قلل خبراء تحدثوا مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" من خطورة ارتفاع الدين العام وتعثر الشركات عن سداد مديونياتها على الأمن القومي الأميركي، مشددين على أن المسألة برمتها تحت سيطرة الإدارة السياسية والاقتصادية في واشنطن.
- بحسب أحدث بيانات وزارة الخزانة الامريكية، قفز الدين العام للولايات المتحدة فوق مستويات الـ 31 تريليون دولار، مع الإنفاق الحكومي المتزايد بعد وباء فيروس كورونا، وهو أعلى مستوى على الإطلاق.
- وكالة " ستاندرد آند بورز غلوبال " توقعت، الاثنين، ارتفاع معدل التعثر عن سداد الديون من جانب الشركات الامريكية ، إلى 3.75 بالمئة وقد يصل إلى 6 بالمئة، في حال وقوع الاقتصاد في براثن الركود.
- صحف أميركية حذرت من أن تفاقم الدين العام وتضاعف معدل تعثر الشركات عن سداد ديونها، قد يمثل أكبر خطر يواجه الأمن القومي الامريكي.
أزمة تحت السيطرة
الأستاذ في معهد دراسات الشرق الأوسط بواشنطن، الدكتور حسن منيمنة، قال في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن مسألة تضخم الدين العام للحكومة الأميركية ومديونية الشركات وكونها مرتفعة وتمثل خطرا على الأمن القومي للبلاد، فهذه المسألة أثيرت كثيرا على مر العقود الماضية وبشكل متكرر.
وفي رأيه أن الولايات المتحدة تستطيع التحكم في مسألة الدين العام سواء برفع قيمة الدولار أو بضخ سيولة نقدية في الأسواق، وهو ما لا تريده واشنطن حتى لا تؤدي لأزمة تضخم عالمية، ولكن مديونية الولايات المتحدة هي بالدولار، ومديونية دول العالم الأخرى أيضا بالدولار، ومن ثم ففي يد واشنطن أن تتحكم في الأمر برفع قيمة الدولار وبالتالي تنخفض ديونها وترتفع ديون دول العالم، ولكن في ذات الوقت فهي ستضر الصادرات الامريكية وينتج عن ذلك أزمة تضخم خاصة إذا لجأت لضخ سيولة نقدية.
وأضاف منيمنة أن الحكومة الأميركية كذلك تضع في اعتبارها مسألة تعثر الشركات عن الوفاء بمديونياتها وفي الوقت المناسب تقدم حزم دعم لتلك الشركات لتستمر في عملها بما يدعم الاقتصاد ولا ينتج عن التعثر أي توقف في النشاط الاقتصادي أو أية هزات.
وأشار إلى أن رئيس الولايات المتحدة بالقطع هو المسؤول الأول عن تضخم الدين العام أو تعثر الشركات في الوفاء بمديونياتها، نظرا لأن كل ذلك يأتي نتيجة تطبيق رؤيته وسياسته الاقتصادية، ولكن في الوقت ذاته فالشعب يرى أن هناك إجراءات تجعل المسألة تحت السيطرة، وطالما ظلت الأمور تحت السيطرة والنتائج إيجابية، فلا توجد معارضة لسياسات الرئيس، والعكس صحيح.
وشدد على أن واقع الحال يقول إن الاقتصاد الامريكي هو الاقتصاد الأول عالميا، وسيبقى الأول إلى عقود طويلة، حتى تتمكن الصين من تحقيق الندية أو تجاوز الولايات المتحدة، ولكن حتى يحدث ذلك فسيظل العالم يدور حول ما تريده الولايات المتحدة ومصلحتها، وستظل يد واشنطن هي المتحكم في الأمر عالميا.
واستطرد أنه بالقطع فإن الدين العام وتضخمه بشكل كبير يمثل بالقطع مشكلة تؤثر على الأداء الاقتصادي للولايات المتحدة، ولكنه يظل لا يمثل مشكلة وجودية تتطلب إجراءات جذرية في المرحلة المقبلة، فالحلول التي يتم اتخاذها للتعامل مع المسألة لا تزال كما هي دون تغيير، فالحالة ليست مستجدة وتتطلب تغييرا جذريا، فقد شهدنا فيما قبل أحاديث مشابهة عن خطر الدين العام للولايات المتحدة، ولكن ظل الأمر لا يشكل أزمة وجودية بالنسبة لها كما يشكله بالنسبة لأي دولة في العالم.
التحكم في اقتصاد العالم
أما الكاتب الصحفي المقيم في الولايات المتحدة، مصطفى النجار، فقد اعتبر أن الحديث عن خطورة تضخم الدين العام وتعثر الشركات عن سداد مديونياتها على الأمن القومي الأميركي، هو حديث في سياق التحليلات النظرية، مشيرا إلى أن البنية التحتية الصناعية والزراعية الأمريكية تجعلها في موقف قوي إذا ما قورنت بغالبية دول العالم المتقدم.
وأوضح في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن الدين العام يعتبر خطرًا إذا كانت موارد الدولة من الصادرات والسياحة وغيرها من المصادر قليلة مع ارتفاع عدد السكان، لكن بالمقارنة بين أميركا والصين مثلا نجد أن عدد سكان الولايات المتحدة حوالي ربع عدد سكان الصين، فلذلك يكون الموقف الأميركي أقوى من الناحية الاقتصادية، وأكثر ثباتًا حتى وإن ارتفع الدين العام.
وأضاف النجار أن الدولار الامريكي وقرارات البنك الفيدرالي تتحكم في اقتصاديات العالم، ومجازًا يمكن أن القول إنها تُفقر دولًا وتُغني دولًا بقرار، مثل زيادة أو خفض أسعار الفائدة البنكية، فكيف لدولة تتحكم في اقتصاديات الدول أن تعاني من الدين العام في حين أن عملتها تهيمن على الاقتصاد العالمي؟، مستطردا أن كل ذلك بخلاف قوة أميركا الدبلوماسية التي تحقق لشركاتها صفقات ضخمة.
وأوضح أن صادرات امريكا النفاذية والصناعية والعائدات الضريبية وغيرها من الاستثمارات الحكومية والخاصة تعود بمليارات الدولارات على الخزينة الأميركية، وفي الوقت نفسه، فإن المؤسسات الحكومية الأميركية تنظر إلى مسألة ارتفاع الدين العام بعين الاعتبار، لكنها بالتوازي تعمل على صرف تعويضات للفئات المستحقة، وتجنيس الكوادر العلمية ودعم الطلاب في كل المراحل الدراسية وتقديم خدمات طبية بأسعار مخفضة كاستثمار في البشر والحفاظ على العنصر الأهم الاقتصاد الأمريكي وهو القوة البشرية.
وشدد النجار على أنه نتيجة هذه السياسات نجد الاقتصاد الأميركي يتطور ويتجه بقوة نحو ما يوصف بالنفط الجديد، وهو الرقائق الالكترونية وتصنيعها، والتكنولوجيا التي تعتمدها هذه الرقائق التي تدور بسببها حرب باردة بين الولايات المتحدة والصين للاستحواذ على مصانع جزيرة تايوان المتفوقة عالميا في هذا المجال.