1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

علم الحديث

تعريف علم الحديث وتاريخه

أقسام الحديث

الجرح والتعديل

الأصول الأربعمائة

الجوامع الحديثيّة المتقدّمة

الجوامع الحديثيّة المتأخّرة

مقالات متفرقة في علم الحديث

أحاديث وروايات مختارة

علم الرجال

تعريف علم الرجال واصوله

الحاجة إلى علم الرجال

التوثيقات الخاصة

التوثيقات العامة

مقالات متفرقة في علم الرجال

أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)

اصحاب الائمة من التابعين

اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني

اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث

علماء القرن الرابع الهجري

علماء القرن الخامس الهجري

علماء القرن السادس الهجري

علماء القرن السابع الهجري

علماء القرن الثامن الهجري

علماء القرن التاسع الهجري

علماء القرن العاشر الهجري

علماء القرن الحادي عشر الهجري

علماء القرن الثاني عشر الهجري

علماء القرن الثالث عشر الهجري

علماء القرن الرابع عشر الهجري

علماء القرن الخامس عشر الهجري

الحديث والرجال والتراجم : علم الرجال : مقالات متفرقة في علم الرجال :

طرائق توثيق الرواة / الطريقة السابعة / مَن قيل عنه أنّه لا يروي إلا عن ثقة.

المؤلف:  الشيخ محمد طالب يحيى آل الفقيه

المصدر:  سدرة الكمال في علم الرجال

الجزء والصفحة:  ص68 ـ 80.

5/11/2022

1658

قال جمع من الرجاليّين: إنّ بعض الرواة عُرِفوا بأنّهم لا يروون إلا عن ثقة، وعليه فكل من روى عنه أولئك فهم ثقات سواء صرّحوا بتوثيقهم أم كان أمرهم مجهولا، أمّا لو عُلِمَ منه الضعف بالنص على تضعيفه فيتعارض التضعيف الأخص مع التوثيق العام ويُقدّم عليه من باب تقديم الأخص والأظهر على الظاهر، وعلى كلٍّ فالبحث سيقع في أسماء أربع تباعاً.

الأوّل: أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري:

ترجمه النجاشي بقوله: "أحمد بن محمد بن عيسى بن عبد الله ... قال الكشي عن نصر بن الصباح: ما كان أحمد بن محمد بن عيسى يروي عن ابن محبوب من أجل أنّ أصحابنا يتّهمون ابن محبوب في أبي حمزة الثمالي، ثم تاب ورجع عن هذا القول، قال ابن نوح: وما روى أحمد عن ابن المغيرة ولا عن الحسن بن خرزاد، وأبو جعفر شيخ القميّين ووجههم وفقيههم غير مدافع، وكان أيضا الرئيس الذي يلقى السلطان بها، لقي الرضا (عليه السلام) وله كتب، ولقي أبا جعفر الثاني (عليه السلام) وأبا الحسن العسكري (عليه السلام) ..." (1).

وكذا ترجمه الشيخ في الفهرست نحوه.

وأصل الدعوى أمران:

الأول: ادعاء كون القميّين لا يروون إلا عن ثقة، وقد أيّد هذه المقالة

الخاقانيّ في رجاله، واستظهره البروجرودي في طرائفه والبهبهاني في فوائده وغيرهم من متأخّري المتأخّرين.

الثاني: إخراج أحمد بن محمد بن عيسى البرقيّ وسهل والصيرفيّ من قم لروايتهم عن الضعفاء ما يشكّل قرينة على عدم روايته عن الضعفاء.

والحقّ يقال: إنّ هذه المسألة لم تذكر على ألسن المتقدّمين، وإنّما نشأت مؤخّرة لما قيل بأنّ أحمد بن محمد أخرج جمعاً من الرواة من قم؛ لأنّهم رووا عن الضعاف واعتمدوا المراسيل، إلا أنّ ذلك لم يثبت، بل هو ادّعاء لم يعضده دليل، بل الأمر على العكس من ذلك ...

الملاحظ أنّ جمعاً ممّن ترجم البرقيّ من متأخّري المتأخّرين قال: إنّ ابن عیسی أخرجه من قم لروايته عن الضعفاء أو لإكثاره الرواية عنهم - کما اعتذر لذلك السبحاني في كليّاته ـ وكأنّ الأمر من المسلّمات، وقد نسب بعضهم العلّة تلك إلى العلّامة في خلاصته، وكذا الكلام في سهل بن زياد الآدميّ ومحمد بن علي الصيرفيّ، ولبيان المطلب لا بدّ من مراجعة ترجمة النجاشي والشيخ والعلامة للبرقي أولا مع ما يمكننا من اختصار كلمات هؤلاء الأعلام الثلاثة.

قال الشيخ في الفهرست: "أحمد بن محمد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمد بن علي البرقي أبو جعفر أصله كوفي.. وكان ثقة في نفسه غير أنه أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل وصنف كتبا كثيرة ..." (2).

ومن البيّن أنّ الشيخ لم يذكر أنّ ابن عيسى قد أخرجه من قم، نعم أكثرَ الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل.

وقال النجاشيّ في رجاله: "أحمد بن محمد بن خالد.. وكان ثقة في نفسه يروي عن الضعفاء واعتمد المراسيل وصنّف كتباً ..." (3).

وقال العلّامة في الخلاصة: "أحمد بن محمد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمد بن علي البرقيّ، منسوب إلى برقة قم، أبو جعفر أصله كوفي ثقة، غير أنّه كثير الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل، قال ابن الغضائريّ: طعن عليه القميّون، وليس الطعن فيه، إنّما الطعن فيمن يروي عنه، فإنّه كان لا يبالي عمّن أخذ على طريقة أهل الأخبار، وكان أحمد بن محمد بن عيسى أبعده عن قم ثمّ أعاده إليها واعتذر إليه.

وقال: وجدت كتاباً فيه وساطة بين أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن محمد بن خالد، ولمّا توفي مشي أحمد بن محمد بن عيسى في جنازته حاسراً؛ ليبرئ نفسه ممّا قذفه به، وعندي أنّ روايته مقبولة" (4). (5)

هذا غاية ما يمكن أن يُقَال حول إخراج ابن عيسى للبرقيّ من قم، وقد ظهر ممّا نقلنا أنّ الشيخ والنجاشيّ والعلّامة لم يذكروا سبب إخراج أبي جعفر الأشعريّ للبرقيّ، بل غايته أنّه أخرجه من قم، والسرّ في ذلك دُفِنَ معه - وإن كنّا نستظهر أنّ الخلاف العقائديّ كان السبب في ذلك كما في ترجمة سهل بن زیاد ومحمد بن علي الصيرفيّ - بل من المطمأنّ به أنّ روايته الأخبار عن الضعاف لم يكن السبب في إخراجه من قم، وذلك لوضوح أنّ الضعاف أنفسهم - أي الذين روى عنهم البرقي - لم يخرجهم أبو جعفر الأشعريّ من قم مع أنّهم أولى بالإخراج؛ لأنّهم أنفسهم ضعاف، وليس مثلهم البرقيّ الذي أخرج أخبارهم وهو ثقة بحدّ نفسه، هذا أولاً.

أمّا ثانياً: فمن الواضح أنّ ابن عيسى لو كان إخراجه للبرقي لروايته عن الضعفاء لما كان قد أرجعه واعتذر إليه؛ لأنّ مسلك البرقيّ في روايته عن الضعفاء بقي مستمراً إلى وفاته، ولم يذكر أحد من الأوّلين أو الآخرين أنّ البرقيّ ترك الرواية عن الضعفاء بل الأمر بالعكس فإنّ كل من ترجم البرقي ذكر روايته عنهم دون تردّد، وهذا مسلك كان شائعاً عند القدماء ...

ثالثاً: إنّ المسلك الذي سلكه البرقي كان مشهوراً، ولذا قال ابن الغضائري: "على طريقة أهل الأخبار" ما يُعلَم منه أنّ هذه الطريقة كانت مسلكاً سلكه جمّ من الرواة وإلا لأعرضوا عنهم وعن طريقتهم وكتبهم كما أعرضوا عن كثير من الكتب ككتاب التكليف وكتب ابن الجنيد وغيرها من الكتب.

رابعاً: إنّ كثيراً من الرواة الذين عاشوا زمن البرقيّ رووا عن الضعاف واعتمدوا المراسيل ولم يخرجهم أبو جعفر الأشعري من قم. 

خامساً: إنّا نرى كثيراً من الضعفاء قد أخرج عنهم أحمد بن محمد بن عيسى نفسه ولم يستنكف عن ذلك ولم يستنكر عليه أحد كروايته عن عمر بن عبد العزيز وعلي بن حديد واسماعيل بن سهل وغيرهم، ما يعني أنّ الرواية عن الضعفاء لم تكن ممنوعة، نعم غايته أنّ على الراوي لتلك الأخبار أن يتدبّر السند فإن كان راجح العمل به فبها وإلا ترك، وهذه كتبنا مليئة بالأخبار الضعيفة التي دوّنتها مدرسة القميّين على مدى العصور والأيّام، وهذا واضح للعيان ويدركه الوجدان.

وبعد هذا كلّه كيف يُقال بأن أحمد بن محمد بن عيسى لا يروي إلا عن ثقة بدلالة إخراجه البرقيّ من قم؟!

بل يُقال: إنّ الأمر بالعكس ممّا ذكر ... ويؤيد ذلك بما ترجمه به الشيخ والنجاشي والعلّامة وابن داود، فإنّهم أجمعوا أنّ البرقيّ أكثر الرواية عن الضعاف ما يعني أن الضعاف كانوا كثر في قم، وكذا طالت فترة رواية البرقي عن الضعفاء بقرينة كتبه التي وصلتنا وقد أكثر فيها الرواية عن الضعفاء، ولم يمنع من ذلك مانع ولم يخرجه ابن عيسى من قم ولا أخرجهم كما هو بيّن.

هذا كله من جهة البرقيّ، وأمّا ما قيل بحق سهل بن زياد فإن الكلام الآتي شبيه بما ذكرنا، لكن لزيادة التوضيح نقول:

قال النجاشيّ في ترجمة سهل: "أبو سعيد الآدمي الرازي كان ضعيفاً في الحديث غير معتمد فيه، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب، وأخرجه من قم إلى الري وكان يسكنها، وقد كاتب أبا محمد العسكري (عليه السلام) على يد محمد بن عبد الحميد العطار .."(6).

وقال الشيخ في رجاله: "سهل بن زياد الآدمي يكنى أبا سعيد ثقة رازيّ" (7).

وقال في الفهرست: "سهل بن زياد الآدمي الرازي أبو سعيد ضعيف، له كتاب.."(8) وترجمه ابن داود بقوله: "سهل بن زياد الآدمي أبو سعيد الرازي ضعيف فاسد الرواية وكان أحمد بن محمد بن عيسى أخرجه من قم ونهى الناس عن السماع عنه"(9) وهناك كلمات أخرى منقولة عن الغير إلا أنّها لا تزيد عمّا ذكرناه.

وأنت خبير أنّ أحداً لم يذكر أن طرد ابن عيسى لسهل إنّما كان لروايته عن الضعفاء واعتماده المراسيل، ولعل السر في ذلك اتهامه بالكذب والغلو، ولذا المنقول عن ابن الغضائري في كتابه الضعفاء (10) أنّه "نهى الناس عن السماع عنه" فلو كان العيب بالضعفاء المنقول عنهم لنهى الناس عن السماع عنهم لا عنه، ولهذا كان المانع منه خاصة، وهذا كله ظاهر لمن أراد الحق فيتبعه.

وممّا ذكرنا يظهر أنّ طرد أبي جعفر الأشعري سهلاً من قم لم يعلم أنّه كان لروايته عن الضعفاء فإنّ ذلك لم يصرح به بأي من كتب القدماء أبدأ، وعليه يقال: إنّ ادعاء رواية أحمد بن محمد بن عيسى عن خصوص الثقات بقرينة طرد من يروي عن الضعفاء في قم لم يثبت أبدا، بل المطمأن به عدمه، لما تبين لك تفصيله حول الكلام عن البرقي.

وأمّا ما ذكر من قرينة لطرده أبا سمينة من قم - أي محمد بن علي الصيرفي - فقد ترجمه الكشي بقوله: "قال حمدويه عن بعض مشیخته: "محمد بن علي رمي بالغلو، وذكر علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري عن الفضل بن شاذان أنه قال: كدت أن أقنت على أبي سمينة محمد بن علي الصيرفي، قال: فقلت له: ولم أستوجب القنوت من بين أمثاله؟ قال: إني لأعرف منه ما لا تعرفه، وذكر الفضل في بعض كتبه: الكذّابون المشهورون أبو الخطاب ويونس بن ظبيان ويزيد الصائغ ومحمد بن سنان وأبو سمينة أشهرهم" (11).

وقال الشيخ في الفهرست: "محمد بن علي الصيرفي يكنى أبا سمينة .. إلا ما كان فيها من تخليط أو غلو أو تدليس أو ينفرد به ولا يعرف من غير طريقه" (12).

وقال النجاشي في رجاله: "محمد بن علي بن إبراهيم بن موسى أبو جعفر القرشي، مولاهم صيرفي، ابن أخت خلاد المقرئ، وهو خلاد بن عيسى، وكان يلقب "محمد بن علي أبا سمينة" ضعيف جدا، فاسد الاعتقاد، لا يعتمد في شيء، وكان ورد قم وقد اشتهر بالكذب بالكوفة، ونزل على أحمد بن محمد بن عيسى مدة، ثم تشهر بالغلو فجفي، وأخرجه أحمد بن محمد بن عيسى عن قم وله قصة ..." (13).

ألا ترى أنّ سبب إخراجه من قم لم يكن حتى اشتهاره بالكذب بالكوفة، وإنما هو خصوص شهرته بالغلو، لأن جفاءه كان فرع غلوه كما يظهر من فاء التفريع، وأخرجه بعدها أحمد بن محمد عن قم، وهذا عين ما حدث مع صاحبه سهل بن زياد، فإن ابن عيسى اتهمه بالغلو والكذب وبعدها أخرجه من قم، وأين هذا من القول بأن ابن عيسى لا يروي إلا عن ثقة، أو ادعاء أن القميين لا يروون إلا عن ثقة، وهذا لا يقبله متتبع لرواية القميين الذين أكثروا من الرواية عن الضعفاء كما هو ثابت في محله.

وخلاصة ما يمكن قوله: هي أن ادعاء رواية القميين عن خصوص الثقات من الرواة حتى إذا كان أحدهم مجهولا عد حينها من الموثقين في غير محله، بل معلوم الاشتباه، وكذا القول بأن أحمد بن محمد بن عيسى لا يروي إلا عن ثقة فإن روايته هو نفسه عن الضعفاء تكفي في الرد على أرباب هذه المقالة، وما ذكرنا من أدلة نافية للادّعاء كافٍ في المنام، فإنّ المتنبه تكفيه الإشارة، ولا يحتاج بعدها إلى ألف عبارة.

الثاني: علي بن الحسن الطاطري:

قد ترجمه النجاشي بقوله: "علي بن الحسن بن محمد الطائي الجرمي المعروف بالطاطري وإنما سمي بذلك لبيعه ثيابا يقال لها الطاطريّة، يكنى أبا الحسن وكان فقيها ثقة في حديثه، وكان من وجوه الواقفة وشيوخهم، وهو أستاذ الحسن بن محمد بن ساعة الصيرفي الحضرمي، ومنه تعلّم ..." (14).

وقال الشيخ في الفهرست: "علي بن الحسن الطاطري الكوفي، كان واقفي، شديد العناد في مذهبه، صعب العصبية على من خالفه من الامامية، وله كتب كثيرة في نصرة مذهبه، وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم، فلأجل ذلك ذكرناها ..."(15).

وكل من ترجمه من بعدهما فعنهما أخذ وإليهما يرجع.

والأصل في دعوى عدم روايته عن الضعفاء ما ذكره الشيخ من قوله رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم" وقد وقف الرجاليون على هذه العبارة طويلا حتى ذهب بعضهم إلى توثيق من روى عنه الطاطري على نحو المباشرة أو من غير مباشرة بمعنى وثاقة رواة السند كله، وذهب آخرون إلى وثاقة خصوص المباشرين من مشايخه في خصوص الكتب الفقهية، في حين أنكر آخرون وثاقة المشايخ جميعا، وعليه يجب إخضاعهم لقواعد توثيق الرجال.

ولبيان المطلب نقول:

اشتهر عند الطائفة المحقة منذ زمن الشيخ - بل ومن قبله - العمل بأخبار

من خالف في الاعتقاد مع أمانته في نقل الرواية وعدم المعارض، ولهذا رووا عن بني فضال والواقفة وغيرهم، وليس غرضهم من الرواية عنهم أنهم لا يروون إلا عن ثقة، إلا المتحرز عن الكذب الموثوق به يمكن إعمال إخباره، ولهذا قال ما في العدة: "وإن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ولا يعرف عن الطائفة العمل بخلافه، وجب أيضا العمل به إذا كان متحرجا في روايته موثوقة في أمانته، وإن كان مخطئة في أصل الاعتقاد، ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير وغيره، وأخبار الواقفة مثل ساعة بن مهران وعلي بن أبي حمزة وعثمان بن عيسى، ومن بعد هؤلاء بما رواه بنو فضال وبنو ساعة والطاطريون وغيرهم فيما لم يكن عندهم فيه خلافه" (16).

فما يريده الشيخ هنا هو تبيان أن المخالفين بالاعتقاد کالطاطريّين لا يضاهون بروايتهم رواية الامامية، وإنما تعمل أخبارهم شريطة عدم معارضتها وإلا فمع المعارضة تسقط أخبارهم وإن كانت حجة قبل المعارضة، ولعل ما أفاده الشيخ هنا يكشف عما يريد بيانه في الفهرست بأن الطاطري مع عناده وتعصبه وتأليفه كتبا لإثبات مذهبه فإن الطائفة لا تمنع من العمل بأخباره لأنه ثقة بحد نفسه، إضافة إلى روايتها عن الثقات من المشايخ، فيكون ما أفاده دفع وهم من يقول بسقوط أخباره وعدم اعتبارها، فإن كان المراد ذلك فإنه حينئذ لا يفيد كلامه الذي ذكره في الفهرست توثيقة المشايخ الطاطري لا على نحو المباشرة ولا مع الواسطة، كما هو بين.

لكن الحق يقال: إن ما ذكره الشيخ في الفهرست ظاهر في ادعاء وثاقة مشايخ الطاطري المباشرين، إذ أن قوله: "رواها عن الرجال الموثوق بهم

 وبرواياتهم" بأبي التأويل، اللهم إلا مع التشكيك بعبارة الشيخ أو أن التعبير قد خانه وهذا ممنوع بأصالة الصحة في التعابير العرفية ما لم يعلم الخطأ.

نعم، لا بد من الالتزام مع ما ذكر بأن المشايخ الموثوقين هم مشايخه في الفقه خاصة التزام بها قاله الشيخ، والتعدي منهم إلى غيرهم يحتاج إلى دليل وهو مفقود، فيما قاله (رحمه الله) من قوله: " وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم" ينبغي الوقوف عنده لأنه مورد نص كلامه.

ومما يؤيد ما ذكرنا أنه وبعد تتبعنا تبين أن مشايخ علي بن الحسن الطاطري في الفقه قد نص الأصحاب على وثاقتهم وليس فيهم مسكوت عنه أو أن في أمره شكا، وهذا يكشف عن اطلاع الشيخ على حال مشايخ الطاطري المذكورين في كتب الفقه قبل نطه الدال على وثاقتهم في الفهرست وهاك هم:

محمد بن زياد - ابن أبي عمير -           وثاقته أشهر من أن تعرف

  محمد بن أبي حمزة الثمالي                   وثقه الكشي وغيره.

علي بن الحسن بن رباط البجلي            وثقه النجاشي.

عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي     وثقه النجاشي.

جعفر بن محمد بن سماعة                    وثقه النجاشي.

عبد الله بن وضاح                               وثقه النجاشي.

عبد الله بن جبلة بن حيان                      وثقه النجاشي.

الحسن بن محمد بن سماعة                   وثقه النجاشي.

محمد بن عيسى العبيدي                       وثقه النجاشي.

علي بن أسباط بن سالم                        وثقه النجاشي.

محمد بن سكين بن عمار                      وثقه النجاشي.

درست بن أبي منصور "واقفي" قاله الكشي، نعم روى كتابه ابن أبي عمير.

هذا ولا يعني أن هؤلاء لم يوثقهم سوى من ذكر، إنها من ذكرت هو أحد من وثقهم، أي فلا أقل من المذكور من هو من وثق أولئك المشايخ.

وبعد هذا يعلم أن مطابقة كلام الشيخ في توثيق مشايخ الطاطري المباشرين في الفقه دون مشايخهم يكشف عن إرادته توثيق المباشرين من مشايخه خاصة، فيكون توثيقه العام مؤيدا بما نص الأصحاب على توثيقهم على نحو الانفراد، خاصة بعد العلم بأن كثيرا من المشايخ غير المباشرين - أي: بقية رجال السند - لم ينص الأصحاب على توثيقهم كحاد بن نعمان وشرحبيل الكندي وصباح بن سيابة وعلي بن حنظلة وحماد بن عمرو بن يحيى وغيرهم - مع تفصيل في بعض المذكورين -.

نعم يبقى الكلام في أحد مشايخ الطاطري وهو درست بن أبي منصور فإن الشيخ وغيره وصفوه بالواقفي لكن لم ينص أحد على تضعيفه وقد روى عنه ابن أبي عمير ما يدل على وثاقته على مبنى من التزم بوثاقة من روى عنه ابن أبي عمير - وليس هذا محل تفصيل الكلام فيه.

والذي يسهل الخطب أن كل ما رواه الطاطري عن درست في الوسائل روايتان: واحدة حيث يسأل الصادق (عليه السلام) عن معنى قول الله عزّ وجلّ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].

 فقال: خلقهم للعبادة، وأخرى عن الربا.

وقد تبين بعد كل ما تقدم وثاقة مشايخ الطاطري المباشرين المذكورين في الكتب الفقهية - ومنهم درست -، وقد بينت أسماءهم، ولئن خفي عليّ أحدهم فإنّه يجري مجراهم والله العالم بحقيقة الحال.

 

الثالث: جعفر بن بشير البجلي.

اختلفت كلمات الرجاليين حول وثاقة من يروي عنهم جعفر بن بشير ومن يروون عنه، فذهب صاحب المستدرك (رحمه الله) إلى وثاقتهم اعتمادا على ما أفاده النجاشي في رجاله بأنه روي عن الثقات ورووا عنه، وذهب آخرون - وهم الأكثر - إلى عدم إفادة كلامه الحصر في روايته عن الثقات خاصة دون غيرهم.

قال الشيخ النجاشي (رحمه الله) في رجاله "جعفر بن بشير أبو محمد البجلي الوشاء من زهاد أصحابنا وعبادهم ونساكهم وكان ثقة، له مسجد بالكوفة باق في بجيلة إلى اليوم، وأنا وكثير من أصحابنا إذا وردنا بالكوفة نصلي فيه مع المساجد التي يرغب في الصلاة فيها، ومات جعفر (رحمه الله) بـ الأبواء سنة ثمان ومائتين.

وكان أبو العباس بن نوح يقول: كان يلقب "فقحة العلم" روى عن الثقات ورووا عنه..." (17).

هذا وقد ترجمه الشيخ ووثقه، إلا أنه لم يذكر التعبير - محل الشاهد في ترجمته، وكل من تأخر عنهما أخذ منها.

إذن الكلام كله منشؤه ما أفاده النجاشي في رجاله من قوله "روى عن الثقات ورووا عنه".

والحق أنّ العبارة لا تفيد حصر فهي في قوة قولنا "أنفق على الفقراء وأنفقوا عنه" فكما أنه لا يحتمل إرادة جميع الفقراء كذلك فيما نحن فيه، فغاية ما تدل عليه العبارة أنه روي عن الثقات، وروايته عنهم لا تنفي روايته عن الغير أيضا، كيف وقد روي فعلا عن الضعفاء كروايته عن صالح بن الحكم وعلي بن أبي حمزة، ورواية سهل بن زياد (18) عنه، على ما أورده في الكافي.

نعم، يمكن أن يقال بأنه لم يرو - على ما في الكتب الأربعة - سوى رواية واحدة عن صالح بن الحكم ولعل قرائن الصدور أعضدتها، أما روايته عن ابن أبي حمزة فلعلها ما قبل انحرافه.

وعليه يقال: لو كانت العبارة دالة على الحصر لكان للنقاش محل، خاصة أنه من البعيد أن يكون مراد النجاشي مجرد روايته عن الثقات، إذ أن جميع الرواة پروون عن الثقات فلا داعي لذكرها إن كان مراده أنه يروي عن الثقات وعن غيرهم أيضا، فإن هذا تحصيل حاصل بل أوضح من الواضحات، فلا بد حينئذ ليكون كلام النجاشي نافعا أن يكون مراده أنه روي عن الثقات خاصة دون غيرهم ليكون لكلامه فائدة تذكر ويكون الوصف حينئذ احترازية وذلك لتفصّيه عن روايته عن الضعفاء.

 

الرابع: محمد بن إسماعيل بن ميمون.

قال النجاشي في ترجمته "محمد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني أبو عبد الله ثقة، عين، روى عن الثقات ورووا عنه، ولقي أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) له كتاب نوادر ..." (19).

والكلام في دلالة الجملة على الحصر هو عين الكلام فيما قدمنا من شرح حول جعفر بن بشير البجلي، والحق عدم الدلالة على الحصر لما قدمنا.

والله العالم بحقائق الأمور.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) رجال النجاشي، ج 1، ص 216.

(2) الفهرست للشيخ، ص59.

(3) رجال النجاشي، ج1، ص204.

(4) خلاصة الأقوال، القسم الأول، ص63.

(5) قال الشيخ السبحاني في كلياته: "ونقل العلّامة في خلاصته أنّه أُخرِجَ أحمد بن محمد بن خالد البرقي القمي من قم؛ لأنّه كان يروي عن الضعفاء". وقد اتّبع بكلامه هذا غيره، وهو وهم وقد ذكرتُ كلام العلّامة، وبان لك أنّ نسبة التعليل "لأنّه" إلى العلّامة من السبحاني غير صحيحة.

(6) رجال النجاشي، ج 1، ص417.

(7) رجال الشيخ، أصحاب الهادي (عليه السلام)، ص416.

(8) الفهرست، ص134.

(9) رجال ابن داود، كتاب الضعفاء، ص249، قم 229.

(10) لم يثبت لدينا كتاب ابن الغضائري ...

(11) اختيار معرفة الرجال "الكشي"، ج2، ص590، رقم 1032-1033 .

(12) الفهرست، ص215.

(13) رجال النجاشي، ج 2، ص 217.

(14) رجال النجاشي، ج2، ص 77 .

(15) الفهرست للشيخ، ص147.

(16) العدة في أصول الفقه، ص227.

(17) رجال النجاشي، ج 1، ص297.

(18) على القول بضعف سهل.

(19) رجال النجاشي، ج 2، ص238.

 

 

 

 

 

 

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي