x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

علم الحديث

تعريف علم الحديث وتاريخه

أقسام الحديث

الجرح والتعديل

الأصول الأربعمائة

الجوامع الحديثيّة المتقدّمة

الجوامع الحديثيّة المتأخّرة

مقالات متفرقة في علم الحديث

علم الرجال

تعريف علم الرجال واصوله

الحاجة إلى علم الرجال

التوثيقات الخاصة

التوثيقات العامة

مقالات متفرقة في علم الرجال

أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)

اصحاب الائمة من التابعين

اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني

اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث

علماء القرن الرابع الهجري

علماء القرن الخامس الهجري

علماء القرن السادس الهجري

علماء القرن السابع الهجري

علماء القرن الثامن الهجري

علماء القرن التاسع الهجري

علماء القرن العاشر الهجري

علماء القرن الحادي عشر الهجري

علماء القرن الثاني عشر الهجري

علماء القرن الثالث عشر الهجري

علماء القرن الرابع عشر الهجري

علماء القرن الخامس عشر الهجري

موقف السنّة من مرويات المخالفين لهم.

المؤلف:  السيّد هاشم معروف.

المصدر:  دراسات في الحديث والمحدّثين.

الجزء والصفحة:  ص 141 ـ 155.

2023-08-29

622

انّ القائلين من الشيعة بعدم جواز الاعتماد على رواية غير الامامي، هؤلاء على قلتهم لا يفرّقون بين اصناف المخالفين لهم، ولا يفضّلون مخالفا على غيره، كما فعل السنّة مع المخالفين لهم، فانّهم عدّوا الشيعة من المبتدعة المخالفين كالخوارج وغيرهم من الفرق، ولكنهم فضّلوا عليهم الخوارج واخذوا بروايتهم بحجة انّهم لا يستحلّون الكذب، والشيعة يستحلّونه على حد زعمهم.

قال السباعي في كتابه السنة ومكانتها من التشريع الإسلامي: والذين يظهر لي انّهم يرفضون رواية المبتدع إذا روى ما يوافق بدعته كالشيعة أو كان من طائفة عرفت بإباحة الكذب، ووضع الحديث في سبيل اهوائها، ولهذا رفضوا رواية الرافضة، وقبلوا رواية بعض الشيعة الذين عرفوا بالصدق والامانة، كما قبلوا رواية المبتدع، إذا كان هو وجماعته لا يستحلون الكذب كعمران بن حطان وبعض الخوارج.

وجاء في منهاج السنة: نكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية الا الرافضة فإنّهم يكذبون (1).

ويقصد السباعي ببعض الشيعة الذين عرفوا بالصدق والامانة الزيديّة كما يدلّ على ذلك قوله في ص 149 وهؤلاء، اي الزيديّة يعدّون أكثر طوائف الشيعة اعتدالا، وفقههم قريب من فقه أهل السنّة، امّا الرافضة ويعني بهم من يفضّلون عليا ويقولون بأنّه هو صاحب الحق بعد رسول الله فهؤلاء لا يشفع لهم شيء عند السباعي وامثاله.

وجاء في الكتاب المذكور في خلال حديثه عن الفرق السياسية: إنّ الرافضة أكثر الفرق كذبا، وان مالك سُئل عنهم فقال: لا تكلّمهم ولا تروي عنهم وانّهم يكذبون، وانّ شريك بن عبد الله القاضي وغيره قالوا عنهم: احمل عن كل من لقيت الا الرافضة فانّهم يضعون الحديث ويتخذونه دينا، وانّهم وضعوا الحديث في ذم معاوية وابن العاص، كما وضعوا في فضائل علي واهل بيته ثلاثمائة الف حديث، وقد اطال السباعي الحديث عمّن اسماهم بالرافضة، وحشد مجموعة من الأراجيف والاباطيل حولهم، وحاول ان يصوّرهم بألدّ اعداء الاسلام الذين لم يكن يهمّهم الا تحطيمه وتقويض دعائمه، كما نصّ على ذلك في ص 95 من كتابه.

ونحن لا نريد ان نخوض معه ومع امثاله ممّن استحوذ عليهم النصب والتعصّب، واعمى قلوبهم الحقد على اهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، فقد سبقه إلى هذه الافترآت سلفه الصالح من اتباع الامويّين وعملائهم الذين كان معاوية والامويّون من بعده يشترون ضمائرهم بالأموال لكي يضعوا الاحاديث في فضله وفضل اتباعه، وفي التشنيع على الشيعة والتوهين لأمرهم وانتقاص علي وابنائه (عليه السلام)، ورد عليهم الشيعة قديما حديثا وفنّدوا جميع مفترياتهم ودسائسهم، ومع كلّ ذلك فالسباعي والجبهاني والسفياني وغيرهم من المأجورين والمفرّقين لا يعنيهم الا تفريق الصفوف وتمزيق وحدة المسلمين وبثّ الاحقاد في النفوس لقاء أجر معلوم من أسيادهم أعداء الاسلام، هؤلاء وغيرهم يجترون أقوال المتقدّمين حنقا وحقدا على الشيعة، وعداوة لأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم من البدع على رغم انف الحاقدين والمفترين كالسباعي والجبهاني وابن تيمية وامثالهم المأجورين.

لقد رفض السنّة رواية الشيعي؛ لأنّه مبتدع كذّاب، وقبلوا رواية الخوارج؛ لانّهم وان كانوا من أهل البدع كالشيعة على حد تعبيرهم، الا انّهم صادقون متديّنون لا يستحلّون الكذب ولا الفسق وكانوا من التقوى على جانب عظيم كما جاء في كتابه ص 96.

ويعود في ص 97 ليؤكّد هذه الحقيقة فيقول: لقد حاولت ان اعثر على دليل علمي يؤيد نسبة الوضع إلى الخوارج فرأيت الادلة العلمية على العكس، تنفي عنهم هذه التهمة، فقد كانوا يكفّرون مرتكب الكبيرة من الذنوب أو مرتكب الذنوب مطلقا والكذب من الكبائر، فكيف إذا كان على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومضى في حديثه ينتحل لهم اسباب الزهد والصدق والعبادة الخالصة، ويصف الرافضة (اي الشيعة) بالكذب ووضع الاحاديث، محتجا لتزكية الخوارج بقول ابي داوود: ليس في أهل الاهواء أصح حديثاً من الخوارج، ويقول ابن تيمية، ليس في أهل الاهواء أصح حديثا واصدق واعدل من الخوارج، إلى غير ذلك من الهراء الذي لا يرتكز على العلم والمنطق والدين. وكنت أتمنّى لنفسي ان لا تضطرّني مطالعاتي حول الموضوع الذي يبدي إلى الخوض مع هؤلاء الدسّاسين المأجورين في مثل هذه المواضيع وكان بالإمكان ان أتغاضى واتجاهل بعض التهم والأراجيف التي يلصقها الحاقدون بالشيعة، لولا (انّ الساكت عن اظهار الحق شيطان اخرس) ولولا انّ الحقيقة تفرض نفسها على الباحث المجرّد، وتأبى عليه ان يمرّ بمثل هذه الآراء من غير ان يكشفها على واقعها لتكون سلاحا بيد الباحث البريء الذي لا يعنيه الا الحق من اي مصدر كان.

لقد اتفق أكثر السنة على انّ مرويات الشيعة لا يجوز الاعتماد عليها لأنّهم في طليعة المبتدعة المتسترين بالإسلام ومن الدعاة إلى بدعتهم، لانّهم يدّعون بأنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) نصّ على علي (عليه السلام) بالخلافة في غدير خم وغيره من المواقف، ووضعوا على حد تعبيرهم الاف الأحاديث في فضله وفضل السيدة فاطمة وولديها الحسن والحسين (عليه السلام)، لذلك فهم من المبتدعة الكذّابين، والخوارج من المبتدعة الصادقين. ونحن لا نريد ان نناقش ونجادل في المرويات حول استخلاف علي وفضائل اهل البيت، لا نريد ذلك، لانّ الحديث حول هذه المواضيع يتصل بتاريخ الاسلام، وقد تكلّم فيه الشيعة والسنة في عشرات المناسبات وكتبوا حوله عشرات الكتب، ولكن الذي اريد ان اقوله لمن يحتج في رفض مروياتهم، بأنّهم من المبتدعة الداعين إلى بدعتهم. كيف سوغ هؤلاء لأنفسهم قبول مرويات مروان ومعاوية والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص، وطلحة والزبير والنعمان بن بشير الانصاري، وامثال هؤلاء ممّن أراقوا الدماء واستباحوا الحرمات، وأعلنوها حربا شعواء لا هوادة فيها على الامام الشرعي الذي اختاره المهاجرون والانصار، والمسلمون من جميع البلدان والاقطار.

أليس خروج عائشة ام المؤمنين وزوجة النبي (صلى الله عليه وآله) تقود جيشا إلى حرب علي (عليه السلام) يقتل الابرياء وينهب الاموال ويروّع الآمنين، والقرآن يناديها ويؤكّد عليها وعلى غيرها من امهات المؤمنين، بانّ يقرن في بيوتهن ولا يتبرّجن تبرج الجاهلية الأولى، أليس ذلك فسادا في الارض، وبدعة في دين الله لا تقلّ أخطاره عن أخطار فكرة الخوارج وغيرهم من المبتدعة وهل البدعة الا ادخال ما ليس من الدين في الدين، وارتكاب ما يتنافى مع اصول الاسلام وقواعده؟!، وهل تتفق سيرة معاوية واتباعه ممّن قبل المحّدثون احاديثهم، هل تتفق سيرتهم مع اصول الاسلام وفروعه وقواعده؟! ونحن لا نريد ان نجادلهم فيما ينسبونه إلى الشيعة من الوضع والكذب: ونفترض ذلك امرا واقعا، ولكن هل يستطيع باحث مجرّد ان ينزّه أخصام علي (عليه السلام) كمعاوية واتباعه ومن يحمل روحه ومبادئه عن الوضع والكذب وبذل الاموال لهذه الغاية؟! مع انّ التاريخ مشحون بالشواهد على انّه قد أصدر امرا وزّعه على جميع عمّاله في مختلف العواصم وامرهم بوضع الأحاديث في فضل الخلفاء وبخاصة قريبه عثمان، ووضع الأحاديث التي تسيئ إلى علي (عليه السلام) وبنيه.

أصحيح انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من اراد ان ينظر إلى رجلين من اهل النار فلينظر إلى هذين. فنظرت السيدة عائشة وإذا بعلي والعباس قد اقبلا نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما روى ذلك جماعة من المحدّثين عنها؟! أصحيح انّ رسون الله (صلى الله عليه وآله) قال: انّ عليا يموت على غير ديني، كما روى عروة بن الزبير عن خالته عائشة؟! أوليست بعض المرويات المدونة في الصحاح عن جماعة من الصحابة كأبي هريرة وامثاله أضرّ على الاسلام وأكبر خطرا ممّا يسمّيه السباعي وأسلافه بالبدع كما سنشير إليها خلال الفصول الآتية؟! أوليس معاوية اوّل من ادخل البدع في دين الله ودعا إليها وعاقب على تركها وفرض مسبّة علي وبنيه على الخطباء وائمة المساجد؟! واستمر الأمر على ذلك قرنا كاملا من الزمن وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سنّ سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سنّ سنّة حسنة كان له اجرها واجر من عمل بها.

أولم يقل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعمّار: يا عمّار تقتلك الفئة الباغية وهل ينكر أحد من المحدثين قتل معاوية واتباعه لعمّار بن ياسر ومن على شاكلته من صحابة النبي الميامين؟! أفلا يكفي معاوية ان يكون في عداد المبتدعة تسليط ولده الفاجر المستهتر في دين الله على المسلمين؟! مع العلم بانّه قد خالف بذلك سيرة الشيخين...الذين لم يجعلا لأولادهما نصيبا فيها وفي ولدهما من هو ابرّ واصلح واتقى من معاوية واولاده بعشرات المرات ولو اردنا ان نستقصي البدع والمنكرات التي احدثها جماعة من الصحابة وماتوا وهم مصرّون عليها لخرجنا من ذلك بمجلد اضخم من كتاب السباعي (السنّة ومكانتها من التشريع) وكنت اتمنّى ان لا ادخل في هذا الموضوع، ولكنّي كما ذكرت اولا قد رأيت نفسي مضطراً لتقديم هذه الامثلة التي تؤكّد انّ الذين يرفضون مرويات الشيعة يتسترون بتلك الاسباب التي يدعونها، والواقع انّ السبب الاول والاخير الذي لا يمكن التكفير عنه، ولا يدخله عنصر الاجتهاد الذي دخل على تصرّفات معاوية واتباعه وعلى من وصفهم القرآن بالمنافقين. السبب الاول والاخير هو موالاة الشيعة لعلي واهل بيته (عليه السلام) والرجوع إليهم في امور الدين والتكفير عن هذه البدع لا يمكن ان يكون الا بالرجوع عن موالاتهم والتمرّغ على اعتاب بعض الصحابة بما فيهم معاوية واتباعه، وما داموا مصرّين على ذلك فهم مبتدعة كذّابون، والخوارج قوم صلحاء لا يجاملون ولا يستعملون التقية كما يصنع الشيعة، ولم يكن وسطهم بالوسط الذي يقبل الدسائس والزندقة والشعوبيّين، كما هو الحال بالنسبة إلى الرافضة على حد تعبير السباعي وغيره (2).

ونحن إذ نبارك له ولأسلافه من العلماء والمحدّثين، فكرة الرجوع إلى الخوارج واخذ الدين عنهم، نريد ان نلفت نظر القراء إلى انّ اهل السنة يشترطون العدالة في الراوي بالإضافة إلى الاسلام، ويفسّرون العدالة بفعل الواجبات واجتناب المحرمات، مع العلم بانّ الخوارج يكفّرون جميع المسلمين، لانّهم لم يشتركوا معهم في جهاد الامويّين، ويكفّرون عليا واتباعه، وعثمان وحزبه، ويستحلّون دماء واموال جميع من لم يساندهم ويدين بآرائهم، هذا بالإضافة إلى تشريعاتهم المنافية لأصول الاسلام ومبادئه، لانّ فيهم من جوّز نكاح بنات الاولاد وبنات اولاد الاخوة (3).

وادّعى يزيد بن انيسه أحد قادتهم انّ الله سيبعث نبيا من العجم بكتاب ينسخ شريعة محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله).

وفيهم من ادّعى بانّ سورة يوسف ليست من القرآن، إلى غير ذلك من الآراء المنافية لضرورات الاسلام والتي تجعلهم في عداد الكفّار والملحدين (4)، ومع ذلك فالخوارج صادقون لا يستحلّون الكذب، والشيعة مبتدعة كذّابون.

وجاء عن بعض المحدّثين من السنّة انّه سمع شيخا منهم بعدما تاب يقول: انّ هذه الأحاديث دين، فانظروا عمّن تأخذون دينكم، فانّا كنّا إذا هوينا امرا صيّرناه حديثا.

وبهذه المناسبة يقول الحافظ ابن حجر: هذه والله قاسمة الظهر للمحتجّين بالمراسيل، إذ بدعة الخوارج كانت في مبدأ الاسلام، والصحابة متوافرون، ثم في عصر التابعين فمن بعدهم، وهؤلاء إذا استحسنوا امرا جعلوه حديثا واشاعوه، فربّما سمع الرجل الشيء فحدّث به، ولم يذكر من حدّثه به فيحمله منه غيره، ويجيء الذي يحتج بالمنقطعات فيحتج به مع كون أصله ما ذكرنا (5).

على انّ السباعي يرسل اقواله جزافا وينسبها إلى اهل السنّة ليؤيّد بها ادعاءه ويركز على اساسها حملاته المسعورة على الشيعة.

والواقع انّ الباحث المتتبّع يمكن ان ينتزع من آرائهم ونصوصهم حول هذه المواضيع انّ الاكثرية الغالبة ترفض رواية الشيعي بقول مطلق بنحو يصح نسبته إلى جمهور اهل السنة واحسب انّ هذا هو اول ما يهتدي إليه الباحث بعد استقصاء آرائهم وتمحيصها لانّهم متّفقون على انّهم من اهل البدع والاهواء وبدعتهم ليست كغيرها من البدع التي يمكن ان يجد لها الانسان تفسيرا مقبولا على حد زعمهم، ومع ذلك فلا يصح نسبته إلى الجميع.

وجاء في الباعث الحثيث للشيخ احمد محمد شاكر ما يؤيّد ذلك، حيث قال: اهل البدع والاهواء إذ كانت بدعتهم مما يحكم بكفر القائلين بها لا تقبل روايتهم بالاتفاق كما نصّ على ذلك النووي، واضاف إلى ذلك انّ السيوطي أنكر الاتفاق الذي يدّعيه النووي، لوجود القائل بقبول روايتهم مطلقا، ووجود من يقول بقبولها إذا اعتقد الراوي حرمة الكذب. وامّا من كانت بدعته لا توجب الكفر، فانّ بعضهم لم يقبل روايته مطلقا، وبعضهم قبلها إذا لم يكن ممّن يستحل الكذب في نصرة مذهبه، وروى ذلك عن الشافعي، حيث قال: ما رأيت في اهل الاهواء والبدع اشهد بالزور من الرافضة.

وقال بعضهم: تقبل رواية المبتدع إذا لم يكن داعية إلى بدعته ولا تقبل إذا كان داعية إليها، وفي رأي النووي انّ الاكثر يذهبون إلى ذلك (6).

ومن مجموع ذلك تبيّن انّهم لم يتفقوا على رأي واحد في هذه المسألة، وانّ بينهم من يرجّح قبول رواية المبتدع في الاحوال كلّها، وان كان الاكثر يشترط ان لا يكون داعية إليها كما نصّ على ذلك النووي وقال الحافظ الذهبي في المجلد الاول من الميزان في ترجمة ابان بن تغلب: انّ الشيعي إذا لم يكفّر الشيخين ابي بكر وعمر ولم يتبرّأ منهما تقبل روايته، ثم قال في وصف ابان: انّه شيعي جلد، لكنّه صدوق فلنا صدقة وعليه بدعته، واضاف إلى ذلك. فلقائل ان يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع؟! وحدّ الثقة العدالة والاتقان، فكيف يكون عدلا وهو صاحب بدعة؟!، وجوابه انّ البدعة على ضربين صغرى كالتشيّع بلا غلو، وغلوّ التشيّع، وهذه كثيرة في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، فلو ردّ حديث هؤلاء لذهبت جملة الآثار النبويّة، وهذه مفسدة بينة، ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل، والغلو فيه والحط على ابي بكر وعمر، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة، ولا استحضر من هذا النوع رجلا صادقا ولا مأمونا، بل الكذب شعارهم والتقيّة والنفاق دثارهم، فكيف يقبل نقل من هذا حاله، حاشا وكلا فالغالي في زمان السلف وعرفهم، هو من تكلّم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممّن حارب عليا (عليه السلام) وتعرّض لسبّهم، والغالي في زماننا هو الذي يكفّر هؤلاء السادة، ويتبرّأ من الشيخين ايضا، فهذا ضال مفترٍ كذّاب ونقل عن الحافظ ابن حجر ما هو قريب من هذا النص (7).

وهذا النصّ من الذهبي يكاد ان يكون صريحا في ان صدق الراوي ووثاقته لا بد من مراعاتهما في الراوي أيّاً كانت صفته، والشيعي مع انّه على جميع حالاته مبتدع، ولكن إذا لم يبلغ الحال به إلى تفكير من حارب عليا (عليه السلام) والبراءة من الشيخين لا ترد روايته إذا كان صدوقا وضابطا للحديث، وهو وان لم يعبّر عن رأي الجمهور في هذه المسألة، الا ان الكثير منهم على ذلك، كما يبدو من نصوصهم وتصريحاتهم.

قال ابن حجر في هدى الساري في تحديد المبتدع الذي لا تقبل مروياته: ان الموصوف بالبدعة، اما ان يكون ممّن يكفّر بها أو يفسّق فالمكفّر بها لا بد وان يكون التكفير متفقا عليه من قواعد جميع الائمة، كما في غلاة الرافضة المدّعين حلول الالوهية في علي (عليه السلام) وغيره، والايمان برجوعه إلى الدنيا قبل يوم القيامة أو غير ذلك، وليس في الصحيح من حديث هؤلاء شيء.

والبدعة الموجبة للفسق كبدع الخوارج والروافض الذين لا يغلون ذلك الغلو، وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لأصول السنة خلافا ظاهرا والمستندين في خلافهم إلى تأويل ظاهر سائغ، فقد اختلف اهل السنة في قبول حديث من هذا سبيله، إذا كان معروفا بالتحرز من الكذب مشهورا بالسلامة من خوارم المروءة، موصوفا بالديانة والعبادة، فقيل يقبل حديثه مطلقا، وقيل يرد مطلقا، وفصّل آخرون بين ان يكون داعية لبدعته، أو غير داعية لها فقبلوا حديث غير الداعية، وردوا حديث الداعية لها واضاف إلى ذلك. ان هذا المذهب هو الأعدل وصارت إليه طوائف من الائمة، وادّعى ابن حيان اجماع اهل النقل عليه. وفصّل بعضهم في رواية المبتدع الذي لا يدعو لبدعته، بما حاصله انّ غير الداعي إلى بدعته إذا اشتملت روايته ولو من بعيد على ما يؤيد بدعته، أو يحسّنها في ظاهر الحال فلا يصح التعويل على حديثه، وان لم يشتمل حديثه على شيء من ذلك يصح الاعتماد عليه إلى غير ذلك من الاقوال الكثيرة التي اوردها العسقلاني في مقدمة فتح الباري (8).

وكما ذكرنا لا يستطيع الباحث ان ينتزع مبدأ عاما صريحا في عدم قبول مرويات الشيعة بقول مطلق يعبّر عن رأي الجميع ويصح اعتباره مذهبا لهم والذي يمكن نسبته إلى الاكثرية انّ الشيعي إذا لم يعلن البراءة ممّن تقدّم على على (عليه السلام) في الخلافة ولم يكن داعيا إلى تشيّعه ولا متحمّسا له يصح الاعتماد على حديثه إذا كان معروفا بالصدق ومتحررا من منافيات الوثاقة والمروءة على حد تعبير بعضهم، اما إذا كان ممّن يتبرّأ من اخصام علي (عليه السلام) ويدعو إلى بدعته التي هي التشيع في اصطلاحهم، أو يروي ما يؤيدها فلا يكون مقبول الحديث، ومن هنا يصح ان يقال انّ الشيعي الاثني عشري لا يصح الاعتماد على مروياته عند الاكثرية الغالبة، لعدم توفّر الشروط التي يشترطونها لقبول روايته مع التشيع بهذا المعنى.

ويجد الباحث هنا وهناك في خلال أحاديثهم من يرجّح الاخذ برواية الشيعي إذا لم يكن مغاليا، وهؤلاء على قلتهم قد فصّل بعضهم بين ما إذا وردت رواية الشيعي من طريق السنة ايضا، وبين ما إذا تفرّد بها الشيعي، ففي الاول ترد روايته اطفاء لناره واخمادا لبدعته على حد تعبيرهم وفي الحالة الثانية يصبح الاخذ بها والاعتماد عليها إذا كان معروفا بالصدق ولم يكن لروايته صلة ببدعته، تقديما لمصلحة انتشار الحديث على مصلحة اهانة المبتدع، لان من مصلحة الحديث نشره واظهاره. وفي مقابل هذه المصلحة رد حديث المبتدع المستلزم لإهانته والتشهير بكذبه حتى لا تتسرّب دسائسه إلى النفوس، ولكن مصلحة انتشار الحديث المرتبة على الاخذ برواية المبتدع الصادق اولى بالمراعات من تلك المصلحة (9).

وقد وقف الغزالي من هذه المسألة موقفا معتدلا بالنسبة إلى غيره من شيوخ السنة، يرجع حاصله إلى انّ اشتراط العدالة في الراوي إذا كان من جهة تحصيل الاطمئنان والوثوق بحديثه والعادل يتجنّب الكذب ويتحرّز الاخذ من غير الموثوقين، فالمبتدع بناء على ذلك مهما كانت بدعته إذا كان صدوقا يتجنب الكذب ويتحرى الصواب، ويبتعد عن غير الموثوقين ينبغي ان تؤخذ روايته بعين الاعتبار، وإذا كان اشتراط العدالة راجعا إلى انّ الفسق بذاته يمنع من قبول الشهادة والرواية، من حيث كونه نقصا يسلب المتصف به اهلية الاعتماد عليه كالكفر مثلا، فالمبتدع من حيث كونه فاسقا يفقد اهلية تحمل الشهادة والرواية.

وقد رجّح مانعية الفسق من الاعتماد على الرواية لا من حيث ذاته بل من حيث ان الفاسق متهم في حديثه، ولا يكون محلا للوثوق والاطمئنان في الغالب، وانتهى من هذه المقدمة إلى انّ المبتدع مهما كانت بدعته، إذا كان ورعا صدوقا متمسكا في دينه لا يستحل الكذب، يصح الاخذ بمروياته والاعتماد عليه في الحديث وغيره، وإذا لم يكن بهذه الصفات لا يعتمد عليه في شيء من امور الدين (10).

وهذا التفصيل من الغزالي أقرب إلى المنطق وألصق بالواقع من جميع ما قيل حول المبتدع ومروياته وتؤيده الآية الكريمة: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} حيث انّ الظاهر من الآية الكريمة انّ الفاسق انّما وجب التبيّن في حديثه والفحص عن صحّته والوقوف عنده حتى ينكشف الحال من حيث احتمال كذبه، وعدم صدقه فيما أخبر به لا من حيث مانعية الفسق بذاتها. ولعلّ البخاري، لا ينظر إلى المبتدعة من الزاوية التي نظر منها الغزالي فلم يروِ عمّن ثبت تشيّعه الا عن عدد لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة ولم يرد ذكر لأحد منهم في أكثر من رواية أو روايتين، ولعلّ ذلك من حيث انّ الروايات التي وردت عن طريقهم رواها غيرهم من السنة كما اعتذر بعض المحدثين عنه بالنسبة لروايته عن حمران بن اعين، وروى عن بعض المتهمين بالتشيّع، وعلى قلة تلك المرويّات فقد ضعّفها جماعة من محدّثي السنّة لمجرّد هذه التهمة، كما روى عن عدد كبير من الخوارج، والنواصب والقدريّة والمرجئة وغيرهم ممّن وصفهم علماء السنة ومحدّثوهم بالمبتدعة ولكن بدعتهم لا تمنع من صدقهم على حد تعبيرهم.

وقد فرّق العسقلاني في مقدمة فتح الباري بين التشيّع والرفض، والغلو في الرفض بما حاصله انّ التشيع هو محبّة علي (عليه السلام) وتفضيله على الصحابة فمن قدّمه على ابي بكر وعمر فهو رافضي غالٍ في التشيع، ومن لم يقدّمه عليهما فهو شيعي، فإذا ذكر الشيعي سبب التقدّم على الشيخين، أو صرّح ببغضهما فهو غالٍ في الرفض، ومن كان يعتقد بالرجعة فأشد غلواً (11).

وبنتيجة هذه الفروق التي ذكرها ابن حجر لمراتب التشيّع، يتبيّن انّ الذين روى عنهم من الشيعة ممّن يقدّمون عليا (عليه السلام) على الخليفتين أبي بكر وعمر لا يتجاوزون اصابع اليد الواحدة، كما تؤيد ذلك الاحصاآت التي اجراها النقّاد لأحاديث البخاري، وجميع المتّهمين بالتشيّع بين رجاله كما يظهر من كتب اهل السنّة المؤلّفة في التراجم واحوال الرواة لا يتجاوزون خمسة عشر تقريبا، ويتسع التشيع عندهم لكل من يحب عليا أو ينتقد اخصامه. فإذا وجدوا شخصا معتدلا في تقديره للحوادث ومنصفا في عرضها، أو وجدوه ينتقد سيرة بعض الخلفاء والحكام الامويين، اتهموه بالتشيع، ووقفوا موقف المتحفظ من مروياته، وقد يتهم الراوي بالتشيّع لمجرّد أنّه يروي فضيلة لعلي أو حديثا حسنا فيه ويؤيد ذلك ما جاء في المجلد الثالث من الميزان للذهبي في اثناء حديثه عن محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 210، فقد قال في وصفه: انّه ثقة صادق فيه تشيّع يسير وموالاة لا تضر ولازم ذلك انّ الموالاة التي تبلغ اعطاء علي صفة الافضليّة على غيره تمنع من قبول مروياته.

وقال فيه احمد بن علي السليماني الحافظ: انّه كان يضع للروافض (12) وقد ضعّف المؤلفون في الحديث واحوال الرواة اسماعيل ابن سليمان بن المغيرة الازرق التميمي الكوفي لانّه ممّن روى حديث الطائر المشوي.

وقال فيه أبو حاتم سمعت ابن نمير يقول: كان اسماعيل بن الازرق من غلاة الشيعة، ولا مصدر لمن اعطاه هذه الصفة الا روايته للحديث المذكور، وليس في كتب الرجال ما يشير إلى تشيّعه فضلا عن غلوّه في التشيّع. وممّا يؤيد انّهم كانوا لا يتحمّلون من الراوي ما يرويه في فضائل علي (عليه السلام) انّ الحافظ عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي المتوفى سنة 373 احد الاعلام في عصره، كان يدرس عددا من تلاميذه، فاتفق له انّه املى عليهم حديث الطائر المشوي، فلم يتحمّلوا منه ذلك، بل وثبوا عليه فأقاموه من مكانه وغسلوا موضعه، فلزم بيته ولم يحدّث احدا بعد ذلك، ولذا قل حديثه عند الواسطيّين كما نصّ على ذلك في تذكرة الحفّاظ (13) ومن الشواهد على ذلك. انّ عبّاد بن يعقوب ابا سعيد الكوفي المتوفى سنة 250 ممّن روى عنه البخاري حديثا واحدا، ورواه غيره من محدّثي السنة، وورد لعبّاد بن يعقوب ذكر في بعض اسانيد البخاري وتعرّض للنقد والطعن عليه، لروايته عنه، بحجة انّه كان داعية إلى الرفض، مع اعترافهم بانّه كان صدوقا في حديثه كما يؤيّد ذلك ابن العماد الحنبلي، والحافظ الذهبي، وكان ابن خزيمة إذا حدّث عنه يقول حدّثنا الثقة في روايته المتّهم في رأيه، ولا مصدر لهم في تشيّعه وغلوّه في الرفض الا انّه كان يقول: انّ الله اعدل من ان يدخل الجنّة طلحة والزبير؛ لانّهما بايعا عليا ثم نكثا بيعته وقاتلاه.

وروى عن جماعة انّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه، وألّف كتابا في احوال الصحابة لم يتحيّز فيه وروى ما يتعلّق بفضل علي (عليه السلام) مع العلم بانّ كتب التراجم الشيعية لا تنصّ على تشيّعه، بل ينص اكثرها انّه كان عامي المذهب، وممّن نصّ على ذلك الميرزا محمد في إتقان المقال، والشيخ الطوسي في كتابه الفهرست (14) ومهما كان الحال فالباحث بعد التمحيص لأحوالهم وآرائهم حول هذا الموضوع يطمئن إلى انّ الرأي الشائع عندهم الذي يصحّ نسبته إليهم هو عدم قبول مرويات الشيعة الامامية الذين يفضّلون عليا على غيره من الخلفاء ويرونه وابناءه (عليه السلام) احق بالخلافة بعد الرسول ممّن تولّاها على التعاقب ومن الجائز القريب ان يكون هذا الموقف السلبيّ من مرويّات الشيعة في مختلف العصور هو من نتائج الحظر الشامل الذي وضعه معاوية وولاته على مرويّات الشيعة وحتّى على شهاداتهم، ولقد أكّد هذا الحظر في وثيقته التاريخية التي وزّعها في مختلف الاقطار الاسلامية واقتدى به غيره من الامويّين طيلة حكمهم الذي استمر نحواً من ثمانين عاما فكان من نتيجة ذلك ان اصبح من المرتكزات في اذهانهم يرثها الخلف عن سلفه في مختلف العصور (15).

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر السنة ومكانتها من التشريع الاسلامي للسباعي ص 110 ومنهاج السنة ج / 1 ص 13.

(2) انظر ص 95 من الكتاب المذكور.

(3) وهم العجاردة اتباع ميمون المجردي أحد امرائهم.

(4) انظر مقالات الاسلاميّين للأشعري، والتبصير في الدين للاسفرائيني، وكتابنا الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة ص 56 وما قبلها.

(5) انظر ص 98 من شيخ المضيرة عن توجيه النظر ص 245.

(6) انظر الباعث الحثيث ص 100.

(7) المصدر السابق ص 101.

(8) انظر ص 144 و145 من المجلد الثاني من هدى الساري.

(9) المصدر السابق، وهذا التفصيل يصوّر لنا مدى الحقد والتعصب ضد الشيعة الذي امتزج بدماء هؤلاء وتحكّم في تفكيرهم ومداركهم واعماهم عن إدراك ابسط الحقائق واقربها الى النفوس البريئة التي لا ترى للحق بديلا.

(10) انظر المستصفى ص 102 من الجزء الأول.

(11) انظر هدى الساري ص 333.

(12) انظر ص 599 من المجلد 3 من ميزان الاعتدال.

(13) انظر الإمام الصادق والذاهب الاربعة ج 6 ص 310.

(14) انظر شذرات الذهب ج 3 ص 121 وتهذيب التهذيب ص 109 و100 وهدى الساري 411 ومنهج المقال في علم الرجال للميرزا محمد.

(15) انظر ج / 3 النهج.