أكد عميد كلية الآداب بجامعة الكوفة الدكتور مجيد الحدراوي، أنّ السعي للقضاء على الفقر كان واضحًا وجليًا في نهج أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام). جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها خلال فعاليات المؤتمر العلمي الثالث لإحياء تراث أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي يقيمه مركز المرايا للدراسات والإعلام برعاية العتبة العباسية المقدسة، وبالتعاون مع جمعية العميد العلمية والفكرية وأمانة مسجد الكوفة المعظم، وجامعتي الكفيل والعميد وكلّيتي الآداب والإدارة والاقتصاد في جامعة الكوفة، واتّحاد الأدباء والكتّاب في النجف الأشرف. وقال الحرداوي في كلمته إنّ "ترشيد الإنفاق يُعدّ من أسس سلامة الاقتصاد وطرق القضاء على الفقر، وهذا ما نجده واضحًا وجليًا في نهج أمير المؤمنين (عليه السلام) بعشرات النماذج والأمثلة، كإطفائه للسراج، ومقاربته بين السطور في رسائله". وأدناه نصّ الكلمة: فزت ورب الكعبة هي آخر ترنيمة لعلي (عليه السلام) في محراب الكوفة الذي نصب وجهه لبيت الله (عزوجل) حيث ولد فكان عليًا وكانت معه حكاية الصبر والظفر، حكاية أنامل النبوة الخاتمة التي اختصت به فتى وأخًا ونديمًا وصهرًا، اغترف معين النبوة علمًا وزهدًا وأدبًا، تلك البطن التي ما باتت شبعى وتلك العيون المسهدة العبرى يتململ تململ العليل وهو يطوف شوارع مكة والمدينة والكوفة، يشاطر اليتامى أوجاعهم والثكالى أحزانهن يتقاسم الجياع رغيف الصبر. أي فوز هذا الذي يترنم به علي (عليه السلام)، إنّه فوز المدينة التي هو بابها وهو فوز الآي التي ما نزلت بباطنها وظاهرها إلا وتعتري سيرته وتحكي بطولاته وصبره و وزهده، جال الميادين ضاربًا بسيفين، وطاعناً برمحين وما أشرك بالله تعالى طرفة عين قد اكتفى من عيشه بقرصيه ومن ثوبه بطمريه، يطلب العون من ولاته بورع واجتهاد وعفة وسداد، ومنه ينحدر السيل سيل الكرم والعطف، ولا يرقى إليه الطير وكيف يرقى إليه أحد وهو الذي طار بعليائها "هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانًا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى، أأقنع من نفسي بأنّ يُقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش" بهذه الكلمات العظيمة المعنى كان أمير المؤمنين يخط منهجه في رعاية المجتمع ومواساة الطبقات الفقيرة فيه، إذ إنّ منهج الرعاية الاجتماعية ومحاربة الفقر كانا من المعالم الثابتة في سيرة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الذي حرص أشد الحرص على تطبيقهما في دولته وإرسائه لدعائم التكافل الاجتماعي، فضلًا عن وضعه الأسس والضوابط التي ينبغي للمسؤولين التحلي بها والتزامها في موقع الإدارة والتصدي لرعاية شؤون العامة. ومن هذا المنطلق تأتي مشاركة كلية الآداب في هذا المؤتمر لإحياء تراث أمير المؤمنين (عليه السلام)، بعنوان" مبادئ الرعاية الاجتماعية ومكافحة الفقر في تراث الإمام علي عليه السلام" الذي يهدف إلى تسليط الضوء على المبادئ والقيم الإنسانية التي طبقها الإمام علي (عليه السلام) في مجال الرعاية الاجتماعية ومكافحة الفقر، ومن الجدير بالذكر الإشارة باختصار مركّز إلى رؤية الإمام ومنهجه في ميدان الرعاية الاجتماعية الواردة في رسالته إلى عامله في مصر مالك بن الأشتر بقوله (سلام الله عليه) (الله الله، في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين، والمحتاجين، وأهل البؤس، فإنّ في هذه الطبقة قانعًا ومعترًا، واحفظ الله في ما استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسمًا من بيت مالك من غلات صوافي الإسلام في كل بلد فإنّ للأقصى مثل الذي للأدنى، وكلُّ قد استرعيت حقه فلا يشغلك عنهم تنعمك فيما أنت فيه من جاه وسلطة، فإنّه ليس لك عذر في إغفال أمورهم بحجّة أنّك منهمك في الأمور العظيمة، فلا يخرجون من دائرة اهتمامك، ولا تتكبر عليهم، وتفقد أمور من لا أحد يصل إليه منهم ممن لا تحتمل العين رؤيته بسبب عاهة وقبح، وتحتقره الناس لشكله أو لمرضه، ففرغ لهؤلاء أكثر رجال حكمك ثقة وتواضعًا وخشية الله، وأوصه ألا يغفل عنهم ويبلغك بأمورهم، ثم تقرب إلى الله بهم، فهؤلاء بحاجة للإنصاف أكثر من غيرهم، وأبرئ ذمتك أمام الله في أمرهم بإيصال حقوقهم إليهم، وتكفّل الأيتام والقصر والضعفاء، الذين لا يستطيعون حتّى أن يسألوا الناس حاجاتهم، صحيح أنّ ذلك ثقيل على الولاة، ولكن قد يخفف الله عنك إذا أنت قصدت في خدمة هؤلاء وجهه. وقد امتدت يد الرعاية الاجتماعية لأمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الأقليات من الديانات الأخرى، فقد أجرى لمستحقيهم راتبًا من بيت مال المسلمين، وحرص (عليه السلام) على دفع دين العاجزين من بيت مال المسلمين وأقر على بيت المال تكفل نفقات الزوجة التي لا يقدر زوجها على الإنفاق عليها، أو الابن الذي لا يقدر أبوه على الإنفاق عليه، أو الأب الذي لا يقدر ابنه على الإنفاق عليه. ومن تدابيره لوقاية المجتمع من الفقر وآفاته ما نصت عليه وصيته لمالك الأشتر عامله على مصر "وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأنّ ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلًا"، وهذا يشي برؤية اقتصادية شاملة وعميقة له (عليه السلام)، وهذه الرؤية الاقتصادية العادلة هي ذاتها التي تنتهجها المؤسسات الاقتصادية الدولية الحديثة، من أن تدفق الاستثمارات يقضي على التخلف والركود، كما أنّ ترشيد الإنفاق يُعدّ من أسس سلامة الاقتصاد وطرق القضاء على الفقر، فنجده واضحًا جليًا في نهج أمير المؤمنين (عليه السلام) بعشرات النماذج والأمثلة، كإطفائه للسراج، ومقاربته بين السطور في رسائله: "واحذفوا عني فضولكم واقصدوا قصد المعاني" وحثّ عماله على الارتقاء عن المديح وقطع دابر المتملقين.
ما أحوجنا اليوم إلى منهج علي (عليه السلام) وطريقته في تحقيق الرعاية الاجتماعية ومكافحة الفقر، فالولاء لعلي ليس لقلقة لسان أو طقوس نقيمها وينتهي الأمر إنه اختبار عسير يقتضي السير على منهج علي (عليه السلام) والتأسي بسيرته قولًا وفعلًا، وفقنا الله وإياكم للصلاح بالسير على منهجه (عليه السلام).