علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
فوائد متفرّقة / ما تفرّد إبراهيم بن هاشم بروايته.
المؤلف: أبحاث السيّد محمّد رضا السيستانيّ جمعها ونظّمها السيّد محمّد البكّاء.
المصدر: قبسات من علم الرجال
الجزء والصفحة: ج3، ص 658 ـ 664.
2024-08-12
438
ما تفرّد إبراهيم بن هاشم بروايته (1):
روى الصدوق (2) بإسناده الصحيح عن إبراهيم بن هاشم قال: حدثنا محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: ((أتدري لم جعلت أيام منى ثلاثاً؟ قال: قلت لأيّ شيء جعلت فداك، ولماذا؟ قال لي: ((من أدرك شيئاً منها أدرك الحج)). وقد روى الشيخ ما يقرب منه(3) بإسناده عن إبراهيم بن هاشم.
وقد علّق الصدوق على هذه الرواية بقوله: (جاء هذا الحديث هكذا، فأوردته في هذا الموضع لما فيه من ذكر العلّة وتفرّد بروايته إبراهيم بن هاشم وأخرجه في نوادره والذي أفتي به واعتمده في هذا المعنى..) ثم ذكر صحيحة جميل الدالة على أنّ مَن أدرك المشعر الحرام يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج.
وحكى العلامة المجلسي (4) عن الفاضل الاسترابادي أنّه قال: (لعلّ هذا من باب التفضّل والأحاديث المنافية لذلك من باب الاستحقاق)، فيظهر منه أنّه مال إلى العمل بمضمون الرواية.
وقال المحقق النراقي (5): إنّ المراد بها هو أنّه (إذا حجب عن إدراك بعضها ـ أي بعض أيّام منى - وأدرك بعضاً آخر فقد أدرك تمام الحج الذي هو الوقوف بمنى، أو أدرك الوقوف بمنى الذي هو الواجب في الحج).
وقال المحقّق التستري (6) بعد الإشارة إلى أنّ قوله: (هنا) في رواية الكليني مصحّفة (بمنى) - وقد ذكر ذلك قبله العلامة المجلسي الأول (7): (لم أقف على من أفتى بالخبر من إدراك الحج بإدراك يوم من أيام منى، كيف والإجماع على أنّ من لم يدرك المشعر قبل الزوال يوم النحر فاته الحج. ولعلّ المراد إدراك الحج من حيث أيام منى).
أقول: هذه الرواية بناءً على عدم التعويل على مراسيل ابن أبي عمير يهون أمرها، إذ لا تعدو كونها رواية ضعيفة وما أكثر ما يماثلها من الروايات التي لا يعمل بها. ولعلّه لهذا لم يتعرّض لها السيد الأستاذ وكثير من الأعلام الآخرين.
وأمّا بناء على ما هو المختار من الأخذ بما ذكره الشيخ في كتاب العدة (8) من أنّ الطائفة ساوت بين مراسيل ابن أبي عمير ومسانيد غيره وعملوا بها، وما ذكره النجاشي في رجاله (9) من أنّ أصحابنا كانوا يسكنون إلى مراسيل ابن أبي عمير، ودفع احتمال أن تكون الواسطة المبهمة ممّن ورد تضعيفهم من طريق آخر بحساب الاحتمالات - كما مرَّ شرحه في موضع آخر ـ فالرواية تامّة من حيث السند.
ولكن مع ذلك يمكن أن يناقش في اعتبارها من وجهين:
(الوجه الأول): أنّ الصدوق نصّ على أنّ إبراهيم بن هاشم قد تفرّد بنقل هذه الرواية، فيمكن أن يقال: إنّ إبراهيم بن هاشم وإن كان ثقة على الصحيح إلا أنّ الثقة إذا تفرّد بخبر أو نحوه عمّن تكون رواياته معروفة وعلمه مبثوثاً بين الناس لكثرة تلامذته أو لانتشار كتبه فإنّه لا يقبل منه؛ لأنّه لا يحصل الوثوق النوعي بنقله، فإنّ الأساس في حجيّة خبر الثقة ـ كما عليه الأكثر ـ هو حصول الوثوق النوعي به، وهو ممّا لا يحصل عند تفرّد الثقة بخبر عمّن يكون على الوصف المتقدّم، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك.
وبعبارة أخرى: إذا كان المناط في حجيّة خبر الثقة هو الوثوق النوعي فإنّه يمكن البناء على عدم حجيّة خبره فيما إذا تفرّد بنقله مع كونه بحيث لو كان له واقع لما اختص ذلك الثقة بنقله عادة بل نقله غيره أيضاً (10) ومن ذلك ما إذا أسند رواية إلى بعض مشايخه ممّن له تلامذة كثيرون قد بثّوا علمه ونشروا رواياته. ولعلّ هذا هو محمل ما ذكره الصدوق في موضع من الفقيه(11) بعد أن أورد رواية لزرارة تدل على اشتمال صلاة الجمعة على قنوتين وصلاة الظهر من يوم الجمعة على قنوت واحد في الركعة الأولى - قائلاً: تفرّد بهذه الرواية حريز عن زرارة، والذي استعمله وأفتي به ومضى عليه مشايخي (رحمة الله عليهم) هو أنّ القنوت في جميع الصلوات في الجمعة وغيرها في الركعة الثانية بعد القراءة وقبل الركوع). فيلاحظ أنّه قد استخدم التعبير بـ(تفرّد) ونسبه إلى حريز في روايته عن زرارة، فيحتمل أنّه أراد به الإشارة إلى أنّ المعنى المذكور لم ينقله عن زرارة سائر تلامذته وهم كثيرون ممّا يمنع من حصول الوثوق النوعي برواية حريز المذكورة.
وهكذا الحال في المقام، فإنّه نسب التفرّد بالرواية المبحوث عنها إلى إبراهيم بن هاشم أي في نقلها عن ابن أبي عمير الذي هو الآخر كان كثير التلامذة والرواة، وحيث لم يروها عنه غير إبراهيم بن هاشم فإنّ ذلك يثير الريب في صحتها، ولا أقل من احتمال وقوع وهم فيها، كما عبّر بمثله الشيخ في موضع من التهذيب (12) بالنسبة إلى ما تفرّد به بعض الرواة.
هذا على القول بحجيّة خبر الثقة وأمّا على القول بحجيّة الخبر الموثوق به
خاصّة فالأمر أوضح وأجلى.
(الوجه الثاني): أنّ الصدوق قد نصّ أيضاً على أنّ الرواية المذكورة ممّا أخرجه إبراهيم بن هاشم في نوادره وقد صرّح المفيد في بعض كلماته (13) بأنّ النوادر هي التي لا عمل عليها).
وقد وافقه على ذلك ابن إدريس (14)، وردّ بعض الأخبار وطعن في العمل به من جهة أنّ أصحاب الحديث قد أدرجوه في أبواب النوادر، ومبنى ذلك أنّ المراد بالنادر هو الشاذ، كما ورد في مرفوعة ابن أبي جمهور (15) عن العلامة في بعض كتبه: خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر).
ورواه الفاضل الآبي (16) عن الصادق (عليه السلام) مرسلاً.
ولكن يمكن الجواب عن كلا الوجهين:
أمّا الوجه الأول: فبأنّ ابن أبي عمير وإن كان كثير التلامذة والرواة، إلا أنّ المذكور في ترجمته أنّ كتاب نوادره كان كثير النسخ لأنّ الرواة له كثيرون وهو يختلف باختلافهم، أي أنّه لم تكن هناك نسخة واحدة يرويها لمختلف تلامذته، بل يجري عليه بين مدة وأخرى بعض التغيير بالإضافة أو الحذف ويرويه لتلامذته في كل زمان بالصورة التي هو عليها في ذلك الزمان، ولذلك لا يستغرب أن يكون في نسخة بعض تلامذته رواية لا توجد في نسخ آخرين.
وقول الصدوق أنّه تفرّد إبراهيم بن هاشم بنقل هذه الرواية لا يعني أنّه استقصى روايات جميع تلامذة ابن أبي عمير فلم يجد فيهم من روى عنه هذه الرواية غير إبراهيم بن هاشم بل مجرّد أنّه لم يجد فيما وصل إليه من الروايات من نقل هذه الرواية غير إبراهيم بن هاشم.
وقد مر في بحث سابق أنه أورد في بعض كتبه (17) حديثاً عن الهمداني عن علي بن إبراهيم وقال: (لم أسمع هذا الحديث إلا من أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه)). ولكن وجدنا أنّ الخزّاز القمي (18) أورد ذلك الحديث بنفسه عن علي بن إبراهيم بطريق آخر، فظهر أنّ الصدوق لم يطّلع على وجود راو آخر غير الهمداني عن علي بن إبراهيم، ويحتمل أن يكون الأمر كذلك في المقام.
وبالجملة: عدم عثور الصدوق على من روى الرواية المبحوث عنها غير إبراهيم بن هاشم لا يشكل مانعًا من تحقق الوثوق النوعي بها بعد ملاحظة
جهتين:
الأولى: اختلاف نسخ نوادر محمد بن أبي عمير بالزيادة والنقصان، فيجوز أن تكون هذه الرواية في بعض نسخ النوادر التي رواها ابن أبي عمير لإبراهيم بن هاشم، وربّما لبعض آخر من تلامذته لا لجميعهم.
الثانية: أنّه ربّما لم يطلع الصدوق على روايات من شارك إبراهيم بن هاشم في نقل هذه الرواية عن ابن أبي عمير، ولذلك ظنّ أنّه تفرّد بها.
وأمّا الوجه الثاني، فيمكن الجواب عنه بأنّ ما ذكره المفيد من أنّ النوادر هي التي لا عمل عليها) إنّما يشير به إلى أبواب النوادر في كتب الحديث وليس إلى ما يسمّى بكتب النوادر التي يزيد عددها في كتاب النجاشي وفهرست الشيخ على الخمسين كتاباً، فإنّه لا يحتمل أن تكون هذه الكتب كلّها ممّا لا يعمل بها.
كيف وإنّ جملة ممّا يسمّى بالنوادر هي من أهم كتب أصحابنا كنوادر محمد بن أبي عمير، ونوادر أحمد بن محمد بن عيسى ونوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى، وقد عدّها الصدوق في مقدّمة الفقيه من الكتب المشهورة التي عليها المعوّل وإليها المرجع، بل يظهر منه أنّ نوادر إبراهيم بن هاشم كان أيضاً من هذا القبيل، فإنّه اعتمد عليه في الفقيه ونقل عنه في عدّة مواضع بالاسم (19)، وقد نصّ في مقدّمته على أنّ كل ما ورد فيه مستخرج من الكتب المشهورة، ممّا يقتضي كون نوادر إبراهيم بن هاشم منها.
علماً أنّ هذا الكتاب كان أيضاً - في ما يبدو ـ من مصادر الشيخ في التهذيب وإن لم يذكر سنده إلى إبراهيم بن هاشم في المشيخة، فقد ابتدأ باسمه في عدة مواضع - تزيد على العشرة - منها في الرواية المبحوث عنها، وحيث إنّ هذه الرواية كانت موجودة في كتاب النوادر - كما تقدّم عن الصدوق في العلل فالمظنون قوياً أنّ الشيخ قد اقتبسها منه، وهكذا سائر الموارد التي ابتدأ فيها باسم إبراهيم بن هاشم وقد ذكر في الفهرست (20) أنّ الذي أعرفه من كتب إبراهيم بن هاشم كتاب النوادر وكتاب قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم ذكر طريقه إلى الكتابين، وهو طريق معتبر ومهما يكن، فإنّ من المؤكد أنّ كتب النوادر - التي منها نوادر إبراهيم بن هاشم - ليست معنيّة بما ذكره المفيد من عدم عمل الأصحاب بروايات النوادر بل إنّ ما ذكره (رضوان الله عليه لا يتم حتّى بالنسبة إلى أبواب النوادر في كتب الحديث، فإنّ الملاحظ أنّ الكليني أورد في الكافي روايات كثيرة في أبواب النوادر من كتابه، ومعظمها ممّا يعمل بها.
ومن الغريب ما ذكره المحقق التستري (21) من أنّ ما لا يعمل به هو ما يذكر في الباب النادر وأمّا أبواب النوادر فيعمل بها.
ووجه الغرابة أنّ الكليني ذكر في الكافي عشرات الأبواب بعنوان باب (نادر وعشرات أخرى بعنوان (باب النوادر) وكلاهما على نسق واحد من حيث ما يعمل به من الأخبار وعدمه، فالتفصيل المذكور في غير محله.
وبالجملة: لا يراد بالنوادر هنا الأخبار الشاذة ليقال: إنّه لا يعمل بها، بل الأخبار المتفرّقة التي لا يتيسّر أن توزّع على أبواب بعناوين جامعة لها، كما يظهر ذلك بمراجعة كلمات الأعلام (22).
والمتحصّل ممّا سبق: أنّ مرسلة ابن أبي عمير المبحوث عنها ليس هناك ما يخدش اعتبارها في حدّ ذاتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحوث في شرح مناسك الحج ج: 19 ص: 214.
(2) علل الشرائع ج 2 ص: 450.
(3) تهذيب الأحكام ج: 5 ص: 481.
(4) ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار ج: 8 ص: 555.
(5) رسائل ومسائل ج 2 ص 371.
(6) الأخبار الدخيلة ج: 2ص: 58، ج: 4 ص: 165.
(7) روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه ج: 4 ص: 523.
(8) العدّة في أصول الفقه ج:1 ص: 387.
(9) رجال النجاشي ص: 326.
(10) هذا فيما إذا احتمل تعمّده الإخبار بما لا واقع له ولو لبعض المبرّرات، وأمّا مع احتمال صدور ذلك منه خطأ واشتباهاً، فيمكن أن يقال: إنّ السيرة العقلائيّة التي هي مستند أصالة عدم الخطأ في الحسيّات قاصرة عن الشمول لمثل المورد فلا يمكن الاعتماد على خبره من هذه الجهة فليتدبّر.
(11) من لا يحضره الفقيه ج:1 ص: 266.
(12) تهذيب الأحكام ج 7 ص: 279.
(13) جوابات أهل الموصل في الرد على القول بالعدد ص: 19.
(14) السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي ج 2 ص 189.
(15) عوالي اللآلئ ج: 4 ص: 133.
(16) كشف الرموز في شرح المختصر النافع ج 2 ص 189.
(17) كمال الدين وتمام النعمة ص: 369.
(18) كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر ص: 270.
(19) لاحظ من لا يحضره الفقيه ج 1 ص: 231، ج 3 ص: 342، ج: 4 ص: 82.
(20) فهرست كتب الشيعة وأصولهم ص: 12.
(21) النجعة في شرح اللمعة ج:1 ص: 71، ج: ص: 273.
(22) لاحظ روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 463، ومنهج المقال ج:1 ص:121، وشرح فروع الكافي ج:1 ص: 519.