علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
الفرق بين الشهادة والفتوى ومطلق النبأ.
المؤلف: الملا علي كني
المصدر: توضيح المقال في علم الرجال
الجزء والصفحة: ص 76 ـ 82.
24/10/2022
1622
نعتمد غالباً على الاجتهاد والفحص في معرفة الأحكام الكلّيّة الواقعيّة أو الظاهريّة أو الموضوعات الشرعيّة المستنبطة عن أدلّتها التفصيليّة، والغالب فيها عموم الموضوع، وقد يخصّ فيكون جزئيّاً حقيقيّاً، كاستحباب الصلاة في الحائر الشريف وغيره من الأماكن الشريفة، والسكنى والبيتوتة في الغريّ وقم ونحوهما، ووجوب أو استحباب استلام الحجر ونحو ذلك، وكعدم جواز أخذ الأُجرة على دور مكّة المعظّمة من الحاجّ النازلين فيها، إلى غير ذلك.
ويمكن التزام الكلّيّة في جميع ذلك بجعل أجزاء ما ذكر جزئيّاً وما يصدق على كلٍّ منها كلّيّاً هو الموضوع.
وفيه تعسّف، وإلّا كان الموضوع في قولك: «اضرب زيداً» أيضاً كلّيّاً، بل الصدق بالنسبة إلى الأجزاء مع كون الموضوع اسماً لمجموع ذلك من باب التسامح المستقرّ أو التجوّز أو تجدّد الوضع في نفس الموضوع أو الأمر المتعلّق به من صلاة وسكنى واستلام وطواف ونحو ذلك، والتفصيل في محلّه.
وقد عُلم ممّا ذُكر أنّ المراد بالموضوع ليس خصوص ما تعلّق به الحكم بلا واسطة حتّى يكون كلّيّاً في الأمثلة المزبورة وإن كان أخصّ من غيره.
وقد يكتفى في صدق الفتوى بنفس الاجتهاد وإن لم يكن في حكمٍ كلّيّ أو جزئيّ، كالاجتهاد في اصول عقائد الدين والمذهب وفي مقدّمات معرفة لغة العرب وغير ذلك، ولذا يوجبون فيها الاجتهاد، ولا يكتفون فيها بالتقليد الذي هو أخذ الفتوى للعمل
والظاهر أنّه على وجه الحقيقة مع احتمال التجوّز بالمشابهة والاستعارة.
ومن هذا القسم الإجتهاد والفتوى في علم الرجال؛ لوضوح أنّه أولى بالصدق من الاجتهاد والفتوى في النحو والصرف، مع أنّه لا يهمّنا البحث في الصدق على وجه الحقيقة؛ إذ البحث في المعنى وإن سُمّي باسمٍ آخر، ولذا أردفنا الفتوى في بيان المختار بالإخبار عن المختار بالاجتهاد.
وأمّا الشهادة مدارها غالباً أو دائماً على عدم البناء على وحي أو إلهام وغيرهما من العلوم المختصّة بالمعصومين عليهم السلام من حيث كونهم حجج اللَّه، وكذا على عدم الاجتهاد مطلقاً لا في الحكم ولا في الموضوع، إلّافي بعض أسباب ثبوت المشهود به لتحصيل الصلح به، والظاهر سلب معنى الاجتهاد عنه. وكذا على كون المخبر به فيها جزئيّاً حقيقيّاً أو إضافيّاً للموضوعات العرفيّة الخارجيّة أو الشرعيّة أو للأحكام العرفيّة أو الشرعيّة لترتيب أمرٍ شرعيّ عليه، كلّ ذلك للتبادر عند الفقهاء والمتشرّعة وصحّة سلبها عن غير ذلك، فالجزء الحقيقيّ للموضوعات العرفية كالشهادة بأنّ هذا زيد بن فلان وأنّ هذا ماء وذاك تراب وهكذا. وللموضوعات الشرعيّة كالشهادة بأنّ هذه صلاة وهذه زيارة كذا وهذا قرآن أو منه، وأنّ هذه تزكية وهذا بيع وذلك خلع ومباراة ونحو ذلك أو بصدور هذه الأفعال من شخص فإنّه في الحقيقة عينها.
كلّ ذلك بناءً على ثبوت الحقيقة الشرعيّة في الجميع أو إرادة مطلق ما في الشرع عن الشرعيّة وهو الأظهر.
والإضافي للأوّل كقوله: الكافور أو كافور الهند مركّب أو مأخوذ من كذا وكذا،
والماهوت - مثلًا- من صوف الغنم، والصدف حيوان، والمرجان نبات، والخزّ كذا وهكذا؛ إذ التحقيق الاكتفاء بالعَدْلين في ذلك كلّه.
وتخيّل أنّ القبول من باب الرجوع إلى أهل الخبرة يأتي دفعه.
والإضافي للثاني كقوله: بيع الخيار كذا، وتزكية الساكن في هذه القرية كذا، ونكاح الطائفة الفلانيّة كذا، وأنّ الموضوع الفلاني عند العامّة كذا.
ولا يخلو اعتبار هذا القسم من الشهادة عن إشكالٍ مّا.
والجزئيّ الحقيقيّ للأحكام العرفيّة: أنّ هذا الولد لا يأكل كذا أو لا يشرب كذا عند والده أو لا يجلس عنده أو يقوم قيام العبيد في مقابله وهكذا. والإضافي لها: أنّ دَيْدَن أولاد أهل المصر مع آبائهم كذا.
وإدخال هذا القسم في الشهادة المقيّدة بكونها لترتيب أمرٍ شرعيّ لا يخلو من إشكال، إلّافي النذور والأيمان ونحو ذلك.
والحقيقيّ للأحكام الشرعيّة قوله: إنّ هذا طاهر، وذاك نجس، وهذا ملك فلان، وذاك زوج فلانة، وهكذا. والإضافي لها قول الطبيب مثلًا: إنّ المعجون الفلاني نجس أو حرام؛ لتركّبه من خمر أو لحم حيّة.
وخرج بالقيد الأخير جميع ما ذكر لا في مقام الترتيب المزبور، فإنّه حينئذٍ من النبإ بالمعنى الأخصّ المقابل للفتوى والشهادة.
فقد ظهر أنّ تغاير الفتوى والشهادة بالتباين، وكذا تغايرهما مع الخبر بالمعنى الأخصّ وإن تغاير أحدهما مع مطلق النبإ بالعموم والخصوص.
إذا تمهّد هذا نقول: مَنْ تتبّع كتب الرجال لاسيّما التعليقة ومنتهى المقال يعلم أنّ الأمر كما ذكرناه، فإنّ فيهما توثيقَ كثيرٍ ومدح آخرين كتضعيف جماعة بالاجتهاد والاستدلال. واستظهر في (منتهى المقال) في الفائدة الأخيرة ممّا التقطها من فوائد التعليقة كون تعديلهم من اجتهادهم أو من باب الرواية (1).
وتوصيف الأكثر بالأوصاف المزبورة بالنقل عن النجاشيّ والشيخ والكشّي والغضائريّ وغيرهم، وهو الغالب في الخلاصة والإيضاح والنقد ونحوها، وفي جماعة كثيرة أيضاً من معاصريهم أو قريبي العصر إليهم بالشهادة.
ومنه يظهر أنّ إطلاق كون الجميع من باب الشهادة كما ترى، كإطلاق كونه من النبإ والرواية في مقابل الشهادة وإن أُسند إلى الشهرة، مع التأمّل في صحّة الإسناد بهذا المعنى المقابل لما اخترناه؛ إذ الموجود في كلمات الأكثر كفاية تعديل وتضعيف الواحد، ولا دلالة في ذلك على ما ذُكر، فإنّا أيضاً نكتفي بالواحد، فلعلّ- بل هو الظاهر من كلمات جمع وصريح آخرين- كون وجهه الاكتفاء بحصول الظنّ لانسداد باب العلم والعلميّ؛ لوضوح عدم حصوله من أقوالهم، وعدم الغنى بما هو من شهاداتهم مع ما مرّ في المنع عن كفاية الكتب عنها.
قال في الفصول ـ بعد إسناد الاكتفاء بالواحد إلى المشهور واعتبار التعدّد إلى قائل مجهول ـ: "ومرجع النزاع إلى أنّ تزكية الراوي هل هي من باب الشهادة أو من باب الرواية أو مبناها على الظنون الاجتهادية؟ فمن اعتبر فيها التعدّد جعلها من القسم الأوّل، ومَنْ لم يعتبر فيها التعدّد جعلها من أحد القسمين الأخيرين" (2).
ويؤيد ذلك ما مرّ عن (التعليقة) من ركون الأصحاب إلى توثيق وتضعيف ابن فضّال بل أخذ الجميع منه، وكذا عن ابن عقدة، وهُما على خلاف المذهب لا تقبل شهادتهما بالإجماع وظهور الكتاب المفيد لكون الشاهد ممّن نرضى به، ولا نرضى بمخالف المذهب إلّافي مقام الإلجاء والضرورة بحكم العقل وكونه على وصف العدل الظاهر ولو بالإطلاق إلى العدل بالمعنى الأخصّ المعتبر فيه الإيمان وكذلك السنّة، وكذا روايتهما لاشتراط الإيمان والعدالة بالمعنى الأخصّ كما هو الظاهر منها في أدلّة اعتبارها حتّى محكيّ الإجماع عن الشيخ. وتوجيه قبولهم بأنّ الشرط العدالة بالمعنى الأعمّ ليس هنا بأولى ممّا ذكرناه.
مضافاً إلى أنّ مقتضى كونه من النبإ عدم قبول المرسل منه، وقد عرفت أنّ أكثر ما في الخلاصة ونظائرها من هذا القبيل، كما أنّ مقتضاه عدم قبول ما كان بالاجتهاد في حقّ المجتهدين، بل الاكتفاء بالواحد في مطلق الجرح والتعديل؛ لصدق النبإ في مطلقهما.
ودفع هذا الإلزام بقيام الدليل في غير المقام على اعتبار التعدّد، مدفوع بشموله للمقام حيث كان التوثيق ونحوه بالشهادة، كما ذكرناه.
وأمّا تخيّل توجيه مقالة المشهور بكون الاكتفاء من جهة الشهادة، وأنّه يكفي فيها الواحد في المقام أو مطلقاً إلّا فيما نصّ فيه على التعدّد، فيدفعه ما فرغنا عنه في القضاء من ثبوت العموم على اعتبار العدد في الشهادة مطلقاً وقلنا: إنّ ظاهرهم كونه من المسلَّمات، فليس أوّلًا يصحّ إلّا ما ذكرناه، لأنّه الذي يجامع الاكتفاء بالواحد عدلًا كان أو غيره، بقولٍ كان توصيفه أو بكتب، بقطع أخير أو بظنّ إلى غير ذلك ممّا ينافي الطريقتين دون المختار.
نعم، يشكل عليه حيث كان التوصيف بطريق الشهادة القولية؛ إذ مقتضى عموم اعتبار التعدّد فيها اعتباره في المقام، فيلزم التفصيل.
ويمكن دفعه [بالآتي:]
أولاً: بأنّه خارج عن مفروض البحث الذي هو المراجعة إلى كتب الرجال.
ثانياً: بالتزام تخصيص العموم المزبور؛ لظهور الإجماع المركّب في كفاية الواحد، وحصول الظنّ المكتفى به للانسداد في الغالب، ولذا لا يجب تحصيل العلم مع إمكانه، فمثله العلميّ.
ثالثاً: التزام التفصيل بعد ما اقتضاه الدليل، والأمر سهل بعد ندور الفرض.
هذا كلّه هو الكلام في المقام الأوّل.
ونقول في الثاني: إنّ الذي يظهر اختلافهم فيه على أقوال:
أحدها: أنّه من باب العمل بالشهادة، حكاه الشهيد الثاني في درايته (3) عن بعضهم.
واختار صاحب المعالم (4) وبعض من تبعه.
ثانيها: أنّه من باب قبول النبإ والرواية، صرّح به جماعة (5).
ثالثها: أنّه من جهة الظنون الاجتهاديّة المعتبرة بعد انسداد باب العلم وما هو في درجته، اختاره أيضاً جماعة منهم: شيخنا رحمه الله في (الفصول) (6).
وهذا إن لم يكن أشهر من سابقه فليس الأمر بالعكس؛ لأُمور أشرنا إلى بعضها، وقد عرفت أنّ حكاية الشهرة إنّما هي على الاكتفاء بالواحد المجامع للقولين، وهي الموجودة في دراية ثاني الشهيدين، وما في (فوائد التعليقة) من دعواه الشهرة فليست صريحةً، بل ظاهرة ظهوراً معتدّاً به في كونها على القول الثاني، بل عليه وعلى الثالث في مقابل القول الأوّل، فإنّه قال: وما ذكرت من أنّ تعديلهم من باب الشهادة فغير مُسَلَّم، بل الظاهر أنّه من اجتهادهم أو من باب الرواية، كما هو المشهور.
رابعها: أنّه من باب الرجوع إلى أهل الخبرة، ولم أقف على قائله بل على حكايته في الكتب، وإنّما حُكِي نقله عن بعض الفضلاء.
وأظهر الأقوال ثالثها؛ للوجوه التي أشرنا إليها مراراً، فلا نطيل الكلام بإعادتها، كما لا نعيد ما فيه دفع القولين الأوّلين.
ونزيد الكلام على الأوّل- مع ما قدّمناه في دفع شبهات الأخباريّة-: أنّ قاعدة الانسداد تجري في غير الأخبار المصحّحة بتزكية العدلين؛ لوضوح بقاء التكليف وغيره من المقدّمات فيما عدا ذلك.
وأيضاً ستعرف أنّ كثيراً من الرجال لو لم يكن الأكثر أساميهم مشتركة، وأنّ أكثر أسباب التميّز ظنّيّة لم يقم عليها بيّنة، فاعتبار أصل وثاقة أحد المشتركين بالبيّنة لا يفيد كون جميع رواة الخبر مُوثَّقين بشهادة البيّنة؛ إذ لم يُعلم أنّهم هُم المشهود بوثاقتهم، إلى غير ذلك ممّا في هذا القول.
وفي الرابع أنّه وإن عاضده الرجوع إليهم في كثير من المقامات، منها: معرفة العيب واختلاف قيمة المعيب والصحيح والغبن وعدمه، وفي معالجة الأمراض في الإنسان بل مطلق الحيوان، وفي معرفة الساعات والأوقات الصالحة عن غيرها إلى غير ذلك حتّى أنّه يمكن دعوى السيرة بل الإجماع عليه وفيهما الحجّة- كما حكي دعواهما عن قائله أيضاً- إلّا أنّه ليس بذلك، للتصريح من الجميع أو جماعة باعتبار التعدّد في الأوّلين؛ لكونهما من الشهادة. وكون الرجوع في الأخيرين ونظائرهما بل في الأوّلين مع تعذّر إقامة الشهادة الشرعية- كتقويم الخنزير مثلًا- من جهة قاعدة الانسداد ودفع الخوف على الترك الموجب لحرمته، أو لتحقّق الصدق العرفي الذي هو المناط والمعيار في كثير من موارد الرجوع إليهم كما في المسافة بل القيمة بل العيب وغير ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منتهى المقال، ج 1، ص 125.
(2) الفصول الغرويّة، ص 297.
(3) الرعاية، ص 193.
(4) انظر: الفصول الغروية، ص 299.
(5) المصدر السابق، ص 297.
(6) المصدر السابق، ص 298.