مقا- كلمة دعوة الى شي‌ء , قالوا : وأصلها هل أؤمّ , كلام من يريد إتيان الطعام , ثمّ كثرت حتّى تكلّم بها الداعي , مثل قولهم : تعال , أي اعل , ثمّ كثرت حتّى قالها من كان أسفل لمن كان فوق. ويحتمل أن يكون معناها هل لك في الطعام امّ , أي اقصد. والّذي عندنا : إنّه من الكلام المشكل.
مصبا- هلمّ : كلمة بمعنى الدعاء الى الشي‌ء , كما يقال : تعال. قال الخليل : أصله لمّ من الضمّ والجمع , ومنه لمّ اللّٰه شعثه , وكان المنادى أراد : لمّ نفسك إلينا. وها : للتنبيه , وحذفت الألف تخفيفا لكثرة الاستعمال وجعلا اسما واحدا. وقيل : أصلها هل امّ أي قصد , فنقلت حركة الهمزة الى اللام وسقطت ثمّ جعلا كلمة واحدة للدعاء. وأهل الحجاز ينادون بها بلفظ واحد للمذكّر والمؤنّث والمفرد والجمع , وعليه قوله تعالى- هلمّ إلينا. وفي لغة‌ نجد تلحقها الضمائر وتطابق , فيقال هلمّى وهلّما وهلمّوا وهلممن , لأنّهم يجعلونها فعلا فيلحقونها الضمائر. وتستعمل لازمة نحو هلمّ إلينا , أي أقبل , ومتعدّية نحو هلمّ شهداءكم.
كليّات 349- هلمّ : اسم فعل يؤنّث ويذكّر ويجمع عند بنى تميم. وهلمّ الشي‌ء أي قرّبه وأحضره , وهلمّ إلينا بمعنى ائت وتعال. وليس المراد بالإتيان هنا المجي‌ء الحسّى , بل الاستمرار على الشي‌ء والمداومة عليه.
شرح الكافية للرضى 181- وممّا جاء متعدّيا ولازما : هلمّ بمعنى أقبل , فيتعدّى بإلى- هلمّ إلينا. وبمعنى أحضر- هلمّ شهداءكم. وهي عند الخليل : هاء التنبيه ركبّ معها لمّ , أمر من قولك لمّ اللّٰه شعثه , أي اجمع نفسك إلينا في اللازم , واجمع غيرك في المتعدّي , فلمّا غيرّ معناه عند التركيب لأنّه صار بمعنى أقبل او أحضر بعد ما كان بمعنى اجمع : صار كسائر أسماء الأفعال المنقولة عن أصولها , فلم يتصرّف فيه أهل الحجاز , مع أنّ أصله التصرّف.
والتحقيق‌
أنّ الكلمة مركّبة من ها للتنبيه ولمّ بصيغة الأمر , كما قاله الخليل. واللمّ كما سبق عبارة عن جمع ما تفرّق وضمّها.
والمادّة متعدّية , وقد يتعلّق الجمع بنفسه فيشتبه باللازم , فيقال : لمّ أي اضمم نفسك واجمعه. ومن هذا الباب : هلمّ إلينا , أي اجمع نفسك منضمّا الى جانبنا ومتوجّها إلينا.
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ} [الأحزاب : 18] كلمة هلّم صارت مركّبة كلمة واحدة , وتستعمل بمعنى اجمع نفسك واضمم إلىّ , وتطلق في موارد المفرد والتثنية والجمع مذكّرا ومؤنّثا. فانّها خرجت عن صورة الفعليّة , وصارت كلمة مركبّة كأنّها اسم , وعلى هذا يقال انها‌ من أسماء الأفعال.
والتعبير بالكلمة دون تعال وائت وأقبل وأحضر : إشارة الى أنّ منظورهم أمران : تجمّع القوى والأفكار في أنفسهم. والانضمام إليهم.
فالكلمة متعديّة والمراد جمع النفس وضمّها الى إخوانهم , فالضمّ والجمع في الأصل متعدّيان.
{قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} [الأنعام : 150] أي اجمعوا شهداءكم واضمموا إليكم.
فظهر المفعول في الظاهر وهو الشهداء.
وليعلم أنّ أسماء الأفعال منقولة من الأفعال بتصرّف فيها حتّى صارت كالاسم. وقد ينقل عن المصدر بتقدير فعل ثمّ يستعمل مستقلا بمعنى الفعل , كما في سرعان وشتّان. أو عن أصوات تدلّ بالذات على ظهور فعل.
وللبحث في خصوصيّاتها مقام آخر.
__________________________________
‏- مقا = معجم مقاييس اللغة لابن فارس ، ٦ ‏مجلدات ، طبع مصر . ١٣٩ ‏هـ.
- مصبا = مصباح المنير للفيومي ، طبع مصر 1313 هـ .