أجرى سماحةُ المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه)، زيارةً إلى جامعة العميد، التقى من خلالها بمخوّل الهيأة التأسيسيّة رئيس هيأة التربية والتعليم العالي في العتبة المقدسة، ورئيسِ الجامعة وعددِ من ملاكها التدريسيّ
وتحدّث سماحةُ السيد الصافي في زيارته هذه التي رافقه فيها الأمينُ العامّ للعتبة المقدّسة المهندس محمد الأشيقر ونائبُه، عن جملةٍ من الأمور توزّعت على ثلاثة محاور، وهذا ما جاء في حديثه:
أوّلاً: التحذير من آثار الظرف الراهن في فتور الهِمم وتراجع المستوى؛ فبلدُنا يعيش واقعاً معروفاً تحت ضغط الوباء، وهو ظرفٌ لعلّ طوله سيتركُ آثاراً على السير التربويّ والتعليميّ، مثلما هو الأثرُ على غيرهما، وهي آثارٌ يُخشى منها على الهِمم أن تفتر، وعلى النفوس أن تحبط، وعلى الإنجاز أن يُعاق أو يتردّى في براثن المُحبِطات، لا سيّما أنّ إيقاع الحياة بدأ -بفعل الجائحة- يفتر، ويصيب كثيراً من مفاصلها الخمول، وأخشى ما نخشاه هو أن يستسلم لها الفرد، فتؤثّر على واقعه، وتغيّر قناعته بجدوى العلم والتعلّم ونتائجهما.
ولا شكّ أنّ ظروفاً كهذه أصبحت معروفةً عند العراقيين، وقد خَبَروها سابقاً في سنوات الحروب الطويلة التي جعلت الفرد ينفر من الدرس العلميّ، ويقتنع بعدم أهمّيته، ويلوذ بالقعود ويستسلم إلى اليأس من كلّ شيء، لأنّ الحرب وغيرها من محبطات النفوس ومهدِّمات الهِمم، فعلتْ فعلَها في همّته، ونشاطه، وخطّ سيره.
أمّا اليوم وقد طال الظرفُ الراهن، نحن لا نريد أن يكون سبباً من أسباب فتور الهمّة، ومعيقاً من معيقات الإنجاز، لا نريد أن يترسّخ عند أبنائنا أيُّ شعورٍ سلبيّ، ويستسلموا لمضامينه المحبطة، فيقعدوا عن معالي الأمور، فهذه مثل الفتنة ستصدُّهم عن طلب العلم وتحول دون السعي إلى المعالي وستُثنيهم عن مرادهم، وأنّ عدم الانتباه إلى خطر الكسل الذي بدأ يستشري في مفاصل الحياة، سيوقع في التسليم بنتائجه، والاستسلام لمضامينه السلبيّة، وسيقتل كلّ إبداعٍ وتجديد.
وكان سماحته قد استرسل في ذكر نصائح للتغلّب على هذا الشعور، محذّراً من محبطات الأعمال صغيرها وكبيرها، داعياً إلى اتّخاذ هذا الظرف الراهن منطلقاً للتأثير الإيجابيّ في النفوس، وسببًا في ترقية الأفراد وسموِّ همَّتهم وتشجيعهم على طلب العلم، وذكّر سماحته أنّ على الإدارة العُليا للمؤسّسة، أو على رئاسة الجامعة أن تبدأ بنفسها، وأن تشرك العمادات والأساتذة والموظّفين والطلّاب بدفع تلك العجلة، وبذل الجهد لتحريك الراكد، ورفع الهمم، والإبقاء على جذوة الروح العلميّة متّقدةً، كما أنّ عليها استقطاب منتسبيها والتواصل معهم، وفتح أبوابها على مصراعيها لمن يريد الإضافةَ وتقديمَ كلّ ما هو إيجابيّ، وإنّ على المؤسّسات الرصينة أن توثّق حركةَ سير أبنائها، وتسجّل لهم تبنّيهم لمشاريعها، وحسن إدارتها وصونها، وأن تكون هناك معايير موضوعة لتقييم الأشخاص وإنزالهم منازلهم التي يستحقّونها، وأن يفرَّقَ فيها بين صاحب المبادرة وذي الهمّة والتفاعل وغيره، وأن يكافَأوا على وفقها.
ثانياً: التأكيد على وضع خطّةٍ علميّة واضحة المعالم ومدروسة، للتعايش مع الأزمة والتغلّب عليها بالسبل والوسائل العلميّة، وتنشيط السير التعليميّ والتربويّ، وكذلك صناعة جوٍّ من التنافس، يحفّز الروح العلميّة لبذل أقصى ما لديها، كذلك تقديم كافّة التسهيلات والمرغّبات في الحثّ على البحث العلميّ، وتذليل الصعاب في طريقه، وتقديم الدعم المعنويّ والمادّي، وتشجيع نشره ومكافأته التي يستحقّها، وأن يُخصّص للبحث العمليّ ما يستحقّه من صرفٍ ماليّ، ليُسهم في انتشال الواقع ممّا هو فيه.
ثالثاً: التكامل العلميّ والمجتمعيّ والاكتفاء الذاتيّ، حيث أوضح سماحته أنّ ملفَّيْ (التربية والتعليم) و(الصحّة)، توليهما العتبةُ رعايةً خاصّة، ولا تعوّل في مشاريعهما إلّا على خدمة المجتمع، وتظلّ تلك المشاريع بحاجةٍ إلى دعمٍ وتمويل، مع إمكانيّة الإيفاء وتغطية بعض لوازمها ممّا توفّره إيراداتها الخاصّة، ولكن لا بأس أن تصل في بعض تلك المشاريع إلى حالة الاكتفاء الذاتيّ، ذلك أنّ الاكتفاء الذاتيّ يشكّل مصدر قوّةٍ للمشروع.
ولكون أنّ مشاريعنا في التربية والتعليم العالي وفي الصحّة متنوّعة، فبإمكانها أن تتكامل مع بعضها، وتساند بعضها البعض، لتقديم الخدمة للمجتمع، لا سيّما أنّ القانون المنظّم لها يسمح بذلك، ونحن نعوّل عليها في ذلك، لتعين نفسها بنفسها.
ولا شكّ أنّ ما قدّمته العتبةُ لهذه المشاريع من الدعم والبناء، يستلزم بالضرورة أن تكون هناك خطواتٌ تطويريّة في حركة تلك المشاريع التعليميّة والتربويّة، تناسب ذلك الدعم وحجمه، فكلّما زاد الدعم ازداد الحافزُ للعطاء أكثر، وقوي الدافعُ إلى الإبداع وتشجَّعَ المدعومُ على تحدّي الصّعاب والتّغلب عليها، ونحن سننتظر ما ستُسفِرُ عنه تلك المشاريع المدعومة من خطواتٍ تطويريّة إبداعيّة رياديّة.
وفي نهاية الجلسة ذكر سماحته، بأنّ علينا أن نكون في صميم هذه الرؤية، وأنّ علينا أن لا ننسى التوكُّل على الله، فالغفلة عنه تظلّ من أعظم مُثبّطات الهمم، وإنّه جلّ وعلا مع العبد ما كان العبدُ معه، وإنّ الظروف متغيّرة حتماً، وإنّ القادم سيكون أفضل بهمّة بلدنا وأبنائه، ودعا سماحته للجميع بزوال هذا الوباء، وأن يعمّ السلام ويزدهر العلم بهمّة القائمين