال : درهمان ونصف . فقلت : حسن يا مولاي ، أعيذك بالله ، ما تقول في رجل قال لامرأته : أنت طالق عدد نجوم السماء ؟ قال : يكفيه من رأس الجوزاء ثلاثة . فقلت : الرجل لا يحسن شيئاً !
فقمت وقلت : أنا أعود إلى سيدنا غداً ، فقال : إن كان لك حاجة فإنا لا نقصر . فانصرفت من عنده وجئت إلى ضريح النبي ( صلى الله عليه وآله ) فانكببت على قبره ، وشكوت خيبة سفري وقلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، إلى من أمضي في هذه المسائل التي معي ؟ إلى اليهود ، أم إلى النصارى ، أم إلى المجوس ، أم إلى فقهاء النواصب ؟ إلى أين يا رسول الله ؟ فما زلت أبكي وأستغيث به ، فإذا أنا بإنسان يحركني ، فرفعت رأسي من فوق القبر ، فرأيت عبداً أسود عليه قميص خَلِق ، وعلى رأسه عمامة خلقة ، فقال لي : يا أبا جعفر النيسابوري ، يقول لك مولاك موسى بن جعفر : لا إلى اليهود ، ولا إلى النصارى ، ولا إلى المجوس ، ولا إلى أعدائنا من النواصب ، إليَّ فأنا حجة الله ، قد أجبتك عما في الجزو وبجميع ما تحتاج إليه منذ أمس ، فجئني به ، وبدرهم شطيطة الذي فيه درهم ودانقان ، الذي في كيس أربع مائة درهم اللؤلؤي ، وشقتها التي في رزمة الأخوين البلخيين . قال : فطار عقلي ! وجئت إلى رحلي ، ففتحت وأخذت الجزو والكيس والرزمة ، فجئت إليه فوجدته في دار خراب وبابه مهجور ما عليه أحد ، وإذا بذلك الغلام قائم على الباب ، فلما رآني دخل بين يدي ودخلت معه ، فإذا بسيدنا ( عليه السلام ) جالس على الحصير وتحته شاذكونه يمانية ( بساط ) فلما رآني ضحك وقال : لا تقنط ولا تفزع ، لا إلى اليهود ولا إلى النصارى والمجوس ، أنا حجة الله ووليه ، ألم يعرفك أبو حمزة على باب مسجد الكوفة جَرْيَ أمري ! قال : فأزاد ذلك في بصيرتي وتحققت أمره ، ثم قال لي : هات الكيس فدفعته إليه ، فحله وأدخل يده فيه ، وأخرج منه درهم شطيطة ، وقال لي : هذا درهمها ؟ فقلت : نعم . فأخذ الرزمة وحلها وأخرج منها شقة قطن مقصورة ، طولها خمسة وعشرون ذراعاً وقال لي : إقرأ عليها السلام كثيراً وقل لها : قد جعلت شقتك في أكفاني ، وبعثت إليك بهذه من أكفاننا ، من قطن قريتنا صريا قرية فاطمة ( عليها السلام ) وبذر قطن ، كانت تزرعه بيدها الشريفة لأكفان ولدها ، وغزل أختي حكيمة بنت أبي عبد الله ( عليه السلام ) وقصارة يده لكفنه ، فاجعليها في كفنك .
ثم قال : يا معتب جئني بكيس نفقة مؤناتنا فجاء به ، فطرح درهماً فيه ، وأخرج منه أربعين درهماً ، وقال : إقرأها مني السلام وقل لها : ستعيشين تسع عشرة ليلة من دخول أبي جعفر ووصول هذا الكفن وهذه الدراهم فانفقي منها ستة عشر درهماً ، واجعلي أربعة وعشرين صدقة عنك ، وما يلزم عليك ، وأنا أتولى الصلاة عليك !
فإذا رأيتَني فاكتم فإن ذلك أبقى لنفسك ، وافكك هذه الخواتيم وانظر هل أجبناك أم لا ، قبل أن تجئ بدراهمهم كما أوصوك فإنك رسول .
فتأملت الخواتيم فوجدتها صحاحاً ففككت من وسطها واحداً فوجدت تحتها : ما يقول العالم ( عليه السلام ) في رجل قال : نذرت لله عز وجل لأعتقن كل مملوك كان في ملكي قديماً ، وكان له جماعة من المماليك ؟
تحته الجواب من موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) : من كان في ملكه قبل ستة أشهر ، والدليل على صحة ذلك قوله تعالى : حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ، وبين العرجون القديم والعرجون الجديد في النخلة ستة أشهر .
وفككت الآخر فوجدت فيه : ما يقول العالم ( عليه السلام ) في رجل قال : والله أتصدق بمال كثير ، بمَ يتصدق ؟ تحته الجواب بخطه ( عليه السلام ) : إن كان الذي حلف بهذا اليمين من أرباب الدنانير تصدق بأربعة وثمانين ديناراً ، وإن كان من أرباب الدراهم تصدق بأربعة وثمانين درهماً ، وإن كان من أرباب الغنم فيتصدق بأربعة وثمانين غنماً ، وإن كان من أرباب البعير فبأربعة وثمانين بعيراً ، والدليل على ذلك قوله تعالى : لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّه فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ . فعددت مواطن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبل نزول الآية فكانت أربعة وثمانين موطناً . وكسرت الأخرى فوجدت تحته : ما يقول العالم ( عليه السلام ) في رجل نبش قبراً وقطع رأس الميت وأخذ كفنه ؟ الجواب تحته بخطه ( عليه السلام ) : تقطع يده لأخذ الكفن من وراء الحرز ، ويؤخذ منه مائة دينار لقطع رأس الميت ، لأنا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن أمه من قبل نفخ الروح فيه ، فجعلنا في النطفة عشرين ديناراً ، وفي العلقة عشرين ديناراً ، وفي المضغة عشرين ديناراً ، وفي اللحم عشرين ديناراً ، وفي تمام الخلق عشرين ديناراً ، فلو نفخ فيه الروح لألزمناه ألف دينار ، على أن لا يأخذ ورثة الميت منها شيئاً بل يتصدق بها عنه ، أو يحج أو يغزى بها ، لأنها أصابته في جسمه بعد الموت .
قال أبو جعفر : فمضيت من فوري إلى الخان وحملت المال والمتاع إليه ، وأقمت معه ، وحج في تلك السنة فخرجت في جملته معادلاً له في عماريته في ذهابي يوماً ، وفي عمارية أبيه يوماً ، ورجعت إلى خراسان فاستقبلني الناس وشطيطة من جملتهم فسلموا عليَّ ، فأقبلت عليها من بينهم وأخبرتها بحضرتهم بما جرى ، ودفعت إليها الشقة والدراهم ، وكادت تنشق مرارتها من الفرح ، ولم يدخل إلى المدينة من الشيعة إلا حاسد أو متأسف على منزلتها ، ودفعت الجزء إليهم ففتحوا الخواتيم ، فوجدوا الجوابات تحت مسائلهم . وأقامت شطيطة تسعه عشر يوماً وماتت رحمها الله ، فتزاحمت الشيعة على الصلاة عليها ، فرأيت أبا الحسن ( عليه السلام ) على نجيب فنزل عنه وأخذ بخطامه ، ووقف يصلي عليها مع القوم ، وحضر نزولها إلى قبرها ونثر في قبرها من تراب قبر أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) ، فلما فرغ من أمرها ركب البعير وألوى برأسه نحو البرية ، وقال : عَرِّف أصحابك وأقرأهم عني السلام ، وقل لهم : إنني ومن جرى مجراي من أهل البيت لابد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم ، فاتقوا الله في أنفسكم وأحسنوا الأعمال لتعينونا على خلاصكم ، وفك رقابكم من النار . قال أبو جعفر : فلما ولى ( عليه السلام ) عرَّفت الجماعة ، فرأوه وقد بَعُد ، والنجيب يجري به ، فكادت أنفسهم تسيل حزناً إذ لم يتمكنوا من النظر إليه ! وفي ذلك عدة آيات ، وكفى بها حجة للمتأمل الذاكر ) .
ملاحظات
1 . في هذا الحديث دلالات بليغة وعديدة ، وأولاها دلالته على حقيقة الإمامة وأنها منصب رباني ، وأن الإمام المعصوم ( عليه السلام ) يختلف عن الناس . وأن المسلمين فهموا ذلك من عصر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ومن بعده . وأن الشيعة كانوا فئة واعية في مختلف البلدان ، متمسكين بمذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) مؤمنين به لا يقبلون عنه بديلاً .
2 . عرف أهل نيسابور قدر هذه الولية شطيطة رضي الله عنها ، وتعهدوا قبرها بالزيارة والإعمار إلى يومنا هذا ، ويقع على مقربة من نيسابور ، ويسمونها بي بي شطيطة ، أي الجدة شطيطة . ومزارها معروف عند الشيعة في العالم ، يقصدونه ويتبركون به ، ويتوسلون بها إلى الله تعالى . والفُرس يسمون كل امرأة محترمة أو ولية لله تعالى : بي بي ، فيقولون بي بي حكيمة ، وبي بي فاطمة بنت موسى بن جعفر ( عليه السلام ) .
3 . يوجد أيضاً مزار قرب نيسابور اسمه : أثر قدم الإمام الرضا ( عليه السلام ) .
وهو نبع نزل عنده الإمام ( عليه السلام ) في طريقه من نيسابور إلى طوس ، وتوضأ منه وصلى . والناس ما زالت تتبرك بمائه ومكانه ، وبالصلاة فيه .
ويوجد مكان باسم قرية الحمراء وبالفارسية : ده سرخ ، بين نيسابور وطوس . وفي عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ( 2 / 382 ) : ( لما خرج علي بن موسى الرضا ( عليهما السلام ) إلى المأمون فبلغ قرية الحمراء قيل له : يا ابن رسول الله قد زالت الشمس أفلا تصلي ؟ فنزل ( عليه السلام ) فقال : إئتوني بماء ، فقيل : ما معنا ماء ، فبحث ( عليه السلام ) بيده الأرض فنبع من الماء ماء ، توضأ به هو ومن معه . وأثره باق إلى اليوم ) .
حديث الإمام الرضا ( عليه السلام ) في نيسابور
اشتهر حديث الإمام الرضا ( عليه السلام ) في نيسابور ، وُعرف بحديث سلسة الذهب ، لأن سنده عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وقد تواترت روايته ، وكثر رواته .
وممن رواه المالكي في الفصول المهمة ( 2 / 1001 ) عن تاريخ نيشابورقال : ( إن علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) لما دخل إلى نيسابور في السفرة التي فاز فيها بفضيلة الشهادة ، كان في قبة مستورة بالسقلاط ( قماش رومي أبيض ) على بغلة شهباء ، وقد شقَّ نيسابور ، فعرض له الإمامان الحافظان للأحاديث النبوية ، والمثابران على السنة المحمدية : أبو زرعة الرازي ومحمد بن أسلم الطوسي ، ومعهما خلائق لا يُحصون من طلبة العلم وأهل الأحاديث ، وأهل الرواية والدراية ، فقالا : أيها السيد الجليل ابن السادة الأئمة ، بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين ، إلا ما أريتنا وجهك الميمون المبارك ، ورويتَ لنا حديثاً عن آبائك عن جدك محمد ( صلى الله عليه وآله ) نذكرك به .
فاستوقف البغلة وأمر غلمانه بكشف المظلَّة عن القبة ، وأقر عيون تلك الخلائق برؤية طلعته المباركة ، فكانت له ذؤابتان على عاتقه ، والناس كلهم قيام على طبقاتهم ينظرون إليه ، وهم بين صارخٍ وباكٍ ومتمرِّغٍ في التراب ومُقَبِّلٍ لحافر بغلته ! وعلا الضجيج فصاحت الأئمة والعلماء والفقهاء : معاشر الناس إسمعوا وعوا ، وأنصتوا لسماع ما ينفعكم ، ولا تؤذونا بكثرة صراخكم وبكائكم . وكان المستملي أبو زرعة ومحمد بن أسلم الطوسي ، فقال علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) : حدثني أبي موسى الكاظم ، عن أبيه جعفر الصادق ، عن أبيه محمد الباقر ، عن أبيه علي زين العابدين ، عن أبيه الحسين شهيد كربلاء ، عن أبيه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : حدثني جبرئيل قال : سمعت رب العزة سبحانه وتعالى يقول : كلمة لا إله إلا الله حصني ، فمن قالها دخل حصني ، ومَن دخل حصني أمن عذابي .
ثمّ أرخى الستر على القبة وسار . قال : فعدوا أهل المحابر والدوي الذين كانوا يكتبون ، فأنافوا على عشرين ألفاً !
قال الأُستاذ أبو القاسم القشيري : اتصل هذا الحديث بهذا السند ببعض الأمراء السامانية ، فكتبه بالذهب وأوصى أن يُدفن معه في قبره ، فرؤي بالنوم بعد موته فقيل له : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر الله لي بتلفظي بلا إله إلا الله ، وتصديقي بأن محمَّداً رسول الله مخلصاً ) .
ورواه الصدوق في أماليه / 305 ، عن إسحاق بن راهويه قال : ( لما وافى أبو الحسن الرضا نيسابور ، وأراد أن يرحل منها إلى المأمون ، اجتمع إليه أصحاب الحديث ، فقالوا له : يا ابن رسول الله ، ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث فنستفيده منك ، وقد كان قعد في العمارية فأطلع رأسه وقال : سمعت أبي موسى بن جعفر يقول : سمعت أبي جعفر بن محمد يقول : سمعت أبي محمد بن علي يقول : سمعت أبي علي بن الحسين يقول :
سمعت أبي الحسين بن علي يقول : سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) يقول : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : سمعت جبرئيل يقول : سمعت الله عز وجل يقول : لا إله إلا الله حصني ، فمن دخل حصني أمن عذابي . فلما مرت الراحلة نادانا : بشروطها ، وأنا من شروطها ) .
ورواه في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ( 2 / 143 ) عن أبي الصلت الهروي .
ملاحظات
1 . عرف هذا الحديث بحديث سلسلة الذهب ، لأن إسناده عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ووصفوه أيضاً بأنه سعوط المجانين ، إذا استنشقه مجنون أفاق !
ففي أمالي الطوسي / 449 ، بعد حديثٍ رواه أبو الصلت بهذه السلسلة : ( فنهض معه إسحاق بن راهويه والفقهاء ، فأقبل إسحاق بن راهويه على أبي الصلت وقال له ونحن نسمع : يا أبا الصلت ، أي إسناد هذا ؟ فقال : يا بن راهويه هذا سعوط المجانين ، هذا عطر الرجال ذوي الألباب ) .
وفي تاريخ بغداد ( 3 / 37 ) : ( فقال بعضهم : ما هذا الإسناد ! فقال له أبي : ( محمد بن عبد الله بن طاهر ) هذا سعوط المجانين ، إذا سُعط به المجنون برأ ) .
وفي تاريخ بغداد ( 10 / 342 ) : ( قال ابن رشيد : فقلت له : سعوط الشيلشا الذي إذا سعط به المجنون برأ وصح ) !
وفي رواية : ( قال أحمد بن محمد بن حنبل : ما هذا الإسناد ؟ فقال له أبي : هذا سعوط المجانين إذا سعط به المجنون أفاق ) . ( عيون أخبار الرضا : 1 / 206 ) .
وفي ذكر أصبهان ( 1 / 138 ) : ( وقال أبو علي : قال لي أحمد بن حنبل : إن قرأت هذا الإسناد على مجنون برئ من جنونه . وما عيب هذا الحديث إلا جودة إسناده ) . راجع استشفاء بعضهم به ، نفحات الأزهار للسيد الميلاني : 10 / 68 .
2 . صادروا اسم سلسلة الذهب ووصفوا به رجال أسانيد أخرى ! وقد سمى به ابن حجر كتاباً له : سلسلة الذهب ، وقال في مقدمته / 7 : ( رسالة فيها سبعة وأربعون حديثاً رواها الإمام الشافعي ، عن الإمام مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي ، وتسمى : سلسلة الذهب ) .
3 . كان لمرور الإمام الرضا ( عليه السلام ) في نيسابور وحديثه فيها تأثيركبير على أهلها وكان سبباً لاتساع التشيع فيها . وتدل أخبار دعبل وغيرها على سعة التشيع في خراسان في عصر المأمون . ففي عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ( 2 / 229 ) : ( عبد الله بن عبد الرحمن المعروف بالصفواني ، قال : قد خرجت قافلة من خراسان إلى كرمان فقطع اللصوص عليهم الطريق وأخذوا منهم رجلاً اتهموه بكثرة المال ، فبقي في أيديهم مدة يعذبونه ليفتدي منهم نفسه ، وأقاموه في الثلج وملؤوا فاه من ذلك الثلج ، فشدوه ، فرحمته امرأة من نسائهم فأطلقته ، وهرب فانفسد فمه ولسانه حتى لم يقدر على الكلام .
ثم انصرف إلى خراسان وسمع بخبر علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) وأنه بنيسابور فرأى فيما يرى النائم كأن قائلاً يقول له إن ابن رسول ( صلى الله عليه وآله ) قد ورد خراسان فسله عن علتك ، فربما يعلمك دواء تنتفع به . قال : فرأيت كأني قد قصدته ( عليه السلام ) وشكوت إليه ما كنت دفعت إليه وأخبرته بعلتي ، فقال لي : خذ من الكمون والسعتر والملح ، ودقه وخذ منه في فمك مرتين أو ثلاثاً فإنك تعافى . فانتبه الرجل من منامه ولم يفكر فيما كان رأى في منامه ، ولا أعتد به حتى ورد باب نيسابور فقيل له : إن علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) قد ارتحل من نيسابور وهو برباط سعد ، فوقع في نفس الرجل أن يقصده ويصف له أمره ، ليصف له ما ينتفع به من الدواء ، فقصده إلى رباط سعد فدخل إليه فقال له : يا ابن رسول الله كان من أمري كيت وكيت ، وانفسد عليَّ فمي ولساني حتى لا أقدر على الكلام إلا بجهد ، فعلمني دواء انتفع به .
فقال الرضا ( عليه السلام ) : ألم أعلمك ، إذهب فاستعمل ما وصفته لك في منامك فقال له الرجل : يا ابن رسول الله إن رأيت أن تعيده عليَّ فقال ( عليه السلام ) : خذ من الكمون والسعتر والملح فدقه وخذ منه في فمك مرتين أو ثلاثاً فإنك ستعافى . قال الرجل : فاستعملت ما وصف لي فعوفيت ! قال أبو حامد بن علي بن الحسين الثعالبي : سمعت أبا أحمد عبد الله بن عبد الرحمن المعروف بالصفواني يقول : رأيت هذا الرجل ، وسمعت منه هذه الحكاية ) .
نيسابور بكلها تزور قبر الرضا ( عليه السلام )
من عجائب الأمور أن نيسابور كانت مركزاً لتأسيس المذاهب في مواجهة مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وكان فيها علماء كبار يسمى الواحد منهم إمام الأئمة كمحمد بن يحيى الذهلي وابن راهويه وابن خزيمة وابن حبان وأبو زرعة ، ومع ذلك كان الجو العام عندهم وعند أهل المنطقة تقديس الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، فإذا جاء شعبان تجمع الناس وذهبوا في قوافل لزيارة قبره ( عليه السلام ) بطوس ، وفي مقدمتهم كبار علمائهم . فلا بد أن يكون ذلك من أسباب تحولها إلى التشيع !
قال الشريف المرتضى في رسائله ( 2 / 253 ) : ( ومما يمكن الإستدلال به على ذلك : أن الله تعالى قد ألهم جميع القلوب ، وغرس في كل النفوس ، تعظيم شأنهم وإجلال قدرهم على تباين مذاهبهم واختلاف دياناتهم ونحلهم ! وما اجتمع هؤلاء المختلفون المتباينون مع تشتت الأهواء وتشعب الآراء على شئ كإجماعهم على تعظيم من ذكرناه وإكبارهم ، إنهم يزورون قبورهم ويقصدون من شاحط البلاد وشاطئها مشاهدهم ومدافنهم ، والمواضع التي وسمت بصلاتهم فيها وحلولهم بها ، وينفقون في ذلك الأموال ويستنفدون الأحوال !
فقد أخبرني من لا أحصيه كثرة أن أهل نيسابور ومن والاها من تلك البلدان ، يخرجون في كل سنة إلى طوس لزيارة الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا صلوات الله عليهما ، بالجمال الكثيرة والأهبة ، التي لا يوجد مثلها إلا للحج إلى بيت الله . وهذا مع المعروف من انحراف أهل خراسان عن هذه الجهة ، وازورارهم عن هذا الشِّعب !
وما تسخير هذه القلوب القاسية وعطف هذه الأمم البائنة ، إلا كالخارق للعادات والخارج عن الأمور المألوفات ، وإلا فما الحامل للمخالفين لهذه النحلة ، المنحازين عن هذه الجملة ، على أن يراوحوا هذه المشاهد ويغادوها ، ويستنزلوا عندها من الله تعالى الأرزاق ، ويستفتحوا الأغلال ويطلبوا ببركاتها الحاجات ويستدفعوا البليات ، والأحوال الظاهرة كلها لا توجب ذلك ولا تقتضيه ولا تستدعيه ، وإلا فعلوا ذلك فيمن يعتقدونهم ، وأكثرهم يعتقدون إمامته وفرض طاعته ، وأنه في الديانة موافق لهم غير مخالف ، ومساعد غير معاند .
ومن المحال أن يكونوا فعلوا ذلك لداعٍ من دواعي الدنيا ، فإن الدنيا عند غير هذه الطائفة موجودة وعندها هي مفقودة ، ولا لتقيةٍ واستصلاحٍ فإن التقية هي فيهم لا منهم ، ولا خوف من جهتهم ولا سلطان لهم ، وكل خوف إنما هو عليهم .
فلم يبق إلا داعي الدين ، وذلك هو الأمر الغريب العجيب الذي لا ينفذ في مثله إلا مشية الله ، وقدرة القهار التي تذلل الصعاب وتقود بأزمتها الرقاب . . . وهذا يوقظ على أن الله خرق في هذه العصابة العادات وقلَب الجبلات ، ليبين من عظيم منزلتهم ، وشريف مرتبتهم .
وهذه فضيلة تزيد على الفضائل ، وتربو على جميع الخصائص والمناقب ، وكفى بها برهاناً لائحاً وميزاناً راجحاً ، والحمد لله رب العالمين ) .
قال ابن حبان في الثقات ( 8 / 457 ) : ( ومات علي بن موسى الرضا بطوس من شربة سقاه إياها المأمون فمات من ساعته ، وذلك في يوم السبت آخر يوم سنة ثلاث ومائتين . وقبره بسناباذ خارج النوقان مشهورٌ يزار ، بجنب قبر الرشيد ، قد زرته مراراً كثيرة ، وما حَلَّت بي شدة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ، ودعوت الله إزالتها عني إلا استجيب لي ، وزالت عني تلك الشدة ، وهذا شئ جربته مراراً فوجدته كذلك . أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته ، صلى الله عليه وسلم الله عليه وعليهم أجمعين ) .
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ( 7 / 339 ) : ( قال ( الحاكم في تاريخ نيشابور ) : وسمعت أبا بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى يقول : خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي ، مع جماعة من مشائخنا ، وهم إذ ذاك متوافرون ، إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضى بطوس . قال : فرأيت من تعظيمه يعني ابن خزيمة لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرعه عندها ، ما تحيرنا فيه ) .
الإمام التكفيري : محمد بن يحيى الذهلي !
شهدت نيسابور في عصر الإمامين علي الهادي والحسن العسكري ( عليهما السلام ) موجةً من الصراع الفكري بين تيارات القدرية والمرجئة والمعتزلة والشيعة والخوارج ، وكانت الصفة العامة للصراع الصراحة والعنف .
وكان الخط الحاكم في بلاد الخلافة خط المتوكل المغالي في التجسيم ، والمداري في أهل البيت ( عليهم السلام ) ، والعنيف مع علماء مذهبهم وشيعتهم !
وكان يمثل هذا الخط في نيسابور من يسمونه إمام الأئمة الذهلي : محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس النيسابوري ، مولى بني ذهل .
قال في المستدرك ( 3 / 352 ) : ( سمعت أبا العباس الدغولي يقول : سمعت الحافظ صالح جزرة يقول : قال لي فضلك الرازي : إذا دخلت نيسابور يستقبلك شيخ حسن الوجه ، حسن الثياب ، حسن الركوب ، حسن الكلام ، فاعلم أنه محمد بن يحيى الذهلي . . قال : فقضي أن أول ما دخلت استقبلني رجل بهذا الوصف فسألت عنه فقالوا : هذا محمد بن يحيى ) .
وقال الذهبي في سيره ( 12 / 274 ) : ( محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب ، الإمام العلامة ، الحافظ البارع ، شيخ الإسلام ، وعالم أهل المشرق ، وإمام أهل الحديث بخراسان ، أبو عبد الله الذهلي ، مولاهم النيسابوري . مولده سنة بضع وسبعين ومئة . . وكان بحراً لا تكدره الدلاء ، جمع علم الزهري وصنفه وجوده ، من أجل ذلك يقال له : الزهري ، ويقال له : الذهلي ، وانتهت إليه رئاسة العلم والعظمة والسؤدد ببلدة . كانت له جلالة عجيبة بنيسابور ، من نوع جلالة الإمام أحمد ببغداد ، ومالك بالمدينة ) .
وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ ( 2 / 530 ) : ( الإمام شيخ الإسلام حافظ نيسابور ، أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس النيسابوري ، مولى بني ذهل . ولد بعد السبعين ومائة ، وسمع الحفصين وترك الرواية عنهما ، وسمع عبد الرحمن بن مهدي ، وأسباط بن محمد ، وأبا داود الطيالسي ، وعبد الرزاق ، وخلائق بالحرمين والشام ومصر والعراق والري وخراسان واليمن والجزيرة ، وبرع في هذا الشأن .
حدث عنه الجماعة سوى مسلم ، وسعيد بن أبي مريم والنفيلي وهما من شيوخه ، وأبو زرعة وابن خزيمة والسراج وأبو حامد ابن الشرقي وأبو حامد بن بلال وأبو علي الميداني ومحمد بن الحسين القطان وخلق كثير ، وانتهت إليه مشيخة العلم بخراسان مع الثقة والصيانة والدين ومتابعة السنن . قال محمد بن سهل بن عسكر : كنا عند أحمد بن حنبل فدخل محمد بن يحيى الذهلي فقام إليه أحمد وتعجب الناس منه ، وقال لأولاده وأصحابه : إذهبوا إلى أبي عبد الله ، فاكتبوا عنه . .
وقال أبو حاتم : هو إمام أهل زمانه . وقال أبو بكر بن زياد : كان أمير المؤمنين في الحديث . . قال أبو عمرو أحمد بن نصر الخفاف : رأيت محمد بن يحيى في المنام فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي . قلت : فما فعل بحديثك ؟ قال : كتب بماء الذهب ورفع في عليين ! مات الذهلي في ربيع الأول سنة ثمان وخمسين ومائتين ، وهو في عشر التسعين ) .
أقول : كان الذهلي جباراً لا يتحمل أن يخالفه أحد في كلمة ، فضلاً عن مخالفته في مذهبه ! فكان يستعين بأمير خراسان ليطرده ، أو يجلده ، أو يقتله !
وهؤلاء المتنطعون يتخيلون أن الجنة كالدنيا تحكمها الخلافة وعلماؤها كإمامهم الذهلي الذي يمثل قمعهم ورعونتهم !
ومن نماذج عنف الإمام الذهلي ، قتله لزميله أحمد بن داود بن سعيد الفزاري !
قال الطوسي في الفهرست / 81 : ( أحمد بن داود بن سعيد الفزاري ، يكنى أبا يحيى الجرجاني ، وكان من جملة أصحاب الحديث من العامة ، ورزقه الله هذا الأمر ، وله تصنيفات كثيرة في فنون الإحتجاجات على المخالفين .
وذكر محمد بن إسماعيل النيسابوري أنه هجم عليه محمد بن طاهر ، وأمر بقطع لسانه ويديه ورجليه ، وبضربه ألف سوط وبصلبه ، لسعايةٍ كان سُعِيَ بها إليه معروفة ، سعى بها محمد بن يحيى الرازي وابن البغوي وإبراهيم بن صالح ، لحديثٍ رواه محمد بن يحيى لعمر بن الخطاب ، فقال أبو يحيى : ليس هو عمر بن الخطاب وإنما هو عمر بن شاكر ، فجمع الفقهاء ، فشهد مسلم أنه على ما قال : وهو عمر بن شاكر ، وأنكر ذلك أبو عبد الله المروزي وكتمه ، بسبب محمد بن يحيى منه ، وكان أبو يحيى قال : هما يشهدان لي ، فلما شهد مسلم قال : غير هذا شاهد إن لم يشهدا ، فشهد بعد ذلك المجلس عنده رجل علمه !
فمن كتبه : كتاب خلاف عمر برواية الحشوية ، كتاب محنة النائبة ، يصف فيه مذاهب الحشوية وفضائحهم ، كتاب مفاخرة البكرية والعمرية ، كتاب الرد على الأخبار الكاذبة ، يشرح فيه نقض كل ما رووه من الفضائل لسلفهم ، كتاب مناظرة الشيعي والمرجي في المسح على الخفين وأكل الجري وغير ذلك ، كتاب الغوغاء من أصناف الأمة من المرجئة والقدرية والخوارج ، كتاب المتعة والرجعة والمسح على الخفين وطلاق المتعة ، كتاب التسوية ، بين فيه خطأ من حرم تزويج العرب في الموالي ، كتاب الصهاكي ، كتاب فضايح الحشوية ، كتاب التفويض ، كتاب الأوائل ، كتاب طلاق المجنون ، كتاب استنباط الحشوية ، كتاب الرد على الحنبلي ، كتاب الرد على الشجري ، كتاب في نكاح السكران ، ذكره الكشي في كتابه في معرفة الرجال ) .
لاحظ قول الكشي ( 2 / 813 ) : ( فجمع الفقهاء ، فشهد مُسْلِمٌ أنه على ما قال : وهو عمر بن شاكر ، وعرف أبو عبد الله المروزي ذلك وكتمه بسبب محمد بن يحيى ، وكان أبو يحيى قال : هما يشهدان لي ، فلما شهد مسلم قال : غير هذا شاهدان لم يشهدا ، فشهد بعد ذلك المجلس عنده ، وخلى عنه ، ولم يصبه ببلية ) .
فتهمتهم العظيمة لهذا العالم أنه غلَّط إمامهم الهذلي في سند حديث ، فاشتكى إمامهم إلى أميرهم ، فأصدر حكمه المشدد رأساً ، ثم جمع الفقهاء !
وجاء المتهم بشهود فشهد له مسلم القشيري صاحب الصحيح بأن الحق معه وأن الحديث عن عمر بن شاكر التابعي ، وليس عن عمر بن الخطاب ، وخاف الشاهد الآخر ، فقال المتهم عندي غيره ، وجاء به بعد ذلك .
وثبت أن الحق مع ابن سعيد ، لكن ابن طاهر قتله لأنه تجرأ على الإمام الذهلي !
قال الميرزا محمد الأخباري في مقدمة الإيضاح :
( نفاه الأمير محمد بن طاهر ، قاتل أحمد بن داود بن سعيد ، من نيسابور ، وقد تخلص الفضل من قتله بحيلة ذكرها علماء الرجال ) . وستأتي .
ونعم ما قال السيد الأمين في أعيان الشيعة ( 2 / 587 ) : ( وحاصل هذه القصة أن أبا يحيى الجرجاني المترجم كان من أجلة أصحاب الحديث ، فروى محمد بن يحيى الرازي وهو عالم محدث مشهور ، حديثاً أسنده إلى عمر بن الخطاب ، فغلطه أبو يحيى وقال ليس هو عمر بن الخطاب ، هو عمر بن شاكر ، فسعى به محمد بن يحيى الرازي ورجلان معه والثلاثة من العلماء ورواة الحديث إلى الحاكم ، وهو محمد بن طاهر ، أي وَشَوْا به إليه وقالوا له : إنه غلطه في هذا الحديث ، أو وشوا به بوشاية أخرى تعود إلى المذهب ولكن السبب تغليطه له في الحديث ، فأمر محمد بن طاهر أعوانه أن يهجموا عليه ويأخذوه ، وأمر بقطع لسانه ويديه ورجليه وصلبه . . . ! وهكذا كان علماء السوء يتوصلون حسداً وبغياً وقلة خوف من الله تعالى ، إلى إراقة دم الأبرياء بالوشاية عند الحكام الذين كانت دماء الناس وأموالهم وأعراضهم منوطة بكلمة يلفظونها : إقطعوا لسانه ويديه ورجليه واضربوه ألف سوط واصلبوه . فينفذ ذلك فوراً ولو بأعظم عالم من علماء المسلمين ، ويكتم العالم شهادته مراعاة لصديقه وصاحبه ، وهو يعلم أنه بكتمانها يتسبب قطع اللسان واليدين والرجلين وضرب ألف سوط والصلب لعالم من أجل أصحاب الحديث ، برئ مما قرف به ) !
أقول : كان هذا الجو الحاكم على نيسابور وخراسان والدولة الإسلامية ! وفي هذا الجو كان يعمل الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) وعلماء مذهبهم ، وشيعتهم !
وفي هذا الجو كان الإمام العسكري ( عليه السلام ) يوجه الشيعة ليهتدوا بعقيدة الإسلام ويثبتوا عليها ، ويتجنبوا ما أمكن بطش السلطة الجائرة وأدواتها علماء السوء !
إمام الأئمة الذهلي يحلق لحية البخاري !
روى الجميع قصة ( إمام الأئمة ) الذهلي مع البخاري صاحب الصحيح ، وكيف طرده من نيسابور ، ثم لاحقه إلى بخارى فكتب إلى حاكمها إنه منحرف مخالف للسنة ، فطرده منها إلى قريته خرتنك ومات فيها !
والبخاري عندنا غير مرضي ، لكن الاضطهاد سيئ ، يدلك على إرهاب الخلافة حتى لعلماء البلاط كالبخاري ، والذي لم يغفر له أنه منظِّرٌ لعقيدة المتوكل وأنه كتب صحيحه بأمواله ، وكانت تصله عن طريق أحمد بن حنبل !
قال ابن حجر في مقدمة فتح الباري / 491 : ( سمعت الحسن بن محمد بن جابر يقول : سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول : إذهبوا إلى هذا الرجل الصالح العالم فاسمعوا منه . قال : فذهب الناس إليه فأقبلوا على السماع منه حتى ظهر الخلل في مجلس محمد بن يحيى ! قال : فتكلم فيه بعد ذلك . وقال حاتم بن أحمد بن محمود : سمعت مسلم بن الحجاج يقول لما قدم محمد بن إسماعيل نيسابور : ما رأيت والياً ولا عالماً فعل به أهل نيسابور ما فعلوا به ، استقبلوه من مرحلتين من البلد أو ثلاث ، وقال محمد بن يحيى الذهلي في مجلسه : من أراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غداً فليستقبله فإني أستقبله ، فاستقبله محمد بن يحيى وعامة علماء نيسابور ، فدخل البلد فنزل دار البخاريين ، فقال لنا محمد بن يحيى : لا تسألوه عن شئ من الكلام ، فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن عليه وقع بيننا وبينه وشمت بنا كل ناصبي ورافضي وجهمي ومرجئ بخراسان !
قال فازدحم الناس على محمد بن إسماعيل حتى امتلأت الدار والسطوح فلما كان اليوم الثاني أو الثالث من يوم قدومه ، قام إليه رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن فقال : أفعالنا مخلوقة وألفاظنا من أفعالنا . قال : فوقع بين الناس اختلاف فقال بعضهم : قال لفظي بالقرآن مخلوق ، وقال بعضهم لم يقل ، فوقع بينهم في ذلك اختلاف حتى قام بعضهم إلى بعض . قال : فاجتمع أهل الدار فأخرجوهم ، وقال أبو أحمد بن عدي : ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل لما ورد نيسابور واجتمع الناس عنده ، حسده بعض شيوخ الوقت ، فقال لأصحاب الحديث : إن محمد بن إسماعيل يقول لفظي بالقرآن مخلوق ، فلما حضر المجلس قام إليه رجل فقال : يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقرآن ، مخلوقٌ هو أو غير مخلوق ؟ فأعرض عنه البخاري ، ولم يجبه ثلاثاً فألح عليه ، فقال البخاري : القرآن كلام الله غير مخلوق ، وأفعال العباد مخلوقة ، والامتحان بدعة ، فشغب الرجل وقال : قد قال لفظي بالقرآن مخلوق !
وقال الحاكم : حدثنا أبو بكر بن أبي الهيثم ، حدثنا الفربري قال : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : إن أفعال العباد مخلوقة ، فقد حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا مروان بن معاوية ، حدثنا أبو مالك ، عن ربعي بن حراش عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يصنع كل صانع وصنعته . قال البخاري : وسمعت عبيد الله بن سعيد يعني أبا قدامة السرخسي يقول : ما زلت أسمع أصحابنا يقولون إن أفعال العباد مخلوقة . قال محمد بن إسماعيل : حركاتهم وأصواتهم وأكسابهم وكتابتهم مخلوقة ، فأما القرآن المبين المثبت في المصاحف الموعى في القلوب ، فهو كلام الله غير مخلوق . قال الله تعالى : بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ . قال : وقال إسحاق بن راهويه : أما الأوعية فمن يشك أنها مخلوقة . وقال أبو حامد بن الشرقي : سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول : القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن زعم : لفظي بالقرآن مخلوق ، فهو مبتدع ، ولا يجُالَس ولا يُكلم ، ومن ذهب بعد هذا إلى محمد بن إسماعيل فاتهموه ، فإنه لا يحضر مجلسه إلا من كان على مذهبه !
وقال الحاكم : ولما وقع بين البخاري وبين الذهلي في مسألة اللفظ انقطع الناس عن البخاري ، إلا مسلم بن الحجاج ، وأحمد بن سلمة .
قال الذهلي : ألا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا ، فأخذ مسلم رداءه فوق عمامته وقام على رؤس الناس ، فبعث إلى الذهلي جميع ما كان كتبه عنه على ظهر جمل ) .
وقال ابن حجر في مقدمته / 491 : ( وقال غنجار في تاريخ بخارى : حدثنا خلف بن محمد قال : سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر النيسابوري الخفاف بنيسابور يقول : كنا يوماً عند أبي إسحاق القرشي ومعنا محمد بن نصر المروزي ، فجرى ذكر محمد بن إسماعيل فقال محمد بن نصر : سمعته يقول : من زعم أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب ، فإني لم أقله . فقلت له : يا أبا عبد الله قد خاض الناس في هذا فأكثروا ، فقال ليس إلا ما أقول لك . قال أبو عمرو : فأتيت البخاري فذاكرته بشئ من الحديث حتى طابت نفسه فقلت : يا أبا عبد الله هاهنا من يحكي عنك إنك تقول لفظي بالقرآن مخلوق ، فقال : يا أبا عمرو إحفظ عنب : من زعم من أهل نيسابور وسمى غيرها من البلدان بلاداً كثيرة أنني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب ، فإني لم أقله ، إلا أني قلت : أفعال العباد مخلوقة ) .
وقال الذهبي في سيره ( 12 / 463 ) : ( روى أحمد بن منصور الشيرازي قال : سمعت بعض أصحابنا يقول : لما قدم أبو عبد الله بخارى نُصب له القباب على فرسخ من البلد ، واستقبله عامة أهل البلد حتى لم يبق مذكور إلا استقبله ، ونُثر عليه الدنانير والدراهم والسكر الكثير ، فبقي أياماً . قال فكتب بعد ذلك محمد بن يحيى الذهلي إلى خالد بن أحمد أمير بخارى : إن هذا الرجل قد أظهر خلاف السنة ! فقرأ كتابه على أهل بخارى فقالوا : لانفارقه ، فأمره الأمير بالخروج من البلد ، فخرج .
قال ابن عدي : سمعت عبد القدوس بن عبد الجبار السمرقندي يقول : جاء محمد بن إسماعيل إلى خَرْتَنْك ، قرية على فرسخين من سمرقند ، وكان له بها أقرباء فنزل عندهم ، فسمعته ليلة يدعو ، وقد فرغ من صلاة الليل : الله م إنه قد ضاقت علي الأرض بما رحبت ، فاقبضني إليك ، فما تم الشهر حتى مات . وقبره بخرتنك .
وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت أبا منصور غالب بن جبريل وهو الذي نزل عليه أبو عبد الله يقول : إنه أقام عندنا أياماً فمرض واشتد به المرض حتى وجه رسولاً إلى مدينة سمرقند في إخراج محمد ، فلما وافى تهيأ للركوب فلبس خفيه وتعمم ، فلما مشى قدر عشرين خطوة أو نحوها وأنا آخذ بعضده ، ورجلٌ آخذ معي يقوده إلى الدابة ليركبهافقال : أرسلوني فقد ضعفت . فدعا بدعوات ثم اضطجع ، فقضى ( رحمه الله ) .
توفي البخاري ليلة السبت ليلة الفطر عند صلاة العشاء ، ودفن يوم الفطربعد صلاة الظهر سنة ست وخمسين ومئتين ) . عن اثنتين وستين سنة .
وفي تاريخ بغداد : 4 / 191 ، وسيرالذهبي : 12 / 284 : ( مات محمد بن يحيى الذهلي سنة ثمان وخمسين ومائتين ) . عن عمر قارب التسعين سنة .
أقول : ظهرت مقولة أن القرآن كلام الله القديم فهو قديم ، ثم وقف المأمون ضدها لأنها تستلزم أن يكون الكلام جزءً من ذات الله تعالى ، وأمر بحرمان من قال بالتشبيه ورؤية الله تعالى ، وأن القرآن جزء من ذاته وليس مخلوقاً !
ثم جاء أخوه المعتصم فخالفه وقرَّب مجسمة الحنابلة .
ثم جاء الواثق فأعاد سياسة المأمون ، فقام مجسمة الحنابلة بثورة ضده في بغداد ، فقتل رئيسهم أحمد بن نصر وذبحه بيده سنة إحدى وثلاثين ومئتين ! راجع : تاريخ بغداد : 5 / 384 ، و 386 ، وتهذيب الكمال : 1 / 508 ، واليعقوبي : 2 / 482 .
كما وقف المأمون ضد النُّصْب وكتب منشوراً في البراءة من معاوية ، ثم جاء المتوكل وتبنى مذهب مجسمة الحنابلة والعداء لأهل البيت ( عليهم السلام ) وأسس حزباً سماه ( أهل الحديث ) لمهاجمة مجالس الشيعة في عاشوراء ، وزوار الكاظمية وكربلاء . ثم انتهت موجة المتوكل بقتله ، وتبنى الخلفاء بعده سياسة الموازنة بين المذاهب والقوى الاجتماعية والسياسية .
الشيعة في نيسابور في عصر الإمام العسكري ( عليه السلام )
كانت نيسابور العاصمة العلمية للخلافة ففيها الأئمة ، وعشرات العلماء الكبار ، وألوف الطلبة . وفيها درس البخاري ، ثم غضبت عليه السلطة وأئمتها فطردته ، وفيها نشأ مسلم وكتب صحيحه .
وتقدم في حديث الإمام الرضا ( عليه السلام ) قول الراوي : ( فعدوا أهل المحابر والدوي الذين كانوا يكتبون ، فأنافوا على عشرين ألفاً ) .
وبعد هذا تكاثرت الشخصيات الشيعية في نيسابور ، حتى صارت أضعافاً في زمن الإمام العسكري ( عليه السلام ) ، وكان فيهم علماء كبار ورؤساء .
قال الكشي ( 2 / 822 ) : ( قال نصر بن الصباح : كان محمد بن سعيد بن كلثوم مروزياً ، من أجلة المتكلمين بنيسابور . قال غيره : وهجم عبد الله بن طاهر على محمد بن سعيد بسبب خبثه ، فحاجه محمد بن سعيد فخلى سبيله . قال أبو عبد الله الجرجاني : إن محمد بن سعيد كان خارجياً ، ثم رجع إلى التشيع بعد أن كان بايع على الخروج وإظهار السيف ) .
وقال الطوسي في الفهرست / 277 : ( أبو منصور الصرَّام ، من جملة المتكلمين ، من أهل نيسابور ، وكان رئيساً مقدماً ، وله كتب كثيرة ، منها كتاب في الأصول سماه بيان الدين ، وكتاب في إبطال القياس ، وكتاب تفسير القرآن كبير حسن ، قرأت على أبي حازم النيسابوري ، أكثر كتاب بيان الدين ، وكان قد قرأه عليه ، رأيت ابنه أبا القاسم وكان فقيهاً ، وسبطه أبا الحسن ، وكان من أهل العلم ) .
وقال النجاشي / 442 : ( يحيى المكنى أبا محمد العلوي من بني زبارة : علوي ، سيد ، متكلم فقيه ، من أهل نيسابور . له كتب كثيرة منها : كتاب في المسح على الرجلين ، وكتاب في إبطال القياس ، وكتاب في التوحيد .
يحيى بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، أبو محمد كان فقيهاً ، عالماً ، متكلماً ، سكن نيسابور . صنف كتباً منها : كتاب الأصول ، كتاب الإمامة ، كتاب الفرائض ، كتاب الايضاح في المسح على الخفين ) .
وقال النجاشي / 138 : ( حمدان بن سليمان أبو سعيد النيسابوري ثقة ، من وجوه أصحابنا . ذكر ذلك أبو عبد الله أحمد بن عبد الواحد ، أخبرنا أبو الحسين علي بن أحمد قال : حدثنا محمد بن الحسن قال : حدثنا علي بن محمد بن سعد القزويني قال : حدثنا حمدان ، وأخبرنا ابن شاذان عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، عن حمدان بكتابه ) .
وفي فهرست منتجب الدين / 79 : ( الشيخ الصائن أبو القاسم عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز الإمامي النيسابوري ، شيخ الأصحاب وفقيههم في عصره ، وله تصانيف في الأصولين أخبرنا بها الشيخ الإمام جمال الدين أبو الفتوح الحسين بن علي الخزاعي ، عن والده عن جده ، عنه ) .
وفي رجال الطوسي / 363 : ( الفضل بن سنان ، نيسابوري ، وكيل ) .
وقال العلامة في الخلاصة / 253 : ( كان محمد بن سعيد بن كلثوم مروزياً من أجلة المتكلمين ، نيسابوري . وقال غيره : وهجم عبد الله بن طاهر على محمد بن سعيد بسبب خبثه ، فحاجه محمد بن سعيد ، فخلى سبيله ) .
شاذان بن الخليل والد أسرة مباركة ( رحمه الله )
أسرة شاذان من قبيلة الأزد ، وأبوهم شاذان بن الخليل الأزدي ، تلميذ يونس بن عبد الرحمن ، الذي هو من خاصة الإمام الصادق ( عليه السلام ) .
قال السيد الخوئي ( 10 / 9 ) : ( أقول : الخليل هو والد شاذان ، كما ذكره الشيخ وصرح به الكشي والنجاشي في ترجمة الفضل بن شاذان ، وفي عدة من الروايات ذكر فيها شاذان بن الخليل ، ومع هذا كله لا عبرة بما رواه الكشي في ترجمة يونس بن عبد الرحمان قال : جعفر بن معروف ، قال : حدثني سهل بن بحر قال : حدثني فضل بن شاذان قال : حدثني أبي الخليل الملقب بشاذان . . . فإنه وإن دل على أن شاذان كان لقب والد الفضل وأن اسمه الخليل ، إلا أنه لا يقاوم ما تقدم ، فإن الرواية ضعيفة ولا أقل من جهة أن سهل بن بحر مجهول ، نعم في بعض نسخ الكشي الجليل بالجيم المعجمة ، فعلى هذه النسخة يرتفع الإشكال .
ثم أقول : إن الرجل من الثقات ، لا لرواية ابنه الفضل وأحمد بن محمد بن عيسى عنه ، لما مر من أن رواية الأجلاء عن رجل لا تدل على وثاقته بل لقول الكشي في ترجمة محمد بن سنان : قد روى عنه الفضل وأبوه ويونس ومحمد بن عيسى العبيدي ، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، والحسن والحسين ابنا سعيد الأهوازيان ابنا دندان ، وأيوب بن نوح ، وغيرهم من العدول والثقات من أهل العلم . فإن كلامه ظاهر في أن جميع من ذكره وفيهم شاذان بن الخليل ، من العدول والثقات .
وقال النجاشي : الفضل بن شاذان بن الخليل أبو محمد الأزدي النيسابوري كان أبوه من أصحاب يونس ، وروى عن أبي جعفر الثاني ، وقيل الرضا ( عليه السلام ) أيضاً . وكان ثقة ، أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلمين ، وله جلالة في هذه الطائفة . وكلامه ظاهر في أن قوله : وكان ثقة ، يرجع إلى والد الفضل لا إلى نفسه ، وإلا قال : كان ثقة ) .
وقال الحر العاملي في الوسائل ( 30 / 390 ) : ( شاذان بن الخليل والد الفضل بن شاذان : ممن روى عن محمد بن سنان ، من العدول ، والثقات ، من أهل العلم ، ذكره الكشي . وقال المحقق في المعتبر إنه من فضلاء تلامذة الجواد ( عليه السلام ) الذين كتبهم منقولة بين الأصحاب ، دالة على العلم الغزير ) .
أقول : كلام سيدنا الخوئي في توثيقه قوي ، ولا عبرة بقول من توقف في توثيق شاذان ( رحمه الله ) مثل ابن الشهيد ( رحمه الله ) في شرح الإستبصار ( 2 / 148 ) .
أما رده لرواية الكشي بقوله ( سهل بن بحر مجهول ) فجوابه توثيق الوحيد البهبهاني ( قدس سره ) له بقوله في تعليقته / 197 : ( قوله سهل بن بحر : يروى عنه الكشي بالواسطة على وجه ظاهره اعتماده عليه واستناده اليه ) .
وأما رده أن يكون شاذان لقباً للخليل فجوابه : أن قول الفضل : ( حدثني أبي الخليل الملقب بشاذان ) نص بأن شاذان لقب أبيه ( رحمه الله ) وليس اسمه ، وهذا طبيعي لأن شاذان بمعنى فرحان أو بشوش أو مستبشر ، ويستعمله الفرس إسماً ولقباً . وقد ورد لقباً لعدة رواة : قال الطوسي في رجاله / 198 : ( خالد بن سفيان الطحان الكوفي ، يعرف بشاذان ) .
وقال السمعاني ( 2 / 114 ) : ( إسحاق بن إبراهيم الفارسي الملقب بشاذان ) .
وقال في المجروحين ( 3 / 51 ) : ( النضر بن سلمة المروزي : يعرف بشاذان ) .
قال ابن أيوب المالكي ( 2 / 1001 ) : ( واسمه ميمون الأزدي . . يعرف بشاذان ) .
وفي عمدة القاري ( 19 / 273 ) : ( أسود بن عامر الملقب بشاذان الشامي ) .
فكيف يمكن أن نرد نص ابنه بأن شاذان لقبٌ لأبيه ، وأن اسمه الخليل !
ابن أخ الفضل وكيل الإمام المهدي ( عليه السلام )
المشهور من أولاد شاذان : الفضل بن شاذان ، وله إخوة يروون عنه منهم محمد بن شاذان وعلي بن شاذان ، كما أن بعض أولاد إخوته يروون عنه بواسطة أو مباشرة .
أما محمد بن شاذان بن نعيم بن شاذان ، فهو وكيل الإمام المهدي ( عليه السلام ) وهو المعروف بأبي عبد الله الشاذاني ، ويروي عن عم أبيه الفضل ، وهو وأخوه جعفر بن نعيم من مشايخ الصدوق ، فالصدوق ( رحمه الله ) يروي عن جعفر بن نعيم بن شاذان ، عن محمد بن شاذان ، عن الفضل بن شاذان .
قال الشيخ النمازي في مستدركاته ( 7 / 133 ) : ( محمد بن شاذان بن نعيم النيسابوري : من وكلاء الناحية المقدسة الذين رأوه ووقفوا على معجزته . وفي التوقيع المقدس المفصل الذي رواه الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال : وأما محمد بن شاذان بن نعيم ، فإنه رجل من شيعتنا أهل البيت ) .
وقد رأى محمد بن شاذان الإمام المهدي ( عليه السلام ) ، ففي كمال الدين / 442 : ( حدثنا أبو علي الأسدي ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي أنه ذكر عدد من انتهى إليه ممن وقف على معجزات صاحب الزمان ( عليه السلام ) ورآه من الوكلاء ببغداد : العمري وابنه ، وحاجز ، والبلالي ، والعطار . ومن الكوفة : العاصمي . ومن أهل الأهواز : محمد بن إبراهيم بن مهزيار . ومن أهل قم : أحمد بن إسحاق . ومن أهل همدان : محمد بن صالح . ومن أهل الري : البسامي ، والأسدي يعني نفسه ، ومن أهل آذربيجان : القاسم بن العلاء . ومن أهل نيسابور : محمد بن شاذان ) . يقصد ابن نعيم .
وفي كمال الدين / 509 : ( حدثنا محمد بن شاذان بن نعيم الشاذاني قال : اجتمعت عندي خمس مائة درهم تنقص عشرين درهماً ، فوزنت من عندي عشرين درهماً ودفعتهما إلى أبي الحسين الأسدي رضي الله عنه ولم أعرفه أمر العشرين ، فورد الجواب : قد وصلت الخمس مائة درهم التي لك فيها عشرون درهماً ! قال محمد بن شاذان : أنفذت بعد ذلك مالاً ، ولم أفسر لمن هو ، فورد الجواب : وصل كذا وكذا منه لفلان كذا ولفلان كذا ) .
وفي كمال الدين : 2 / 488 ، عن محمد بن شاذان بن نعيم قال : بعث رجل من أهل بلخ بمال ورقعة ليس فيها كتابة ، قد خط فيها بأصبعه كما تدور من غير كتابة ، وقال للرسول : إحمل هذا المال فمن أخبرك بقصته وأجاب عن الرقعة فأوصل إليه المال ، فصار الرجل إلى العسكر وقد قصد جعفراً وأخبره الخبر فقال له جعفر : تقر بالبداء ؟ قال الرجل : نعم ، قال له : فإن صاحبك قد بدا له وأمرك أن تعطيني المال ! فقال له الرسول : لا يقنعني هذا الجواب ، فخرج من عنده وجعل يدور على أصحابنا فخرجت إليه رقعة قال : هذا مال قد كان غرر به وكان فوق صندوق فدخل اللصوص البيت ، وأخذوا ما في الصندوق وسلم المال ، وردت عليه الرقعة وقد كتب فيها كما تدور ، وسألت الدعاء فعل الله بك وفعل ) .
أما مدحه ( قدس سره ) فورد في التوقيع المطول المعروف عن إسحاق بن يعقوب ( كمال الدين : 2 / 483 ) قال : سألت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ ، فوردت في التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان ( عليه السلام ) : أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا فاعلم أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح . .
وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم . وأما محمد بن شاذان بن نعيم ، فإنه رجل من شيعتنا أهل البيت . . وأما محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه وعن أبيه من قبل ، فإنه ثقتي وكتابه كتابي . . وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالإنتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب ، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء . فأغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإن ذلك فرجكم . والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى ) . وغيبة الطوسي / 176 ، والخرائج : 3 / 1113 ، والاحتجاج : 2 / 469 ، وكشف الغمة : 3 / 321 .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
