منذ عقود والعراق يعاني من تراجع واضح في قطاع الصناعة وخاصة الصناعات الغذائية وهو ما فتح الباب أمام المستورد لسد الحاجة المحلية، وتتعدد الأسباب بين الحروب والتطورات الأمنية التي أخرجت الكثير من المصانع والمزارع عن الخدمة ومعها قلة الأمطار وشح المياه ما أثر بشكل كبير على انتاج المحاصيل التي تدخل في هذه الصناعة الحيوية.
ويرى معنيون ومراقبون في اقتراحاتهم ضرورة توفر عوامل تعيد لقطاع الزراعة عافيته دعما للصناعات الغذائية، أولها الاتفاق على ضمان حصص العراق من المياه وتنفيذ مشاريع توفر مخزون مياه كافٍ يسمح بزراعة المحاصيل، مع أهمية إيقاف استيراد المواد التي يحقق فيها العراق اكتفاءً ذاتياً لضمان عدم الإضرار بالمنتج المحلي وتوفير منتجات ذات أسعار مقبولة نسبياً تدعم الصناعات الغذائية.
مقومات لإنجاح الصناعات الغذائية
ويؤكد مستشار وزارة الصناعة لشؤون التنمية قيصر الهاشمي لوكالة الأنباء العراقية (واع) في حديثه عن كيفية معالجة هذا التراجع، أن "القطاع الصناعي عامةً أو فيما يتعلق بالصناعات الغذائية بحاجة الى توفير أراض ووقود فضلاً عن استقرار الطاقة التي تمثل 30% من قدرات الانتاج، وبغيابها لا يمكن منافسة المنتجات الغذائية التي تصنعها دول إقليمية كتركيا وإيران وسوريا والسعودية".
وأضاف، أن "هذه الدول تمتلك الموارد الأولية التي تدخل في المنتج وبالتالي نافست بسعر المنتج، اضافة إلى استقرار الطاقة لديها ومراقبة السيطرة النوعية لضمان الجودة".
وتعد محافظة بابل، من أهم محافظات العراق في مجال الصناعات الغذائية ومنذ عقود.
وتتصدر مدينة (المدحتية) التابعة لقضاء حمزة الغربي الذي يبعد عن مدينة الحلة مركز محافظة بابل بحوالي 23 كيلومترا جنوب شرقها، منذ عام 2017 واجهة أفضل الصناعات الغذائية في مجال الزيوت والسكر، اذ أقدمت شركة الاتحاد للصناعات الغذائية العراقية على افتتاح أكبر مصنع لتكرير الزيوت وبحسب مواصفات عالمية وبطرق تعليب وتغليف حديثة.
وبلغت طاقة انتاج مصنع الزيوت الذي يشغل 70 دونماً من أراضي المدحتية، 3600 طن يومياً من بذور فول الصويا، و2400 طن يومياً من بذور دوار الشمس، ويضم المصنع اسطولاً مكوناً من 360 شاحنة نقل وتم التعاقد لتوفير سايلوات ضخمة بسعة تتجاوز 450 ألف طن.
وأعلنت إدارة الشركة، في شهر حزيران الماضي، قرب اكتمال معمل الزيوت الثاني (مصنع زيوت الريان) بنسبة 70 %، والذي من المتوقع أن تصل طاقته الإنتاجية الى 3200 طن في اليوم الواحد.
ويعتبر مصنع الزيوت التابع لشركة الاتحاد الغذائية العراقية، أحد اهم الاستثمارات الصناعية في مدينة بابل، وهو يعتمد كليا بتزويد مصانعه بالطاقة الكهربائية من وحدة انتاج الطاقة الكهربائية بالتوليد الذاتي مما يخفف العبء على الشبكة الوطنية ويزود مصانعه الحالية ومشاريعه المستقبلية التي يستبشر أهالي المدحتية خيراً في توسع العمل، إذ يوفر فرص عمل ممتازة للشباب في مدينتهم.
وبحسب تقرير أعدته جمعية مصدري الزيتون وزيت الزيتون في بحر ايجة مطلع هذا العام، فإن العراق يستورد سنويا معظم المواد الغذائية من زيوت وسكر وحليب مجفف وتوابل وشاي وقهوة، وتعد أوكرانيا المجهز الرئيسي لمادة زيت عباد الشمس الخام بمقدار 80% عالمياً بالإضافة الى سلع غذائية أخرى مثل الحبوب، وعند اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية في شباط 2022، تضاعفت أسعار الزيوت النباتية في العالم وأوقفت تركيا تصدير زيت الزيتون الذي يعد العراق ثالث أكبر مستورد منها بعد المانيا وامريكا.
تحديات تواجه الصناعات الغذائية في بابل
وحول ذلك، تقول الباحثة دعاء صبار، من جامعة بابل كلية التربية للعلوم الإنسانية لوكالة الانباء العراقية (واع)، إن "محافظة بابل احتلت المراتب الأولى في العراق في مجال التصنيع الغذائي وذلك لتوفر المنتجات النباتية مثل التمور والذرة بالإضافة إلى تنوع الثروة الحيوانية من أغنام وأبقار وثروة سمكية، أضف الى ذلك موقع المحافظة الجغرافي وسط العراق وارتباط المحافظة بشبكة خطوط نقل جيدة مع بقية المحافظات جعلها دوما تتصدر الصناعات الغذائية".
ثم اردفت صبار قائلة: "الا أن شح الامطار والمياه وتعرض العراق للجفاف أدى لتوقف العديد من الصناعات الغذائية لا سيما المعامل الصناعية الضخمة في مدينة الإسكندرية التي حاولنا مرارا وتكرارا مناشدة السلطات والجهات الحكومية لإعادة تأهيل هذه المعامل التي من شأنها رفد السوق المحلية بالعديد من الصناعات والاستغناء عن الاستيراد والتي من شأنها تقليل نسب البطالة ومنح فرص عمل كبيرة للشباب".
ويؤكد مسؤولون ضرورة تحقيق تعاون وشراكة بين القطاعين العام والخاص لتذليل المعوقات وتوفير المواد الغذائية بنوعية جيدة وأسعار مقبلة.
ويقول مدير عام الشركة العامة للمنتوجات الغذائية موفق عبد الحافظ لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "المباحثات مع القطاع الخاص مستمرة لإعادة العمل المصافي الخاصة بانتاج المواد الأولية"، موضحا أن "الشركة اتجهت باتجاه تغيير الصيغة القياسية للمنتوج (الفورملة) والتي من خلالها يمكن الاستغناء عن المواد الاولية المستوردة الامر الذي سيقلل من التكاليف اذ سيتم الاستعانة بمواد اولية محلية للسيطرة على المنتج والسوق وتوفير دعم للمنتجين المحليين".
وتابع أن "هذا الامر بحاجة الى تضافر جهود القطاعين العام والخاص للوصول الى نتائج مرضية تفيد المستهلك العراقي".
وكما عانت المشاريع الكبيرة للصناعات الغذائية من التعقيدات أعلاه، عصفت أسباب أخرى بالمشاريع الصغيرة المعنية بالصناعات المنزلية أيضاً.
وتقول أسماء كريم طالبة جامعية تدرس في قسم الكيمياء بكلية العلوم جامعة بابل لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إنها "وبعد قبولها في الجامعة قبل ثلاث سنوات أقدمت على تأسيس مشروعها في صناعة الصابون والشموع وبيعها عن طريق صفحات التواصل الاجتماعي إيماناً منها بالاستقلال المادي ومساهمتها في تسديد مصاريفها اليومية والحياتية في الجامعة دون تحميل عائلتها عبئاً مادياً إضافياً".
ولم تعلم أسماء بحسبها، أن ارتفاع أسعار الزيوت النباتية في السوق المحلية، وأزمة البنزين وزيوت المحركات في بعض المحافظات، نتيجة الحرب الروسية - الأوكرانية وتداعياتها فضلاً عن جشع التجار، ستتركها في حيرة من أمرها، حيث تساءلت بالقول: "هل كان من الأفضل أن أشتري سيارة لتقلني لجامعتي بدلاً من استثمار أموالي في مشروع صناعة الشموع والصابون الذي لم تعد وارداته تكفي لشراء المواد الخام؟".
بغداد - واع