Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
سايكولوجيا التجرد في الفكر الصوفي

منذ 4 سنوات
في 2022/01/12م
عدد المشاهدات :3137
نشأ التصوف في ظروف امتزجت بين دافع نفسي ووازع ديني غير دقيق فبين الحرمان والجوع وأماني النفس التي يلاحقها اليأس وبين الدين الذي يدعو إلى الصبر فتكونت ظاهرة التصوف لتكون أداة تدعو إلى نبذ الترف والدعوة إلى الزهد والتعمق بالنصوص وفهمها باطنياً فنجد ان أصل التصوف كانت ومازالت مهمة الأديان والمصلين أن تهذب من غرائز الإنسان وتضع حدا لنزواته وأنانية وان تحول بينه وبين ما يؤدي به وبالمجتمع إلى الشقاء والاسواء وكانت وسيلتهم إلى ذلك أن يخلقوا في داخل الإنسان وازعا ورادعا عن أسباب الفوضى والفساد والانحراف فأمرت الأديان بالتقوى والورع وتوعدت العاصين ووعدت المطيعين كما بين المفكرون النتائج السيئة إذا أطلق الإنسان لنفسه العنان وكما وضعت الحكومات من القوانين والتشريعات ما يوقف الإنسان عند حده ويمنعه من الاعتداء على حقوق غيره .
وهذه إحدى غايات التصوف وثمراته عند أصحابه وأربابه، فقد حرصوا على أن يؤمن الإنسان ويعتقد بان السعادة ليست في الملذات، والانغماس في الشهوات وان تحصل في نفسه ملكة تصرفه عن كل ما يشين، وترتفع به إلى أخلاق الملائكة والنبيين.
إن أصل التصوف الحق هو التخلق بأخلاق الله، وثمرته معرفة الله، والاتصاف بالحكمة التي وصف الله بها الأنبياء والأولياء وصرحت بها الآية (12) من سورة لقمان: ولقد آتينا لقمان الحكمة والآية (269) من سورة البقرة: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا
وبالتالي فان الإيمان بالحق والخير ضرورة لا غنى عنها للإنسان ولهذا سبل شتى وأكملها التجرد والعمل بوجه الحق والخير.
وقد يظن القارئ انه طريقة تدعو إلى ترويض النفس على الفقر والمسكنة ولبس المرقعات وحمل المسابح وترك الكسب والعمل لتحصيل العلم والعيش والإقبال على ذكر الله في الخلوات إذ لا مصدر من فسر التصوف بذلك إلا انه رأى فئة من الكسالى تحترف العيش عن هذه السبيل ثم تتستر بذكر الله واسم التصوف فتخيل أن هذا هو المعنى الحقيقي للتصوف، بل لا شيء أدل على أن التصوف غير الزهد من أن معناه يتحقق بمجرد الإعراض عن الدنيا ومتاعها.
أما التصوف اخذ في مفهومه مجاهدة النفس وترويضها فان الزهد ثمرة من ثمرات التصوف وليس هو بذاته على أن ابن عربي، وهو أحد شيوخ الصوفية قد فسر هذا الحديث القدسي حكاية عن الله سبحانه:
{أنا الرحمن خلقت الرحم، وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها، قطعتهُ} فسره بان العمل في هذه الحياة ضرورة لازمة لكل إنسان صوفيا كان أو غير صوفي وبينه بان الله أراد من الرحم الطبيعة فكما أن الرحم تضم الطفل وتغذيه وتحفظ له الحياة كذلك الطبيعة تضم الإنسان وتطعمه.
ومعنى صلة الإنسان بالطبيعة فهو أن يجد فيها ويعمل ومعنى قطعته لها أن يكسل ويهمل وقال الشيخ العربي: من بخس حق الطبيعة فقد بخس حق الله وجهل ما فيها من أسوار. هذا نتيجة العمل الدنيوي سيتلقاها الفرد أخروا وهذا معها الآية الكريمة:
{وان ليس للإنسان إلا ما سعى} ومعنى قول الإمام علي (عليه السلام) :(اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل)
إن التصوف أشبه بالتعاليم التربوية على اختلاف اعتقاداتهم فمنهم من هام بحب الله ومنهم من يدعي الاتصال المباشر بالله ومنهم القائل بالاتحاد مع الله وآخر قال بحلول الله فيه وفي غيره، ومنهم من يقول بالكشف والإشراق وما إلى ذلك إذا هو ليس مذهبا محدود المعالم والمقاصد وقد ذُكر انه عرف بنيف وسبعين تعريفا ويمكن الإشارة إليه بأنه الانتصار على النفس والتغلب على ميولها وأهوائها عن طريق التدريب والتهذيب.
حيث نجد ان الغاية من التصوف بحسبهم فهي تختلف تبعا لأنظار المتصوفين فمنها
1- سببا من أسباب المعرفة فتكون الغاية عنده ثقافية.
2- طريقا إلى الكمال فتكون الغاية أخلاقية.
3- وسيلة للخلاص من عذاب الآخر فتكون دينية.
4- جمعها كلها فتكون الغاية متعددة.
وعندما نتتبع التصوف تاريخا نجد إنه بمعناه الشامل لجميع أنواعه وصوره يمتد إلى ما قبل الإسلام وقد تسرب إلى الفكر الإسلامي واندمج به كغيره من الأفكار الأجنبية فوحدة الوجود والحلول قد جاءت من الفلسفة الهندية والأفلاطونية الحديثة كما أن البوذية ترتكز تعاليمها على تهذيب النفس وتحريم الملذات.
ورد أن نشأة التصوف كانت في البصرة وأول من بني ديرة التصوف بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد من أصحاب الحسن البصري وقد تميز عُباد البصرة آنذاك بالمبالغة في التعبد وظهرت فيهم مظاهر جديدة لم تكن مألوفة من قبل فكان منهم من يسقط مغشيا عليه عند سماع القران ومنهم من يخر ميتا فافترق الناس إزاء هذه الظاهرة بين منكر ومادح وكان من المنكرين عليهم جمع من الصحابة كأسماء بنت أبي بكر وعبد الله بن الزبير.
وان الصوفية المسلمين كانوا في أول أمرهم يتلون القران، ويكثرون من العبادة وذكر الله، ثم تكلم أبو يزيد البسطامي في الفناء بالله وهذه الفكرة توجد في البوذية وتسمى عندهم " نرفانا". وقال الباحثون أيضا: أن النصرانية أحد منابع التصوف، وعنها اخذ لبس الصوف إذ كان كثير من الرهبان يلبسونه، والى النصرانية يسند الكلام في حب الله.
كان اويس القرني وهو أمام الصوفية وسيدهم كان يتصدق بما يزيد عن مأكله وملبسه ثم يخاطب الله بقوله " اللهم من مات جوعا فلا تؤاخذني به ومن مات عريانا فلا تؤاخذني "
وليس عمل اويس هذا تضحية، وكفى بل وحجة دافعة تدين المحتكرين بقتل من يموت جوعا وعريا .. وكان اويس من التابعيين أدرك الصحابي الجليل أبا ذر الذي ثار على تصرفات عثمان في أموال المسلمين، وإسراف معاوية في البذخ وبناء الدور والقصور وبهذا يتبين أن التصوف الإسلامي نشا أول ما نشاء احتجاجا على الأثرياء الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ثم تطور مع الزمن إلى تصوف نظري وجعله سبب من أسباب المعرفة ثم إلى الاتحاد والحلول ثم إلى حلقات الذكر ولبس المرقعات والاستجداء وشرب الأفيون وما إلى ذلك.
وبحسب المصادر التي اجازت أن تعد اثنين من الصحابة وهما:
1- أبو ذر الغفاري.
2- حذيفة بن اليمان
من السابقين إلى التصوف في الإسلام وكما أسلفنا أن في صدر الإسلام بعض من الصوفية أمثال: الحسن البصري المتوفى عام 110هـ، ومالك بن دينار، وفضل الرّقّاشي، ورباح بن عمرو، وعبد الواحد بن زيد المتوفى عام 177هـ حيث كان هؤلاء من صوفية البصرة وزهادها وكانت البصرة والكوفة مركزين قديمين من مراكز الثقافة العربية وكان صوفية الكوفة على مذهب الشيعة غالبا مع ميل إلى المرجئة وشيوخهم في التصوف: -
ربيع بن خيثم المتوفى عام 67هـ، وأبو إسرائيل الإملائي المتوفي عام 140هـ وجابر بن حيان وكليب الصيداوي ومنصور بن عمار وأبو العتاهية وعبدك وكانوا يعقدون حلقات تصوفهم في المساجد . وكان إمام قضاة بغداد ذو النون المصري المتوفي عام 240هـ من صوفية ذلك العصر وزهادهُ.
وبالتتبع نجد ان المرتكزات الاولى للتصوف كانت في أول العهد تدور حول نقطتين:
1- إن العكوف على العبادة يولد في النفس (فوائد) هي الحقائق الروحية.
2- إن علم القلوب يفيض على النفس معرفة الله.
وفي أواخر القرن الثاني، ولا سيما في أوائل القرن الثالث دخلت التصوف مفاهيم جديدة مثل: " العشق، المحبة، العرفان، المعرفة، البقاء"
وكانت هذه المفاهيم تسير قدما بموازاة المفاهيم القديمة من قبل:
" الزهد، التعبد، طلب النجاة الأخوية "
ومع انبثاق هذه المفاهيم ظهرت رموز وتعابير خاصة وخاصة عندما كان يوصي بكتمان أسرار الحق على غير أهله ووفقا لكلام العرفاء فان الحسين بن منصور الحلاج صلب بسبب كشفه الأسرار . وفي هذا الصدد يقول حافظ: -
(حكي أن ذنب ذلك الرفيق الذي علت المشنقة وارتفعت بسبب صعوده عليها وإباحته للإسرار)
واتسعت مقرات الصوفية المسماة (خانقاه) في الأقطار الإسلامية منذ القرن الخامس، وانبرى المرشدون إلى مساعدة السالكين وتوجيههم. واتخذ التصوف طابعا علميا منذ القرن السابع حتى غدا أحد العلوم ويمكن أن نعبر عنه، علم العرفان أو التصوف. ومنذ أواخر ذلك القرن كان كتاب (فصوص الحكم) لابن عربي المتوفي سنة 638هـ، وتبعا له كتب أخرى مثل (فكوك القونيوي) و(لعمات الشيخ العراقي) و (قصائد ابن الفارض) من الكتب الدراسية للتصوف. وكان محي الدين بن عربي صاحب (الفتوحات المكية) و(فصوص الحكم) إمام تلك الحقبة ورئيسها. وبناءً على كلام ابن تيميه فان مذهب ابن عربي هو أن أرباب المخلوقات عين وجود الخالق ويقول:
(نستلهم جميع الأشياء وجودها بالضرورة من فيض العلم الإلهي وجميعها بمراتبها للذات الإلهية).
يستشف مما تقدم إن بوادر تأسيس الحركة الصوفية لم يكن استنتاجا أو وجود من العدم بل منهجة ما وجد من تعاليم إسلامية لم تكن منظمة من قبل الأفراد فسعى مؤسسوا الحركة إلى تفعيل دور التهذيب للحيلولة دون نفوذ القوى النفسية وما ترغب من تحقيق ملذات يمكن من خلالها أن يحدث إرباكا وفوضى بين أفراد المجتمع الواحد بالإضافة إلى الضغوط السلطوية والمعاناة المعيشية والحرمان المنتشر وافتراق الأمة إلى عدة فرق مما يثير في النفس الحيرة والتردد في جهة التصديق لذلك عمدوا إلى الدعوة نحو الدين والعلوم الروحانية وعلم العرفان باعتباره خفي النتيجة ومعنوي التطور وليس فيه للماديات حيز كي يشغله وكان العمل في بداياته جيدا بل رائعا وذا اتجاه صائب إلا أن بعض السائرين في التصوف أساءوا الفهم وشطحوا بل اخطأوا وخرجوا عن السير الصحيح الواجب إتباعه من قبلهم فلا يمكن الحكم على كل المتصوفة بأنهم كاذبون أو سحره بل هذا ما اشتهر في الأعم الأغلب من الأتباع وأصبحوا مشايخ ورؤساء في الحركة لذلك أخذت عليهم المآخذ من الحيطة والحذر والتفسيق والتكفير وما إلى ذلك .

اعضاء معجبون بهذا

الانقسام الاجتماعي في العراق من التناحر إلى الوحدة الإيمانية رؤية قرآنية
بقلم الكاتب : وائل الوائلي
إن العراق، ذلك البلد المبارك الذي ازدان بضياء النهرين وتراث الأنبياء، ظلّ عبر تاريخه الحديث يعاني من آفة التناحر والانقسام، حتى كادت نيران الفرقة أن تلتهم أخضرَه ويابسَه. ولئن تعددت مظاهر هذا الانقسام بين حزبيةٍ طاغية، وعشائريةٍ متجذرة، وطائفيةٍ مميتة، فإن المنهج القرآني يظلّ المنار الوضاء الذي... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها... المزيد
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه،... المزيد
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد... المزيد
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى.... المزيد
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه، لكنه كان...
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد آلام أمةٍ...
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه...
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي خاصة، نُشَخِّص...


منذ 1 اسبوع
2025/11/03
عندما نقرا تاريخ الكرة الاسيوية ونحدد فترة معينة يمكن من خلالها معرفة من هم كبار...
منذ 1 اسبوع
2025/11/02
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء الثالث والسبعون: عودة الميكانيكا البوهمية: لماذا...
منذ اسبوعين
2025/10/31
عندما نفكّر اليوم في القنبلة النووية تنبثق أمامنا صورة طاقة هائلة تُطلق في لحظات...
رشفات
( مَن صبر أُعطي التأييد من الله )