1

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع
الرئيسة / مقالات اسلامية
الآثار الوضعية للذنوب... أثر الخمر والمخدرات في المجتمع وكيفية علاجها (29)
عدد المقالات : 342
الآثار الوضعية للذنوب... أثر الخمر والمخدرات في المجتمع وكيفية علاجها (29)

حسن الهاشمي
العقل أهم شيء موجود لدى الإنسان، به يمتاز عن سائر المخلوقات، وبه يثاب ويعاقب، وبه يبتكر ويتألق، وبه يبني ويتطور، وبه يميز عن الحسن والقبيح والصالح والطالح والخير والشر، وبه يكون إنسانا آدميا يرقى مدارج الكمال، وطالما يتصف بالعقل والتعقل فإنه أشرف المخلوقات، وخلقه الله تعالى بأحسن هيئة وتقويم، فالعقل نعمة لا تضاها، وقد سخر الله تعالى الموجودات كلها للإنسان؛ لأنه عاقل مختار يستطيع بإرادته الصلبة أن ينتخب طريق الخير والاستقامة، وبإرادته المهزومة أن ينجرف في متاهات الشر والرذيلة.
انها فعلا جوهرة غالية ترتقي بالإنسان سلم المجد، وكل من غيبها ولم يستفد من عطائها الثر فهو مغبون لا محالة، تارة يكون الغبن بضعف الإرادة والكسل والإهمال، وأخرى يكون بسبق الإصرار كشارب الخمر فهو يعلم إنه وبشربه يفقد تلك الجوهرة العظيمة، وبالرغم من ذلك فإنه يقدم على عمله المنكر هذا فحال شارب الخمر في التفريط بهذه النعمة أعظم من حال الإفراط نتيجة الغفلة والكسل، ومن هذا المنطلق نتبين إن الخمر الذي يزيل العقل هو من أقبح المنكرات، لأنه الإيغال في البهيمية، والمفتاح إلى المنكرات، والمسوغ للنفس بارتكاب الجريمة دون وازع من ضمير أو دين أو عقل أو تفكير، ولذا عد شارب الخمر من أكبر الكبائر، لأنه الدال والموصل إليها.
ومن شرب الخمر بعدما حرمها الله تعالى في كتابه العزيز لما فيها من أضرار جسمية وروحية على الانسان، فإنه بذلك يخرج نفسه من الجماعة المؤمنة بل من الجماعة العاقلة، وحري بالمؤمنين أن يفرضوا عليه حصارا لعله يثيب إلى رشده ويرجع إلى صوابه، ومن الأمور الضرورية التي ينبغي أن تفرض عليه في هذا المجال وبما يعادل ويوازن فعله القبيح، أنه لا يزوج إذا خطب، ولا يشفع إذا شفع، ولا يصدق إذا حدث، ولا يؤتمن على أمانة، لأن الزواج والشفاعة والصدق والأمانة إنما تكون متاحة للمؤمن الذي يؤمن شره ويعم خيره، أما شارب الخمر وبالعكس تماما من صفات الصادقين، فإنه يؤمن خيره ويعم شره، وإذا ما أعطي تلك الأمور المهمة، فإنها المصائب تنزل ليس عليه فحسب بل تعم شرها المجتمع برمته، والحصار الاجتماعي ضد شارب الخمر ليس انتقاما منه وانما هو منفعة له وللمجتمع ريثما يتوب ويرجع إلى رشده وصوابه وعقله، لعله يكون قد هيأ نفسه لنزول تلك البركات عليه ولو بالتعاقب والأوليات.
نستنتج من ذلك ان الخمر هو كل ما أفقد الانسان وعيه وصوابه، إذ يختل به العقل والاتزان مما يؤدي إلى أن ينقاد الانسان بسهولة إلى ارتكاب الفواحش والمنكرات، قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون المائدة:90-91.
أوضحت الآية شدة خطورة الخمر وحرمته من خلال الأمور الآتية:
- قرنه الله تعالى بعبادة الأوثان.
- أطلق عليه لفظ (الرجس).
- اعتبره من عمل الشيطان الخالص.
- أمر الله تعالى اجتنابه، والاجتناب يعني عدم الاقتراب مطلقا، وهو أشد من النهي.
- إن الخمر من الأمور التي توقع العداوة والبغضاء بين الناس.
- يبعد عن ذكر الله تعالى، وتحديدا عن الصلاة، بل ويصد عنها، والصد أعظم من المنع.
وفي بعض الآيات أطلق الله لفظ (الإثم) على الخمر، والإثم يعني الأفعال المبطئة عن الثواب، ويأتي الخمر على رأسها.
وبعد كل هذه التأكيدات والحصر بعبارة (إنما الخمر...) يختم الله تعالى الآية بلغة التهديد فهل أنتم منتهون، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: (الخمر حرام بعينه، ألا إن كل مسكر حرام، ألا وما أسكر كثيره فقليله حرام) الكافي للكليني، ج6، ص408. ولهذا اتفقت كلمة المسلمين جميعا على حرمته، واعتباره من الكبائر.
إن أثر الخمر ونتائج تعاطيها السيئة في أخلاق الأمة أبلغ منه في الأفراد، إذ تنتشر الفواحش والرذائل وتضعف الفضيلة وتنهزم الأخلاق الحميدة أمام الأخلاق المنحلة، فالخمرة وسيلة لارتكاب الحرام لأنها أم الفواحش وأكبر الكبائر، فالخمرة تبعد شاربها عن ذكر الله وعن إقامة الصلاة ما يؤدي إلى استيطان الشر في نفسه لضعف الوازع الديني لديه وهو ما يجره إلى ارتكاب المآثم والجرائم.
ومهما تعددت أسماء الخمر واختلفت فالمسمى واحد والحكم معلوم، وقد تنوعت أنواع الخمور والمسكرات في عصرنا الحالي تنوعا بالغا وتعددت أسماؤها عربية وأجنبية، ووضع الرسول الأكرم (ص) مقياسا لذلك بقوله: (كل مسكر خمر وكل خمر حرام) المقنعة للشيخ المفيد، ص799.
إن من أعظم الجرائم ومن أكبر المشاكل التي تفشت في مجتمعاتنا والتي عرضت ديننا وقيمنا وأمننا وأموالنا للضياع وللسفك والانسلاخ هو ما تفشى في مجتمعاتنا من شرب الخمر وتعاطي المخدرات، إنها مصيبة نكراء وجريمة شنعاء فتكت بشبابنا وأذهبت أموالنا وأهدرت دماءنا وزعزعت أمننا وسكينتنا، وهي كانت وما زالت لا يشربها عقلاء القوم ولا يتعاطاها حكماؤهم، وحتى في الجاهلية كان يطلق عليها العرب ( أم الخبائث ) ولما جاء الاسلام حرمها كما في الآية الآنفة الذكر وكما في قول الرسول الأعظم (ص): (اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر) اعانة الطالبين للبكري الدمياطي ج4 ص173. وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (شرب الخمر مفتاح كل شر، وشارب الخمر كذب بكتاب الله عز وجل، ولو صدق كتاب الله حرم حرامه) بحار الأنوار للمجلسي، 79 : 140.
نعم إن الخمر أم الخبائث ومفتاح كل شر، لأنها الوسيلة السهلة لارتكاب الذنوب والمعاصي والجرائم والآثام، ولو كانت تلك التداعيات الوخيمة تنتظر شارب الخمر لماذا إذن يلجأ إليها بين الفينة والأخرى يقول الذين يتناولونها أنها تنسيهم مشاكل الحياة وتجعلهم يحلقون بالفضاء انتشاء وتلذذا وهياما ولكن الواقع يحكي غير ذلك، فإنها أبواب جهنم تفتح على مصراعيها لشارب الخمر ومعطي المخدرات، إنها البلوى والشؤم واللؤم والعزاء والخراب، عن أي لذة يتحدثون وهم يعرضون نواميسهم في سوق نخاسة أصحاب النفوس الضعيفة وعن أي مشكلة يفرون وهم يفتحون أبواب جهنم لهم ولعوائلهم جراء عملهم المشين هذا فهم بشربهم وفقدانهم لأغلى جوهرة في الحياة ينحدرون إلى البهيمية العمياء.
الإسلام يريد لأولئك التائهون العزة والفخار والسؤدد والكمال، لهذا حذرهم وبشدة من ارتكاب هذه القبيحة المستقبحة، لئلا ينخرطوا في متاهات الشيطان ويسلكوا سبل الفشل والضياع والخسران، فالله تعالى خالق الخلق، هو أدرى بمصلحة الانسان وبما يضره وينفعه، وما من منع وتحريم إلا فيه المضار والاستكانة، وما من ترغيب وتحليل إلا وفيه المنافع والاستزادة، ولا يدرك هذه الحقائق الناصعة إلا أصحاب الحجى الذين يسيرون وفق منهج العقل ولا يصدون عنه لعارض مهما بلغت بهم الخطوب، والصد عن العقل طلبا للراحة هو اقحام النفس في مطبات الجهل والفاقة، وحل المشاكل يكمن في اعمال العقل وليس تغييبه، ولعمري ما التغييب إلا الهروب من المشاكل نسبيا وليس حلها، وقلنا نسبيا لأنها ستهجم عليه اللوابس حال افاقته أكثر مما كانت عليه سابقا، فهو كمن يستجير من الرمضاء بالنار.
اعضاء معجبون بهذا
جاري التحميل
ثقافية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 3 ايام
2025/10/14م
كثيرًا ما تحسم مصائر الشعوب والدول سياسيًا من خلال المعارك العسكرية الفاصلة التي تكون بداية توجه سياسي جديد يختلف عن النمط السابق. ولعل أهم معركة سياسية في تاريخ إنجلترا كانت معركة هيستينغز الشهيرة عام 1066، التي غيرت مجرى التاريخ الإنجليزي تمامًا على جميع الأوجه سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، بل... المزيد
عدد المقالات : 53
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 5 ايام
2025/10/12م
يمر العراق اليوم بأزمة سياسية خانقة تمثل حصيلة مباشرة لتراكمات اثنين وعشرين عاما من سوء إدارة الحكم وتغول الأحزاب السياسية في بنية الدولة والمجتمع. لقد أفضت تلك الحقبة إلى انهيار شبه شامل في مستويات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بحيث غدا المواطن العراقي يشعر بالاغتراب عن دولته، تماما... المزيد
عدد المقالات : 6
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ اسبوعين
2025/10/01م
بحر آرال كان في منتصف القرن العشرين رابع أكبر بحيرة داخلية في العالم، يقع بين كازاخستان وأوزبكستان. غير أن المشاريع السوفيتية في الستينيات، التي حولت مجاري الأنهار المغذية له لريّ القطن، تسببت في انكماشه بشكل كارثي. خلال عقود قليلة فقد البحر أكثر من 90 من مساحته، وانقسم إلى أجزاء صغيرة مع تدهور بيئته... المزيد
عدد المقالات : 53
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 3 اسابيع
2025/09/25م
يُعد جسر الروماني أحد أبرز المعالم التاريخية التي عرفتها مدينة الموصل على نهر دجلة، حيث يعود بناؤه إلى الحقبة الرومانية عندما كانت المنطقة تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية في القرون الأولى للميلاد. وقد شكّل الجسر آنذاك عقدة وصل مهمة للتجارة والتنقل بين ضفتي النهر، مما جعل الموصل مركزًا استراتيجيًا... المزيد
عدد المقالات : 53
أدبية
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/13م
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط التاريخ أسماءٌ كالشموس، بينما توارت في حنايا الظل أسماءٌ أُخر، لوّحتْ أقلامُها بمِدادٍ من لهيبٍ لا يقلُّ حممًا عن دماء السيوف في ساحات الوغى. أولئك كانوا حَمَلَةَ هَمِّ آل البيت الكرام، فكانت قصائدُهم صرخةَ حقٍّ تُردِّدُها... المزيد
عدد المقالات : 60
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/13م
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه، لكنه كان يعاني من فقرٍ شديد. رغم ذلك، لم يشكُ يومًا ولم يطلب من أحد، بل كان دائم التوكل على الله. في ليلةٍ شتويةٍ عاصفة، ضاعت ماشية أحد أغنياء القرية في الجبال. أرسل الرجل خدمه للبحث، لكنهم عادوا خائبين. حينها، تقدم هشام... المزيد
عدد المقالات : 12
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/12م
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد آلام أمةٍ وهموم وطنٍ مزقته رياحُ الظلم. إنه ليس مجرد شاعرٍ ينسج الكلمات، بل **مؤرِّخٌ للجرح** بصوته الشعبي الصادق، و**مناضلٌ بالكلمة** في ساحات المواجهة ضد الطغيان. فشعره **سيفٌ مصقول** من حقائق المعاناة، و**مرآةٌ عاكسة** لتاريخ... المزيد
عدد المقالات : 60
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/12م
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه "يعقوب"، رجل عُرف يومًا بحكمته الراجحة ولسانه البليغ، لكنه اليوم بات شبحًا لمن كان. نشب خلاف بين تاجرين، وارتفعت الأصوات، فتوجهت الأنظار إلى يعقوب، الذي كان الحَكم في مثل هذه النزاعات. قال أحدهم: "يا يعقوب، احكم... المزيد
عدد المقالات : 12
علمية
التواصل البكتيري هو عملية معقدة تمكن الكائنات الدقيقة من التنسيق والتفاعل مع بعضها البعض من خلال إرسال واستقبال إشارات كيميائية. تعتمد البكتيريا على هذه العملية للبقاء في بيئاتها المتغيرة ولتنظيم سلوكها الجماعي وهي تعتبر آلية حيوية تساعدها في... المزيد
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء الثامن والستون: ما لا يُحاط بموضع: تأملات في وجود لا يعرف المكان والزمان الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 15/10/2025 ليست للدالة الموجية موضع محدد، وليس من المنطقي أن نسأل عن مقدار وجودها في منطقة معينة من... المزيد
يعد فيروس الإنفلونزا من أكثر الفيروسات انتشاراً في العالم إذ يصاب به ملايين الأشخاص سنوياً في مختلف البلدان ورغم توافر اللقاحات منذ عقود إلا أن هذه اللقاحات تتغير كل عام تقريباً بخلاف لقاحات أمراض أخرى مثل الحصبة أو شلل الأطفال التي تمنح مناعة... المزيد
آخر الأعضاء المسجلين

آخر التعليقات
علماء السنة يقولون ما أخذنا العطاء حتى...
عبد العباس الجياشي
2024/12/20م     
دور الجغرافية في حماية الغلاف الجوي من...
علي الفتلاوي
2025/08/12م     
تجربة شخصية ومراجعة علمية لحالة حنف القدم:...
محسن حسنين مرتضى السندي
2025/06/15م     
اخترنا لكم
إصدارات
2025/09/29
صدر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، كتاباً توثيقياً حمل عنوان: (تاريخ السدانة في العتبة العباسية...
المزيد

صورة مختارة
رشفات
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
2025/09/29
( مَن صبر أُعطي التأييد من الله )
المزيد

الموسوعة المعرفية الشاملة
القرآن وعلومة الجغرافية العقائد الاسلامية الزراعة الفقه الاسلامي الفيزياء الحديث والرجال الاحياء الاخلاق والادعية الرياضيات سيرة الرسول وآله الكيمياء اللغة العربية وعلومها الاخبار الادب العربي أضاءات التاريخ وثائقيات القانون المكتبة المصورة
www.almerja.com