نظام الوكلاء عند الإمام العسكري "ع"
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
الإمام الحسن العسكري "ع" والد الإمام المهدي "عج"
الجزء والصفحة:
ص149-154
2025-08-14
530
نظام الوكلاء عالمي وطبيعي
كان نظام الوكلاء معروفاً قبل الإسلام ، وقد اعتمده النبي ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السلام ) فكان لهم وكلاء في أمور إدارية أو مالية . وكان الناس يَرجعون إلى وكلاء الأئمة ( عليهم السلام ) في أمور دينهم ، ويعطونهم الخمس والهدايا ورسائلهم وطلباتهم ، ليوصلوها إلى الإمام ( عليه السلام ) ، ويأتون بإجاباتها .
يمكن اعتبار كل ولاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكلاء ، لكن عنصر الوكالة بارزٌ أكثر في عمل الصحابي محمية بن جزء الذي عينه النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل بدر مسؤولاً عن الخمس ، فكان أميناً عليه ، يصرفه على بني هاشم خاصة !
ففي صحيح مسلم ( 3 / 118 ) أنه قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ، ادعوا لي محمية ، وكان على الخمس ، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب . قال فجاءاه فقال لمحمية : أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل بن عباس ، فأنكحه . وقال لنوفل بن الحارث : أنكح هذا الغلام ابنتك ، وقال لمحمية : أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا ) .
وأحمد : 4 / 166 ، وعون المعبود : 8 / 146 ، والاستيعاب : 4 / 1463 ، والإصابة : 6 / 37 .
ورد ذكر وكيل فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) في فدك ، ففي الإحتجاج ( 1 / 121 ) : قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( لما بويع أبو بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرِين والأنصار ، بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة ( عليها السلام ) بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منها ، فجاءت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) إلى أبي بكر ثم قالت : لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخرجت وكيلي من فدك ، وقد جعلها لي رسول الله بأمر الله تعالى ) !
4 . اشتهر من وكلاء أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أبو نَيْزَر ، وعرفت باسمه عين أبي نيزر في ينبع ، وكانت أكبر العيون التي استنبطها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وغرس عندها بساتين ينبع الشهيرة ، وكان أبو نيزر وكيله عليها ، وبلغت غلة ينبع في عصره ( عليه السلام ) أربعين ألف دينار .
قال ابن إسحاق في سيرته ( 4 / 202 ) : « رأيت أبا نَيْزَر بن النجاشي فما رأيت رجلاً قط عربياً ولا عجمياً ، أعظم ولا أطول ولا أوسم منه ، وجَدَه علي بن أبي طالب مع تاجر بمكة فابتاعه منه وأعتقه ، مكافأة للنجاشي لما كان ولي من أمر جعفر وأصحابه . فقلت لأبي : أكان أبا نيزر أسود كسواد الحبشة ؟ فقال : لو رأيته لقلت رجل من العرب » .
وقال الحموي في معجم البلدان ( 4 / 175 ) : « عين أبي نيزر . . قال المبرد . . صح عندي بعدُ أنه من ولد النجاشي ، فرغب في الإسلام صغيراً ، فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكان معه في بيوته ، فلما توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صار مع فاطمة وولدها رضي الله عنهم » .
وقد تطور نظام الوكالة في عصور الأئمة ( عليهم السلام ) ، حتى بلغ درجة متقدمةً من التكامل في زمن الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) .
والأكثر شهرة من وكلائه ( عليه السلام ) : عثمان بن سعيد العمري ، السمَّان الأسدي المنتجي .
ومن وكلائه أيضاً : محمد بن أحمد بن جعفر القمي العطار ، روى الكشي عن علي بن محمد بن قتيبة ، عن أحمد بن إبراهيم المراغي أنه ليس له ثالث في الأرض . ( الخلاصة / 243 ) .
ومن وكلائه : علي بن الحسين بن عبد ربه . ( الفوائد الرجالية : 1 / 357 ) .
ومحمّد بن صالح بن محمّد : الهمداني الدهقان . ( منتهى المقال : 6 / 81 ) .
ومحمَّد بن أحمد بن جعفر ، القمي العطَّار . ( شعب المقال / 304 ) .
والقاسم بن العلاء الهمداني . ( مستدركات رجال الحديث : 6 / 250 ) .
ومنهم علي بن جعفر الهمَّاني . ( غيبة الطوسي / 350 ) .
وإبراهيم بن مهزيار ، وابنه محمد بن إبراهيم . ( الكشي : 2 / 812 ) .
كما تطورت الإمكانات المالية للأئمة ، وتنوعت مصارفهم ( عليهم السلام ) . وقد بلغت في بعض الأوقات أرقاماً عالية . ففي مناقب آل أبي طالب ( 3 / 512 ) : ( دخل أبو عمرو عثمان بن سعيد ، وأحمد بن إسحاق الأشعري ، وعلي بن جعفر الهماني على أبي الحسن العسكري ، فشكا إليه أحمد بن إسحاق ديناً عليه ، فقال : يا أبا عمرو وكان وكيله ، إدفع إليه ثلاثين ألف دينار والى علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار ، وخذ أنت ثلاثين ألف دينار . فهذه معجزة لا يقدر عليها إلا المملوك ، وما سمعنا بمثل هذا العطاء ) !
وشكى بعضهم يوماً سعة صرف الوكيل علي بن جعفر الهماني في الحج فردهم الإمام العسكري ( عليه السلام ) .
قال الطوسي في الغيبة / 218 : ( حدثني أبو جعفر العمري رضي الله عنه أن أبا طاهر بن بلبل حج ، فنظر إلى علي بن جعفر الهماني وهو ينفق النفقات العظيمة ، فلما انصرف كتب بذلك إلى أبي محمد ( عليه السلام ) ، فوقع في رقعته : قد كنا أمرنا له بمائة ألف دينار ، ثم أمرنا له بمثلها فأبى قبولها إبقاء علينا ! ما للناس والدخول في أمرنا ، فيما لم ندخلهم فيه ) !
فيظهر أن سبب الإشكال على الهماني أنه شخصية يكلفه الإمام ( عليه السلام ) بمهمات كبار لم يستوعبها ابن بلبل ، ولعله قروي محدود الذهن ، أما الهماني فقد ورد أنه برمكي ، أي من أسرة فيها شخصيات كبيرة .
قال النجاشي / 280 : ( علي بن جعفر الهماني البرمكي يعرف منه وينكر ، له مسائل لأبي الحسن العسكري ( عليه السلام ) أخبرنا ابن الجندي عن ابن همام عن ابن مابنداذ أنه سمع ابن المعاني التغلبي من أهل رأس العين يحدث عن أحمد بن محمد الطبري عن علي بن جعفر بالمسائل ) .
ومعنى : يُعرف منه وينكر ، أن بعض مروياته عند النجاشي مستنكرة ، ولكنهم اتفقوا على توثيقه ( رحمه الله ) .
ويكفيه أن جعفر بن قولويه روى عنه في جامع الزيارات ، وروى عنه المعافي في أمالي الطوسي وغيره . وترجمه السيد الخوئي ( 12 / 318 ) ومما قاله فيه : ( قال يوسف بن السخت : كان علي بن جعفر وكيلاً لأبي الحسن ( عليه السلام ) ، وكان رجلاً من أهل همينيا ، قرية من قرى سواد بغداد ، فسُعِيَ به إلى المتوكل فحبسه فطال حبسه ، واحتال من قبل عبد الله بن خاقان بمال ضمنه عنه بثلاثة آلاف دينار ، فكلمه عبد الله فعرض جامعه على المتوكل فقال : يا عبد الله لو شككت فيك لقلت إنك رافضي ! هذا وكيل فلان وأنا عازم على قتله ، قال : فتأدى الخبر إلى علي بن جعفر فكتب إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) : يا سيدي الله الله فيَّ ، فقد والله خفت أن أرتاب ، فوقع في رقعة : أما إذ بلغ بك الأمر ما أرى فسأقصد الله فيك ، وكان هذا في ليلة الجمعة ، فأصبح المتوكل محموماً ، فازدادت علته حتى صرخ عليه يوم الاثنين ، فأمر بتخلية كل محبوس عرض عليه اسمه حتى ذكر هو علي بن جعفر ، فقال لعبد الله : لمَ لم تعرض عليَّ أمره ؟ فقال : لا أعود إلى ذكره أبداً ، قال : خلِّ سبيله الساعة وسله أن يجعلني في حل ، فخلى سبيله وصار إلى مكة بأمر أبي الحسن ( عليه السلام ) فجاور بها ، وبرئ المتوكل من علته ) .
وذكر الشيخ الطوسي في كتابه الغيبة ( 346 - 350 ) عدداً من وكلاء الأئمة الممدوحين ، من زمن الصادق إلى زمن الإمام العسكري ( عليهم السلام ) كحمران بن أعين والمفضل بن عمر ، ونصر بن قابوس اللخمي ، وعبد الله بن جندب البجلي ، وعبد العزيز بن المهتدي الأشعري ، وعلي بن مهزيار الأهوازي ، وأيوب بن نوح بن دراج ، وعلي بن جعفر الهماني .
وروى عن محمد بن عيسى قوله : ( كتب أبو الحسن العسكري ( عليه السلام ) إلى الموالي ببغداد والمدائن والسواد وما يليها : قد أقمت أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه ، ومن قبله من وكلائي . وقد أوجبت في طاعته طاعتي ، وفي عصيانه الخروج إلى عصياني ، وكتبت بخطي .
وروى عن محمد بن فرج قوله : كتبت إليه أسأله عن أبي علي بن راشد وعن عيسى بن جعفر بن عاصم وعن ابن بند .
وكتب إليَّ : ذكرتَ ابن راشد ( رحمه الله ) فإنه عاش سعيداً ومات شهيداً ، ودعا لابن بند والعاصمي . وابن بند ضرب بعمود وقتل ، وابن عاصم ضرب بالسياط على الجسر ثلاث مائة سوط ، ورُمِيَ به في الدجلة ) .
ثم ذكر الشيخ الطوسي بعض المذمومين ، كصالح بن محمد بن سهل الهمداني ، وعلي بن أبي حمزة البطائني ، وزياد بن مروان القندي ، وعثمان بن عيسى الرواسي ، وفارس بن حاتم بن ماهويه القزويني .
نلاحظ أن وكلاء الأئمة ( عليهم السلام ) يتوزعون على المدن الهامة في الدولة الإسلامية في العراق وفارس والحجاز واليمن والشام ومصر . وأن مواضيع وكالاتهم منها مالية صرفة ومنها مالية وإدارية . وأن مستوياتهم متفاوتة . لكن السفراء الأربعة أعلاهم مستوى ، فقد كان أحدهم يعرف ما في الرسائل ، ومقدار المال ونوعه هدية أو خمساً ومن أرسله . ( الخرائج : 3 / 1108 ، وغيبة الطوسي / 353 ) .
ونترجم في الفصول التالية لعثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه ، ثم لأحمد بن إسحاق الأشعري القمي ، وكان وكيلاً عاماً معتمداً عند الأئمة ( عليهم السلام ) . ثم نتحدث عن نيسابور وعلاقة الإمام العسكري ( عليه السلام ) بها ، ونترجم للفضل بن شاذان بن جبريل الأزدي ، وكان يعيش في نيسابور العاصمة العلمية للخلافة .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة