x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : الأدب : النثر :

النثر الأندلسي

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  الفن ومذاهبه في النثر العربي

الجزء والصفحة:  ص319-324

8-10-2015

19969

اندفعت الأندلس نحو تقليد المشرق في عمله وأدبه، وكان هذا الاندفاع طابع الأقاليم العربية عامة، فهي جميعًا تتجه نحو الأم، نحو بغداد، تتغذى منها، وتستمد صفاتها وخصائصها، ومهما غربت وأبعدت عن بغداد، فالخصائص الكبرى للأدب العربي في كل إقليم من أقاليمه واحدة، وكأنما اللغة العربية لا تعرف الاعتداد بالمكان، ولا تعتد به بل قل هي تعرفه، وتعتد به، ولكنها لا تقيم وزنًا كبيرًا لهذه المعرفة، ولا لهذا الاعتداد، بل إنها لتقسوا على الأقاليم التي تدخلها، فإذا أبناؤها لا يتصلون به إلا اتصالا بعيدًا، أما اتصالهم القريب، فإنما هو بالنماذج الأدبية الممتازة، التي اصطنعتها العربية لنفسها في بغداد والمشرق، ومن أجل ذلك كنا لا نجد فروقًا جوهرية بين نماذجها في العراق، وفي بلد كالشام ومصر، وحتى الأندلس لا نحس فيها أننا بدلنا بجو المشرق العام جوًّا يختلف عنه تمام الاختلاف، ونحن لا ننكر أثر الإقليمية من حيث هو، فدائمًا توجد في كل إقليم صفات تميز أدبه بعض التميز من أدب الأقاليم الأخرى، ولكن ينبغي أن لا ننزلق من ذلك إلى القطع بأن الأقاليم العربية أوجدت لأنفسها آدابًا متخالفة بتخالفها، فإن ذلك إنما ينزلق إليه من لم يقرأ شيئًا في آداب هذه الأقاليم، فتراه يعتمد في حكمه على الحدس، والتخمين كأننا بإزاء مسألة ميتافيزيقية، أما الذين يكفون عقولهم عن مثل هذه الفروض لاجئين إلى الحقائق الحسية الصحيحة، يستمدون منها أحكامهم، وآراءهم فإنهم يعرفون أن جملة النماذج، التي كونها الأدب العربي في أي إقليم من أقاليمه، لا تختلف اختلافات واسعة عن النماذج الأساسية لهذا الأدب، التي كونها في المشرق.
على أنه ينبغي أن نلاحظ ظاهرتين مهمتين تتصلان بالنثر الأندلسي، أما الظاهرة الأولى، فهي أن هذا النثر لا يظهر فيه كاتب كبير قبل القرن الرابع للهجرة، وذلك لسبب بسيط، وهو أن الشخصية الأدبية للأندلس لم تتكامل إلا في هذا القرن، وكان الناس قبل ذلك يكتبون نثرًا، ولكن أحدًا منهم لم يستطع أن يرتفع بنثره إلى درجة تجعله يقف في صفوف كتاب العصر العباسي الممتازين.
والحق أن الأندلس تبدأ نهضتها الأدبية منذ القرن الرابع، وعهد عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم، ذلك العهد الذي ألف فيه كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه، وأملي فيه كتاب الأمالي، أملاه أبو علي القالي في قرطبة، ومنذ ذلك العهد المزدهر أخذت الأندلس تشعر بشخصيتها، وتحاول أن تصور هذه الشخصية في آثارها، ونماذجها الأدبية، وهذه هي الظاهرة الأولى، أما الظاهرة الثانية فهي أن الأندلسيين لم يستحدثوا لأنفسهم مذهبًا جديدًا في تاريخ النثر العربي، يمكن أن نضيفه إلى المذاهب الثلاثة السابقة، التي كونها هذا النثر في المشرق، فقد وقفوا عند المحاكاة، وهي محاكاة اضطرتهم إلى ضروب من الخلط، إذ ترى الكاتب الواحد يجمع في نماذجه بين المذاهب الثلاثة، التي رأيناها في المشرق، فتارة يصنع لنفسه نموذجًا من ذوق أصحاب الصنعة، وتارة يعدل عن ذلك إلى ذوق أصحاب التصنيع، وتارة ثالثة يعدل إلى ذي أصحاب التصنع، وقد فتنت كثرتهم بالسجع، ولكنها لم تفتن بالبديع، الذي كان يصحبه عند أصحاب التصنيع، بل فتنت -إلى حد ما- بالغريب الذي رأيناه عند أصحاب التصنع، كما فتنوا بالأمثال، وربما كان لكتاب الأمالي للقالي أثر مهم في ذلك، فقد بناه صاحبه على هذين الجانبين، ونحن نقف عند أهم كتاب ظهر في العصر الأموي، لنرى ما وصل إليه النثر الأندلسي في هذا العصر من رقي وازدهار، وهو ابن شهيد الكاتب المشهور.
ابن شُهَيْد:
هو، أحمد بن عبد الملك ... بن شهيد الأشجعي القوطي، ولد بقرطبة عام 382هـ، وتوفي عام 426هـ(1)، وهو من بيت أدب ومجد، كان جده وزير عبد الرحمن الناصر(2) وأديبًا من أكبر الأدباء في عصره، وورث عنه حفيده أدبه، كما ورث عنه صلته الحسنة بالأمويين، وإن لم يستوزروه لثقل كان في سمعه. ويظهر أنه ورث عن آبائه مالًا كثيرًا بعثره في اللهو، والخلاعة حتى ليقول أبو حيان: "إن البطالة غلبت عليه، فلم يحفل في آثارهم بضياع دين، ولا مروءة"(3). وهذا الشخص المترف الذي ساق حياته في اللهو، والخلاعة كان مثقفًا ثقافة واسعة بمعارف عصره، فقد ذكر في إحدى رسائله أنه درس ضروب العلم المختلفة من أدب، وخبر وفقه وطب وصنعة وحكمة(4)، ويقول ياقوت: "كان له من علم الطب نصيب وافر"(5). على أن الجانب الذي تميز به، إنما هو جانب الأدب، فقد كان شاعرًا كبيرًا كما كان كاتبًا كبيرًا أيضًا، ويدل ما روي عنه من آثار أن نثره كان أكبر من شعره، وقد شهد له النقاد
بمقدرته فيه وتفوقه، كتب عنه الثعالبي فقال: "إن نثره في غاية الملاحة"(6)، وقال أبو حيان: "كان أبو عامر بن شهيد يبلغ المعنى، ولا يطيل سفر الكلام، وإذا تأملته ولسنه، وكيف يجر في البلاغة رسنه، قلت: عبد الحميد في أوانه، والجاحظ في زمانه ... وكان في تنميق الهزل، والنادرة الحارة أقدر منه على سائر ذلك.. وله رسائل كثيرة في أنواع التعريض والأهزال، قصار وطوال، برز فيها شأوه، وبقاها في الناس خالد بعده"(7). وقدم له صاحب الذخيرة بقوله: "كان أبو عامر شيخ الحضرة العظمى وفتاها، ومبدأ الغاية القصوى ومنتهاها، وينبوع آياتها، ومادة حياتها، وحقيقة ذاتها، وابن ساستها وأساتها، ومعنى أسماته ومسمياتها، نادرة الفلك الدوار، وأعجوبة الليل والنهار، إن هزل فسجع الحمام، أو جد فزئير الأسد الضرغام، نظم كما اتسق الدر على النحور، ونثر كما خلط المسك بالكافور، إلى نوادر كأطراف القنا الأملود، تشق القلوب قبل الجلود، وجواب يجري مجرى النفس، ويسبق رجع الطرف المختلس"(8)، ومن قول صاحب المطمح فيه: "عالم بأقسام البلاغة ومعانيها، حائز قصب السبق فيها، لا يشبه أحد من أهل زمانه، ولا ينسق ما نسق من در البيان وجمانه، توغل في شعاب البلاغة وطرقها، وأخذ على متعاطيها ما بين مغربها ومشرقها، لا يقاومه عمرو بن بحر، ولا تراه يغترف إلا من بحر"(9).
ونرى من هذه النصوص المختلفة أن النقاد، كانوا يكبرون من شأن ابن شهيد ومنزلته الأدبية، وقد قرنوه إلى الجاحظ لهزل كان فيه، وميل إلى الفكاهة، وأكبر الظن أنه يتأثر في هذا الجانب بديع الزمان، فقد ذكره في رسائله(10)، وكتب رسالة في الحلواء ذهب فيها مذهبه في المقامة المضيرية، وحكى في التوابع والزوابع ما وصف به بديع الزمان الماء، ثم أتى بأوصاف أخرى للماء يريد بها أن يثبت براعته(11)
وأهم أثر تركه ابن شهيد هو رسالة التوابع والزوابع، والتابع الجن والزوبعة الشيطان، وسماها بهذا الاسم؛ لأنه بناها على شيطان تراءى له في وقت أرتج عليه فيه، وهو ينظم شعرا فأجازه، ولما تعارفا طلب إليه ابن شهيد أن يلقى به شياطين الشعراء والكتاب الذين غبروا، فأجاب طلبته، وحمله على جناحه إلى وادي الجن، حيث التقى بكثير من شياطين الشعراء الجاهليين والإسلاميين والعباسيين، كما التقى بطائفة من شياطين كتاب المشرق، وتدور القصة في الرسالة على أنه يلقى التابع للشاعر المشهور، فينشده شعرًا لصاحبه، ثم ينشده ابن شهيد بعض شعره، فيعجب به، ويجيزه آية على قدرته البلاغية، وكذلك يلقى توابع الكتاب أمثال عبد الحميد، والجاحظ وبديع الزمان، فيعرض عليهم رسالته في وصف البرد والنار والحطب، كما يعرض عليهم رسالته في الحلواء. وايضًا فإنه يعرض عليهم صفته لثعلب ولبرغوث، ويستحسنون ما يعرض ويجيزونه. ووقف تابع الجاحظ عند سجعه، وقال له: إن كلامك نظم لا نثر فزعم أن تلك صفة أهل بلده، وأنهم يعجبون بالسجع وطابعه، وهكذا تنفض جموع الجن، وهي تشهد بأنه شاعر بديع، وكاتب بليغ.
والرسالة تفيض بروح الفكاهة، كأن نراه يعرض لبركة ماء بإحدى جوانب وادي الجن، ومن حواليها طائفة من حمر الجن، وبغالها وتتقدم له بغلة شهباء عليها جلها، وبرقعها فتنشده بعض الشعر، وأخيرًا تقول له: "أما تعرفني أبا عامر؟
قلت: لو كانت ثم علامة، فأماطت لثامها فإذا هي بغلة أبي عيسى، والخال على خدها، فتباكينا طويلًا، وأخذنا في ذكر أيامنا". وما من شك في أن هذا الجانب في التوابع والزوابع يكسبها خفة ورشاقة، ومن يرجع إليه يجد ابن شهيد لا يستخدم فيها دائمًا أسلوب السجع، بل تارة يسجع وتارة لا يسجع، وهذا هو معنى قولنا: إن الكاتب الكبير في الأندلس، لم يكن يخضع في صنع نماذجه لمذهب معين من مذاهب المشرق، بل هو -على نحو ما نرى الآن عند ابن شهيد- كان يتقلب بين المذاهب والمناهج المختلفة، ومع ذلك فلا تظن أن ابن شهيد حين يستخدم السجع كان يستخدم البديع، الذي هو الشق الثاني لمذهب التصنيع، فإنه لم يكن تتصور هذا المذهب بكافة تفاصيله، كما تركه أصحابه، وليس معنى ذلك أنه لم يقرأ لهم ما يفهم به هذا المذهب، بل لقد قرأ لهم كثيرًا، وخاصة الصابي، وبديع الزمان(12)! وأيضًا ينبغي أن لا تظن أن ابن شهيد لم يخرج في جوانب من رسائله إلى مذهب التصنع، بل خرج إلى هذا المذهب في كثير من جوانبها؛ إذ نراه يعنى باستخدام الغريب، واعترف بذلك في إحدى رسائله(13)، وكان إلى ذلك يكثر من الأمثال(14)، كما كان يكثر من المبالغات والتهويلات(15)، والاقتباس من القرآن الكريم(16)، إلا أنه لم يعن بتعقيدات زخارف البديع جملة، بل إن لم يعن بهذه الزخارف نفسها، كما تركها أصحاب مذهب التصنيع، ومع ذلك فقد كان ذوقه أقرب ما يكون إلى ذوقهم، وتطرق من هذا الذوق إلى العناية، بالفكاهة في آثاره على نحو ما نجد عند بديع الزمان في مقاماته، وكما أطرف في رسالة التوابع والزوابع أطرف أيضًا في رسالة أخرى، تسمى حانوت عطار، ويظهر أنه كان يميل إلى الإغراب في الموضوع، ولعل ذلك ما جعله يقف عند وصف ثعلب برغوث، وبعوضة، ومهما يكن فقد كان ابن شهيد أكبر أديب في عصره، ولكنه لم يستطع المخالفة على مذاهب المشرق ومناهجه، بل ذهب يقلد هذه المذاهب، والمناهج في غير نظام، ولا نسق معين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- انظر ترجمته في المغرب "طبع دار المعارف"، وما بهامشها من مراجع 1/ 78.
2- نفح الطيب 1/ 179.
3-الذخيرة 1/ 161.
4- الذخيرة 1/ 186.
5-معجم الأدباء 3/ 323.

6- اليتيمة 2/ 43.
7-الذخيرة 1/ 160.
8- الذخيرة 1/ 160.
9-مطمح الأنفس لابن خاقان "طبع مطبعة الجوائب" ص16.
10- الذخيرة 1/ 203.
11- الذخيرة 1/ 246.
12- الذخيرة، 1/ 203، وكذلك 1/ 207.
13- الذخيرة 1/ 200.
14- الذخيرة 1/ 193، وما بعدها.
15-الذخيرة 1/ 171.
16-الذخيرة 1/ 191، وكذلك 1/ 211.