Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
القضية المهدوية وتأثيرها على بناء الهوية النفسية في القرآن الكريم

منذ ساعتين
في 2025/12/03م
عدد المشاهدات :88
تحتلّ القضية المهدوية موقعًا مركزيًا في العقيدة الإسلامية، وخصوصًا في تراث أهل البيت عليهم السلام. فهي ليست مجرد فكرة مستقبلية أو وعد مؤجل، بل هي جزء من النظام العقائدي الذي يمنح الإنسان رؤية واضحة عن مساره في الحياة، ويغذّي الجانب النفسي بالثبات والأمل والهوية الرسالية.
وعند العودة إلى القرآن الكريم، نجد أنّه قد وضع الأسس العامة للمشروع الإلهي القائم على الاستخلاف والعدل ونهاية الظلم، وهذه الأسس تمثل الإطار الفكري والنفسي للمهدوية وإن لم تُسمِّ الإمام المهدي عليه السلام باسمه.
الرؤية القرآنية للمستقبل الموعود
يقدّم القرآن صورة واضحة عن سنن الله في الأرض: وعد للذين استُضعفوا، وتمكين للمؤمنين، ووراثة للذين ثبتوا على خط الحق.
من أبرز الآيات التي تحمل هذه الدلالة قول الله تعالى:وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (القصص: 5).
وقد جاء عن الإمام الباقر عليه السلام تفسير صريح لهذه الآية بقوله:
هم آل محمد، يبعث الله مهديهم بعد جهدهم فيجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين.
وهذا الربط بين الآية والمهدوية يعطي البنية النفسية للمؤمن عمقًا خاصًا؛ إذ يرى أنّ التاريخ ليس عشوائيًا ولا محكومًا للظلم دائمًا، بل يسير نحو نقطة يعلو فيها الحق.
كما أن القرآن يرسّخ مبدأ الاستخلاف، وهو أساس في الهوية المهدوية. قال تعالى:
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ (النور: 55).
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ هذه الآية "نزلت في المهدي وأصحابه".
هذا الوعد القرآني يقع في قلب تشكيل الهوية النفسية، لأنه يعزز الشعور بأن الإنسان جزء من مشروع إلهي ممتد، له هدف وله مستقبل واضح.
الهوية النفسية في القرآن: جذورها وأسُسها
الهوية ليست مجرد تعريف ذاتي، بل هي منظومة معقدة من الإيمان والانتماء والتكليف والغاية.
القرآن الكريم بنى الهوية على عناصر ثابتة، أهمها:
الإيمان بالله، واليقين بوعده، والشعور بالانتماء إلى خط الحق، والالتزام بالسلوك الأخلاقي.
هذه الركائز تصبح أكثر صلابة عندما تُربط بالمهدوية، لأن المهدوية تعطي هذه الهوية اتجاهًا مستقبليًا، وتجعلها مرتبطة بوعد إلهي منتظر.
يقول تعالى:وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (الأنبياء: 105).
وقد فسّر أهل البيت هذه الآية بأنها من بشائر دولة العدل الإلهي بقيادة الإمام المهدي.
ومثل هذه الآيات تؤسس لذهنية ترى أنّ النهاية ليست للباطل، وأن المستقبل يحمل حتمية النصر.
هذا الفهم وحده يكفي لرفع مستوى الثقة النفسية وتحسين الاستقرار الداخلي للإنسان.
المهدوية كمحرّك نفسي وأخلاقي
الروايات المعتبرة تعطي للمهدوية بُعدًا عمليًا وليس مجرد اعتقاد نظري.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله:
أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج (الكافي).
وهذا يعني أنّ الانتظار ليس حالة انتظار سلبي، بل هو بناء ذاتي مستمر، وتطوير للهوية النفسية والأخلاقية.
وعن الإمام الصادق عليه السلام:
من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق (الغيبة للطوسي).
هذه الرواية تربط بين المهدوية والتهذيب النفسي مباشرة.
فالهوية المهدوية تُبنى على أساس العمل، لا على الأماني.
والمؤمن الذي يحمل هذا الفهم يعيش المهدوية من خلال سلوكه، فيصبح الانتظار مشروعًا للتزكية والتربية، لا مجرد فكرة.
مفهوم التمحيص ودوره في تشكيل الصلابة النفسية
القرآن يعلّم الإنسان أنّ بلوغ النصر لا يأتي بلا امتحان.
قال تعالى:
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (آل عمران: 142).
وقد ورد عن الإمام الباقر أنّ هذه الامتحانات من علامات غربلة الأمة قبل قيام القائم.
هذا الفهم يعطي للإنسان قدرة نفسية على الصمود؛ لأنه يرى المحن جزءًا من مسار التمهيد الإلهي.
فالهوية النفسية لا تُبنى في الراحة، بل في مواجهة التحديات.
أثر المهدوية في بناء الطمأنينة الداخلية
المؤمن بالمهدي يعيش حالة اطمئنان عميقة بأن الظلم ليست له الكلمة الأخيرة.
هذه الطمأنينة مبنية على اليقين بسنن الله، وليست مجرد مشاعر.
فالإنسان حين يعي قوله تعالى: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ،ويعرف أنّ الروايات فسّرتها بدولة الإمام المهدي، يشعر بأن الوجود ليس فوضى، وأن العدالة ليست حلمًا بعيدًا، بل وعدًا ربانيًا.
وتلك الطمأنينة إحدى أهم مكوّنات الهوية النفسية السليمة.
البعد الجماعي للهوية المهدوية
القرآن لا يتحدث عن فردٍ فقط، بل عن أمة قائمة بالقسط.
قال تعالى:وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (الأعراف: 181).وتذهب الكثير من التفاسير والروايات إلى أنّ هذا الوصف يتناسب مع أصحاب الإمام المهدي، الذين يشكّلون النواة الصلبة للمجتمع العادل.
وبالتالي المهدوية لا تبني هوية فردية فقط، بل تبني هوية جماعية:
هوية مجتمعٍ مؤمن بالعدل، مترابط، يسعى نحو هدف موحد.
انعكاسات القضية المهدوية على الواقع النفسي والسلوكي
إن دمج البنية القرآنية مع الرؤية المهدوية يخلق مجموعة من الآثار النفسية المهمة، منها:ارتفاع مستوى المعنى والغاية في حياة الإنسان.
انحسار القلق الوجودي، لأن المستقبل بيد الله وليس بيد الظالمين.
تقوية الإرادة الأخلاقية والالتزام الديني.
زيادة القدرة على الصبر والثبات أمام الابتلاءات.
نشوء وعي اجتماعي يرى أن العدالة مسارٌ يجب أن يُدعم لا أن يُنتظر فقط هذا تصبح المهدوية إطارًا نفسيًا وعمليًا، لا مجرد فكرة عقائدية.
الخلاصة
القضية المهدوية في القرآن ليست مجرد بشارة مستقبلية؛ إنها منهج لبناء الإنسان وهويته.
فالقرآن يؤسس للطمأنينة، ويجعل الإنسان جزءًا من مشروع إلهي كبير، ويمنحه هوية قائمة على الإيمان والعمل واليقين بوعد الله.
والروايات الشريفة تعزّز هذا البناء وتحوّله إلى سلوك عملي ينعكس على الأخلاق والسلوك والتكوين الداخلي للفرد.
ومن خلال تكامل القرآن والروايات، تتشكل هوية نفسية مهدوية ثابتة، تُنتج إنسانًا متوازنًا، مؤمنًا، عاملًا، ينظر إلى المستقبل بثقة ويقين، ويرى نفسه جزءًا من الوعد الإلهي بنصرة المستضعفين.

اعضاء معجبون بهذا

علي وياك علي... هل هم على نهج علي
بقلم الكاتب : حسن الهاشمي
حسن الهاشمي أيها الساسة العراقيون بعد التغيير تدّعون انكم على نهج الامام علي عليه السلام، أينكم من الامام وهو يقول: (أتيتكم بجلبابي وثوبي هذا فأن خرجت بغيرهنّ فأنا خائن) نهج البلاغة لابن ابي الحديد. تدّعون أنكم على نهج السيد السيستاني حفظه الله، وهو يعيش في بيت بسيط قديم في أحد أزقة النجف، لا حراسات... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

الْتَّضَارِيْسُ إِنَّ الْـعُـيُوْنَ الَّـتِـيْ سَـالَـتْ تُـوَدِّعُـكُمْ ... المزيد
كان اسمها (زينب)  ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق... المزيد
ونحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلَىٰ لا تُرى الآدِبَ فينا يُنتَقَرُ طرفة بن العبد... المزيد
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها... المزيد
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه،... المزيد
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد آلام أمةٍ...
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه...
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي خاصة، نُشَخِّص...
في رحاب الكاظمية المقدسة، وُلد جابر بن جليل كرم البديري الكاظمي عام 1956، ليكون نجمًا متألقًا...


منذ 1 اسبوع
2025/11/24
تُعدّ الجذور الحرّة أحد أكثر العوامل الكيميائية تأثيرًا على صحة الإنسان، فهي...
منذ 1 اسبوع
2025/11/24
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء الثامن والسبعون: فيزياء الذات والمصير: اختيار...
منذ 1 اسبوع
2025/11/24
هي استخدام تقنيات متقدمة مثل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة...