اسس الاسلام بأساليبه الخاصة ومبادئه المتكاملة الطريق للعقلاء والمفكرين ومن اراد البصيرة والتدبر بدعوتهم على طاولة المعرفة وتناول الكماليات الانسانية من خلال دمج الوقائع والحقائق وتنمية المواهب الانسانية التي تختلف من فردٍ الى أخر ولايخفى على الدارسين والمتضلعين في مجال علم النفس الانساني إن من المواهب الانسانية التي تنوعت من فرد الى اخر واختلفت بأنواعها ومصاديقها من شخص الى أخر هي العبقرية الفكرية او المادية اي بنحو المعاملات المادية التي تبرز عبقريات الشخص , وهذا النوع من الخصوصية الانسانية امتاز بالاحترام والتقدير لما له من اشعاع خاص في توسيع المناهج العلمية والمساعدة بتطوير الافكار الانسانية وقد عرف مصطلح (عبقرية) بأنه فائق الذَّكاء، متفوّق وكذلك كلّ ما يتعجّب من كماله وقوّته وحذقه .
وهو ايضا نوع من البُسُط الفاخر(1) {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرحمن: 76] , فلقوةِ ومكانة وفخارة ما يقدمه الأنسان العبقري يكون مميزاً بين اقرانه من ذوي القوة العقلية لأنه يمعن بالشيء مع ما يمتلكه من الارادة القوية للوصول لغاية وهدف لم يخطر على بال عقلاء ذو قدرة عقلية لابأس منها للوصول لتلك الغاية او الهدف الذي حققه العبقري وقال الشاعر
زُخارِيَّ النّبات كأنَّ فيهِ *** جيادَ العبقريّة والقُطوعِ(2)
أذن فالعبقرية ميزة عالية يرتقي لها العقل البشري لما يمتلكه من القدرة على التعامل مع ما يمتلكه من المعطيات الفكرية العقلية والمادية المحسوسة بأعلى مستوى فكري حتى يستطيع تقديم أحسن المستويات الفكرية واعظم الفوائد للمجتمعات الانسانية بصورة عامة ولابد لنا من العروج على موضوع حساس جدا وهو الفارق بين العبقرية الفكرية والرسالة الالهية التي يُحمل بها النبي او الرسول المبعوث من قبل الله تعالى وهل ان النبي يمتلك عبقرية فكرية اوصلته الى مرحلة الاجابة القطعية وتحمله اعباء الرسالات الانسانية والجواب على ذلك هو أن الإنسان بغض النظر عن عصمته ، أنه مهما كان عبقري وذا ذُكاء وحصافة ، ومهما تكن قدراته كبيرة, فانه لا يسلم من الزلات والهفوات والنقص ويتسم عمله بعدم الكمال , مما قد يتعرض في مرحلة من مراحل التفكير الى الوقوع بأخطاء معينة قد تنزله من درجة العباقرة في لحظة الوقوع بهذا الخطأ او ذاك , فإذا كان الموضوع موضوع عبقرية فلا يخلو عبقري من سقطة في فكره أو في تعبيره, وهذا مما بُريء منه النبي (صلى الله عليه واله) , أيضاً فتاريخ العظماء في العالم يؤكد لنا أن هناك بعض السقطات الخُلُقية، فالمربي الكبير الذي وصلنا الكثير عنه جان جاك روسو وهو أحد علماء نفس الطفل يُعدُّ أول عالمٍ في العالم بهذا الاختصاص وهذا المجال النفسي , حيث إن مُعظم كتبه تدرس في أكثر جامعات العالم ؛ لكن هذا العالم ورغم ما يتحلى به من علم وعبقرية فكرية الا انه لا يخلو من انحرافات وأخلاقيات حقيقة لايمكن ان ترتقي الى منزلة الانبياء رغم انه حمل عقلية عبقرية وفكر كبير استفاد وتعلم منه الكثيرين , فكيف يصلح أن يوازن النبي مع العبقري ؛ وليس هذا العالم الوحيد الذي يمكن الوقوف عند عبقريته انما هناك " فرويد " الذي اذا تأمل العالم والدارس والباحث وحتى القارئ الاعتيادي لوجد ان في نظرياتهم السخرية والباطل والابتعاد عن الحقيقة ولم تكن اهدافهم الا اهداف واقعاً بعيدة عن التصنيف الانساني رغم الارادة والذكاء التي اوصلتهم الى مرحلة العبقرية الانسانية وهذا يثبت اثبات اليقين للحقيقة ان العباقرة بمقياس البشر, لابد من أن يكون في أفكارهم أو في أخلاقهم أو في أقوالهم سقطات, وهذه السقطات لا تجعلهم مؤهلين أن يبلغوا الناس الشرع الإلهي, إذن العبقرية شيء والنبوة شيء آخر وهذا يصب لو أن النبوة عبقرية على حدّ قولهم, فالإنسان هو الإنسان ينظر إلى الشيء من وجهة نظرٍ خاصة, فإذا كان هذا العبقري ذا منبت طبقيّ فقير رأى الأمور بمنظار الفقراء, ولو كان هذا العبقري ذا منبت من نوع آخر لرأى الأمور من زاوية معينة, فالإنسان يصعب أن يكون حيادياً إذا نظر وإذا فكّر وإذا شرّع, لا بد من أن ينظر إلى الأشياء من وجهة نظر خاصة، ولا بد أن ينحاز إلى جهة دون أخرى, ولا بد من أن يرعى مصالح فئة دون أخرى, لو أن النبي إنسان عبقري لما كان شرعه كاملاً, فكل إنسان يتصرف بحسب واقعه, فلذلك يوصف النبي او الامام بالعبقرية لا لأنها صفة كمالية مستقلة وانما هي مندرجة تحت الكم والنوع العظيم من صفاته وكمالاته التي تأتي في قمتها العصمة, والأنسان الاعتيادي مهما وصل من التعقل والتدبر في المسائل واتصف بالعبقرية يبقى مشوبا سلوكه وفكره ونظرياته واختراعاته بالنقص وعدم الكمال بخلاف الانبياء والاوصياء لانهم مؤيدون ومسددون وهذا يضفي على رسالات الأنبياء الصفة الكمالية التي وفقهم الله تعالى لها قال تعالى{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] , أذن ومما تقدم ان العبقرية الانسانية هي موهبة ونعمة تضفى على العقل البشري تعطيه القدرة على امتلاك ما لا يمتلكه سواه او انه يقوم بفعل ذو أهمية بالغة داخل المجتمع الانساني يضفي على الفاعل صفة العبقرية وقد كتب العالم "هواردجاردنر" وهو من علماء الأنثروبولوجي عن ذوي العقول غير العادية الفائقة الانجاز، والفائقة التفكير حيث ركز في كتابه على أربعة اشخاص بشكل اساسي معتمداً على المبادئ الاربعة الاساسية والبيولوجية للعقول الرائعة والفائقة والاكثر تميزاً، فأخذ العالم وهمسيجموند فرويد كنموذج لوضع الاسس والقواعد، و العالم فيرجينيا وولف كنموذج لحلم العبقرية ، و موتسارت كنموذج للمتألق، وغاندي كنموذج للمؤثر، وأوضح أنه غالباً ما يكون لذوي العقول الجبارة المتميزة نصيب من الوراثة في عقولهم هذه، الا أن البيئة تلعب دوراً أكبر في إظهار العبقرية في وقت ما، أو ساعة ما، أو ظرف ما، وهي الاكثر تأثيراً على ثقافة ما، واكتشافات آينشتاين تؤكد هذه الحقيقة ؛ فلو اعتمدنا على هذا القول وجدنا ان العبقرية هي قوة عقلية خارقة وكامنة بداخل الانسان تغذيها البيئة والتأثيرات الجانبية التي يتعرض لها الانسان للتنتعش وتظهر للوجود فيكون على أثرها تحقيق لشيء لم يستطع سوى هؤلاء العباقرة امكانية تسويته والقيام به فلو اخذنا المثال الرابع وهو غاندي المؤثر فبعبقريته السياسية استطاع اقامة دولة قادرة على تخطي ظروف الاحتلال الذي انزل الشدة والدمار في بلده الهند الا انه تفحص في الامور المحيطة به وبشعبه واستطاعة من خلالها الوصول الى غايته النبيلة وهي تحرير بلاده من أيادي الاحتلال الجاثم والسراق لحقوق المستضعفين في بلاده ؛ أذن فالعبقري ينفرد بأنه يحل مشكلاته بنشاطات معترف بها اجتماعيا بينما غيره من الاشخاص المصابين باضطرابات عصبيه او ذهانيه يعبرون عن انفسهم بطرق غير مقبوله اجتماعيا اوان نشاطهم ينصرف الى اعراض الاضطراب بينما يكون نشاط العبقري ايجابيا , ومن هذا التحليل يمكن ان يتضح لنا الى ان الانسان الذي يحمل صفة العبقرية العقلية والذي يمكنه من خلالها تخطي الصعاب والمشاكل التي تطرأ على حاله الشخصي هو يمثل شخص ايجابي بالمجتمع يمكن الاعتماد عليه باتخاذ القرارات الصحيحة التي يستفاد من نتاجها هو أولاً ومن ثم مجتمعه الذي لابد أن يكون هذا الشخص او الفرد حاملاً فكر ذو فائدة لمجتمعه عاملاً على تطويره ونصرته ؛ فالفرد بحد ذاته يحمل مسؤولية تجاه مجتمعه وحضارته وامته لابد ان يتصد الى المواقف التي يمكنه ان يسهم فيها ويعالج ظروفها اذا ما مر المجتمع بأزمات او تعرض الى نكبات فالطبقة المبدعة والطبقة العبقرية هي السبيل الوحيد لأنقاذ المجتمعات الانسانية , ويرى ايضاً العالم شوبنهور ان ارادة الحياة هي الدافع الرئيس الذي يدفع الفرد العادي نحو أعماله وأفكاره المتنوعة ؛ ولذلك فهو لا ينظر في الأمور الا من خلال هذه الارادة ؛ أما العبقري فهو يسمو عن ذلك ويحاول أن يفهم الحياة على اساس موضوعي بحت(3), وهذا يعزز محور الموضوع اي ان العبقري هو حامل للمسؤولية عن مجتمعه يفكر ويبحث ويبدع , فالذي يرجع بالنفع على مجتمعه هو ذلك الشخص المناسب لأن يكون افضل الناس وخيرهم حيث ورد عن النبي الاكرم (صلى الله عليه والاله) : خير الناس من نفع الناس(4) ؛ وبذلك وضع النبي صفة الانسان العبقري وحث على دعم المواهب والتواصل مع المجتمع لا بل دعى الى كفالة المجتمع ونفعه من خلال كل مبدع وشخص حامل لصفة العبقرية والتفكر داخل المجتمع الاسلامي كما ان أمير المؤمنين جعل لهذا الشخص صفات تجعل منه متوازناً وذو شخصية مقبولة حتى يكون لقوله وفعله أثر داخل المجتمع حيث اخبر الامام (عليه السلام) عن ذلك قائلاً : خير الناس من زهدت نفسه، وقلت رغبته، وماتت شهوته، وخلص إيمانه، وصدق إيقانه(5) وهذا يعزز محور الموضوع وهو مهما بلغ الانسان عقلاً ونبوغاً فكرياً عالياً لايمكن ان يكون عبقرياً موجباً ومقبولاً داخل المجتمع اذا لم يتحلى بأخلاقيات وصفات تعزز صدارة افكاره وقوله ؟؛ أذن فالعبقرية ثوباً ناصعاً لابد ان يكون ذو هيبة راقية جليلة القدر ولابد ان يكون الهدف الاساسي لعمل العبقري هو أفادة المجتمع ونصرته واذا تطلب الامر وقضت الضرورة انقاذه من اهوال قد تصيبه بفكرة من ذو العلم والمؤثرين داخل مجتمعاتهم بعلمهم او السياسيين العبقريين بالتفاوض اللوجستي فمن هذا اضيفت عليهم مسؤولية أنقاذ المجتمع وواقعاً هذا ماأدها الإمام الحسن السبط (عليه السلام) من خلال اقامة معاهدة الصلح والمهادنة مع معاوية فعمل بذلك على اطارين الاول هو انقاذ المجتمع الإسلامي من الذحول وحقننا لدمائهم والثاني هو كشف الواقع المظلم للدولة الاموية بقيادة رأس الافعى معاوية الذي مجرد ماأخذ الحكم بدأ وباشر بالقتل والتدمير فكانت واقعاً معاهدته مظهراً من اعظم مظاهر العبقرية الانسانية السياسية الكبرى وعدة ثورة صامتة مذهلة قطف ثمارها الواعين واستنار منها العارفين وانقذ بسياستها المسلمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- د. أحمد مختار : معجم اللغة العربية المعاصرة, ج2, ص1452.
2- ابن فارس : معجم مقاييس اللغة, ج3,ص50.
3- د . علي الوردي : خوارق اللاشعور, ص 68 .
4- علي بن محمد الواسطي : عيون الحكم والمواعظ, ج1 ,ص187.
5- الريشهري : ميزان الحكمة, ج3, ص158.







وائل الوائلي
منذ 4 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN