المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16384 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير آية (136-140) من سورة الانعام  
  
6607   06:43 مساءً   التاريخ: 6-11-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأنعام /

قال تعالى : {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137) وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } [الأنعام : 136 - 140] .

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الأنعام : 136] .

عاد الكلام إلى حجاج المشركين ، وبيان اعتقاداتهم الفاسدة ، فقال سبحانه : {وجعلوا لله} اي : كفار مكة ، ومن تقدمهم من المشركين . والجعل هنا بمعنى الوصف والحكم . {مما ذرأ من الحرث} أي : مما خلق من الزرع {والأنعام} أي : المواشي من الإبل ، والبقر ، والغنم . {نصيبا} أي : حظا .

وههنا حذف يدل الكلام عليه ، وهو : وجعلوا للأوثان منه نصيبا {فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا} يعني الأوثان ، وإنما جعلوا الأوثان شركاءهم ، لأنهم جعلوا لها نصيبا من أموالهم ، ينفقونه عليها ، فشاركوها في نعمهم .

{فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم} قيل : في معناه أقوال أحدها : إنهم كانوا يزرعون لله زرعا ، وللأصنام زرعا ، فكان إذا زكا الزرع الذي زرعوه لله ، ولم يزك الزرع الذي زرعوه للأصنام ، جعلوا بعضه للأصنام ، وصرفوه إليها ، ويقولون إن الله غني ، والأصنام أحوج . وإن زكا الزرع الذي جعلوه للأصنام ، ولم يزك الزرع الذي زرعوه لله ، لم يجعلوا منه شيئا لله ، وقالوا : هو غني . وكانوا يقسمون النعم ، فيجعلون بعضه لله ، وبعضه للأصنام . فما كان لله أطعموه الضيفان ، وما كان للصنم أنفقوه على الصنم ، عن الزجاج ، وغيره وثانيها : إنه كان إذا اختلط ما جعل للأصنام بما جعل لله تعالى ، ردوه ، وإذا اختلط ما جعل لله بما جعل للأصنام تركوه ، وقالوا : الله أغنى . وإذا تخرق الماء من الذي لله في الذي للأصنام ، لم يسدوه . وإذا تخرق من الذي للأصنام في الذي لله سدوه وقالوا الله أغنى ، عن ابن عباس ، وقتادة ، وهو المروي عن أئمتنا عليهم السلام . وثالثها : إنه كان إذا هلك ما جعل للأصنام ، بدلوه مما جعل لله ، وإذا هلك ما جعل لله ، لم يبدلوه مما جعل للأصنام ، عن الحسن ، والسدي {ساء ما يحكمون} أي : ساء الحكم حكمهم هذا .

- {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام : 137] .

ثم بين سبحانه خصلة أخرى من خصالهم الذميمة ، فقال : {وكذلك} أي : وكما جعل أولئك في الحرث والأنعام ما لا يجوز كذلك {زين لكثير من المشركين} أي : مشركي العرب {قتل أولادهم شركاؤهم} يعني الشياطين الذين زينوا لهم قتل البنات ووأدهن ، أحياء ، خيفة العيلة ، والفقر ، والعار ، عن الحسن ، ومجاهد ، والسدي . وقيل : إن المزينين لهم ذلك ، قوم كانوا يخدمون الأوثان ، عن الفراء ، والزجاج . وقيل : هم الغواة من الناس .

وقيل : كان السبب في تزيين قتل البنات أن النعمان بن المنذر أغار على قوم ، فسبى نساءهم ، وكان فيهن بنت قيس بن عاصم ، ثم اصطلحوا ، فأرادت كل امرأة منهن عشيرتها ، غير ابنة قيس ، فإنها أرادت من سباها ، فحلف قيس لا يولد له بنت إلا وأدها ، فصار ذلك سنة فيما بينهم {ليردوهم} أي : يهلكوهم ، واللام لام العاقبة ، لأنهم لم يكونوا معاندين لهم فيقصدوا أن يردوهم ، عن أبي علي الجبائي .

وقال غيره : يجوز أن يكون فيهم المعاند ، فيكون ذلك على التغليب .

{وليلبسوا عليهم دينهم} أي : يخلطوا عليهم ، ويدخلوا عليهم الشبهات فيه .

{ولو شاء الله ما فعلوه} معناه : ولو شاء الله أن يمنعهم من ذلك ، أو يضطرهم إلى تركه ، لفعل ، ولو فعل المنع والحيلولة ، لما فعلوه ، ولكن كان يكون ذلك منافيا للتكليف {فذرهم وما يفترون} أي : أتركهم ودعهم وافتراءهم أي : كذبهم على الله تعالى ، فإنه يجازيهم . وفي هذا غاية الزجر والتهديد ، كما يقول القائل : دعه وما اختار . وفي هذه الآية دلالة واضحة على أن تزيين القتل ، والقتل فعلهم ، وأنهم في إضافة ذلك إلى الله سبحانه كاذبون .

- {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأنعام : 138] .

ثم حكى سبحانه عنهم عقيدة أخرى من عقائدهم الفاسدة ، فقال : {وقالوا} يعني المشركين {هذه أنعام} أي : مواش ، وهي الإبل ، والبقر ، والغنم ، {وحرث} زرع {حجر} أي : حرام ، عنى بذلك الأنعام والزرع اللذين جعلوهما لآلهتهم وأوثانهم {لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم} أي : لا يأكلها إلا من نشاء أن نأذن له في أكلها ، وأعلم سبحانه أن هذا التحريم زعم منهم ، لا حجة لهم فيه ، ولا برهان ، وكانوا لا يحلون ذلك إلا لمن قام بخدمة أصنامهم من الرجال والنساء .

{وأنعام حرمت ظهورها} يعني الأنعام التي حرموا الركوب عليها ، وهي : السائبة ، والبحيرة ، والحام ، عن الحسن ، ومجاهد ، وقيل : هي الحامي الذي حمى ظهره إذا ركب ولد ولده عندهم ، فلا يركب ، ولا يحمل عليه ، {وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها} قيل : كانت لهم من أنعامهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها ، ولا في شيء من شأنها ، عن مجاهد . وقيل : إنهم كانوا لا يحجون عليها ، عن أبي وائل . وقيل : هي التي إذا ذكوها أهلوا عليها بأصنامهم ، فلا يذكرون اسم الله عليها ، عن الضحاك {افتراء عليه} أي : كذبا على الله تعالى ، لأنهم كانوا يقولون إن الله امرهم بذلك ، وكانوا كاذبين به عليه سبحانه {سيجزيهم بما كانوا يفترون} ظاهر المعنى .

- {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام : 139] .

ثم حكى الله سبحانه عنهم مقالة أخرى ، فقال {وقالوا} : يعني هؤلاء الكفار الذين تقدم ذكرهم {ما قي بطون هذه الأنعام} يعني : ألبان البحائر والسيب ، عن ابن عباس ، والشعبي ، وقتادة . وقيل : أجنة البحائر والسيب ، ما ولد منها حيا ، فهو خالص للذكور دون النساء ، وما ولد ميتا ، أكله الرجال والنساء ، عن مجاهد ، والسدي . وقيل : المراد به كليهما . {خالصة لذكورنا} لا يشركهم فيها أحد من الإناث ، من قولهم : فلان يخلص العمل لله ، ومنه إخلاص التوحيد .

وسمي الذكور : من الذكر الذي هو الشرف . والذكر : أشبه وأذكر من الأنثى {ومحرم على أزواجنا} أي : نسائنا {وإن يكن ميتة} معناه : وإن يكن جنين الأنعام ميتة {فهم فيه شركاء} أي : الذكور والإناث فيه سواء .

ثم قال سبحانه {سيجزيهم وصفهم} أي : سيجزيهم العقاب بوصفهم ، فلما أسقط الباء نصب {وصفهم} . وقيل : تقديره سيجزيهم جزاء وصفهم ، فحذف المضاف ، وأقام المضاف إليه مقامه ، عن الزجاج {إنه حكيم} فيما يفعل بهم من العقاب ، آجلا ، وفى إمهالهم عاجلا {عليم} بما يفعلونه ، لا يخفى عليه شيء منها .

وقد عاب الله سبحانه الكفار في هذه الآية من وجوه أربعة أحدها : ذبحهم الأنعام بغير إذن الله . وثانيها : أكلهم على ادعاء التذكية افتراء على الله وثالثها : تحليلهم للذكور ، وتحريمهم على الإناث ، تفرقة بين ما لا يفترق إلا بحكم من الله ورابعها : تسويتهم بينهم في الميتة ، من غير رجوع إلى سمع موثوق به .

- {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [الأنعام : 140] .

ثم جمع سبحانه بين الفريقين الذين قتلوا أولادهم ، والذين حرموا الحلال ، فقال : {قد خسر الذين قتلوا أولادهم} خوفا من الفقر ، وهربا من العار .

ومعناه : هلكت نفوسهم باستحقاقهم على ذلك عقاب الأبد ، والخسران : هلاك رأس المال {سفها} أي : جهلا ، وتقديره سفهوا بما فعلوه سفها ، والفرق بين السفه والنزق أن السفه عجلة يدعو إليها الهوى . والنزق عجلة من جهة حدة الطبع ، والغيظ . {بغير علم} وهذا تأكيد لجهلهم ، وذهابهم عن الثواب .

{وحرموا ما رزقهم الله} يعني الأنعام والحرث الذين زعموا أنها حجر ، عن الحسن . واعترض علي بن عيسى على هذا فقال : الأنعام كانت محرمة حتى ورد السمع ، فما قاله غير صحيح . وهذا الاعتراض يفسد من حيث إن الركوب لا يحتاج إلى السمع ، وإن احتاج الذبح إليه ، لأن الركوب مباح ، إذا قام بمصالحها ، ولأن أكلها أيضا بعد الذبح مباح {افتراء} أي : كذبا {على الله} سبحانه {قد ضلوا} أي : ذهبوا عن طريق الحق بما فعلوه ، وحكموا بحكم الشياطين ، فيما حكموا فيه .

{وما كانوا مهتدين} إلى شيء من الدين ، والخير ، والرشاد ، وفي هذه الآيات دلالات على بطلان مذهب المجبرة ، لأنه سبحانه أضاف القتل والافتراء ، والتحريم إليهم ، ونزه نفسه عن ذلك ، وذمهم على قتل الأطفال بغير جرم ، فكيف يعاقبهم سبحانه عقاب الأبد على غير جرم .

______________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 169-175 .

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

{وجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ والأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ} . الواو في جعلوا يعود إلى مشركي العرب ، وذرأ خلق ، والحرث الزرع ، والانعام المواشي ، والنصيب السهم ، والشركاء الأصنام .

ومحصل المعنى ان اللَّه سبحانه بعد أن أبطل في الآيات السابقة عقيدة المشركين بمنطق العقل والفطرة تعرض في هذه الآيات إلى بعض ما كان مشركو العرب يزاولونه في أموالهم وأولادهم ، وهذه الآية التي نفسرها تعرضت لشأنهم وتقاليدهم في ثروتهم المالية ، وهي الزرع والماشية ، وكانوا - كما في كتب التفسير - يعينون شيئا من زرعهم وأنعامهم للَّه ، ويصرفونه إلى الصبيان والمساكين ، وشيئا لأصنامهم ، وينفقونه على سدنة الأصنام وحراسها ، وكانوا يبالغون ويجتهدون في تنمية نصيب الأصنام ، ليأتي نتاجه أكثر وأوفر من نصيب اللَّه ، لأن اللَّه غني ، وفي الأصنام فقر ، وكانوا إذا خالط شيء مما جعلوه للَّه ما جعلوه للأصنام تركوه لها ، وإذا خالط شيء مما جعلوه للأصنام ما جعلوه للَّه ردوه إلى الأصنام ، وأيضا إذا أصابهم الجدب أكلوا من نصيب اللَّه ، وتركوا نصيب الأصنام . .

وهذه الصورة أوضح تفسير للآية الكريمة { ساءَ ما يَحْكُمُونَ } في إيثار أصنامهم على اللَّه تعالى علوا كبيرا .

{ وكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ } . تقدم ان المراد بالشركاء في الآية السابقة الأصنام ، أما في هذه الآية فالمراد بهم الكهنة وسدنة الأصنام بطبيعة الحال ، لأن الأصنام لا تشعر ولا تنطق ، فكيف تزين وتغري ؟ . والمعنى ان المشركين كما جعلوا في أموالهم نصيبا للَّه ، ونصيبا للأصنام كذلك زين لهم السدنة والكهنة ، ومن إليهم من الرؤساء ، زينوا لهم قتل أولادهم .

وتسأل : إن تصرف المشركين في أموالهم وأولادهم على النحو المتقدم كان بوحي من عرف الجاهلية ، ومعلوم ان العرف ، يضعه الناس للناس ، فإذا قتل واحد منهم ابنه خشية الفقر والاملاق ، أو وأد ابنته خوف العار ، كما نسب إلى قيس بن عاصم ، قلده من هم على شاكلته في السفاهة والجهالة . .

إذن ، فما هو الوجه في نسبة ذلك إلى الأصنام ، أو القائمين عليها ؟ .

الجواب : أجل ان تصرف المشركين كان بوحي من التقاليد ، ولكن السدنة والرؤساء قد زينوا هذه التقاليد وحبذوها ، وهم الناطقون باسم الأصنام فصحت النسبة إليها .

{ لِيُرْدُوهُمْ ولِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ } الواو يعود إلى الكهنة ومن إليهم ، وضمير هم يعود إلى المشركين ، والرد هنا معناه الهلاك ، واللبس الخلط ، واللام للعاقبة والمعنى ان الكهنة زينوا للمشركين أعمالهم ، فكانت نتيجة هذا التزين هلاك المشركين ، وضياعهم عن الحق والدين القويم { ولَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ } أي لو شاء اللَّه أن يمنعهم عن ذلك جبرا وقهرا ما تصرفوا في أموالهم وأولادهم ذاك التصرف القبيح ، ولكنه تركهم وشأنهم بعد أن هداهم النجدين . { فَذَرْهُمْ وما يَفْتَرُونَ } من إضافة ما يحللون ويحرمون إلى اللَّه . . والأمر بتركهم وافتراهم جاء لتهديد المشركين ووعيدهم ، وليس على وجهه وحقيقته ، تماما كالأمر في قوله تعالى : {اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت - 41] .

ثم ذكر سبحانه في الآية التالية ان المشركين قسموا زرعهم وأنعامهم إلى ثلاثة أقسام :

القسم الأول { وقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ } . الحجر الحرام ، أي ان المشركين كانوا يقتطعون قسما من زرعهم وثمارهم وماشيتهم ، ويحرمون التصرف فيه إلا على من يختارون . . ولم يبين سبحانه الذين يختارهم المشركون لهذا القسم ، ولكن بعض المفسرين قالوا : هم الكهنة وخدم الأصنام ، وقال آخرون : هم الرجال دون النساء .

القسم الثاني { وأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها } فلا تركب ، ولا يحمل عليها ، وتقدم ذكرها في الآية 103 من المائدة .

القسم الثالث { وأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا } في الذبح ، بل يذكرون اسم آلهتهم ، وتقدم التفصيل عند تفسير الآية 121 من هذه السورة { افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ } أي انهم نسبوا هذا التقسيم إلى اللَّه كذبا وافتراء ، واللَّه معاقبهم عليه .

{ وقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا ومُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } . قال الرازي : هذا نوع رابع من أنواع قضاياهم الفاسدة - وتقدم ذكر الأقسام الثلاثة في الآية السابقة - كانوا يقولون في اجنة البحائر والسوائب : ما ولد منها حيا فهو خالص للذكور ، لا تأكل منه الإناث ، وما ولد ميتا اشترك فيه الذكور والإناث .

سيجزيهم وصفهم ، والمراد الوعيد { إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } ليكون الزجر واقعا على حد الحكمة وبحسب الاستحقاق .

{ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ } . وأي شيء أكثر سفاهة من أقدام الوالد على ذبح ولده بمديته ، أو دفنه حيا تحت التراب ، وقوله بغير علم تأكيد للسفاهة ، أما خسارتهم في الدنيا فتتمثل في قتل أولادهم ، وفساد حياتهم الاجتماعية ، وخسارتهم في الآخرة أدهى وأمر { وحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ } من الأنعام والحرث التي زعموا انها حجر { افْتِراءً عَلَى اللَّهِ } لأن التحريم منهم وليس منه { قَدْ ضَلُّوا وما كانُوا مُهْتَدِينَ } إلى شيء من الخير والرشاد .

قال الرازي : ذكر اللَّه أمورا سبعة ، وكل واحد منها سبب تام في حصول الذم ، وهي الخسران ، والسفاهة ، والجهل ، وتحريم ما أحل اللَّه ، والافتراء عليه ، والضلال عن الرشد ، وعدم الاهتداء . . ثم قال الرازي : فثبت انه تعالى ذم الموصوفين بقتل الأولاد وتحريم ما أحله اللَّه تعالى لهم بهذه الصفات السبعة الموجبة لأعظم أنواع الذم ، وذلك نهاية المبالغة .

ونقول للرازي : إذا كان اللَّه قد ذمهم على الضلال بأعظم أنواع الذم ونهايته فكيف تدعي ان اللَّه هو الذي خلق فيهم الضلال ؟ وأي منطق يجيز أن يعاقب البريء ويذم على شيء فعله الذي ذمه وعاقبه ؟ . لقد تكرر ذلك من الرازي في تفسيره الكبير عدة مرات ، منها ما قاله منذ قريب عند تفسير الآية 125 من هذه السورة .

___________________________

1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 269-271 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً} إلى آخر الآية ، الذرء الإيجاد على وجه الاختراع وكأن الأصل في معناه الظهور ، والحرث الزرع ، وقوله :

{بِزَعْمِهِمْ} في قوله : {فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ} نوع من التنزيه كقوله : {وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ} [الأنبياء : 26] . والزعم الاعتقاد ويستعمل غالبا فيما لا يطابق الواقع منه .

وقوله : {وَهذا لِشُرَكائِنا} أضاف الشركاء إليهم لأنهم هم الذين أثبتوها واعتقدوا بها نظير أئمة الكفر وأئمتهم وأوليائهم ، وقيل : أضيفت الشركاء إليهم لأنهم كانوا يجعلون بعض أموالهم لهم فيتخذونهم شركاء لأنفسهم .

وكيف كان فمجموع الجملتين أعني قوله : {فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا} من تفريع التفصيل على الإجمال يفسر به جعلهم لله نصيبا من خلقه ، وفيه توطئة وتمهيد لتفريع حكم آخر عليه ، وهو الذي يذكره في قوله : {فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ} .

وإذ كان هذا الحكم على بطلانه من أصله وكونه افتراء على الله لا يخلو عن إزراء بساحته تعالى بتغليب جانب الأصنام على جانبه قبحه بقوله : {ساءَ ما يَحْكُمُونَ} ومعنى الآية ظاهر .

قوله تعالى : {وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ} إلى آخر الآية . قرأ غير ابن عامر {زَيَّنَ} بفتح الزاي فعل معلوم ، و {قَتْلَ} بنصب اللام مفعول {زَيَّنَ} وهو مضاف إلى {أَوْلادِهِمْ} بالجر وهو مفعول {قَتْلَ} أضيف إليه ، و {شُرَكاؤُهُمْ} فاعل {زَيَّنَ} .

والمعنى أن الأصنام بما لها من الوقع في قلوب المشركين والحب الوهمي في نفوسهم زينت لكثير من المشركين أن يقتلوا أولادهم ويجعلوهم قرابين يتقربون بذلك إلى الآلهة كما يضبطه تاريخ قدماء الوثنيين والصابئين ، وهذا غير مسألة الوأد التي كانت بنو تميم من العرب يعملون به فإن المأخوذ في سياق الآية الأولاد دون البنات خاصة .

وقيل : المراد بالشركاء الشياطين ، وقيل : خدمة الأصنام ، وقيل : الغواة من الناس .

وقرأ ابن عامر : {زَيَّنَ} بضم الزاي مبنيا للمفعول {قَتْلَ} بضم اللام نائب عن فاعل زين {أَوْلادِهِمْ} بالنصب مفعول المصدر أعني {قَتْلَ} تخلل بين المضاف والمضاف إليه {شُرَكاؤُهُمْ} بالجر مضاف إليه وفاعل للمصدر .

وقوله تعالى : {لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} الإرداء : الإهلاك ، والمراد به إهلاك المشركين بالكفر بنعمة الله والبغي على خلقه ، وخلط دينهم عليهم بإظهار الباطل في صورة الحق ، فضمير {أَوْلادِهِمْ} في المواضع الثلاث جميعا راجع إلى كثير من المشركين .

وقيل : المراد به الإهلاك بظاهر معنى القتل ، ولازمه رجوع أول الضمائر إلى الأولاد والثاني والثالث إلى الكثير ، أو الجميع إلى المشركين بنوع من العناية ، ومعنى الآية ظاهر .

قوله تعالى : {وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ} إلى آخر الآية . الحجر بكسر الحاء المنع ويفسره قوله بعده : {لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ} أي هذه الأنعام والحرث حرام إلا على من نشاء أن نأذن لهم ، وروي : أنهم كانوا يقدمونها لآلهتهم ـ ولا يحلون أكلها إلا لمن كان يخدم آلهتهم من الرجال ـ دون النساء بزعمهم .

وقوله : {وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها} أي وقالوا : هذه أنعام حرمت ظهورها أو ولهم أنعام حرمت ظهورها ، وهي السائبة والبحيرة والحامي التي نفاها الله تعالى في قوله : {ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [المائدة : 103] وقيل : هي بعض هؤلاء على الخلاف السابق في معناها في تفسير آية المائدة .

وقوله : {وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا} أي ولهم أنعام [إلخ] وهي الأنعام التي كانوا يهلون عليها بأصنام لا باسم الله ، وقيل : هي التي كانوا لا يركبونها في الحج ، وقيل : أنعام كانوا لا يذكرون اسم الله عليها ولا في شأن من شئونها ، ومعنى الآية ظاهر .

قوله تعالى : {وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا} إلى آخر الآية ، المراد بما في البطون أجنة البحائر والسيب ، فقد كانوا يحلونها إذا ولدت حية للرجال دون النساء وإن ولدت ميتة أكله الرجال والنساء جميعا ، وقيل : المراد بها الألبان ، وقيل : الأجنة والألبان جميعا .

والمراد بقوله : {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ} سيجزيهم نفس وصفهم فإنه يعود وبالا وعذابا عليهم ففيه نوع من العناية ، وقيل : التقدير : سيجزيهم بوصفهم ، وقيل : التقدير : سيجزيهم جزاء وصفهم ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، والمعنى ظاهر .

قوله تعالى : {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ} إلخ ، رد لما حكي عنهم في الآيات السابقة من الأحكام المفتراة وهي قتل الأولاد وتحريم أصناف من الأنعام والحرث وذكر أن ذلك منهم خسران وضلال من غير اهتداء .

وقد وصف قتل الأولاد بأنه سفه بغير علم ، وكذلك بدل الأنعام والحرث من قوله ما رزقهم الله ووصف تحريمها بأنه افتراء على الله ليكون في ذلك تنبيه كالتعليل على خسرانهم في ذلك كأنه قيل : خسروا في قتلهم أولادهم لأنهم سفهوا به سفها بغير علم ، وخسروا في تحريمهم أصنافا من الأنعام والحرث افتراء على الله لأنها من رزق الله وحاشاه تعالى أن يرزقهم شيئا ثم يحرمه عليهم .

ثم بين تعالى ضلالهم في تحريم الحرث والأنعام مع كونها من رزق الله بيانا تفصيليا بالاحتجاج من ناحية العقل ومصلحة معاش العباد بقوله : {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ} إلى تمام أربع آيات ، ثم من ناحية السمع ونزول الوحي بقوله : {قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ} إلى تمام الآية .

فيكون محصل الآيات الخمس أن تحريمهم أصنافا من الحرث والأنعام ضلال منهم لا يساعدهم على ذلك حجة فلا العقل ورعاية مصلحة العباد يدلهم على ذلك ، ولا الوحي النازل من الله سبحانه يهديهم إليه فهم في خسران منه .

____________________________

1. تفسير الميزان ، ج7 ، ص 305- 307 .

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ} [الأنعام : 136] .

لاقتلاع جذور الشرك وعبادة الأصنام من الأذهان يعود القرآن إلى ذكر العادات والتقاليد والعبادات الخرافية السائدة بين المشركين ، ويثبت في بيان واضح أنّها خرافية ولا أساس لها ، فقد كان كفّار مكّة وسائر المشركين يخصصون لله سهما من مزارعهم وأنعامهم ، كما كانوا يخصصون سهما منها لأصنامهم أيضا ، قائلين : هذا القسم يخص الله ، وهذا القسم يخص شركاءنا أي الأصنام : {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا} .

على الرغم من أنّ الآية تشير إلى نصيب الله فقط ، ولكن العبارات التّالية تدل على أنّهم كانوا يخصصون نصيبا للأصنام أيضا ، جاء في بعض الرّوايات : أنّهم كانوا يصرفون ما يخصصونه لله على الأطفال والضيوف ، والنصيب المخصص للأصنام من الزرع والأنعام كانوا يصرفونه على خدم الأصنام والقائمين على معابدها والأضاحي وعلى أنفسهم أيضا (2) .

سبب اعتبارهم الأصنام شركاءهم يعود إلى كونهم يرونها شريكة لهم في أموالهم وحياتهم .

وتعبير {مِمَّا ذَرَأَ} أي ممّا خلق ، يشير إلى بطلان مزاعمهم ، إذ إنّ كل أموالهم وما يملكون هو ممّا خلق الله فكيف يجعلون نصيبا منه لله ونصيبا منه للأصنام ؟!

ثمّ تشير الآية إلى واحد من أحكامهم العجيبة وهو الحكم بأنّ ما خصصوه لشركائهم لا يصل إلى الله ، ولكن ما خصصوه لله يصل إلى شركائهم {فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ} .

اختلف المفسّرون بشأن المقصود من هذه الآية ، ولكن آراءهم كلها تدور حول حقيقة واحدة ، هي أنّه إذا أصاب نصيب الله ضرر على أثر حادثة قالوا : هذا لا أهمية له لأنّ الله لا حاجة به إليه ، ولكن إذا أصاب الضرر نصيب أصنامهم عوضوا عنه من نصيب الله ، قائلين : إنّ الأصنام أشد حاجة إليه .

كما أنّهم إذا نفذ الماء المار بمزرعة الله إلى مزرعة الأصنام قالوا : لا مانع من ذلك ، فالله ليس محتاجا ، ولكن إذا حدث العكس منعوا الماء المتسرب إلى مزرعة الله ، قائلين : إنّ الأصنام أحوج !

وفي الختام تدين الآية هذه الخرافات فتقول : {ساءَ ما يَحْكُمُونَ} .

إنّ قبح عملهم ـ فضلا عن قبح عبادة الأصنام ـ يتبيّن في الأمور التّالية .

1 ـ على الرغم من أنّ كل شيء هو من خلق الله ، وملك له دون منازع ، وأنّه هو الحاكم على كل الكائنات وهو مدبرها وحافظها فإنّهم إنّما كانوا يخصصون جانبا من ذلك كله لله ، وكأنّهم هم المالكون الأصليون ، وكأنّ حق التقسيم بيدهم ، (إنّ جملة {مِمَّا ذَرَأَ} تشير إلى هذا كما قلنا) .

2 ـ لقد كانوا في هذا التقسيم يلزمون جانب الأصنام ويفضلون ما لها على ما لله ، لذلك لم يكونوا يهتمون بما يصيب نصيب الله من ضرر ، ولكنّهم كانوا يجبرون كل ضرر يصيب نصيب الأصنام من نصيب الله ، فكان هذا تحيزا إلى جانب الأصنام ضد الله!

3 ـ يتبيّن من بعض الرّوايات أنّهم كانوا يهتمون اهتماما كبيرا بحصة الأصنام ، فقد كان خدم الأصنام والقائمون على معابدها وكذلك المشركون يأكلون من حصة الأوثان ، بينما كانوا يخصصون حصة الله للأطفال وللضيوف ، وتدل القرائن على أنّ الأغنام السمينة والمحاصيل الزراعية الجيدة كانت من نصيب الأصنام ، أي لمصلحة السدنة الخاصّة .

كل هذا دل على أنّهم في هذا التقسيم لم يكونوا يعترفون لله حتى بمنزلة مساوية لمنزلة الأصنام .

فأي حكم أقبح وأدعى إلى العار من أن يعتبر إنسان قطعة من الحجر أو الخشب الذي لا قيمة له أرفع من خالق عالم الوجود ، هل هناك هبوط فكريّ أحط من هذا ؟

{وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ} [الأنعام : 137] .

يشير القرآن في هذه الآية إلى عمل قبيح آخر من أعمال عبدة الأصنام القبيحة وجرائمهم الشائنة ، ويذكر أنّه كما ظهر لهم أنّ تقسيمهم الحصص بين الله والأصنام عمل حسن بحيث إنه اعتبروا هذا العمل القبيح والخرافي ، بل والمضحك ، عملا محمودا ، كذلك زين الشركاء قتل الأبناء في أعين الكثيرين من المشركين بحيث إنّهم راحوا يعدون قتل الأولاد نوعا من «الفخر» و «العبادة» : {وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ} .

«الشّركاء» هنا هم الأصنام ، فقد كانوا أحيانا يقدمون أبناءهم قرابين لها ، أو كانوا ينذرون أنّهم إذا وهبوا ابنا يذبحونه قربانا لأصنامهم ، كما جاء في تاريخ عبدة الأصنام القدامى وعليه فان نسبة «التزيين» للأصنام تعود إلى أن شدة تعلقهم بأصنامهم وحبهم لها كان يحدو بهم إلى ارتكاب هذه الجريمة النكراء واستنادا إلى هذا التّفسير ، فإنّ قتل الأولاد هذا لا علاقة له بوأد البنات أو قتل الأولاد خشية الإملاق .

يحتمل أيضا أن يكون المقصود بتزيين الأصنام هذه الجريمة ، هو أن القائمين على أمر الأصنام والمعابد هم الذين كانوا يحرضونهم على هذا العمل ويزينونه لهم ، باعتبارهم الألسنة الداعية باسم الأصنام ، فقد جاء في التّأريخ أنّ العرب كانوا إذا عزموا على السفر أو الأعمال المهمّة ، طلبوا الإذن من «هبل» كبير أصنامهم ، وذلك بأن يضربوا بالقداح ، أي بأسهم الميسر ، فقد كان هناك كيس معلق بجانب هبل فيه سهام كتب على مقابضها «افعل» أو «لا تفعل» ، فكانوا يخلطون السهام ثمّ يسحبون واحدا منها ، فما كتب عليه يكون هو الأمر الصادر من هبل ، وبهذه الطريقة كانوا يتصورون أنّهم يكتشفون آراء أصنامهم ، فلا يستبعد أنّهم في مسألة قتل أولادهم قرابين للأصنام كانوا يلجأون إلى أولياء المعابد ليأتوهم بما تأمر به الأصنام .

هنالك أيضا الاحتمال القائل بأن وأد البنات ـ الذي كان سائدا ، كما يقول التّأريخ بين قبائل بني تميم لرفع العار ـ كان أمرا صادرا عن الأصنام ، فقد جاء في التّأريخ أنّ «النعمان بن المنذر» هاجم بعض العرب وأسر نساءهم وفيهن ابنة «قيس بن عاصم» ثمّ أقرّ الصلح بينهم وعادت كل امرأة إلى عشيرتها ، عدا ابنة قيس التي فضلت البقاء عند العدو لعلها تتزوج أحد شبانهم ، فكان وقع هذا شديدا على قيس ، فاقسم بالأصنام انّه إذا رزق بابنة أخرى فانه سوف يئدها حية ، ثمّ لم يمض زمن طويل حتى أصبح هذا العمل الشائن سنّة بينهم ، وباسم الدفاع عن العرض راحوا يرتكبون أفظع جريمة بقتلهم أولادهم الأبرياء (3) .

وعليه ، فإنّ وأد البنات يمكن أن يكون مشمولا بمفهوم هذه الآية .

هنالك أيضا احتمال آخر في تفسير هذه الآية وان لم يتطرق إليه المفسّرون ، وهو أنّ عرب الجاهلية كانوا على درجة من التقدير والاحترام لأصنامهم بحيث إنّهم كانوا يصرفون أموالهم الثمينة على تلك الأصنام وعلى خدامها المتنفذين الأثرياء ، ويبقون هم في فقر مدقع إلى الحد الذي كان يحملهم هذا الفقر والجوع على قتل بناتهم .

فهذا التعلق الشديد بالأصنام كان يزين لهم عملهم الشنيع ذاك .

ولكن التّفسير الأوّل ، أي التضحية بأولادهم قربانا للأصنام ، أقرب إلى نص الآية .

ثمّ يوضح القرآن أنّ نتيجة تلك الأفعال القبيحة هي أنّ الأصنام وخدامها ألقوا بالمشركين في مهاوي الهلاك ، وشككوهم في دين الله ، وحرموهم من الوصول إلى الدين الحق : {لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} .

ومع ذلك كله ، فإنّ الله قادر على أن يوقفهم عند حدهم بالإكراه ، ولكن الإكراه خلاف سنة الله ، إنّ الله يريد أن يكون عباده أحرارا لكي يمهد أمامهم طريق التربية والتكامل ، وليس في الإكراه تربية ولا تكامل : {وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ} .

وما دام هؤلاء منغمسين في أباطيلهم وخرافاتهم دون أن يدركوا شناعتها ، بل الأدهى من ذلك أنّهم ينسبونها أحيانا إلى الله ، إذن فاتركهم واتهاماتهم والتفت إلى تربية القلوب المستعدة : {فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ} .

{وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاَّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ * وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام : 138-139] .

تشير هذه الآيات إلى بعض الأحكام الخرافية لعبدة الأوثان ، والتي تدل على قصر نظرتهم وضيق تفكيرهم ، وتكمل ما مر في الآيات السابقة .

تذكر في البداية أقوال المشركين بشأن من لهم الحق في نصيب الأصنام من زرع وأنعام ، وتبيّن أنّهم كانوا يرون أنّها محرمة إلّا على طائفة معينة : {وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ} .

ومرادهم المتولّون أمور الأصنام والمعابد ، والمشركون كانوا يذهبون إلى أنّ لهؤلاء وحدهم الحق في نصيب الأصنام .

يتّضح من هذا أنّ القسم الأوّل من الآية يشير إلى كيفية تصرفهم فيما يخصصونه للأصنام من الزرع والأنعام .

«الحجر» هو المنع ، ولعلها مأخوذة كما يقول الراغب الأصفهاني في «المفردات» من الحجر ، وهو أنّ يبنى حول المكان بالحجارة ليمنع عما وراءه ، وحجر إسماعيل سمي بذلك لأنّه مفصول عن سائر أقسام المسجد الحرام بجدار من حجر ، وعلى هذا الاعتبار يطلق على «العقل» اسم «الحجر» ، أحيانا ، لكونه يمنع المرء من ارتكاب الأعمال القبيحة ، وإذا ما وضع أحد تحت رعاية أحد وحمايته قيل : إنّه في حجره ، والمحجور هو الممنوع من التصرف في ماله (4) .

ثمّ تشير الآية إلى واحدة أخرى من خرافاتهم تقضى بمنع ركوب بعض الدواب : {وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها} .

الظاهر أنّها هي الحيوانات التي مرّ ذكرها في تفسير الآية (103) من سورة المائدة ، وهي «السائبة» و «البحيرة» و «الحام» (انظر التفسير المذكور لمزيد من التوضيح) .

ثمّ تشير إلى القسم الثّالث من الأحكام الباطلة فتقول : {وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا} .

ولعلها إشارة إلى الحيوانات التي كانوا يذكرون أسماء أصنامهم عليها فقط عند ذبحها ، أو هي المطايا التي كانوا يحرمون ركوبها للذهاب إلى الحج ، كما جاء ذلك في تفسير «مجمع البيان» و «التّفسير الكبير» و «المنار» و «القرطبي» نقلا عن بعض المفسّرين ، وفي كلتا الحالتين كان الحكم خرافيا لا أساس له .

والأعجب من ذلك أنّهم لم يقنعوا بتلك الأحكام الفارغة ، بل راحوا ينسبون إلى الله كل ما يخطر لهم من كذب : {افْتِراءً عَلَيْهِ} .

وفي ختام الآية ، وبعد ذكر تلك الأحكام المصطنعة ، تقول إنّ الله : {سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ} .

نعم ، إذا أراد الإنسان ـ بفكره الناقص القاصر ـ أن يضع القوانين والأحكام ، فلا شك أنّ كل طائفة سوف تضع من القوانين ما ينسجم وأهواءهم ومطامعهم ، فيحرمون على أنفسهم أنعم الله دون سبب ، أو يحللون على أنفسهم أفعالهم القبيحة ، وهذا هو سبب قولنا إنّ الله وحده هو الذي يسنّ القوانين لأنّه يعلم كل شيء ويعرف دقائق الأمور ، وهو سبحانه بمعزل عن الأهواء .

الآية التّالية تشير إلى حكم خرافي آخر بشأن لحوم الحيوانات ، يقضي بأنّ حمل هذه الأنعام يختص بالذكور ، وهو حرام على الزوجات ، أمّا إذا خرج ما في بطونها ميتا ، فكلهم شركاء فيه : {وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ} .

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ {هذِهِ الْأَنْعامِ} هي الحيوانات التي ذكرناها من قبل .

يرى بعض المفسّرين أنّ عبارة {ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ} تشمل لبن هذه الأنعام ، ولكن عبارة {وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً} تبيّن أنّ المقصود هو الجنين الذي إذا ولد حيّا فهو للذكور ، وإنّ ولد ميتا ـ وهو ما لم يكن مرغوبا عندهم ـ فهم جميعا شركاء فيه بالتساوي .

هذا الحكم لا يقوم ـ أوّلا ـ على أي دليل ، وهو ـ ثانيا ـ قبيح وبشع فيما يتعلق بالجنين الميت ، لأنّ لحم الحيوان الميت يكون في الغالب فاسدا ومضرا ، ثمّ هو ـ ثالثا ـ نوع من التمييز بين الرجل والمرأة ، بجعل الطيب للرجال فقط ، وبجعل المرأة شريكة في الفاسد فقط .

ينهي القرآن هذا الحكم الجاهلي ، ويقرر أنّ الله سوف يعاقبهم على هذه الأوصاف ، {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ} .

«الوصف» هنا يشير إلى ما كانوا ينسبونه إلى الله ، كأنّ ينسبون إليه تحريم هذه اللحوم بالرغم من أنّ المقصود هو الصفة أو الحالة التي تستولي على المذنب على أثر تكرار ، الإثم وتجعله مستحقا للعقاب ، وختاما تقول : (إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) .

فهو عليم بأعمالهم وأقوالهم واتهاماتهم الكاذبة ، كما أنّه يعاقبهم وفق حساب وحكمة .

{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ} [الأنعام : 140] .

تعقيبا على الآيات السابقة التي تحدثت عن بعض الأحكام التافهة والتقاليد القبيحة في عصر الجاهلية الشائن ، كقتل الأبناء قربانا للأصنام ، ووأد البنات خشية العار ، وتحريم بعض نعم الله الحلال ، تدين هذه الآية كل تلك الأعمال بشدة ، في سبعة تعبيرات وفي جمل قصيرة نافذة توضح حالهم .

ففي البداية تقول : {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ} ، فعملهم وصف هنا بأنّه خسران بالمنظار الإنساني والأخلاقي ، وبالمناظر العاطفي والاجتماعي ، والخسارة الكبرى هي الخسارة المعنوية في العالم الآخر . فهذه الآية تعتبر عملهم أوّلا «خسرانا» ثمّ «سفاهة» وخفة عقل ، ثمّ «جهلا» وكل صفة من هذه الصفات الثلاث كافية لإظهار قبح أعمالهم ، فأي عقل يجيز للأب أن يقتل أولاده بيده؟ أو ليس هذا من السفاهة وخفة العقل أن يفعل هذا ثمّ لا يخجل من فعلته ، بل يعتبرها نوعا من الفخر والعبادة ؟ أي علم يجيز للإنسان أن يعتبر هذه الأعمال قانونا اجتماعيا ؟

من هنا نفهم ما قاله ابن عباس بشأن ضرورة قراءة سورة الأنعام لمن شاء أن يدرك مدى تخلف الأقوام الجاهليين .

ثمّ يذكر القرآن أنّ هؤلاء قد حرموا على أنفسهم ما رزقهم الله وأحله لهم وكذبوا على الله ونسبوا هذه الحرمة له سبحانه : {وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ} .

في هذه العبارة إدانة أخرى لأعمالهم ، فهم ـ أوّلا ـ حرموا على أنفسهم النعمة التي «رزقهم» إيّاها وأباحها لهم وكانت ضرورية لحياتهم ، فنقضوا بذلك قانون الله .

وهم ـ ثانيا ـ «افتروا» على الله قائلين إنّه هو الذي أمر بذلك .

في ختام الآية وفي جملتين قصيرتين إدانة أخرى لهم ، فهم : {قَدْ ضَلُّوا} ، ثمّ إنّهم لم يسلكوا يوما الطريق المستقيم : {وَما كانُوا مُهْتَدِينَ} .

__________________________

1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 223-233 .

2. تفسير المنار ، ج 8 ، ص 122 .

3. يتصور بعض أنّ كلمة «أولاد» في الآية لا تنسجم مع هذا التّفسير ، غير أنّ لهذه الكلمة معنى واسعا يشمل الأبناء والبنات ، وكما جاء في الآية (223) من سورة البقرة : {وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ} .

4.  «حجر» في هذه الآية وصفية ، بمعنى محجور ، ويستوي فيها المذكر والمؤنث .

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



قسم الشؤون الفكرية يختتم برنامجاً ثقافياً لوفدٍ من جامعة البصرة
جامعة الكفيل تعقد ورشة عمل عن إجراءات عمل اللجان الامتحانيّة
قسم التطوير يُقيم دورة أخلاقيّات المهنة ضمن برنامج تأهيل المنتسبين الجدد
قسم الشؤون الفكريّة يعلن عن إقامة دورة خاصة بالفتيان خلال العطلة الصيفية