علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
جملة من الألفاظ التي لا تفيد مدحاً ولا قدحاً.
المؤلف: الملا علي كني
المصدر: توضيح المقال في علم الرجال
الجزء والصفحة: ص226 ـ 238.
20/10/2022
1627
الإشارة إلى جملة من الألفاظ عند الرجاليّين التي لا تفيد مدحاً ولا قدحاً ولو أفادت أحدهما، فممّا لا يعتنى به إمّا لضعف الإفادة أو المفاد.
فمنها: لفظ «المولى» فكثيراً مّا يقولون في الرجل: «إنّه مولى فلان» ومرّة «إنّه مولى بني فلان» وأُخرى «مولى آل فلان» وقد يقطعونه على الإضافة فيقولون: «مولى» وربّما يقولون: «إنّه مولى فلان ثمّ مولى فلان».
فمن الأوّل: إبراهيم بن محمّد بن أبي يحيى أبو إسحاق مولى أسلم بن قصي، وأحمد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن فضّال عمر بن أيمن مولى عكرمة بن ربعيّ.
ومن الثاني: أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شُعيب بن ميثم التمّار أبو عبداللَّه مولى بني أسد، وإبراهيم عبد الحميد الأسديّ مولاهم، وإبراهيم بن عربي الأسديّ مولاهم.
ومن الثالث: إبراهيم بن سليمان بن أبي داحة المُزني مولى آل طلحة ابن عبيد اللَّه، وإبراهيم بن محمّد مولى قريش.
ومن الرابع: أحمد بن رياح بن أبي نصر السكونيّ مولى، وأيوب بن الحرّ الجعفي مولى، وإبراهيم بن أبي محمود الخراساني مولى، وأحمد بن أبي بشر السراج كوفي مولى.
ومن الخامس: تغلبة بن ميمون مولى بني أسد ثمّ مولى سلامة، وصفوان بن مهران بن المغيرة الأسديّ مولاهم ثمّ مولى بني كاهل، والحسن بن موسى سالم مولى بني أسد ثمّ بني والبة، إلى غير ذلك.
ومجمل الكلام فيه: أنّ له في اللغة معاني كثيرة أشار إليها في القاموس (1) وغيره (2) قال في الأوّل: "المولى المالك والعبد والمعتِق والمعتَق والصاحب والقريب، كابن العمّ ونحوه، والجار والحليف والابن والعمّ والنزيل والشريك، وابن الاخت والولي والربّ والناصر والمنعِم والمنعَم عليه، والمحبّ والتابع والصهر".
وأمّا في اصطلاح أهل الرجال ففي (الفوائد): "يجيء في إبراهيم بن أبي محمود، وعن الشهيد الثاني رحمه الله أنّه يطلق على غير العربي الخالص وعلى المعتق وعلى الحليف، والأكثر في هذا الباب إرادة المعنى الأوّل" (3).(4)
قال: "والظاهر أنّه كذلك إلّا أنّه يمكن أن يكون المراد منه النزيل أيضاً، كما قاله جدّي في مولى الجعفيّ، فعلى هذا لا يحمل على معنى إلّا بالقرينة، ومع انتفائها فالراجح لعلّه الأوّل؛ لما ذُكر" (5).
قلت: في عوائد الفاضل النراقي ذكر من جملة معانيه باصطلاحهم: الملازم للشخص، قال: "فإنّه يقال لمن يلازم غيره: إنّه مولاه بالملازمة، كما قيل في مَقسم مولى ابن عبّاس؛ للزومه إيّاه. ومنها: المولى بالإسلام، فمن أسلم على يد آخر كان مولاه، يعني بالإسلام".
ثمّ قال: "ذكر هذه المعاني الثلاثة مشيراً بها إليهما مع غير العربي الخالص شيخنا الشهيد الثاني رحمه الله في شرح (الدراية)، وقال فيه: والغالب مولى العتاقة. وقال أيضاً: إنّ المولى لغير العربي الخالص أيضاً كثيراً" (6).
ولا يخفى ما في النقلين من الاختلاف إن كان المنقول عنه محلّاً واحداً، وإلّا ففي كلام المنقول عنه.
ثمّ الظاهر أنّه بمعنى الملازم المراد بالصاحب الذي هو أحد معانيه في اللغة (7)
مع احتمال التابع الذي هو أيضاً أحدها في قولهم: عبداللَّه بن سنان بن ظريف مولى بني هاشم. ويقال: مولى بني أبي طالب. ويقال: مولى بني العباس بقرينة قولهم فيه: كان خازناً للمنصور والمهدي بعده والهادي والرشيد.
واحتمال إرادة غير ذلك منه هنا بعيد؛ فإنّ الرجل "كوفيّ ثقة من أصحابنا جليل لا يطعن عليه في شيء، كما ذكره النجاشي" (8) فتدبّر.
ثمّ إنّه لا ينافي حمل إطلاق المولى على بعض ما ذكر من المعاني الاصطلاحيّة أو اللغويّة التعبير عن ذلك المعنى في مقامٍ آخر بلفظٍ آخر صريح فيه أو ظاهر، كما قيل في أبان بن عمر الأسديّ: إنّه ختن آل ميثم، وفي إبراهيم أبي رافع: إنّه عتيق رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، وفي أحمد بن إسحاق الأشعري: إنّه كان وافد القمّيّين، وفي الصدوق: إنّه كان نزيل الريّ، وفي إبراهيم بن أحمد بن محمّد الحسينيّ الموسويّ الروميّ: إنّه نزيل دار النقابة بالريّ، إلى غير ذلك، وذلك لإرادة التنصيص والظهور في مقامٍ دون آخر.
هذا، وقد ظهر ممّا سمعت من معانيه وإطلاقاته أنّه لا يفيد مدحاً يُعتنى به. نعم، لو أُضيف إلى واحد من المعصومين عليهم السلام، أفاده في الجملة، ولعلّه الباعث على ذكره فيهم.
لكن «في ترجمة معتب ما يشير إلى ذمّ موالي مولانا الصادق عليه السلام، إلّا أنّ في ترجمة مسلم مولاه ورد مدحه». نَصَّ على ذلك في الفوائد (9).
ومنه يظهر أنّه لو أُضيف إلى أعدائهم أفاد الذمّ في الجملة، كما في الحسين بن راشد
أو الحسن أنّه مولى بني العباس.
هذا، وأمّا لفظ الغلام فكثيراً مّا يقع استعماله في الرجال، فيقال: إنّ فلان من غلمان فلان، وقد يُستعمل في حقّ بعض الأعاظم، فقد يُتوهّم أنّ المراد به العبد، وهو من خلط اللغتين: العربيّة والعجميّة، وإلّا فلم نقف فيما عندنا من كتب اللغة على هذا المعنى له حتّى في مثل القاموس.
والظاهر أنّ المراد به التلميذ.
فعن مجمع البيان: "الغلام للذكر أوّل ما يبلغ- إلى أن قال-: ثمّ يستعمل في التلميذ، فيقال: غلام، فغلب هذا" (10).
وفي منتهى المقال في ترجمة بكر بن محمّد بن حبيب: "يجيء الغلام بمعنى المتأدّب- أي التلميذ- في عبائر القوم أكثر كثيراً" (11) ثمّ أَمر بملاحظة جملة من التراجم، فلاحِظْها وتأمّل.
ومنها: قولهم: «له أصل». ولنذكر هنا قولهم: «له كتاب» و «له مصنّف» و «له نوادر» مضافة إلى باب من العلم كالمناقب والمثالب أو تهذيب الأخلاق وعمل يوم وليلة، أو بجعل ما ذُكر ظرفاً لها، كقولهم: «له أصل- أو- كتاب في كذا» وهكذا، أو إلى شخص كابن عيسى وغيره، وهو الغالب في استعمال الكتاب، أو موصوفة بوصف الحسن أو الاعتبار أو غير ذلك.
ولنذكر أوّلًا ما وقفنا على معاني مفرداتها مع النسبة بين بعضها مع بعض، ثمّ إفادتها المدح أو العدم.
فنقول في الأول: المعروف في أَلسِنة العلماء بل كتبهم أنّ الأُصول أربعمائة جُمعت في عهد مولانا الصادق أو في عهد الصادقين (عليهما السلام).
لكن حكى في فوائد التعليقة عن ابن شهر آشوب: "أنّه في معالمه نقل عن المفيد رحمه الله أنّ الإماميّة صنّفوا من عهد أمير المؤمنين إلى زمان العسكري عليهم السلام أربعمائة كتاب تسمّى الأُصول" (12) ثمّ قال - بعد الحكاية -: "لا يخفى أنّ مصنّفاتهم أزيد من الأُصول، فلا بدّ من وجه تسمية بعضها أُصولًا دون البواقي.
فقيل: إنّ الأصل ما كان مجرّد كلام المعصوم عليه السلام، والكتاب: ما فيه كلام مصنّفه أيضاً، وأُيّد ذلك بما ذكره الشيخ رحمه الله في زكريّا بن يحيى الواسطي: له كتاب الفضائل وله أصل".
قال: "وفي التأييد نظر، إلّا أنّ ما ذكره لا يخلو من قرب وظهور" (13).
قلت: إنّما يُستفاد من ذلك أنّهما مختلفان عند القائل، وأمّا وجه الاختلاف فلا يستفاد منه أصلًا فكيف بأنّه ما ذكره!؟
ويستفاد هذا أيضاً ممّا في الفهرست في ترجمة الحسين بن أبي العلاء: "له كتاب يُعَدّ في الأُصول" (14) وإن كان في التعليقة الاستشهاد بذلك على إطلاق الكتاب على الأصل، كاستشهاده عليه بما في ترجمة الحسن بن رباط وجمعٍ آخر (15) وفيه تأمّل؛ لأنّ إطلاق الكتاب في أمثال ذلك من النجاشيّ، والأصل من الشيخ.
ولعلّ وجهه اختلافهما في الاصطلاح أو في استحقاق ما اختلفا فيه لإطلاق أحد اللفظين.
ومن ذلك أيضاً ما في ترجمة هشام بن سالم، فذكر النجاشي أنّ له كتاباً (16)
والشيخ أنّ له أصلً (17) وكذا ما في ترجمة هشام بن الحكم، وترجمة سعد بن أبي خلف، وذريح بن محمّد ابن يزيد، وحميد بن المثنّى العجليّ الكوفي، وحفص بن سالم، وحفص بن البختريّ، والحسين بن غندر، والحسن بن موسى بن سالم، والحارث بن محمد بن النعمان، وجميل بن درّاج، إلى غير ذلك ممّا يظهر أنّ المستعمل فيه «كتاب» واحد.
بل الذي يظهر بالتتبّع اختصاص إطلاق الأصل في الغالب بالشيخ حتّى أنّ غيره ممّن تأخّر عنه إذا أطلقه فهو ممّا أخذه منه رحمه الله وإن ندر أخذه عن غيره مع احتمال وقوعه على إطلاق الشيخ في موضعٍ آخر، فإنّه قد يطلق الأصل على ما يطلق عليه الكتاب، كما يظهر من ترجمة زيد الزرّاد وزيد النرسيّ (18) وإنّما قلت: في الغالب؛ إذ قد وقفت على إطلاق النجاشيّ (19) في الحسن بن أيّوب - على حكاية نقد الرجال ـ أنّه قال: «له كتاب أصل» وكذا عن الوجيزة (20) والبلغة (21): «له أصل» وفي نقلٍ آخر عن الوجيزة (22) كذلك.
وعن الشيخ رحمه الله: «له كتاب» وأُخرى: «له كتاب النوادر» (23) وبالجملة، فالذي يظهر اختصاص هذا الاصطلاح بالشيخ رحمه الله وهو في الغالب يوافق النجاشيّ في إطلاق الكتاب، ومخالفته معه في إطلاقه الأصل، فيطلق الشيخ في مقامه الكتاب أقلّ قليل.
الذي يظهر اختلاف معنى الأصل مع الكتاب عند الشيخ.
ويؤيّده- بعد ما سمعت- ما ذكره في حميد بن زياد من أهل نينوى: «أنّه كثير التصانيف، روى الأُصول أكثرها، له كتب كثيرة على عدد كتب الأُصول» (24)
ويختلفان في إطلاق الكتاب والنوادر أيضاً، كما في منصور بن العباس والحسن بن
راشد، فقال النجاشي: «لهما كتاب نوادر» (25) والشيخ: «كتاب» (26) وفي الحسن بن ظريف، النجاشي: «له نوادر» (27) والشيخ: «له كتاب» (28) ثمّ إنّه رحمه الله- بعد حكاية الفرق المزبور مع تأييده المذكور، ونقل عليه اعتراضين وردّهما فقال: «واعترض بأنّ الكتاب أعمّ» - قال: «وهذا الاعتراض سخيف؛ إذ الغرض بيان الفرق بين الكتاب الذي هو ليس بأصل ومذكور في مقابله، وبين الكتاب الذي هو أصل، وبيان سبب قصر تسميتهم الأصل في الأربعمائة».
قال: "واعترض أيضاً بأنّ كثيراً من الأُصول فيه كلام مصنّفه، وكثيراً من الكتب ليس فيه، ككتاب سُليم بن قيس".
قال: "وهذا الاعتراض- كما تراه- ليس إلّا مجرّد دعوى، مع أنّه لا يخفى بُعْدُه على المطّلع بأحوال الاصول المعروفة".
نعم، لو ادّعي ندرة وجود كلام المصنّف فيها، فليس ببعيد، ويمكن أن لا يضرّ القائل أيضاً، وكون كتاب سُليم بن قيس ليس من الأُصول من أين؟ إذ بملاحظة كثير من التراجم يظهر أنّ الأُصول ما كانت بجميعها مشخّصةً عند القدماء".
ثمّ قال: "ويظهر من كلام الشيخ رحمه الله في أحمد بن محمّد بن نوح أنّ الاصول رُتّبت ترتيباً خاصّاً.
وقيل في وجه الفرق: إنّ الكتاب ما كان مبوَّباً ومفصَّلًا، والأصل مجمع أخبار وآثار.
ورُدَّ بأنّ كثيراً من الأُصول مبوَّبة".
قال: "أقول: ويقرب في نظري أنّ الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه مصنّفه الأحاديث التي رواها عن المعصوم عليه السلام أو عن الراوي، والكتاب والمصنَّف لو كان فيهما (إلى هنا تمّ التوقّف البارحة بتاريخ: 16 / 10 / 2022).
حديث معتمد، لكان مأخوذاً من الأصل غالباً، وإنّما قيّدنا بالغالب؛ لأنّه ربّما كان بعض الروايات وقليلها يصل معنعناً ولا يؤخذ من أصل، وبوجود مثل هذا فيه لا يصير أصلًا، فتدبّر" (29).
قلت: فهذه في الظاهر أقوال ثلاثة في المراد بالأصل والفرق بينه وبين الكتاب.
والذي يظهر أنّ مرجعها إلى أمر واحد خصوصاً في تفسير الأصل، ومنشؤ ظهور الاختلاف قصور العبارة، وقد زُعم وفاؤها بانضمام بعض ما عند صاحبها من قرائن والتفاتات خَفِيَت على غيره. ومن هنا وجب على المعبّر فرض نفسه مستفيداً من العبارة نفسها مع قطع النظر عمّا عنده ممّا يفارق العبارة ولا يصاحبها.
والمتحصّل: أنّ الأصل مجمع أخبار وآثار جُمعت لأجل الضبط والحفظ عن الضياع لنسيان ونحوه، ليرجع الجامع وغيره في مقام الحاجة إليه، وحيث إنّ الغرض منه ذلك لم ينقل فيه في الغالب ما كتب في أصل أو كتاب آخر لحفظه هناك، ولم يكن فيه من كلام الجامع أو غيره إلّا قليل ممّا يتعلّق بأصل المقصود، وهذا بخلاف الكتاب؛ إذ الغرض منه أُمور، منها: تحقيق الحال في مسألة. ومنها: سهولة الأمر على الراجع إليه في مقام العمل، فيأخذ منه ما يحتاج إليه، ولذا ينقل فيه من كتابٍ أو أصلٍ آخر ما يتعلّق بذلك ويبوّب ويفصّل، ويذكر فيه من كلام الجامع ما يتعلّق بردّ وإثبات وتقييد وتخصيص وتوضيح وبيان، وغير ذلك ممّا يتعلّق بالغرض المزبور.
ونظير القسمين عندنا موجود أيضاً، فمرّة نكتب في أوراق أو مجموعة ما نسمعه من صريح كلام فاضل أو غيره، أو نستنبطه من فحواه أو إشاراته، أو نلتفت إليه بأفكارنا وسيرنا في المطالب، سواء كان ذلك مطلباً مستقلًاّ أو دليلًا على مطلب أو إيراداً ونقضاً على خيال أو نكتة ودقيقة أو سرّ أو علّة لمقصود، إلى غير ذلك، فنسرع إلى جمعه في مقام ليكون محفوظاً إلى وقت الحاجة. وربّما ننقل فيه من كتاب وقفنا عليه مع زعم صعوبة وصولنا إليه بعد ذلك. وأُخرى نكتب تصنيفاً لتحقيق مطالب ومقاصد بالاستدلال الكامل أو غيره، أو لجمع مهمّات المطالب لرجوع الغير إليه، كما في الرسائل العمليّة ونحوها، أو تأليفاً لجمع ما شتّت من أخبار أو لغة أو رجال أو حكايات لغرض سهولة الأمر على الراجع وكفايته بمقصوده، كان من المستنبطين أو الوعّاظ أو الزهّاد أو نحو ذلك. فالقسم الأوّل كالأصل، والثاني كغيره من الكتب.
وممّا يؤيّد ما ذكرناه- بعد ما سمعت من تصريح الجماعة- أنّه لم نقف في التراجم على أن يقال: لفلان أصلان أو أُصول، أو مع الوصف بالكثرة، وكذا: إنّ له أصلًا في كذا.
وهذا كلّه بخلاف الكتاب والمصنَّف، لمكان الدواعي إلى تكثّرهما، وجَعْل كلّ قسم في مطلب أو باب من العلم، بخلاف الأصل، فكلّ ما وصل إليه من الأخبار، وعنده أنّه ليس في مكتوب محفوظ أو أنّه فيما لاتَصل الأيادي إليه، يكتبه في مجموعة واحدة، ولعدم اتّحاد ما فيه مقصداً لا يقال له: إنّه في كذا.
وهذا بخلاف النوادر؛ فإنّه وإن شارك الأصل فيما ذكرناه إلّا أنّ المجتمع فيه قليل من الأحاديث غير المشتبه في كتاب، فمرّة هي من سنخ واحد، فيقال: إنّه نوادر الصلاة أو الزكاة مثلًا، وأُخرى من أصناف مختلفة، فيقتصر على أنّه نوادر أو كتاب نوادر.
فعن (روضة المتّقين): «النوادر هي أخبار متفرّقة لا يجمعها باب، ولا يمكن لكلِّ منها ذكر باب، فتجمع وتسمّى بالنوادر» (30).
وفي (الوافي): «هي الأحاديث المتفرّقة التي لا يكاد يجمعها معنى واحد حتّى تدخل معاً تحت عنوان» (31).
قلت: قيد القلّة محتاج إليه للتميّز عن الأصل، ولعلّ في الأوّل إشارةٌ إليه في أخير كلامه.
ولقد نصّ عليها في فوائد التعليقة، قال: «وأمّا النوادر فالظاهر أنّه ما اجتمع فيه أحاديث لا تنضبط في باب؛ لقلّته بأن يكون واحداً أو متعدّداً، لكن يكون قليلًا جدّاً،
ومن هذا قولهم في الكتب المتداولة: نوادر الصلاة ونوادر الزكاة وأمثال ذلك».
قال: «وربّما يُطلق النادر على الشاذّ، ومن هذا قول المفيد رحمه الله في رسالته في الردّ على الصدوق، في أنّ شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقص: إنّ النوادر هي التي لا عمل عليها» (32) مشيراً إلى رواية حذيفة.
والشيخ رحمه الله في (التهذيب) قال: لا يصلح العمل بحديث حذيفة؛ لأنّ متنه لا يوجد في شيء من الأُصول المصنّفة، بل هو موجود في الشواذّ من الأخبار (33)
والمراد من الشاذّ عند أهل الدراية ما رواه الراوي الثقة مخالفاً لما رواه الأكثر، وهو مقابل المشهور (34).
قلت: والمستفاد من رواية الأخذ بالشهرة دون الشاذّ النادر.
وحيث عرفت المفردات عرفت النسبة بينها، فالكتاب أعمّ من الجميع مطلقاً بحسب اللغة بل العرف إلّا عُرف مَن اصطلح الأصل في نحو ما ذُكر، والكتاب في مقابله كما عرفت، فمتباينان، كظهور تباين الأصل مع النوادر بل الجميع حتّى التصنيف والتأليف في العرف المتأخّر وإن كان أحياناً يُطلق بعضها على بعض إمّا للمناسبة أو بناء على خلاف الاصطلاح المتجدّد، فلاحِظ الموارد وتدبّر.
ونقول في الثاني: إنّ المحكيّ عن البُلغة (35) استفادة الحُسن من قولهم: له أصل.
وفي التعليقة في ترجمة عليّ بن أبي حمزة البطائني- بعد نقل تضعيفه عن المشهور-: «قيل بكونه موثّقاً؛ لقول الشيخ في العدّة: عملت الطائفة بأخباره، ولقوله في الرجال: له أصل، ولقول ابن الغضائري في ابنه الحسن: أبوه أوثق منه» (36).
وذكر في فوائدها: «أنّ الظاهر أنّ كون الرجل صاحب أصل يُفيد حُسناً لا الحسن الاصطلاحي، وكذا كونه كثير التصنيف، وكذا جيّد التصنيف وأمثال ذلك، بل كونه ذا كتاب أيضاً يشير إلى حسنٍ مّا، ولعلّ ذلك مرادهم ممّا ذكروا» (37).
قلت: يحتمل أن يريد به أنّ هذا المقدار من الحسن مراد مَنْ ذكر استفادته ممّا ذكر، وقد قدّم حكاية ذلك عن خاله بل وجَدِّه قائلًا: «على ما هو ببالي» (38).
وعن المفيد أنّه قال في مدح جماعة في رسالته في الردّ على الصدوق: «هُمْ أصحاب الأُصول المدوّنة» (39).
ويحتمل أن يريد به أنّ هذا المقدار مراد مَنْ ذكر هذه الألفاظ في الرجال.
وعلى كلّ حال يظهر من تأمّله فيما حكاه عن جدّه وخاله- بعد ملاحظة ما سمعته منه مع تعليله بأنّ كثيراً من مصنّفي أصحابنا وأصحاب الأُصول ينتحلون المذاهب الفاسدة، وبعضهم متروك العمل بما يختصّ بروايته- أنّه فهم منهما إرادة الحسن المصطلح. وعليه كانت الأقوال ممّن أثبت الإفادة ثلاثة:
أحدها: إفادته التوثيق، وهو ظاهر القول المحكيّ في ترجمة البطائنيّ، مع احتمال إرادته التوثيق من مجموع ما ذكره، وليس ببعيد.
والثاني: الحسن المطلق.
والثالث: الحسن المصطلح.
والمستفاد من منتهى المقال نفي الإفادة رأساً، ففي فوائدها: «لا يكاد يُفهم حُسنٌ من قولهم: له كتاب أو أصل أصلًا» (40).
وفي الردّ على القول المحكيّ في ترجمة البطائنيّ: «لا يخفى أنّ له أصل لا يفيد مدحاً أصلًا».
قال: «وصرّحوا (41) بأنّ كون الرجل ذا أصل لا يخرجه عن الجهالة مطلقاً» (42).
قلت: مِن هذا يظهر أنّ النفي مذهب الأكثر، ولعلّه الأظهر إن أُريد بالحسن ما هو أعلى من مطلق المدح، وإلّا بأن أُريد منه مطلق المدح، فالظاهر نعم؛ لوضوح أنّه ليس ممّا يفيد الذمّ، كوضوح أنّ الإكثار منه ومن إثبات كتاب أو كتب أو أصل ونحوه لشخص في مقام المدح والقدح ليس عبثاً، فالظاهر إرادتهم منه الإشارةَ إلى مدح فيه، بل هو أولى من المولى، فيستفاد منه نوع مدح متفاوت المراتب بتفاوت القرائن والتعبيرات، مثل أن يقال: له كتاب، أو: أصل جيّد، أو: رواه جماعة، أو: فلان، وهو لا يروي الضعاف.
وكالشهادة بأنّه صحيح، كما ذكر النجاشيّ في الحسن بن عليّ بن النعمان: «له كتاب نوادر، صحيح، كثير الفوائد» (43) وفي الحسن بن راشد: «له كتاب نوادر، حسن كثير العلم» (44) وذكر الشيخ أنّ حفص بن غياث عاميّ المذهب، له كتاب معتمد (45) فعن منهج المقال أنّه «ربّما يجعل مقام التوثيق من أصحابنا» (46) وذكر أيضاً أنّ طلحة بن زياد عاميّ المذهب، إلّا أنّ كتابه معتمد (47) وفي (التعليقة): «حَكَمَ خالي بكونه كالموثّق، ولعلّه لقول الشيخ: كتابه معتمد» (48)
ومن ذلك إذا قالوا: إنّ كتابه في أُمور تدلّ على حسن حاله، كفضائل الأئمّة أو أحدهم عليهم السلام، أو الأعمال المستحبّة والزيارات، أو الردّ والنقض على المخالفين والمبطلين من فِرَق الشيعة، ونحو ذلك.
ومنها: قولهم: «قريب الأمر» أو «مضطلع بالرواية» أو «سليم الجنبة».
والمراد بالأوّل (49) إمّا أنّه قريب العهد إلى التشيّع، أو يقرب أمر قبول روايته، أو قريب المذهب إلينا، أو غير ذلك.
ولا يخفى أنّ شيئاً ممّا ذُكر لا يوجب مدحاً معتبراً، وإن أخذه أهل الدراية مدحاً، فلعلّهم أرادوا مطلقه.
وبالثاني (50) أنّه قويّ -أو عالٍ- عليها، أو [مالك] (51) منها، والمدح المستفاد منه أقوى من غيره ممّا ذُكر.
وبالثالث (52) أنّه سليم الأحاديث أو سليم الطريقة.
ولا يخفى أنّه أقوى من غيره، لكن حيث لم يثبت أحد التفاسير فلا يمكن البناء على حسن حال الرجل.
نعم، استفادة مطلق المدح من ذلك معلوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القاموس المحيط، ج 4، ص 401.
(2) لسان العرب، ج 15، ص 408.
(3) الرعاية، ص 392.
(4) فوائد الوحيد البهبهاني، ص 44.
(5) فوائد الوحيد البهبهاني، ص 44.
(6) عوائد الأيّام، ص 807 و 808.
(7) القاموس المحيط، ج 4 ص 401؛ لسان العرب، ج 15، ص 408.
(8) رجال النجاشي، ص 214، الرقم 558.
(9) فوائد الوحيد البهباني، ص 50.
(10) مجمع البيان، ج 3، ص 504.
(11) منتهى المقال، ج 2، ص 172، الرقم 482.
(12) معالم العلماء، ص 3.
(13) فوائد الوحيد البهبهاني، ص 33.
(14) الفهرست، ص 54، الرقم 204.
(15) تعليقة الوحيد البهبهاني، ص 99.
(16) رجال النجاشي، ص 434، الرقم 1165.
(17) الفهرست، ص 174، الرقم 780.
(18) الفهرست، ص 71، الرقم 700.
(19) رجال النجاشي، ص 51، الرقم 113.
(20) الوجيزة للمجلسيّ (مخطوط)، الورقة 30.
(21) بُلغة المحدّثين، ص 344، الرقم 14 (الهامش 1).
(22) الوجيزة في الرجال، ص 54، الرقم 471.
(23) الفهرست، ص 70، الرقم 170.
(24) الفهرست، ص 60، الرقم 238.
(25) رجال النجاشي، ص 38، الرقم 76.
(26) رجال الطوسي، ص 88، الرقم 174- 175.
(27) رجال النجاشي، ص 61، الرقم 140.
(28) الفهرست، ص 48، الرقم 167.
(29) فوائد الوحيد البهبهاني، ص 33 و 34.
(30) مرآة العقول، ج 1، ص 154.
(31) الوافي، ج 1، ص 42 (خاتمة مقدّمة المؤلّف).
(32) الرسالة العدديّة (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد)، ج 9، ص 19.
(33) تهذيب الأحكام، ج 4، ص 169.
(34) فوائد الوحيد البهبهاني، ص 34 و 35.
(35) بُلغة المحدِّثين، ص 344، هامش 3.
(36) تعليقة الوحيد البهبهاني، ص 223.
(37) فوائد الوحيد البهبهاني، ص 35 و 36.
(38) فوائد الوحيد البهبهاني، ص 35.
(39) حكاه عنه الوحيد البهبهاني في فوائده، ص 35.
(40) منتهى المقال، ج 1، ص 66.
(41) قال في معراج أهل الكمال: «كون الرجل ذا كتاب لا يخرجه عن الجهالة، إلّا عند بعض مَنْ لا يعتدّ به».
(42) منتهى المقال، ج 4، ص 330.
(43) رجال النجاشي، ص 40، الرقم 81.
(44) رجال النجاشي، ص 38، الرقم 76.
(45) الفهرست، ص 61، الرقم 242.
(46) منهج المقال، ص 410.
(47) الفهرست، ص 86، الرقم 372.
(48) تعليقة الوحيد البهبهاني، ص 185.
(49) أي قوله: «قريب الأمر». واستغرب في «عدّة الرجال» ( ج 1، ص 125) في عدّهم« قريب الأمر» من ألفاظ المدح، وقال:« وهو غريب، فإنّ ظاهره- كما يظهر من ترجمة عليّ بن الحسن بن فضّال في فهرست الشيخ وترجمة الربيع بن سليمان بن عمر في رجال النجاشي- أنّه على خلاف المذهب والطريقة».
ثمّ قال: «لكنّه ليس بذلك البُعْد والمباينة، بل هو قريب، وأقصاه أن يكون إماميّاً غير ممدوح ولا مقدوح ...» إلى آخر كلامه قدس سره.
وفي «شرح البداية» للشهيد الثاني (ص 208): «وأمّا قريب الأمر فليس بواصل إلى حدّ المطلوب»، وقال الميرزا الاسترآبادي في «منهج المقال»: «وقد أخذه أهل الدراية مدحاً، ويحتاج إلى التأمّل».
(50) أي قوله: «مضطلع بالرواية».
(51) في الأصل: «مال» بدل «مالك» والظاهر ما أثبتناه عما في فوائد الوحيد البهبهاني، ص 36.
(52) أي قوله: «سليم الجنبة» بالجيم والنون والباء الموحَّدة، أي سليم الطريقة أو سليم الأحاديث، كما بيّنه المصنّف رحمه الله وقد تأمّل العلّامة المامقاني في إفادته المدح، وأمّا من جهة إفادته التوثيق فقد قطع في عدم دلالته عليه. انظر: مقباس الهداية، ج 2، ص 238.