علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
فصول مهمّة مترابطة
المؤلف: الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي
المصدر: وصول الأخيار إلى أصول الأخبار
الجزء والصفحة: ص 63 ـ 85
2024-12-14
422
(فصل)
وقبيح بذي العقل أن يترك أحاديث أهل بيت نبيه ودينهم بعد ما تلوناه من شأنهم، وهو قليل من كثير إذ لسنا هنا بصدد استقصائه، ويأخذ معالم دينه عن جماعة ظهر منهم الفسق والكفر، امّا نبص من الله أو بنص الرسول أو شهادة بعضهم على بعض امّا اجمالا أو تفصيلا.
ولنذكر من ذلك انموذجاً يسيراً يكون عذراً لنا في رفضهم، ونقتصر من ذلك على ما جاء في القرآن العزيز أو رووه هم في صحاحهم لتكون الحجّة أو قبح دون ما نحن تفرّدنا بنقله.
أمّا الاجمال فيكفينا القرآن شاهداً، حيث أخبر سبحانه وتعالى بفرارهم من الزحف وهو من اكبر الكبائر في قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25]، وكانوا اكثر من أربعة آلاف رجل ، فلم يتخلّف معه (1) الا سبعة أنفس علي (عليه السلام) والعباس والفضل ابنه وربيعة وسفيان ابنا الحارث بن عبد المطلب واسامة بن زيد وعبيدة ابن ام أيمن، وأسلمه الباقون الى الاعداء والقتل، ولم يخشوا العار ولا النار، وآثروا الحياة الدينا، ولم يستحيوا من الله تعالى ولا من نبيه وهو يشاهدهم عياناً.
وقد فرّوا من الزحف في موارد أخرى كثيرة لا تخفى على أهل النقل. وقال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: 11]، رووا انّهم كانوا إذا سمعوا بوصول تجارة تركوا الصلاة معه.
فإذا كانوا معه ـ وهو بين أظهرهم ـ بهذه المثابة كيف يستعبد منهم الفسق بل الكفر بعده ميلا الى هوى أنفسهم في طلب الملك وزهرة الحياة الدينا، وقد قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] فلولا علمه تعالى بانقلابهم لم يحسن منه التوبيخ عليه.
وأمّا ما رووه في شأن الصحابة اجمالا أيضاً فمنه:
ما رواه في الجمع بين الصحيحين من مسند سهل بن سعد (2) في الحديث الثامن والعشرين من المتفق عليه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "أنا فرطكم (3) على الحوض، من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً، وليردنّ عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم".
قال أبو حازم (4): فسمع النعمان بن ابي العباس (5) وأنا أحدّثهم بهذا الحديث فقال: هكذا سمعت سهلا يقول؟ فقلت: نعم. فقال: أنا أشهد على ابي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيقول: انّهم من أمّتي؟ فيقال: انّك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: سحقاً سحقاً لمن يبدّل بعدي (6).
ومنه ما رواه في الجمع بين الصحيحين أيضاً من المتّفق عليه في الحديث الستين من مسند عبد الله بن عباس قال: انّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: انه سيجاء برجال من أمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا ربّ أصحابي. فيقال: انّك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117] قال: فيقال لي: انّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم (7).
ومنه في الجمع بين الصحيحين أيضاً في الحديث الحادي والثلاثين بعد المئة من المتفق عليه من مسند أنس بن مالك قال: انّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ليردنّ عليّ الحوض رجال ممّن صاحبني حتّى إذا رأيتهم ورفعوا اليّ رؤوسهم اختلجوا (أصاحوا خ ل) فلأقولنّ: أي ربّ أصحابي أصحابي. فليقالنّ: انّك لا تدري ما أحدثوا بعدك(8).
ومنه فيه أيضاً في الحديث السابع والستين بعد المائتين من المتفق عليه من مسند ابي هريرة، رواه بعدّة طرق قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): بينا أنا قائم إذا زمرة حتّى إذا عرفتهم خرج رجل بيني وبينهم فقال: هلمّوا. فقلت: الى أين؟ قال: الى النار والله. قلت: ما شأنهم؟ قال: انّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى.
ثم إذا زمرة حتّى إذا عرفتهم خرج رجل بيني وبينهم فقال: هلمّوا. فقلت الى أين؟ فقال: الى النار والله. قلت: ما شأنهم؟ قال: انّهم ارتدّوا على أدبارهم، فلا أراه يخلص منهم الأمثل ما يخلص من همل النعم (9).
وقد روى الحميدي نحو ذلك من مسند عائشة من عدّة طرق، ونحوه من مسند أسماء بنت ابي بكر من عدّة طرق، ونحوه من مسند أم سلمة، ونحوه من مسند سعيد بن المسيّب من عدّة طرق، كل ذلك في الجمع بين الصحيحين.
ومنه أيضاً في مسند ابي الدرداء في الحديث الأول من صحيح البخاري قالت أم الدرداء: دخل عليّ أبو درداء وهو مغضب، فقلت: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف من أمر امّة محمد شيئاً الا أنّهم يصلّون جميعاً (10).
وروى البغوي في كتاب المصابيح في حديث طويل في صفة الحوض قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا فرطكم على الحوض، من مرّ عليّ شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً، وليردنّ عليّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: انّهم أمّتي. فيقال: انّك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: سحقاً سحقاً لمَن غيَّر بعدي.
وقد رووا في صحاحهم من شكوى النبي (صلى الله عليه وآله) منهم ومن مخالفتهم له أشياء كثيرة لو عددناها لطال.
وأمّا شكوى علي (عليه السلام) وتظلّمه من الثلاثة الأول فهو أوضح من الشمس قد نقله كل الطوائف، ونهج البلاغة مشحون به، كقوله: "أما والله لقد تقمّصها أخو تيم وهو يعلم أنّ محلّي منها محل القطب من الرحى" (11).
وقوله: "وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء".
وقوله: "أرى تراثي نهباً، حتّى إذا مضى الأول لسبيله عقدها لأخ عدي (أدلى بها الى فلان خ ل) بعده، فواعجباً بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته (12).
ونحو ذلك ممّا هو كثير وصريح بالتظلّم، ومن المحال ادّعاؤه الكذب بعدهم وقد وصلت إليه الخلافة، حيث أنّ الباري طهّره وأجمعت الأمة على زهده وورعه.
وروى ابن المغازلي الشافعي في كتاب المناقب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال لعلي (عليه السلام): "إنّ الأمّة ستغدر بك من بعدي" (13).
وروى أبو بكر الحافظ ابن مردويه من أكابر السند بإسناده الى ابن عباس أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكى حتّى علا بكاؤه، فقال له علي (عليه السلام): ما يبكيك يا رسول الله قال: "ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتّى يفقدوني" (14).
(فصل)
وأمّا التفضيل فنذكر بعضاً مما رووه من أكبر أكابرهم:
فمنهم المتخلّفان عن جيش أسامة اجماعا والنبي (صلى الله عليه وآله) يقول: جهّزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلّف عن جيش أسامة (15).
فكيف يقتدى بمن لعنه النبي، ولم لم نتأسّ به، ومن قال: انّ لي شيطاناً يعترينى (16)، ومن كانت بيعته فلتة بشهادة عمر (17)، ومن طلب الإقالة عمّا دخل فيه (18) وليس الا لعلمه بعدم صلوحه له، ومن شكّ عند موته فقال: ليتني كنت سألت النبي (صلى الله عليه وآله) هل للأنصار في هذا الأمر شيء (19)، وهذا شك فيما هو فيه مع أنّه هو الذي دفع الأنصار لمّا قالوا: منّا أمير ومنك أمير، بقوله: الأئمّة من قريش. فإن كان ما رواه حقّاً كيف حصل له الشك والا فقد دفع بالباطل.
ومن لم يولّه النبي (صلى الله عليه وآله) شيئاً من الاعمال الا بتبليغ سورة (براءة) ثم نزل جبرئيل بردّه فقال: لا يؤدّيها الا أنت أو رجل منك، كما رواه احمد بن حنبل في مسنده بخمس طرق (20)، ورواه البخاري في صحيحه بطريقين (21) ورواه في الجمع بين الصحاح الست (22)، ورواه الثعلبي في تفسيره (23).
وفي هذا مع قوله تعالى: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم: 36] أوضح بيان لذوي العرفان، ومن لا يصلح لتبليغ سورة من القرآن كيف يسلم إليه زمام الايمان.
ومن منع فاطمة (عليها السلام) إرثها برواية مخالفها للقرآن، وقد روى البخاري بطرقين أنّ فاطمة أرسلت تطالبه بميراثها فمنعها ذلك، فوجدت فاطمة على أبي بكر وهجرته فلم تكلّمه حتّى ماتت (24).
ودفنها علي (عليه السلام) ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر (25).
ويلزم أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله) قد خالف الله تعالى في قوله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] فكيف لم ينذر علياً وفاطمة الحسن والحسين والعباس ولا أحداً من بني هاشم الأقربين، بل ولا أحداً من نسائه ولا من المسلمين.
وقد روى في الجمع بين الصحيحين أنّ فاطمة والعباس أتيا يطلبان ميراثهما من النبي صلى الله عليه وآله (26).
وروى فيه أيضاً أنّ أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) بعثن يطلبن ميراثهنّ (27).
وروى الحافظ ابن مردويه بإسناده الى عائشة ـ وذكرت كلام فاطمة لأبي بكر وقالت في آخره: وأنتم تزعمون أن لا ارث لنا {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة: 50]، معشر المسلمين انّه لا أرث ابي، يابن ابي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث ابي، لقد جئت شيئاً فرياً، فدونكها مرحولة مخطومة (محفوظة خ ل) تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله والغريم محمد والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون (28).
ومن أخذ فدك من فاطمة وقد وهبها ايّاها ابوها بأمر الله تعالى، روى الواقدي وغيره منهم أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لمّا افتتح خيبر اصطفى لنفسه قرى من قرى اليهود، فنزل عليه جبرئيل بهذه الآية {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26] فقال محمد: ومن ذا القربى وما حقّه؟ قال: فاطمة. فدفع إليها فدك والعوالي، فاستغلتها حتّى توفي أبوها، فلمّا بويع أبو بكر منعها، فكلّمته فقال: لا أمنعك ما دفع اليك ابوك، فأراد أن يكتب لها كتاباً فاستوقفه عمر وقال: انّها امرأة فلتأتِ على ما ادّعت ببيّنة. فأمرها أبو بكر فجاءت بأم أيمن وأسماء بنت عميس وعلي، فشهدوا بذلك، فكتب لها أبو بكر، فبلغ ذلك عمر فأخذ الصحيفة فمحاها فحلفت الا تكلّمهما وماتت وهي ساخطة عليهما.
وفي بعض الروايات: فشهد لها علي فقال: انّه يجر نفعاً الى نفسه. وشهد لها الحسنان فقال: ابناك. وشهدت لها أم ايمن فقال: امرأة. فعند ذلك غضبت عليه وحلفت الا تكلّمه حتّى تلقى أباها وتشكو إليه.
وهذا يدل على نهاية جهله بالأحكام وعلى أنّهما لم يكن عندهما مثقال ذرة من الاسلام، وهل يجوز على الذين طهّرهم الله بنصّ الكتاب أن يقدموا على غصب المسلمين أموالهم وان يدلّهم أبو بكر على الصواب. فاعتبروا يا أولي الالباب.
مع أنّه قد روى مسلم في صحيحه بطريقين أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فاطمة بضعة مني يؤذيني من آذاها (29).
وروى البخاري في صحيحه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني (30).
وكذلك روى هذين الحديثين في الجمع بين الصحيحين، وروى في الجمع بين الصحاح الست أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فاطمة سيّدة نساء العالمين (31).
وروى بطريق آخر أنّه قال: "ألا ترضين أن تكوني سيدة المؤمنين أو سيدة نساء العالمين أو سيدة نساء هذه الأمّة".
وكذلك رواه البخاري في صحيحه (32)، وكذلك رواه الثعلبي في تفسيره عند قوله تعالى: {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36].
وهذه الأخبار الصحيحة عندهم تدلّ على أنّ من آذى فاطمة أو أغضبها فقد آذى اباها وأغضبه، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا } [الأحزاب: 57].
وقد صحّحوا أن أبا بكر وعمر قد أغضباها وآذياها وهجرتهما الى أن ماتت فاعتبروا يا أولي الأبصار.
(فصل)
ومنهم من خالف النبي (صلى الله عليه وآله) بل خالف الله؛ لأنّه لا ينطق عن الهوى، في إحضار الدواة والقرطاس ليكتب للمسلمين كتاباً لن يضلوا بعده أبداً، وشتم النبي (صلى الله عليه وآله) حينئذٍ فقال: دعوه فإنّه يهجر. وهذا لا يجوز أن يواجه به المثل لمثله فكيف هذا النبي الكريم ذو الخلق العظيم. فقد روى ذلك مسلم في صحيحه، ورواه غيره من أهل النقل، وكان ابن عباس يقول: الرزية كلّ الرزية ما حال بيننا وبين كتاب نبينا (33).
ومن أوجب بيعة ابي بكر وخاصم علياً بغير دليل وقصد بيت النبوة وذرية الرسول الذين فرض الله طاعتهم ومودتهم واكّد النبي (صلى الله عليه وآله) في الوصية بهم بالإحراق بالنار (34).
وكيف يوجب عليهم شيئاً لم يوجبه الله ولا رسوله عليهم، فهل كان أعلم من الله ورسوله ومن أهل البيت بالأحكام ومصالح العباد، والنبي (صلى الله عليه وآله) قد قنع من اليهود والنصارى بالجزية ولم يوجب عليهم متابعته قهراً ولا عاقبهم بالإحراق بالنار، فكيف استجاز إحراق أهل بيت نبيّه.
ومن أمر برجم حامل (35) ورجم مجنونة (36) فنهاه علي (عليه السلام) فقال: لولا علي لهلك عمر (37).
ومن منع من المغالاة في المهر ونبّهته امرأة، فقال: كلّ الناس أفقه من عمر حتى المخدّرات في البيوت (38).
ومن أعطى حفصة وعائشة من بيت المال ما لا يجوز (39).
ومن عطّل حدّ الله في المغيرة بن شعبة ولقّن الشاهد الرابع فامتنع (40) حتّى كان عمر يقول إذا رآه: قد خفت أن يرميني الله بحجارة من السماء.
ومن كان يتلوّن في أحكامه لجهله حتّى قضى في الحد بسبعين قضية (41).
ومن قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما (42) وهذا يقدح في ايمانه ان كان آمن.
وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من عدة طرق عن جابر وغيره: كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر حتى نهانا عنها عمر لأجل عمرو بن حريث لمّا استمتع.
وقد روى في الجمع بين الصحيحين نحو ذلك من عدّة طرق.
وروى احمد في مسنده عن عمران بن حصين قال: أنزلت متعة النساء في كتاب الله وعلمناها وفعلناها مع النبي (صلى الله عليه وآله) ولم ينزل قرآن بحرمتها ولم ينه عنها حتّى مات.
وروى الترمذي في صحيحه قال: لمّا سئل ابن عمر عن متعة النساء فقال: هي حلال. فقيل: انّ أباك قد نهى عنها. فقال: سبحان الله ان كان أبي قد نهى عنها وصنعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) نترك السنّة ونتبع قول أبي.
ومن أبدع في الشورى عدّة بدع، فخرج بها عن النص والاختيار وحصرها في ستة وشهد على كل من سوى علي (عليه السلام) بعدم صلوحه لها وأمر بضرب رقابهم ان تأخروا أكثر من ثلاثة أيام وأمر بضرب رقاب من يخالف عبد الرحمن (43) وكل ذلك حكم بما لم ينزل الله تعالى.
وتقوّل في الدين وأبدع في ترتيب التراويح جماعة (44)، وقد أجمع كل الأمّة على أنّها بدعة، حتّى هو قال: بدعة ونعمت البدعة (45)، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها الى النار" (46).
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما أنّ عمر قال للعباس وعلي: فلمّا توفي رسول الله قال أبو بكر (أنا ولي رسول الله) ، فجئتما أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته، فقال أبو بكر: قال رسول الله: لا نورث ما تركناه صدقة، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله انّه لراشد تابع للحق، ثم لمّا توفّي أبو بكر قال عمر (أنا ولي رسول الله وولي أبي بكر)، فرأيتماني كاذباً آثماً خائناً غادراً، والله يعلم انّي لصادق بار تابع للحق (47).
ولم يعتذر العباس ولا علي عن هذا الاعتقاد، ولا شبهة أنّ اعتقادهما حق؛ لأنّ الله قد طهّر عليّاً وجعل النبي الحق دائراً مع علي في قوله (صلى الله عليه وآله) في حديث غدير خم: "وأدر الحق معه كيفما دار" (48) كما جاء في غيره أيضًا.
(فصل)
ومنهم (49) من ولي أمور المسلمين لمن ظهر منه الفسق والفساد ولا علم عنده مراعاة لحرمة القرابة وعدولا عن مراعاة حرمة الدين، كالوليد بن عقبة فشرب الخمر حال امارته (50)، وصلّى وهو سكران والتفت الى من خلفه وقال: أزيدكم في الصلاة(51).
وسعيد بن العاص ظهر منه في الكوفة المناكر فتكلّموا فيه وفي عثمان وأرادوا خلع عثمان فعزله عنهم قهراً (52).
وعبيد الله بن ابي سرح ظلم في مصر وعشم (53) وتكلمّ فيها أهل مصر فصرفه عنهم بمحمد بن ابي بكر، ثم كاتبه سراً بأن استمر على الولاية وأمره بقتل محمد وغيره ممّن يرد عليه، ولمّا ظفروا بذلك الكتاب كان أحد الاسباب في قتله.
ومن ردّ الحكم بن العاص الى المدينة وقد طرده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان قد كلّم أبا بكر وعمر في ردّه فلم يقبلا وزبراه، ولمّا ردّه جاءه علي وطلحة والزبير وأكابر الصحابة وخوّفوه من الله تعالى فلم يسمع.
ومن ضرب أبا ذر (رض) مع تقدّمه في الاسلام وعلوّ شأنه عند النبي (صلى الله عليه وآله) ونفاه الى الربذة، وذم ابي ذر (رض) لعثمان ووقائعه معه كثيرة مشهورة(54).
ومن ضرب عبد الله بن مسعود (رض) حتّى كسر بعض أضلاعه فعهد ألّا يصلي عليه عثمان، وقال عثمان له لمّا عاده في مرض موته: استغفر لي. فقال عبد الله : أسأل الله أن يأخذ لي حقّي منك (55).
ومن ضرب عمّار بن ياسر (رض) حتّى حدث به فتق بغير جرم منه الا أنّه نهاه عن بعض المناكر، وكان عمّار من أكبر المؤلبين (56) على قتله هو ومحمد بن ابي بكر وكانا يقولان: قتلناه كافراً. وكان عمّار يقول: ثلاثة يشهدون على عثمان بالكفر وأنا الرابع، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].
وقيل لزيد بن أرقم: بأيّ شيء كفّرتم عثمان؟ فقال: بثلاث: جعل المال دولة بين الأغنياء، وجعل المهاجرين من الصحابة بمنزلة من حارب الله ورسوله، وعمل بغير كتاب الله (57).
وكان حذيفة بن اليمان (رض) يقول: ما في كفر عثمان بحمد الله شكّ (58).
ومن كان يؤثر أهله بالأموال العظيمة من بيت مال المسلمين، حتّى دفع الى أربعة زوّجهم بناته أربعمائة ألف دينار، وأعطى مروان مائة ألف دينار (59).
ومن عطّل الحد الواجب على عبيد الله بن عمر حيث قتل الهرمزان مسلماً وكان قد أوصى عمر بقتله، فدافع عثمان عنه وحمله الى الكوفة وأقطعه بها داراً ونقم عليه المسلمون في ذلك (60).
ومن تبرأ منه كل الصحابة، فكانوا بين قاتل له وبين راضٍ، حتّى تركوه بعد قتله ثلاثة أيّام بغير دفن ومنعوا من الصلاة عليه (61)، وحكمه بغير ما أنزل الله وبدعه أكثر من أن يحصر.
(فصل)
ومنهم من هو رأس الفئة الباغية بإخبار النبي (صلى الله عليه وآله) في قتل عمار(رض) (62) وأنّه يدعوهم الى الجنّة ويدعونه الى النّار (63).
ومن هو دعي ابن دعي. روى هشام بن السائب الكلبى قال: كان معاوية لأربعة نفر: لعمارة بن الوليد، ولمسافر بن ابي عمر، ولأبي سفيان، ولرجل سمّاه (64).
وكانت أمّه هند من المغتلمات (65)، وكان أحب الرجال إليها السودان، وكانت إذا ولدت أسود قتلته.
وحمامة جدّة معاوية كانت من ذوات الرايات، أي الغايات في الزنا (66).
ومن دعا عليه النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: لا أشبع الله بطنه (67)، واستجيبت دعوة النبي فيه واشتهر ذلك فكان لا يشبع.
وكان النبى يستغفر لقومه عموماً وخصوصاً، ولهذا جاء قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 80] فلو لم يكن من أشدّ المنافقين نفاقاً ما دعا عليه خصوصاً وهو يدعو لهم عموماً.
ومن حارب علياً (عليه السلام) الذي جاء فيه ما تلوناه طلباً لزهرة الحياة الدنيا وزهداً في الله والدار الآخرة، وتعظيم علي ثبت بضرورة الدين ووجوب طاعته ثبت لكونه مولى المؤمنين. ومن لم يزل مشركاً مدة كون النبي (صلى الله عليه وآله) مبعوثاً يكذّب بالوحي ويهزأ بالشرع ، فالتجأ الى الإسلام لما هدر النبي دمه ولم يجد ملجأ قبل موت النبي بخمسة أشهر.
ومن روى عبد الله بن عمر في حقه قال: أتيت النبي (صلى الله عليه وآله) فسمعته يقول : يطلع عليكم رجل يموت على غير سنّتي ، فطلع معاوية (68).
وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يخطب، فأخذ معاوية بيد ابنه يزيد وخرج ولم يسمع الخطبة، فقال النبي: "لعن الله القائد والمقود" (69).
ومن سنّ السب على علي بن ابى طالب (عليه السلام) (70)، وقد ثبت تعظيمه بالكتاب والسنّة، وسبّه بعد موته يدلّ على غلٍّ كامن وكفر باطن.
ومن سمّ الحسن (عليه السلام) على يد زوجته بنت الأشعث (71) ووعدها على ذلك مالاً جزيلاً وأن يزوّجها يزيد فوفى لها بالمال فقط.
ومن جعل ابنه يزيد الفاسق (72) ولي عهده على المسلمين حتّى قتل الحسين (عليه السلام) وأصحابه وسبى نساءه (73)، وتظاهر بالمناكر والظلم وشرب الخمر وهدم الكعبة (74) ونهب المدينة (75) وأخاف أهلها وأباح نساءها ثلاثة أيام، وكسر ابوه ثنية النبي (صلى الله عليه وآله) وأكلت أمه كبد حمزة (رض).
ومن قتل حجر وأصحابه (76) بعد أن أعطاهم العهود والمواثيق، وقتل عمرو ابن الحمق (77) حامل راية رسول الله الذي أبلت العبادة وجهه بغير جرم الا خوفاً أن ينكروا على منكره.
ومن قتل أربعين ألفاً من الأنصار والمهاجرين وأبناءهم وقد قال جل ثناؤه: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] وقال النبي (صلى الله عليه وآله): "من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة لقي الله يوم القيامة مكتوباً على جبهته آيس من رحمة الله" (78).
فلا أدري بأيّ عقل يجوز أن يكون هذا خليفة الرسول على المسلمين وانّه كان مجتهداً في قتال أمير المؤمنين (عليه السلام) وقتله الأنصار والمهاجرين، وأنّه يجوز أن يعوّل عليه في معالم الدين. إنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
(فصل)
هذا قيل من كثير ممّا تقلوه من قبائح أكبر الصحابة عندهم وأكبر النساء عندهم أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) وأكبرهنّ عائشة، وقد خرجت الى قتال علي (عليه السلام) ومن معه من الأنصار والمهاجرين بعد أن بايعه المسلمون (79) وخالفت الله تعالى في قوله {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33]، فخالفت أمر الله وهتكت حجاب رسوله وتبرّجت في جيش عظيم واعتلّت بدم عثمان وليست بولي الدم ولا لها حكم الخلافة. مع أنّها طلبته من غير من هو عليه؛ لأنّ علياً (عليه السلام) لم يحضر قتله اجماعاً ولا أمر به كما رووه، مع أنّها كانت من اكبر المؤلّبين على قتل عثمان وتقول: اقتلوا نعثلا، قتل الله نعثلا (80)، فلمّا بلغها قتله فرحت به فلمّا بايعوا علياً أسندت القتل إليه وقامت تطالب بدمه لبغضها علياً (عليه السلام)، وتبعها على ذلك خلق كثير [ثلاثون ألفاً وقاتلوا بين يديها حتّى قتل من كبرائهم وشجعانهم ستة عشر ألفاً وسبعمائة وتسعون رجلا، وكان أتباع علي (عليه السلام) وجنده يومئذٍ عشرون ألفاً قتل منهم ألف وسبعون رجلا، وقد قتل بسببها من أولاد الأنصار والمهاجرين والتابعين سبعة عشر ألف وثمانمائة وستون] (81).
وفاطمة (عليها السلام) لمّا جاءت تطالب بحق إرثها الذي جعله الله لها في كتابه وتطالب بنحلتها من أبيها وكانت محقّقة مطهّرة لم يتبعها مخلوق ولم يساعدها بشر فليعتبر في ذلك ذو اللب فإنّ فيه معتبراً.
ثم انّها جعلت بيت النبي (صلى الله عليه وآله) مقبرة لأبيها ولعمر وهما أجنبيّان فإن كان هذا البيت ميراثاً وجب استئذان كل الورثة ولزوم كذب أبي بكر، وان كان صدقة وجب استئذان المسلمين، وان كان ملك عائشة كذبها أنّها لم يكن لها ولا لأبيها في المدينة دار.
وقد روي في الجمع بين الصحيحين أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: "ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنّة" (82).
وروي أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: "إذا غسّلتموني وكفّنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري". ولم يقل في الموضعين بيت عائشة. وقتل بسببها نحو ستة عشر ألفاً من المهاجرين والأنصار وغيرهم، وأفشت سرّ النبي (صلى الله عليه وآله) كما حكاه الله تعالى عنها (83).
ونقل الغزالي كثيراً من سوء صحبتها للنبي (صلى الله عليه وآله)، فروى أنّ أبا بكر دخل يوماً على النبي وقد وقع في حقّه منها مكروهاً، فكلّفه النبي أن يسمع منها ما جرى ويدخل بينهما، فقال النبي: تتكلّمين أو أتكلّم. فقالت: تكلّم ولا تقولنّ الا حقّاً.
وأيم الله لو خاطب المثل لمثله بذلك لعد مسيئاً للأدب، بل هذا يدل على أنّها تعتقد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد يقول غير الحق.
وروى البخاري في صحيحه عن نافع عن ابن عمر قال: قام النبي (صلى الله عليه وآله) خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة وقال: الفتنة ههنا ـ ثلاثاً ـ حيث يطلع قرن الشيطان. وروى فيه أيضاً قال: خرج النبي (صلى الله عليه وآله) من بيت عائشة وقال: رأس الكفر من ههنا حيث يطلع قرن الشيطان.
(فصل)
وهذا الذي نقلناه من الكتاب العزيز والسنّة الصحيحة عندهم من مدائح الفريقين ومذامّهما قليل من كثير ونزر حقير من جم غفير، يعلم صدق ذلك من طالع صحاحهم وصحاحنا وكتب المناقب والمثالب والسير والأخبار لنا ولهم.
وحيث أنّهم نقلوه في صحاحهم وغيرها لم يكن لهم سبيل الى انكاره، ولهذا تمحّلوا للجواب عنه بما يصغر [عن النقل] (84) ويحكم بفساده من له أدنى عقل، وهو في الحقيقة يفيد العلم بعدالة الفرقة الأولى وصلوحهم لأخذ معالم الدين عنهم، ويفيد العلم بفسق الفرقة الثانية أو كفرها؛ لأنّه من قبيل التواتر معنى.
خصوصاً ومن ذكرناهم هم أفضل الصحابة عندهم فما ظنّك بالمفضول.
سلّمنا أنّه لا يفيد العلم فهو يفيد الظن الغالب، فكيف يعدل عنه الى الوهم بغير دليل. سلّمنا أنّ جميع ما نقلوه فيها كذب فكيف نصنع بالكتاب العزيز وكيف تركن النفس حينئذٍ الى صدق باقي ما نقلوه.
ونحن بحمد الله قد أفادنا الكتاب العزيز والسنة الثابتة عندهم والأحاديث الصحيحة عندنا الكثيرة المستفيضة بل المتواترة معنى والبراهين القاطعة المقرّرة في الكلام علماً ضروريّاً بعصمة الفرقة الأولى فضلاً عن عدالتها وبكفر الفرقة الثانية فضلاً عن فسقها بحيث لا نشكّ فيه ولا نمتري.
ولو تنزّلنا وسلّمنا أنّه في نفس الأمر ليس كذلك لمن نكن مأثومين، حيث أنّ هذا هو الذي أدّانا إليه اجتهادنا، ولا يكلّف الله نفساً الا وسعها.
والعجب كيف جوّزوا الاجتهاد في تخلّف ابي بكر وعمر عن جيش أسامة وقد لعن النبي (صلى الله عليه وآله) من تخلّف عنه، وفي احراقهما بالنار بيت علي وفيه علي وفاطمة والحسنين وهم أهل البيت الذين طهّرهم الله وحثّ النبي على التمسّك بهم وأكّد في الوصيّة بهم، وفي سفك الصحابة بعضهم دم بعض، وسفك طلحة والزبير وعائشة دماء الأنصار والمهاجرين وقتال أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفي قتال معاوية وسفك دمه ودم من معه من الأنصار والمهاجرين ولم يجوّزوا لأئمتنا وأكابر علمائنا الاجتهاد في سبّهم والعدول عمّا نقلوه من أحكام الدين الى ما نقلوه عن أهل البيت المطهّرين بعدما نقلوه في شأن الفريقين من الأمر الواضح البيّن.
وبالجملة لما رأينا الإله العظيم ورسوله الكريم قد مدحا أهل البيت وأمرا بالتمسّك بهم كما ذكرناه ذمَّا عامّة أصحابه ونصّا على ارتدادهم بعده بما نقلناه تمسّكاً بأهل البيت المطهّرين الذين أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) أنّ المتمسّك بهم لن يضلّ أبداً ونقلنا أحاديثهم وأخذنا معالم شرعنا عنهم ورفضنا عامّة أصحابه وطرحنا ما تفرّدوا بنقله، الا من علمنا منه الصلاح كسلمان والمقداد وعمّار بن ياسر وأبي ذر وأشباههم من أتقياء الصحابة وأجلائهم المقرّرين في كتب الرجال عندنا ممّن لم يتخلَّ عن أهل البيت طرفة عين أو رجع إليهم عندما ظهر له الحق، وعليهم حملنا ما جاء في القرآن العزيز والسنّة المطهرة من المدح للصحابة على سبيل الاجمال، فاستقام لنا في الجمع بين مدحهم وذمّهم الحال، واهتدينا بذلك من فضل الله إلى سواء الطريق، والله ولي التوفيق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أي النبي (صلى الله عليه وآله).
(2) هو سهل بن سعد الساعدي الصحابي.
(3) فرطكم: متقدّمكم إليه.
(4) هو سلمة بن دينار.
(5) في صحيح البخاري النعمان بن ابي عياش، وفي هامشه: اسم ابي عياش زيد ابن الصامت الزرقى البصري.
(6) صحيح البخاري 2 / 974 ، 1045 ، في الأول سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي. وفي الثاني لمن بدّل بعدى.. وسحقاً: أي بعداً.
(7) صحيح البخاري 2 / 693.
(8) صحيح البخاري 2 / 976 ط: الهند.
(9) صحيح البخاري 2 / 975. وهمل بفتحتين جمع هامل، وهمل النعم هي المسرحة.
(10) صحيح البخاري 1 / 90.
(11) راجع شرح النهج لابن ابي الحديد 1 / 151.
(12) شرح النهج لابن ابي الحديد 1 / 162.
(13) غاية المرام ص 572 عن ابى الحديد والخوارزمي والحموينى.
(14) الايضاح لابن شاذان ص 454 ، غاية المرام ص 570 ، 572 عن ابن ابي الحديد والضغائن جمع ضغينة: الحقد والعداوة والبغضاء.
(15) شرح النهج لابن ابى الحديد 6 / 52 وفيه أنفذوا أسامة لعن الله من تخلّف عنه
(16) شرح النهج لابن ابى الحديد 6 / 20.
(17) صحيح البخاري 2 / 1009 ط: الهند.
(18) غاية المرام 546 ، 549 عن الترمذي ، وراجع شرح النهج 1 / 168 ، الامامة والسياسة لابن قتيبة 1 / 14.
(19) العقد الفريد 4 / 269 ، الامامة والسياسة 1 / 18.
(20) غاية المرام ص 461 عن ابن حنبل وغيره وقال : وفيه ثلاثة وعشرون حديثاً.
(21) صحيح الباري 1 / 53 ، 2 / 671.
(22) غاية المرام ص 462.
(23) غاية المرام ص 461.
(24) صحيح البخاري 2 / 992 ، الامامة والسياسة 1 / 13.
(25) شرح ابن ابي الحديد 16 / 280.
(26) صحيح البخاري 2 / 995.
(27) صحيح البخاري 2 / 996.
(28) شرح ابن ابي الحديد 16 / 250.
(29) احقاق الحق 10 / 190 عن مسلم في صحيحه 7 / 140.
(30) صحيح البخاري 1 / 532.
(31) صحيح البخاري 1 / 532.
(32) صحيح البخاري 1 / 512 وليس فيه (سيدة نساء هذه الأمة). كنز العمال 13 / 107.
(33) صحيح البخاري 2 / 638 ، 846.
(34) الامامة والسياسة 1 / 12.
(35) الايضاح لابن شاذان ص 192.
(36) الايضاح ص 193.
(37) قال هذا وما يشبهه مراراً كثيرة.
(38) شرح ابن ابي الحديد 12 / 208 وفيه كل النساء أفقه من عمر ..
(39) شرح ابن ابي الحديد 12 / 210.
(40) شرح ابن ابي الحديد 12 / 227.
(41) شرح ابن ابي الحديد 12 / 246.
(42) شرح ابن ابي الحديد 12 / 251.
(43) شرح ابن ابي الحديد 12 / 256.
(44) شرح ابن ابي الحديد 12 / 281.
(45) صحيح البخاري 1 / 269.
(46) سنن ابى داود 4 / 201 ، سنن ابن ماجة 1 / 16.
(47) صحيح البخاري 2 / 996 باختلاف في اللفظ.
(48) سنن الترمذي 5 / 633.
(49) في المخطوطة: وفيهم..
(50) شرح ابن ابي الحديد 3 / 11.
(51) شرح ابن ابي الحديد 17 / 229 ، وانظر العقد الفريد 4 / 308.
(52) انظر مروج الذهب 2 / 336.
(53) كذا في النسخ بالعين بمعنى الطمع ، ولعله بالغين المعجمة وهو الظلم والغضب، والغشوم الذى يخبط الناس ويأخذ كل ما قدر عليه.
(54) مروج الذهب 2 / 341 ، شرح ابن ابي الحديد 3 / 52.
(55) شرح ابن ابي الحديد 3 / 40.
(56) ألّب القوم على كذا: اجتمعوا على عداوته.
(57) شرح ابن ابي الحديد 3 / 51.
(58) بحار الانوار 8 / 339.
(59) شرح ابن ابي الحديد 3 / 33.
(60) شرح ابن ابي الحديد 3 / 59.
(61) شرح ابن ابى الحديد 3 / 63.
(62) كنز العمال 11 / 722 ، 725 ، 727.
(63) كنز العمال 11 / 724.
(64) شرح ابن ابي الحديد 1 / 336.
(65) الغلمة كغرقة: شدّة الشهوة.
(66) شرح ابن ابي الحديد 2 / 125.
(67) أُسْدُ الغابةِ 4 / 386.
(68) بحار الانوار 8 / 565 ط المكباني.
(69) بحار الانوار 8 / 565.
(70) شرح ابن ابي الحديد 4 / 56.
(71) أُسْدُ الغابةِ 2 / 15 ، الاستيعاب 1 / 376.
(72) الامامة والسياسة 1 / 160.
(73) الامامة والسياسة 1 / 7.
(74) الامامة والسياسة 2 / 13.
(75) الامامة والسياسة 1 / 193.
(76) كنز العمال 13 / 587 ، اسد الغابة 1 / 385 ، الاصابة 1 / 328.
(77) أُسْدُ الغابةِ 4 / 100 ، كنز العمال 13 / 495.
(78) كنز العمال 15 / 22 ، 31.
(79) الامامة والسياسة 1 / 49.
(80) في لسان العرب 11 / 670 النعثل : الشيخ الأحمق ، ونعثل رجل من أهل مصر كان طويل اللحية كان يشبه عثمان، وفي حديث عائشة: اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلاً. تعني عثمان ، وكان هذا منها لمّا غاضبته وذهبت الى مكّة المكرّمة.
(81) الزيادة في النسخة المطبوعة فقط.
(82) صحيح البخاري 1 / 195 ، 254 ، 2 / 975 ، 1090 ، سنن الترمذي 5 / 718.
(83) صحيح البخاري 1 / 498 و 2 / 1050.
(84) الزيادة من المخطوطة.