ردُ الشَّمسِ معجزةٌ كونيّةٌ خالدةٌ في قَلبِ التاريخِ
في سِجلّاتِ التاريخِ الإسلاميِّ، وبينَ طيَّاتِ السِّيَرِ النَّبويَّةِ والعلويَّةِ، تتجلَّى واحدةٌ مِن أندرِ المعجزاتِ الكونيَّةِ، حادثةٌ لم يُشهَد لها مثيلٌ في تاريخِ البشريَّةِ إلّا معَ نبيِّ اللهِ العظيمِ (يوشع بنِ نونَ ـ عليه السّلام ـ)..
إنَّهَا حادثةُ رَدِّ الشَّمسِ للإمامِ أميرِ المؤمنِينَ وسيّدِ الوصيِّينَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ (عليه السلام)، كرامةٌ وقعَت مرَّتَينِ، مرّةً في زمنِ الرّسولِ الأعظمِ محمّد (صلى الله عليه وآله) وأُخرى بعدَ شهادتِهِ (عليه وآله أفضلُ الصّلاةِ وأتمُّ التّسليمِ).
المرّةُ الأُولى
اُخْتُلِفَ في مَوْضِعِ الحادِثَةِ، واتُّفِقَ على أَصْلِها؛ فَقَدْ ذُكِرَ أَنَّها وَقَعَتْ في خَيْبَرَ، في مِنْطَقَةِ الصَّهْباءِ، وَقِيلَ: إِنَّها كانَتْ في مَنْزِلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه واله، وَرِوايَةٌ ثالِثَةٌ تَذْكُرُ أَنَّها كانَتْ في أَرْضِ الْمَدينَةِ الْمُنَوَّرَةِ. ، عِنْدَ مسجدِ الفضيخِ في أطرافِ المدينةِ، الذي يُعْرَفُ اليومُ بـ(مسجد الشمس) وموقعُهُ على بُعْدِ كيلومترٍ واحدٍ مِن مسجدِ (قُباء).
كانَ النبيُّ الأكرمُ (صلى الله عليه وآله) يَستعدُّ لِغَزوةِ بني النضيرِ، وأقامَ في ذلكَ الموضعِ سِتَّةَ أيَّامٍ حِينَ غَشِيَهُ الوحيُ، واستندَ برأسِهِ إلى حِجْرِ أميرِ المؤمنِينَ عليٍّ (عليه السّلام)، فَثَقُلَ عليهِ كما جَرَت عادةُ نزولِ الوحي، حتَّى لم يقدر الإمامُ (عليه السلام) أن يقومَ لأداءِ صلاةِ العَصْرِ، احترامًا للنبيِّ (صلى الله عليه وآله) ومراعاةً لحالِهِ.
وبينمَا الشمسُ تغيبُ، كانَ الإمامُ (سلام الله عليه) يُومِئُ بركوعِهِ وسجودِهِ إيماءً.
وعِنْدَ انقضاءِ الوحي التفتَ النبيُّ إلى الإمامِ وسألَهُ: "أفاتَتْكَ صلاةُ العَصْرِ"، فأجابَهُ الإمامُ (صلواتُ الله عليه): "لم أستطِعْ أن أُصَلِّيَهَا قائمًا لِمكانِكَ يا رسولَ اللهِ".
فقالَ لَهُ النبيُّ (صلى الله عليه وآله): "ادعُ اللهَ لِيَرُدَّ عليكَ الشَّمسَ حتَّى تُصَلِّيَهَا قائمًا، فإنَّ اللهَ يُجِيبُكَ لِطَاعَتِكَ".
وبالفعلِ، رفعَ الإمامُ كَفَّيْهِ، ودعا ربَّهُ (سبحانه وتعالى)، فإذا بالشَّمسِ تعودُ إلى كبدِ السَّماءِ، وكأنَّهَا لم تغرُبْ، فقامَ وصلَّى العَصْرَ في وقتِهَا، وغرُبَت الشَّمسُ مِن جديدٍ بعد انتهائِهِ (سلام الله عليه).
رُوِيَت هذهِ الحادثةُ عن طريقِ أسماءَ بنتِ عُمَيسٍ، أمِّ سلمةَ، جابرِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ، وأبي سعيدٍ الخدْريِّ، وشَهِدَ بِهَا جمعٌ مِنَ الصحابةِ.
وَمِنَ المصادرِ المُعتبرةِ التي تطرَّقَت لها (الإرشاد) للشيخِ الجليلِ المعروفِ بالمفيد (رضوان الله عليه).
المَرَّةُ الأُخْرَى لِلْكَرامَةِ كانَتْ في أَرْضِ العِراقِ، وَبِوَجْهِ الخُصُوصِ أَرْضِ بابِلَ
بعدَ معركةِ النَّهروانِ، حيثُ خاضَ الإمامُ (عليه السّلام) معركةً حاسمةً ضِدَّ الخوارجِ المارقِينَ ـ عليهم لعائن الله أبدَ الآبدين ـ وقد سبقَ الإمامُ الأحداثَ بتنبّؤهِ بمصرعِهِم ـ أرداهم الله تعالى ـ قائلًا: "لاَ يُفْلِتُ مِنْهُمْ إِلّا دُونَ الْعَشَرَةِ، وَلاَ يُقْتَلُ مِنْكُمْ إِلّا دُونَ الْعَشَرَةِ، وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلاَ كُذِبْتُ" وكانَ كما قالَ تمامًا، فكبَّرَ الجيشُ عِنْدَ رؤيةِ تحقّقِ نبوءَتِهِ (سلام الله عليه).
وبعدَ المعركةِ، توجَّهَ الإمامُ بجيشِهِ نَحْوَ أرضِ (بابل)، تلكَ الأرضُ التي يُعرَفُ عنها أنَّهَا ملعونةٌ، لا يُصلِّي فيها نبيٌّ ولا وصيٌّ.
ويُروَى بأنَّ أحدَ أصحابِ الإمامِ يُدعَى جويريّة، قد قالَ: واللهِ لأتبعَنَّ أميرَ المؤمنِينَ (عليه السلام) ولأقلِّدنَّهُ صلاتِي اليومَ، فتابعَ الإمامَ (عليه السلام) حتَّى غابَت الشّمسُ فالتفَتَ إليهِ الإمامُ وقالَ: "أشكَكْتَ فقلتُ: نعم يا أميرَ المؤمنِينَ، فنزلَ (عليه السّلام) عن ناحيةٍ فتوضَّأ ثُمَّ قامَ فنطقَ بكلامٍ لا أُحْسِنُهُ إلّا كأنَّهُ بالعبرانيِّ، ثم نادى: الصّلاةُ، فنظرْتُ واللهِ إلى الشّمسِ قد خرَجَتْ مِن بينِ جبلَينِ لَهَا صريرٌ فصلَّى العَصْرَ وصلَّيتُ معهُ.
ختامًا:
في زَمنٍ تُقَاسُ فيه العظمةُ بالكلمةِ والسّلاحِ، تجلَّت عظمةُ الإمامِ عليّ (عليه السّلام) في الكونِ نفسِهِ.
ردَّ اللهُ تعالى الشَّمْسَ للإمامِ (صلوات الله وسلامه عليه) مرّتَينِ وليسَ مرَّةً واحدةً؛ إكرامًا لَهُ وإظهارًا لولايتِهِ ووجوبِ طاعتِهِ.







وائل الوائلي
منذ 3 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN