عانت العملات المشفرة من موجة سقوط حر في الأسابيع الماضية وسط مخاوف بشأن دخول العالم في ركود اقتصادي والهروب من الاستثمارات مرتفعة المخاطر وضعف الثقة في مستقبل هذه العملات.
شهدت بتكوين – وهي أكبر وأهم العملات المشفرة- تراجعات دراماتيكية في الشهور الأخيرة، حيث خسرت أكثر من 70 بالمئة منذ ذروتها المسجلة في نوفمبر 2021، ووصلت الأسبوع الماضي إلى حوالي 17,750 دولار، وهو أدنى مستوى لها منذ ديسمبر 2020 تقريبا، قبل أن تسترد بعض خسائرها وتصعد فوق مستوى 20 ألف دولار.
ويرى خبراء أن أداء العملات المشفرة ارتبط بالتراجعات الأخيرة في أسواق الأسهم، وهو ما ينفي فرضية تبناها الكثيرون حول أنها من الممكن أن تكون ملاذا آمناً في أوقات الأزمات.
الهروب من المخاطرة
ويوضح الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى البزركان، أن "حجم التعامل بالعملات الرقمية المشفرة تجاوز ثلاثة تريليونات دولار في شهر نوفمبر الماضي، لكنه تدنى الأسبوع الماضي لأقل من تريليون دولار بعد أن أعلنت بعض بورصات العملات المشفرة إيقاف التعامل بعملة بتكوين ثم تلى ذلك مؤسسات مالية نصحت بوقف التعامل بها".
وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يشير الدكتور البزركان إلى 4 أسباب دفعت بتكوين للسقوط الحر أولها أنها لم تتمكن من ضمان وجود مصرف مركزي أو جهة مالية تحوز على اعتراف عالمي رغم مرور أعوام طويلة على التعامل بها، وثانيها أن بعض المصارف المركزية أجرت دراسات جدوى لإطلاق عملات رقمية خاصة بها ما يضعف وجود بتكوين".
ويضيف البزركان أن "السبب الثالث هو ضعف الاقتصاد العالمي وارتفاع مستويات التضخم والتوقعات بركود اقتصادي جراء تراكم خسائر كورونا وتأثيرات حرب أوكرانيا ما أدى إلى تجنب الأفراد والمؤسسات المالية الاستثمار بالأصول ذات المخاطر العالية فعزفوا عن استمرار الاستثمار بعملة بتكوين، أما السبب الرابع، فإنه يتعلق باستهلاك كميات كبيرة من الكهرباء للقيام بعمليات تعدين بتكوين وغيرها من العملات المشفرة، ومع القفزات الكبيرة في أسعار الطاقة وصدور تشريعات في بعض الدول بوقف نشاط شركات تعدين بتكوين مثل الصين وإيران وتركيا تراجع التعامل مع هذه العملة لتواجه السقوط الحر هي وسائر العملات الرقمية المشفرة مثل الإيثريوم".
ارتباط بأسواق الأسهم
من جانبه، يؤكد المحلل المالي رائد الخضر أن معاناة سوق العملات المشفرة تأتي في الوقت الذي بدأت فيه الأحاديث والتوقعات حول العلاقة الارتباطية بين هذا السوق وأسواق الأسهم وبالأخص القطاع التكنولوجي، لتبدأ الإثباتات أن بتكوين وبقية العملات المشفرة ليست أصل تحوط كما كان الاعتقاد السائد من قبل، حيث لم تنجح هذه العملات في الانفصال عن الأسواق العالمية.
ويضيف الخضر: "عانت أسواق الأسهم والعملات المشفرة من عمليات بيع قوية مع توجه المستثمرين لأصول الملاذات الآمنة، بسبب المخاوف المتعلقة باحتمالات انزلاق الاقتصاد العالمي إلى الركود على خلفية سياسات التشديد النقدي القوية التي اتبعتها أغلب البنوك المركزية وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، أو بسبب مخاوف التضخم التي وصلت لمستويات قياسية والناتجة عن كسر سلاسل التوريد واستمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا".
وعلى الجانب الأخر، ومع انتشار الاضطرابات في سوق العملات المشفرة في الأيام الماضية، اضطرت بورصات العملات المشفرة الرائدة إلى إيقاف بعض ميزاتها مؤقتاً وسط تقلبات السوق المتزايدة، حيث أعلنت الإثنين الماضي "Celsius" وهي منصة إقراض مشفرة شهيرة، أنها أوقفت جميع عمليات سحب العملات المشفرة والأموال، إلى جانب المقايضات والتحويلات بين الحسابات المختلفة ما أدى إلى خسارة الرمز المميز الخاص بها CEL لأكثر من 50 بالمئة من قيمتها، بحسب الخضر، الذي أشار إلى توقف منصة تداول مشفرة أخرى "Binance"، عن عمليات سحب بتكوين لأكثر من 30 دقيقة حيث عزت هذه الخطوة إلى مشكلات فنية مع شائعات تشير إلى أن هذا الإجراء قد تم اتخاذه بسبب (حمام الدم) المستمر في العملة المشفرة.
ويتابع المحلل المالي: "فيما أعلنت شركات تداول العملات المشفرة أنها تخطط للمضي قدماً في تسريح العمال لتقليص تكاليف التشغيل، في الأسبوع الماضي، أفادت كل من منصتي "BlockFi" و"Crypto.com" أنهما ستخفضان 20 بالمئة و5 بالمئة من موظفيهما على التوالي لأن التحول الدراماتيكي في ظروف الاقتصاد الكلي كان يلقي بثقله إلى حد كبير على قطاع التكنولوجيا الأوسع، إضافة إلى انهيار عملة "Terra" الأخير الذي تسبب في تراجع الثقة تجاه العملات المشفرة".