الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الإسلام ثورة من أجل التغيير
المؤلف: الشيخ محمد تقي فلسفي
المصدر: الشاب بين العقل والمعرفة
الجزء والصفحة: ج2 ص150ــ156
2023-06-26
1416
إن من أهم العوامل التي تساعد في تغيير الشخصية والتي يمكنها أن تكون درساً وعبرة للشباب ، تزيد في أعماقهم من نور الأمل وقوة الارادة ، هي دراسة ومطالعة الحركة والثورة العظيمة التي أحدثها الإسلام في العصر الجاهلي المتخلف.
فقد قام المنهج التربوي الذي جاء به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لإنقاذ قبائل ذلك العصر البائسة من العادات الضارة والأخلاق الرذيلة ، ودفعها بعزم راسخ وقوة إرادة نحو إصلاح ذاتها ، قام على مبدأ قوة الايمان والدوافع الغريزية ، هذا المبدأ الذي يضمن سعادة الإنسان المادية والمعنوية.
فعندما بعث الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً (صلى الله عليه وآله) وأمره بدعوة قومه إلى الاسلام ، اجتمع (صلى الله عليه وآله) بقومه وألقى فيهم خطبة شرح فيها ما جاء به من عند الله تبارك وتعالى ثم قال :
ولما أخذ الإسلام ينتشر بين الناس راحت قريش إلى أبي طالب وقالت له: إذا كان الفقر والعوز هما اللذان دفعا بابن أخيك إلى ما قام به فإننا مستعدون لأن نجمع له من المال الكثير ونمكنه ليصبح من أثرى أثرياء قريش .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ما لي حاجة في المال فأجيبوني تكونوا ملوكاً في الدنيا وملوكاً في الآخرة(2).
لقد كان للدعوة التي أطلقها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بين الجاهليين أثرها البالغ والسريع في إنقاذ الناس من الشرك والضلالة وهديهم إلى سواء السبيل، وقد أثارت هذه الدعوة حيرة المجتمعات آنذاك وجاءت بعد مضي قرون عديدة لتثير دهشة العلماء والمفكرين وإعجابهم.
«يقول الدكتور «واغلري» أستاذ جامعة نابولي ، لقد كانت انطلاقة الإسلام بين الأقوام والمجتمعات التي كانت تعيش في الصحارى الجرداء المترامية الأطراف أشبه ما تكون بنبع ينضح ماءً زلالاً سرعان ما تحوّل إلى جداول ثم إلى أنهار فاضت ليتشعّب منها الآلاف من القنوات الجارية التي شقت طريقها إلى مختلف المناطق» .
«وما أن ذاق أقوام هذه المناطق طعم المياه المعجزة حتى نبذوا الخلافات والنزاعات وباتت تربط بينهم روابط الوحدة والأخوة والمساواة، فزال مبدأ الثأر والانتقام الذي كان سائداً آنذاك لتحل محله مبادئ جديدة تقوم على أساس الأخوة والاتحاد والمساواة» .
«ولم يكن هذا النبع قد تحول بعد إلى نهر يصعب مقاومة تياره حتى أتت أمواجه العاتية على كل المجتمعات التي كانت تعتبر آنذاك متحضرة ، وقبل أن تستفيق المجتمعات وتدرك مغزى ما يجري داهمها التيار محطماً كل الحواجز والسدود ، موقظاً خريره من كانوا يغطون في غفلتهم ، موحداً بين الشعوب والقبائل».
«ولم يكن التاريخ قد شهد مثل هذه الحادثة من قبل ، وكان من الصعب على المرء أن يتصور ويستوعب مدى السرعة التي حقق الاسلام خلالها فتوحاته»(3) . إرساء قواعد حضارة جديدة:
«يقول «نهرو» : إنه لأمر يدعو إلى الدهشة والاستغراب أن يصحو العرب الذين كانوا طوال قرون من الزمن خامدين لا يعرفون ما يجري حولهم ، ويتمكنوا فجأة من تغيير معالم العالم بقدرة مذهلة)) .
«ويعد ماضي العرب وكيف أنهم استطاعوا أن ينتشروا بسرعة في آسيا وأوروبا وافريقيا ويؤسسوا حضارة راقية وكبيرة، من عجائب التاريخ . ولا يخفى أن القدرة التي استطاعت أن توقظ العرب من غفلتهم وتمنحهم الثقة بالنفس والاقتدار ، هي الاسلام»(4).
ولد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في عام سمي بعام الفيل لأن ملك الحبشة جهز في ذلك العام جيشاً لهدم الكعبة الشريفة بقيادة ابرهه وزوده بعدد من الأفيال المدربة ، وحينما بلغ أهل مكة خبر وصول جيش ابرهه إلى مشارف المدينة ، أصابهم الهلع والخوف، فقرروا مغادرة مكة بنسائهم وأولادهم وأموالهم وأنعامهم ، لكن عبد المطلب الذي تألم من هذا القرار ووصفه بالعار والفضيحة سعى إلى طرد هذه الفكرة من أذهان الناس ولكن دون جدوى فنفذ أهل مكة قرارهم وتركوا ديارهم لاجئين إلى الجبال والوديان المحيطة أو إلى أبعد من ذلك أو مهاجرين عن طريق البحر، وقد أثبت أهل مكة بعملهم هذا شدة خوفهم وضعفهم وعجزهم عن مواجهة جيش الحبشة.
وبعد أربعين عاماً من تلك الواقعة بعث محمد (صلى الله عليه وآله) بالنبوة ، فبدأ بتطبيق رسالته في إصلاح الناس ، وبالفعل نجح الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في فترة وجيز؟ في إحداث تحول كبير ومهم في أخلاق الناس ومعنوياتهم.
لقد أصبح أولئك القوم الذين لم يستطيعوا مقاومة جيش ابرهه فدفعهم الخوف إلى ترك ديارهم هاربين، أصبحوا في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) وبعد وفاته من الشجاعة والقدرة ما جعلهم يواجهون أعتى الجيوش آنذاك فيدحروها محققين فتوحات باهرة .
«لقد كان العرب يحققون الانتصار تلو الانتصار ، وكانوا يحققون هذه الانتصارات في الغالب دون حرب أو مقاومة من الطرف الآخر. واستطاعوا بعد وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) فتح إيران وسوريا وأرمينيا بالكامل وجزء من آسيا الوسطى من جهة، ومصر وجزء من شمال افريقيا من جهة ثانية . ففي الشرق سقطت مدن هرات وكابل وبلخ أمامهم فزحفوا نحو ولاية السند وسواحل نهر السند في الهند» .
«واجتاز العرب من المغرب وافريقيا مضيقاً بحرياً ووصلوا إلى إسبانيا وأوروبا . وهذا المضيق كان اليونانيون يطلقون عليه حتى ذلك اليوم اسم «أعمدة هرقل» . ولما كان القائد العربي الذي اجتاز هذا المضيق يدعى «طارق» سمي من يومها بـ « جبل طارق» أو «صخرة طارق» ، وعرف هذا المضيف لدى الأوروبيين بـ «جيبرالتار» .
لقد سقطت إسبانيا بسرعة، فزحف المسلمون نحو جنوب فرنسا ، وباتت إمبراطورية الإسلام بعد حوالي مائة عام من وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) تمتد من جنوب فرنسا وإسبانيا وكامل الشمال الأفريقي مروراً بالسويس والحجاز وإيران وآسيا الوسطى حتى حدود منغوليا»(5).
عوامل النصر:
إن من أهم العوامل المعنوية التي ساعدت الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في تحقيق هذا الانتصار العظيم ، الإيمان بالله والصبر والثبات أمام المشاكل والصعاب. لقد كان (صلى الله عليه وآله) مؤمناً بخالق الكون وبتعاليمه المقدسة، ونجح في صنع رجال مؤمنين يتحلون بأرقى الصفات الانسانية والأخلاقية.
قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ} [البقرة: 285].
ثبات النبي (صلى الله عليه وآله):
لقد استطاع النبي (صلى الله عليه وآله) وبالاتكال على الله سبحانه وتعالى الوقوف بعزم ثابت وإرادة راسخة بوجه تهديدات المشركين وضغوطاتهم ، ونجح في صنع رجال لا يخشون الأعداء ولا يهابون المخاطر ولن ينثنوا أمام الضغوطات .
من الأشخاص الذين آمنوا بما جاء به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في بداية البعثة وفي ظل أكثر الظروف قساوة، عياش بن أبي ربيعة وزوجته أسماء بنت سلامة ، فقد عانا الكثير من المشاكل والصعوبات والضغوطات في طريق إعلاء كلمة الحق.
كان لعياش شقيقان من أمه هما أبو جهل والحارث ، وكان عندما اعتنق الإسلام في الثلاثين من عمره وزوجته في العشرين من العمر، وما أن أعلن عياش إسلامه حتى ثارت ثائرة قومه ، فحاولوا تعذيبه وإلحاق الأذى به لمنعه من اتباع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، إلا ان ذلك لم يؤثر به وبقي ثابتاً على إسلامه.
وهاجر عياش وزوجته بمعية مجموعة من المسلمين إلى الحبشة بأمر من الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، لكنهما عادا إلى مكة ثانية قبل الآخرين، فتعرضا مجدداً لأذى المشركين وتعذيبهم حتى حان موعد هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله) والمسلمين إلى المدينة ، فهاجرا وتخلصا من شر الأعداء.
وعندما علمت أسماء أم عياش بهجرة ولدها أقسمت اليمين بأنها لن تدهن شعرها ولن تجلس في فيء حتى يعود عياش . فشد أبو جهل والحارث الرحال إلى المدينة وأخبرا عياش بما أقسمت عليه أمهم وقالا له : إنك أكثرنا معزة عند أمنا، وإنك على دين يوصي ببر الوالدين، فعد إلى مكة واعبد ربك فيها كما تعبده هنا في المدينة.
فلما سمع عياش بذلك تألم لحال أمه وصدق أخويه ، طلب منهما عهداً بعدم الخيانة إن هو عاد إلى مكة ، فغادر معهما المدينة ، وما أن ابتعدوا عن المدينة حتى شرعا يعذبانه ويؤذيانه ، فربطاه ودخلا به المدينة نهاراً وهو على هذه الحال، وقالا : «يا أهل مكة هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا» ، ثم رميا به في حجرة لا سقف لها .
الثبات في ظل الايمان:
وبقي عياش سجيناً في مكة لسنوات عديدة لاقى خلالها شتى صنوف التعذيب ، لكنه لم تظهر عليه علامات الضعف المعنوي والإنهيار الروحي، فقد كان على اتصال بخالقه ومتسلحاً بقوة الإيمان في وجه المصائب والمصاعب .
وكان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في المدينة يدعو له بالخلاص ، وكان الناس متأثرين لما حل بعياش، وبعد مدة تمكن أحد المسلمين وفق خطة بارعة من التسلل إلى مكة وإنقاذ عياش من السجن والعودة به إلى المدينة(6).
ومن المسلمين الأوائل أيضاً سعيد بن زيد وزوجته فاطمة. حيث اعتنق سعيد الإسلام وهو في العشرين من العمر وزوجته تصغره بسنوات ، كان سعيد وزوجته يحضران عند الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في ظروف مشحونة بالمخاطر لاكتساب تعاليم الإسلام وتعلم قراءة القرآن.
وكان لفاطمة شقيق حاد الأخلاق قوي الجسم شديد المعارضة للإسلام . وذات يوم من أيام الصيف الحار التقى به رجل من قريش في أزقة مكة وقال له : أنت تزعم أنك هكذا وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك وصبأت اختك ، فرجع غاضباً. وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوة فيكونان معه ويصيبان من طعامه . وقد كان ضم إلى زوج اخته رجلين ، فجاء وقرع الباب والقوم يقرأون القرآن في صحيفة معهم ، فلما سمعوا الصوت تبادروا واختفوا ، وقامت المرأة وفتحت الباب ، فقال لها : يا عدوة نفسها قد بلغني أنك أسلمت ، وصفعها بقوة فسال الدم ، فلما رأت الدم كشفت عن السر وقالت بكل صراحة وثبات : ما كنت فاعلاً فافعل فقد أسلمت(7).
____________________________
(1) السيرة الحلبية، ص 222 .
(2) بحار الأنوار 6 ،ص 344.
(3) الدفاع عن الإسلام، ص23.
(4) نظرة إلى تاريخ العالم1 ، ص317.
(5) نفس المصدر، ص323.
(6) شباب قريش، ص 128.