أحيت الزيارة الأخيرة للرئيس التونسي قيس سعيّد إلى الجزائر، التي تقرر في أعقابها إعادة فتح الحدود البرية بين البلدين، الآمال في إنقاذ الموسم السياحي المتعثر في تونس بتدفق السياح الجزائريين، وذلك في وقت تشهد فيه البلاد أزمة اقتصادية واجتماعية، وسجالا سياسيا بين الرئيس ومعارضيه.
وجاء قرار فتح الحدود الذي أعلن عنه سعيّد ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون الأسبوع الماضي وسيدخل حيز التنفيذ الجمعة، بعد "أزمة سياحية" مؤخرا، تفاقمت مع تفشي فيروس كورونا منذ أوائل عام 2020.
وينتظر أن تشهد الوحدات السياحية والفنادق والإقامات في تونس تدفقا للسياح الجزائريين خصوصا من المعابر البرية، إذ أشارت النقابة الجزائرية لوكالات الأسفار السياحية إلى أن أكثر من مليون جزائري سيتوافدون على تونس خلال الصيف الجاري.
وكشف رئيس النقابة في تصريحات تناقلتها وسائل الإعلام المحلية أن "عددا مهولا من المواطنين اتصلوا بالوكالات السياحية للاستفسار عن طرق للحجز ومختلف العروض المقدمة للسفر إلى تونس. التوقعات تشير إلى وفود أكثر من مليون جزائري نحو تونس".
وشدد وزير السياحة التونسي محمد المعز بلحسين على أهمية إعادة فتح الحدود البرية مع الجزائر بشكل كامل، مثنيا على قرار قيادتي البلدين الذي "ستكون له انعكاسات إيجابية مباشرة على الموسم السياحي الجاري"، وفق قوله.
وفي تصريحات لقناة "فرانس 24"، قال بلحسين: "فتح الحدود البرية بعد فترة من الإغلاق يؤكد عمق العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين. سنعمل من جانبنا على إنجاح هذه العودة وعلى استقبال الوفود السياحية خصوصا أن السياح الجزائريين يحتلون المرتبة الأولى في عدد الوافدين إلى تونس، نظرا لعدة اعتبارات أهمها الارتباط التاريخي وحتى العلاقات الدموية بين الشعبين".
وتابع وزير السياحة: "القطاع السياحي في تونس شهد تراجعا ملحوظا في العامين الماضيين نتيجة الوضع الوبائي وتفشي فيروس كورونا. السلطات تعمل منذ أشهر على إنعاشه وتحقيق مؤشرات واعدة، خصوصا أنه رافد اقتصادي وتشغيلي مهم. هذا المخطط بدأ يؤتي ثماره ويشهد ارقاما مشجعة خصوصا في عدد الوافدين من الأسواق التقليدية مثل السوق الفرنسية".
وكانت تقارير مختلفة كشفت مؤخرا أن تونس تأتي في المرتبة الرابعة من حيث أفضل الوجهات بالنسبة للسياح الفرنسيين، وذلك خلال أشهر أبريل ومايو ويونيو من العام الجاري.
يذكر أن بلحسين دعا في اجتماعه بمسؤولين في وزارة السياحة، إلى ضرورة اتخاذ كل الإجراءات اللازمة مع الجهات ذات الصلة لتأمين حسن استقبال السياح الجزائريين وإيوائهم في ظروف جيدة.
وكشف الرئيس الجهوي لجامعة وكالات الأسفار في محافظة سوسة وسط تونس كريم الجزيري، أن "الجامعة اتخذت كل الإجراءات الضرورية لتأمين نجاح عودة السياح الجزائريين إلى تونس، وذلك منذ الإعلان عن إعادة فتح الحدود البرية بشكل تام بين البلدين".
وتابع الجزيري في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية": "السائح الجزائري ليس فقط من يقضي إجازته في النزل أو على الشواطئ أو المنشآت الترفيهية، بل هو أيضا من يأتي إلى تونس بغاية الأنشطة التجارية. السوق الجزائرية تمثل رافدا مهما للقطاع السياحي وللدورة الاقتصادية بشكل عام، ونحن نأمل أن يكون لاستئناف الرحلات البرية بين البلدين دور في إنعاش القطاع".
وقال المسؤول المحلي الذي يملك وكالة أسفار: "السائح الجزائري يعد رقما مهما بالنسبة لوكالات الأسفار التونسية، وهو الحريف الأول. نأمل في استعادة المؤشرات العالية التي سجلناها في السنوات الماضية وخصوصا في 2019. ما يميز السوق الجزائرية أنها ليست موسمية بقدر ما هي مستمرة على امتداد السنة. نتوقع مؤشرات واعدة جدا".
وبلغ عدد السياح الجزائريين الذين زاروا تونس في 2019، بحسب جامعة وكالات الأسفار، مليونين ونصف المليون، وذلك قبل أن يشهد تراجعا كبيرا في عامي 2020 و2021 نتيجة الوضع الوبائي العالمي، فضلا عن قرار غلق الحدود بين البلدين في مارس 2020 تحسبا لتفشي فيروس كورونا آنذاك.
ومن جهة أخرى، قال المندوب الجهوي للسياحة بمحافظة جندوبة عيسى المرواني، إن "القطاع السياحي في الجهة بدأ يتعافى ويسترجع نسقه العادي، ومن المؤكد أن قرار قيادتي البلدين فتح الحدود البرية بين الجزائر وتونس سيساهم في تحسن مؤشرات القطاع وينعكس مباشرة على الوضع الاقتصادي، خاصة أن المعابر الحدودية تسجل سنويا تدفق أعداد كبيرة من الجزائريين".
وبحسب حديث المرواني لموقع "سكاي نيوز عربية"، سجلت الوحدات الفندقية في محافظة جندوبة الحدودية مع الجزائر توافد 76 ألف سائح منذ بداية عام 2022 وحتى يونيو الماضي، مقارنة بما يقارب 52 ألف سائح في الفترة ذاتها من عام 2021، محققة بذلك زيادة بنسبة 40 بالمائة.
وكانت السياحة في تونس القطاع الأكثر تضررا من جراء الوضع الوبائي العالمي وإغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية، فضلا عن تأثير الحرب في أوكرانيا، إذ كشفت مصادر رسمية أن السياحة تلقت في العامين الماضيين ضربة موجعة.
وانحسرت مداخيل القطاع بأكثر من 65 بالمائة لتبلغ قرابة 750مليون دولار (نحو ملياري دينار) في 2020، بعد أن كانت في حدود 1.9 مليار دولار (نحو 5.7 مليار دينار) في 2019، فيما سجل عدد السياح تراجعا قياسيا بنسبة تزيد على 70 بالمئة بحسب مؤشرات أصدرتها وزارة السياحة.
ووفقا للمصادر ذاتها، اضطرت عشرات الوحدات الفندقية إلى الإغلاق كليا أو جزئيا وتسريح آلاف العمال والموظفين نتيجة مرور القطاع بأزمة غير مسبوقة، قبل أن يستعيد عافيته تدريجيا بداية من شهر يناير 2022.
وأظهرت بيانات نشرها البنك المركزي التونسي، أن القطاع السياحي حقق في الأشهر الأربع الأولى من سنة 2022 عائدات قدرت بنحو 439 مليون دينار.