أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-11-2017
5516
التاريخ: 7-11-2017
3174
التاريخ: 28-3-2021
4124
التاريخ: 5-11-2017
47283
|
قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام : 95 - 99].
قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الأنعام : 95 - 96] .
عاد الكلام إلى الإحتجاج على المشركين ، بعجائب الصنع ، ولطائف التدبير ، فقال سبحانه : {إن الله فالق الحب والنوى} أي : شاق الحبة اليابسة الميتة ، فيخرج منها النبات ، وشاق النواة اليابسة ، فيخرج منها النخل ، والشجر ، عن الحسن ، وقتادة ، والسدي . وقيل : معناه خالق الحب والنوى ، ومنشئهما ، ومبدئهما ، عن ابن عباس ، والضحاك . وقيل : المراد به ما في الحبة والنوى من الشق ، وهو من عجيب قدرة الله تعالى في استوائه ، عن مجاهد ، وأبي مالك .
{يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي} أي : يخرج النبات الغض والطري الخضر من الحب اليابس ، ويخرج الحب اليابس من النبات الحي النامي ، عن الزجاج . والعرب تسمي الشجر ما دام غضا قائما بأنه حي ، فإذا يبس ، أو قطع ، أو قلع ، سموه ميتا . وقيل : معناه يخلق الحي من النطفة ، وهي موات ، ويخلق النطفة وهي موات ، من الحي ، عن الحسن ، وقتادة ، وابن زيد ، وغيرهم ، وهذا أصح . وقيل : معناه يخرج الطير من البيض ، والبيض من الطير ، عن الجبائي .
وقيل : معناه يخرج المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن .
{ذلكم الله} أي : فاعل ذلك كله الله {فأنى تؤفكون} أي : تصرفون عن الحق ، ويذهب بكم عن هذه الأدلة الظاهرة إلى الباطل ، أفلا تتدبرون ، فتعلمون أنه لا ينبغي أن يجعل لمن أنعم عليكم بفلق الحب والنوى ، وإخراج الزرع من الحب ، والشجر من النوى ، شريك في عبادته {فالق الإصباح} أي : شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل وسواده ، عن أكثر المفسرين . وقيل : معناه خالق الصباح ، عن ابن عباس {وجاعل الليل سكنا} تسكنون فيه ، وتتودعون فيه ، عن ابن عباس ، ومجاهد ، وأكثر المفسرين ، نبه الله سبحانه على عظيم نعمته بأن جعل الليل للسكون ، والنهار للتصرف ، ودل بتعاقبهما على كمال قدرته ، وحكمته .
ثم قال {والشمس والقمر حسبانا} أي : جعلهما تجريان في أفلاكهما بحساب لا يتجاوزانه ، حتى ينتهيا إلى أقصى منازلهما ، فتقطع الشمس جميع البروج الاثني عشر في ثلاثمائة وخمس وستين يوما وربع والقمر في ثمانية وعشرين يوما ، وبني عليهما الليالي ، والأيام ، والشهور والأعوام ، كما قال سبحانه : {والشمس والقمر بحسبان} ، وقال {كل في فلك يسبحون} ، عن ابن عباس ، والسدي ، وقتادة ، ومجاهد ، أشار سبحانه بذلك إلى ما في حسبانهما من مصالح العباد في معاملاتهم ، وتواريخهم ، وأوقات عباداتهم ، وغير ذلك من أمورهم الدينية والدنيوية {ذلك} إشارة إلى ما وصفه سبحانه من فلق الإصباح ، وجعل الليل سكنا ، والشمس والقمر حسبانا . {تقدير العزيز} الذي عز سلطانه ، فلا يقدر أحد على الامتناع منه {العليم} بمصالح خلقه وتدبيرهم .
- {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} [الأنعام : 97 - 98] .
ثم ذكر سبحانه ما يقارب في المعنى الآية المتقدمة فيما يدل على وحدانيته ، وعظيم قدرته ، فقال : {وهو الذي جعل} أي : خلق {لكم} أي : لنفعكم {النجوم لتهتدوا بها} أي : بضوئها ، وطلوعها ، ومواضعها ، {في ظلمات البر والبحر} لأن من النجوم ما يكون بين يدي الانسان ، ومنها ما يكون خلفه ، ومنها ما يكون عن يمينه ، ومنها ما يكون عن يساره ، ويهتدى بها في الأسفار ، وفي البلاد ، وفي القبلة ، وأوقات الليل ، وإلى الطرق في مسالك البراري والبحار ، وقال البلخي : ليس في قوله {لتهتدوا بها} ما يدل على أنه لم يخلقها لغير ذلك ، بل خلقها سبحانه لأمور جليلة عظيمة ، ومن فكر في صغر الصغير منها ، وكبر الكبير ، واختلاف مواقعها ، ومجاريها ، واتصالاتها ، وسيرها ، وظهور منافع الشمس والقمر في نشوء الحيوان والنبات ، علم أن الأمر كذلك ، ولو لم يخلقها إلا للاهتداء ، لما كان لخلقها صغارا وكبارا ، واختلافاتها في المسير معنى .
وفي تفسير علي بن إبراهيم بن هاشم : إن النجوم أد محمد صلى الله عليه وآله وسلم . {قد فصلنا الآيات} أي بينا الحجج والبينات {لقوم يعلمون} أي : يتفكرون فيعلمون {وهو الذي أنشأكم} أي : أبدعكم وخلقكم {من نفس واحدة} أي : من آدم عليه السلام ، لأن الله تعالى خلقنا جميعا منه ، وخلق أمنا حواء ، من ضلع من أضلاعه ، ومن علينا بهذا ، لأن الناس إذا رجعوا إلى أصل واحد ، كانوا أقرب إلى التواد ، والتعاطف ، والتآلف .
{فمستقر ومستودع} قد مر ذكرهما في الحجة ، واختلف في معناهما ، فقيل :
مستقر في الرحم إلى أن يولد ، ومستودع في القبر إلى أن يبعث ، عن عبد الله بن مسعود . وقيل : مستقر في بطون الأمهات ، ومستودع في أصلاب الآباء ، عن سعيد بن جبير ، وعكرمة ، عن ابن عباس . وقيل : مستقر على ظهر الأرض في الدنيا ، ومستودع عند الله في الآخرة ؟ عن مجاهد وقيل : مستقرها أيام حياتها ، ومستودعها حيث يموت ، وحيث يبعث ، عن أبي العالية ، وقيل : مستقر في القبر ، ومستودع في الدنيا ، عن الحسن ، وكان يقول : يا ابن آدم أنت وديعة في أهلك ، ويوشك أن تلحق بصاحبك ، وأنشد قول لبيد :
وما المال والأهلون إلا وديعة ولابد يوما أن ترد الودائع
وقال سليمان بن زيد العدوي ، في هذا المعنى :
فجع الأحبة بالأحبة قبلنا فالناس مفجوع به ومفجع
مستودع ، أو مستقر مدخلا فالمستقر يزوره المستودع
{قد فصلنا الآيات} أي : بينا الحجج وميزنا الأدلة {لقوم يفقهون} مواقع الحجة ، ومواضع العبرة . وإنما خص الذين يعلمون ويفقهون ، لأنهم المنتفعون بها ، كما قال : {هدى للمتقين} وكرر وقوله {قد فصلنا الآيات} حثا على النظر ، وتنبيها على أن كلا مما ذكر آية ، ودلالة ، تدل على توحيده ، وصفاته العلى .
- {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام : 99] .
ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال {وهو الذي أنزل من السماء ماء} يريد من السحاب ، والعرب تقول : كل ما علاك فأظلك فهو سماء {فأخرجنا به نبات كل شيء} والمعنى : فأخرجنا بالماء الذي أنزلناه من السماء من غذاء الأنعام ، والطير ، والوحش ، وأرزاق بني آدم ، ما يتغذون به ويأكلونه ، فينبتون عليه ، وينمون ، ويريد ، بنبات كل شيء : ما ينبت به كل شيء ، وينمو عليه ويحتمل أن يكون المراد أخرجنا به من جميع أنواع النبات ، ليكون كل شيء هو أصناف النبات كقوله {إن هذا لهو الحق اليقين} عن الفراء ، والأول أحسن . وإنما قال به لأنه سبحانه جعله سببا مؤديا إلى النبات ، لا مولدا له ، وقد كان يمكنه الإنبات بغيره ، فلا يقال إنه فعله بسبب مولد .
{فأخرجنا منه} أي : من الماء . وقيل : من النبات {خضرا} أي : زرعا رطبا أخضر ، وهو ساق السنبلة {نخرج منه} أي : من ذلك الزرع الخضر {حبا متراكبا} قد تركب بعضه على بعض ، مثل سنبلة الحنطة ، والسمسم ، وغير ذلك {ومن النخل} أي : ونخرج من النخل {من طلعها قنوان} أي : أعذاق الرطب {دانية} أي : قريبة المتناول ، ولم يقل ومنها قنوان بعيدة ، لأن في الكلام دليلا على البعيدة السحيقة ، من النخل ، قد كانت غير سحيقة فاجتزأ بذكر القرينة ، عن ذكر السحيقة ، كما قال {سرابيل تقيكم الحر} ولم يقل وسرابيل تقيكم البرد ، لأن في الكلام دليل على أنها تقي البرد ، لأن ما يستر عن الحر يستر عن البرد ، عن الزجاج . وقيل :
دانية دنت من الأرض لكثرة ثمرها ، وثقل حملها ، وتقديره : ومن النخل من طلعها ، ما قنوانه دانية ، وإنما خص الطلع بالذكر ، لما فيه من المنافع والأغذية الشريفة ، التي ليست في أكمام الثمار {وجنات من أعناب} يعني : وأخرجنا به أيضا جنات من أعناب أي : بساتين من أعناب . ومن رفعه فتقديره : ونخرج به جنات من أعناب ، {والزيتون والرمان} أي : فأخرجنا به الزيتون والرمان أي : شجر الزيتون والرمان ، وقرن الزيتون والرمان ، لأنهما شجرتان تعرف العرب أن ورقهما يشتمل على الغصن من أوله إلى آخره ، قال الشاعر :
بورك الميت الغريب كما بورك نضج الرمان والزيتون ومعناه : إن ورقهما يشتمل على العود كله {مشتبها وغير متشابه} أي : مشتبها شجره يشبه بعضه بعضا ، وغير متشابه في الطعم . وقيل : مشتبها ورقه ، مختلفا ثمره ، عن قتادة . وقيل : مشتبها في الخلق ، مختلفا في الطعم . وقيل : مشتبها ما كان من جنس واحد ، وغير متشابه ، إذا اختلف جنسه ، عن الجبائي . والأولى أن يقال إن جميع ذلك مشتبه من وجوه ، مختلف من وجوه ، فيدخل فيه جميع ما تقدم {انظروا إلى ثمره إذا أثمر} أي : انظروا إلى خروج الثمار نظر الاعتبار . {وينعه} أي : نضجه . ومعناه انظروا من ابتداء خروجه إذا أثمر ، إلى انتهائه إذا أينع ، وأدرك ، كيف تنتقل عليه الأحوال في الطعم ، واللون ، والرائحة ، والصغر ، والكبر ، ليستدلوا بذلك على أن له صانعا مدبرا {إن في ذلكم لآيات} أي : إن خلق هذه الثمار والزروع ، مع إتقان جواهرها أجناسا مختلفة ، لا يشبه بعضها بعضا ، لدلالات على أن لها خالقا . قصد إلى التمييز بينها قبل خلقها على علم بها ، وانها تكونت بخلقه وتدبيره {لقوم يؤمنون} لأنهم بها يستدلون ، وبمعرفة مدلولاتها ينتفعون .
______________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 117-124 .
في هذه الآيات أمثلة من عجائب الخلق التي لا يملك صنعها إلا اللَّه وحده ، ولا تنفك عن الدلالة على وجود اللَّه وحده ، ولا تنفك عن الدلالة على وجود اللَّه وعظمته ، وجاء ذكر الأمثلة على الترتيب التالي :
1 – { إِنَّ اللَّهً فالِقُ الْحَبِّ والنَّوى } . إذا وضعت حبة من الحنطة ، أو نواة من نوى التمر في الأرض - مثلا - انفلقت كل من الحبة والنواة من أسفلها وأعلاها ، وخرج من الشق الأسفل عروق تهبط في الأرض ، ومن الشق الأعلى شجرة تمتد في الهواء ، ثم تذهب الحبة والنواة ، ويصير المجموع جسما واحدا ، بعضه في الأرض وبعضه في الهواء ، وليس من شك ان هذه العملية تستند مباشرة إلى أسبابها الطبيعية ، كالتربة والماء ، والشمس والهواء ، ولكنها تنتهي إلى اللَّه وحده ، لأنه خالق الطبيعة ، ومسبب الأسباب ، وموجد المادة الأولى بكلمة {كُنْ فَيَكُونُ} .
من أين جاءت الحياة ؟
{ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ومُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } .
لا غرابة أن يتولد من الكائن الحي حي مثله ، وأن ينفصل من الجماد جماد ، وإنما العجب أن يتولد الجماد من الحي ، وبالعكس . وقال قائل : إن الحياة تتولد من القوى الطبيعية .
ونسأل هذا القائل ، ومن الذي أوجد الطبيعة وقواها وتفاعلها ؟ وإذا كان مجرد التفاعل كافيا وافيا لإيجاد الحياة ، دون أن تتدخل العناية الإلهية ، فلما ذا عجز علماء الطبيعة أن يصنعوا الحياة في معاملهم ، كما يصنعون أدوات المطبخ وما إليها مع انهم قد حاولوا وأوجدوا ألف تفاعل وتفاعل ، وبعد اليأس أعلنوا ان صنع الحياة أصعب منالا من رجوع الشيخ إلى صباه وطفولته .
ولنسلم جدلا انهم ينجحون في خلق خلية حية ، فهل ينجحون في صنع حشرة تعمل بنظام كما تعمل أتفه الحشرات ؟ ولندع الإنسان ودماغ الإنسان ، والحيوان وعجائبه في خلقه ، ونضرب أمثلة من الحشرات التي ننفر منها ، ونستعمل المبيدات لها . . يقول المتخصصون بدراسة الحشرات :
إن بعضها يعيش في درجة 50 مئوية تحت الصفر ، وبعضها يعيش هذه الدرجة فوق الصغر ، وبعضها يعيش في الهواء السام ، وبعضها في آبار البترول ، ولها نظم متقنة في حياتها وأعمالها ، وإذا اخترع الإنسان الصواريخ والأقمار الصناعية والعقول الإلكترونية فمن المؤكد انه لا يستطيع أن يصنع في المعمل جناح بعوضة ، ولا خلية من جناحها ، فالعقل الانساني عظيم ، ولكن عظمته تصبح عجزا مطلقا أمام القدرة الهائلة التي خلقت بعوضة أو نملة أو نحلة ! ! وكل هذه بديهيات . . ولكن المصيبة الكبرى اننا ننسى فلا ننظر إلى ما في أعماقنا ، إلى مظهر من مظاهر القدرة الإلهية الحكيمة ، فإذا نظرنا ازددنا ايمانا بما هو أكبر ، ومن هو أكبر ، وكل ما نحتاج إليه هو الايمان ، وكل ما يحتاج إليه أيماننا هو العقل ، لأن الايمان بغير عقل كالوجه بلا عينين .
أجل ، نحن بحاجة إلى الايمان بقدرة اللَّه لنفسر بها ما تعجز عن تفسيره عقول العباقرة . . وقد اعترفت هذه العقول بالعجز عن تفسير الحياة بالطبيعة ، والتجأ الكثيرون من أربابها إلى ما وراء الطبيعة ، إلى قدرة حكيمة عليمة يفسرون بها أصل الحياة { ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } . قال اينشتين : ان بصيرتنا الدينية هي المنبع الموجه لبصيرتنا العلمية . وعلَّق الأستاذ توفيق الحكيم على هذا في كتابه فن الأدب بقوله : هذا الاعتراف ولا شك كسب للدين ، فما من أحد فيما مضى - أي منذ قرن من الزمان - يتصور العلماء يقولون عن الدين مثل هذا القول .
ونعلق نحن على قول الحكيم بأن السر الوحيد لاعتراف علماء القرن العشرين من أمثال اينشتين بأن البصيرة الدينية هي الأصل والمنبع للبصيرة العلمية ، ان السر لهذا الاعتراف هو تقدم العلم في هذا القرن ، وتأخره فيما مضى ، وكلما تقدم العلم اكتسب الدين أنصارا من أمثال اينشتين يعترفون بعظمته ، ويؤمنون بأنه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
{ فالِقُ الإِصْباحِ وجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً والشَّمْسَ والْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } . ذكر سبحانه في الآية المتقدمة مثالا على عظمته بوجود الحياة على الأرض ، وذكر في هذه الآية ثلاثة أمثلة سماوية : الأول انه تعالى أخرج الصبح من الليل ، وهو كناية عن وجود النهار الذي يسعى فيه الإنسان لرزقه وتدبير شؤونه . الثاني انه تعالى أوجد الليل الذي يسكن فيه ، ويستريح من العمل بالنهار . الثالث انه سبحانه أوجد الشمس والقمر بمقدار مخصوص من السرعة والبطء بحيث يكون للأرض حركتان : حركة تتم في 24 ساعة ، وعليها مدار حساب الأيام ، وحركة تتم في سنة ، وبها توجد الفصول الأربعة ، وعليها مدار حساب السنة ، قال تعالى : هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً والْقَمَرَ نُوراً وقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسابَ - 5 يونس .
وتسأل : على هذا يكون وجود الليل والنهار نتيجة لدوران الأرض ، فما هو الوجه لاسنادها إلى اللَّه ؟ .
الجواب : لأنه هو خالق السماوات والأرض ، واليه تنتهي الأسباب بكاملها ، وعلى أية حال ، فان المقصود الأول من كل ما جاء في هذه الآيات انه لا شيء من أشياء الكون قد وجد صدفة وجزافا ، وإنما صدر عن عليم حكيم أعطى كل شيء خلقه ، وقدره تقديرا { ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } .
4 – { وهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ والْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } . النجوم هنا ما عدا الشمس والقمر من النيرات ، كما يدل عليه سياق الكلام ، وفي كتاب : القرآن والعلم الحديث ، يقول حجة الفلك في العالم السير جيمس جيننز : انه إذا أردنا أن نعرف مكان بيت في المدينة فإننا نسأل عن اسم الشارع الذي يحتويه ، ثم رقمه ، فيقال رقم كذا بشارع كذا ، وكذلك الحال في النجوم ، فإن منها ما هو معروف بأسماء خاصة . .
وهي أهم علامات يهتدي بها الملاح في سفينته ، والراكب في سيارته ، والمرتحل على دابته ، وكم قوافل في البحر سارت على خريطة السماء ومواقع النجوم عند ما تعطلت البوصلة .
5 – { وهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ ومُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } . والنفس التي نشأ الكل منها هي الإنسان الأول الذي تسلسل منه سائر الناس ، وهو آدم ، وتكلمنا على ذلك مفصلا عند تفسير الآية الأولى من سورة النساء . وذكر الرازي لتفسير قوله تعالى : فمستقر ومستودع ستة أقوال : وأكثر المفسرين على ان المستقر هو استقرار النطفة في أصلاب الذكور ، والمستودع جعلها في أرحام الإناث . . وليس في الآية ما يدل على هذا المعنى ، ولا على واحد من بقية المعاني التي نقلها الرازي .
وروي عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) انه قسّم المؤمن إلى قسمين : مؤمن إيمانا صادقا مستقرا حتى الموت ، وهو الذي تتفق أقواله مع أفعاله ، ومؤمن إيمانا متزلزلا ومستودعا يفارقه قبل الموت ، وهو الذي تخالف أقواله أفعاله { قَدْ فَصَّلْنَا الآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } . ومن لا يفقه ويفهم هذه الدلائل الكونية على عظمة الخالق المبدع فهو من الذين عناهم اللَّه بقوله : {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} .
{ وهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ } . المطر مصدر الماء العذب ، ولولاه لأصبحت الأرض صحراء جرداء خالية من كل أثر للحياة ، وأسند سبحانه انزال الماء إليه لأنه مسبب الأسباب ، منه تبتدئ ، واليه تنتهي مهما امتدت حلقاتها { فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً } ضمير منه يعود إلى النبات ، والمراد بالخضر الغض والطراوة ، أي تتشعب من النبات أغصان غضة طرية . وقيل الخضر هنا بمعنى الأخضر { نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً } ضمير منه يعود إلى الخضر ، أي يخرج من الأغصان سنابل كسنابل القمح ونحوها كثمر الرمان الذي يركب بعض حبوبه بعضا { ومِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ } طلعها بدل اشتمال من النخل بإعادة حرف الجر ، أي ونخرج من طلع النخل قنوانا ، والقنوان جمع قنو بالكسر ، وهو من النخل كالعنقود من العنب ، ودانية سهلة التناول ، أو ان بعضها قريب من بعض لكثرتها .
{ وجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ والزَّيْتُونَ والرُّمَّانَ } . أي ونخرج من النبات هذه الأصناف الثلاثة ، وذكرها سبحانه على سبيل المثال ، ومنها تعرف البواقي { مُشْتَبِهاً وغَيْرَ مُتَشابِهٍ } ان من النبات والشجر ما يشبه بعضه بعضا في الشكل والطعم ، ومنه ما لا يشبه بعضه بعضا فيهما { انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ ويَنْعِهِ } .
أي اعتبروا كيف يخرج الثمر أول ما يخرج صغيرا لا ينتفع به ، ثم ينتقل من حال إلى حال ، حتى يبلغ النضوج ، فيصير لذيذا نافعا {إِنَّ فِي ذلِكُمْ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} . ليس المراد بقوم يؤمنون المؤمنون بالفعل فقط ، بل والذين يستجيبون لدعوة الايمان ، وينتفعون بالدلائل والبينات ، أما أصحاب القلوب المغلقة فيمرون بها مرور البهائم والسوائم .
والخلاصة ان المقصود الأول من هذه الأمثلة الأرضية والسماوية هو التنبه إلى أن أشياء هذا الكون ، وما فيها من إبداع وتدبير - محال أن تأتي صدفة وفلتة في نظر الفطرة والعقل ، فهما يحكمان حكما قاطعا بأن كل ما في الوجود قد صدر عن إرادة وتصميم ، ولحكمة بالغة يعرفها العالم والجاهل ولا شيء أدل على بطلان الصدفة ، كمبدأ ، من تكرار الحادثة الواحدة كلما تكرر سببها .
____________________________
1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 231-235 .
قوله تعالى : {إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى} إلى آخر الآية . الفلق هو الشق . لما انتهى الكلام في الآية السابقة إلى نفي استقلال الأسباب في تأثيرها ، وبطلان كون أربابهم شفعاء من دون الله المؤدي إلى كونهم شركاء لله صرف الكلام إلى بيان أن هذه التي يشتغل بها الإنسان عن ربه ليست إلا مخلوقات لله مدبرة بتدبيره ، ولا تؤثر أثرا ولا تعمل عملا في إصلاح حياة الإنسان وسوقه إلى غايات خلقته إلا بتقدير من الله وتدبير يدبره هو لا غير فهو تعالى الرب دون غيره .
فالله سبحانه هو يشق الحب والنوى فينبت منهما النبات والشجر اللذين يرتزق الناس من حبه وثمره ، وهو يخرج الحي من الميت والميت من الحي ـ وقد مر تفسير ذلك في الكلام على الآية 27 من سورة آل عمران ـ ذلكم الله لا غير فأنى تؤفكون وإلى متى تصرفون من الحق إلى الباطل .
قوله تعالى : {فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً} إلى آخر الآية . الإصباح بكسر الهمزة هو الصبح وهو في الأصل مصدر ، والسكن ما يسكن إليه ، والحسبان جمع حساب ، وقيل : هو مصدر حسب حسابا وحسبانا . وقوله : {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً} عطف على قوله : {فالِقُ الْإِصْباحِ} ولا ضير في عطف الجملة الفعلية على الاسمية إذا اشتملت على معنى الفعل وقرئ : {وجاعل} .
وفي فلق الصبح وجعل الليل سكنا يسكن فيه المتحركات عن حركاتها لتجديد القوى ودفع ما عرض لها من التعب والعي والكلال من جهة حركاتها طول النهار ، وجعل الشمس والقمر بما يظهر من الليل والنهار والشهور والسنين من حركاتهما في ظاهر الحس حسبانا تقدير عجيب للحركات في هذه النشأة المتغيرة المتحولة ينتظم بذلك نظام المعاش الإنساني ويستقيم به أمر حياته ، ولذلك ذيلها بقوله : {ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} فهو العزيز الذي لا يقهره قاهر فيفسد عليه شيئا من تدبيره ، والعليم الذي لا يجهل بشيء من مصالح مملكته حتى ينظمه نظما ربما يفسد من نفسه ولا يدوم بطبعه .
قوله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها} إلى آخر الآية . المعنى واضح والمراد بتفصيل الآيات إما تفصيلها بحسب الجعل التكويني أو تفصيلها بحسب البيان اللفظي .
ولا تنافي بين إرادة مصالح الإنسان في حياته وعيشته في هذه النشأة مما يتراءى لظاهر الحس من حركات هذه الأجرام العظيمة العلوية والكرات المتجاذبة السماوية ، وبين كون كل من هذه الأجرام مرادا بإرادة إلهية مستقلة ومخلوقة بمشية تتعلق بنفسه وتخص شخصه فإن الجهات مختلفة ، وتحقق بعض هذه الجهات لا يدفع تحقق بعض آخر والارتباط والاتصال حاكم على جميع أجزاء العالم .
قوله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} إلى آخر الآية ، قرئ {فَمُسْتَقَرٌّ} بفتح القاف وكسرها وهو على القراءة الأولى اسم مكان بمعنى محل الاستقرار فيكون {مُسْتَوْدَعٌ} أيضا اسم مكان بمعنى محل الاستيداع وهو المكان الذي توضع فيه الوديعة . وقد وقع ذكر المستقر والمستودع في قوله تعالى : {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ} : {هود : 6} وفي الكلام حذف وإيجاز ، والتقدير : فمنكم من هو في مستقر ومنكم من هو في مستودع ، وعلى القراءة الثانية وهي الرجحى {فَمُسْتَقَرٌّ} اسم فاعل ويكون المستودع اسم مفعول لا محالة ، والتقدير فمنكم مستقر ومنكم مستودع لم يستقر بعد .
والظاهر أن المراد بقوله : {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ} انتهاء الذرية الإنسانية على كثرتها وانتشارها إلى آدم الذي يعده القرآن الكريم مبدأ للنسل الإنساني الموجود ، وأن المراد بالمستقر هو البعض الذي تلبس بالولادة من أفراد الإنسان فاستقر في الأرض التي هي المستقر لهذا النوع كما قال تعالى : {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ} [البقرة : 36] والمراد بالمستودع من استودع في الأصلاب والأرحام ولم يولد بعد وسيولد بعد حين فهذا هو المناسب لمقام بيان الآية بإنشاء جميع الأفراد النوعية من فرد واحد ومن الممكن أن يؤخذ مستقر ومستودع مصدرين ميميين .
وقد عبر بلفظ الإنشاء دون الخلق ونحوه وهو ظاهر في الدفعة وما في حكمه دون التدريج ، ويؤيد هذا المعنى أيضا ما تقدم من قوله تعالى : {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها} كما لا يخفى أي يعلم ما استقر منها في الأرض بفعلية التكون {وما هو في طريق التكون مما لم يتكون بالفعل ولم يستقر في الأرض .
فالمعنى : وهو الذي أوجدكم معشر الأناسي من نفس واحدة وعمر بكم الأرض إلى حين فهي مشغولة بكم ما لم تنقرضوا فلا يزال بعضكم مستقرا فيها وبعضكم مستودع في الأصلاب والأرحام أو في الأصلاب فقط في طريق الاستقرار فيها .
وقد أورد المفسرون في الآية معاني أخر كقول بعضهم : إن المراد من إنشائهم من نفس واحدة خلقهم من نوع واحد من النفس وهو النفس الإنسانية {أو إن المراد هو الإنشاء من نوع واحد من التركيب النفسي والبدني ، وهو الحقيقة الإنسانية المؤلفة من نفس وبدن إنسانيين .
وكقول بعضهم : إن المراد بالمستقر الأرحام وبالمستودع الأصلاب وقول بعض آخر : إن المستقر الأرض والمستودع القبر ، وقول بعض آخر : إن المستقر هو الرحم والمستودع الأرض أو القبر ، وقول بعض آخر : إن المستقر هو الروح والمستودع هو البدن ، إلى غير ذلك من أقاويلهم التي لا كثير جدوى في التعرض لها .
قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً} إلى آخر الآية . السماء هي جهة العلو فكلما علاك وأظلك فهو سماء ، والمراد بقوله : {فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ} على ما قيل ، فأخرجنا بالماء الذي أنزلناه من السماء النبات والنمو الذي في كل شيء نام له قوة النبات من الكمون إلى البروز ، أي أنبتنا به كل شيء نباتي كالنجم والشجر والإنسان وسائر الحيوان .
والخضر هو الأخضر وكأنه مخفف الخاضر ، وتراكب الحب انعقاد بعضه فوق بعض كما في السنبلة ، والطلع أول ما يبدو من ثمر النخل ، والقنوان جمع قنو وهو العذق بالكسر وهو من التمر كالعنقود من العنب ، والدانية أي القريبة ، والمشتبه وغير المتشابه المشاكل وغير المشاكل في النوع والشكل وغيرهما . وينع الثمر نضجه .
وقد ذكر الله سبحانه أمورا مما خلقه لينظر فيها من له نظر وبصيرة فيهتدي بالنظر فيها إلى توحيده ، وهي أمور أرضية كفلق الحبة والنواة ونحو ذلك ، وأمور سماوية كالليل والصبح والشمس والقمر والنجوم ، وأمر راجع إلى الإنسان نفسه وهو إنشاء نوعه من نفس واحدة فمستقر ومستودع ، وأمور مؤلفة من الجميع كإنزال المطر من السماء وتهيئة الغذاء من نبات وحب وثمر وإنبات ما فيه قوة النمو كالنبات والحيوان والإنسان من ذلك .
وقد عد النجوم آية خاصة بقوم يعلمون ، وإنشاء النفوس الإنسانية آية خاصة بقوم يفقهون ، وتدبير نظام الإنبات آية لقوم يؤمنون والمناسبة ظاهرة فإن النظر في أمر النظام أمر بسيط لا يفتقر إلى مئونة زائدة بل يناله الفهم العادي بشرط أن يتنور بنصفة الإيمان ولا يتلطخ بقذارة العناد واللجاج ، وأما النظر في النجوم والأوضاع السماوية فمما لا يتخطى العلماء بهذا الشأن ممن يعرف النجوم ومواقعها وسائر الأوضاع السماوية إلى حد ما ولا يناله الفهم العام العامي إلا بمئونة : وأما آية الأنفس فإن الاطلاع عليها وعلى ما عندها من أسرار الخلقة يحتاج مضافا إلى البحث النظري إلى مراقبة باطنية وتعمق شديد وتثبت بالغ وهو الفقه .
_____________________ ______
1. تفسير الميزان ، ج7 ، ص 244-247 .
قال تعالى : {إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الأنعام : 95-96] .
فالق الإصباح :
مرّة أخرى يوجه القرآن الخطاب إلى المشركين ، ويشرح لهم دلائل التوحيد في عبارات جذابة وفي نماذج حية من أسرار الكون ونظام الخلق وعجائبه .
في الآية الأولى يشير إلى ثلاثة أنواع من عجائب الأرض ، وفي الآية الثّانية يشير إلى ثلاثة من الظّواهر السماوية .
يقول القرآن الكريم أوّلا : {إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى} .
«الفلق» شقّ الشيء وإبانة بعضه عن بعض (2) .
و «الحب» و «الحبة» تقال لأنواع الحبوب الغذائية كالحنطة والشعير ونحوهما من المطعومات التي تحصد ، كما يقال ذلك لبروز الرياحين أيضا (3) .
و «النوى» من النّواة ، قيل إنّه يخص نوى التمر ، ولعل هذا يرجع إلى كثرة التمر في بيئة العرب حتى كان العربي ينصرف ذهنه إلى نوى التمر إذا سمع هذه الكلمة .
ولننظر الآن إلى ما يمكن في هذا التعبير : ينبغي أن نعلم أنّ أهم لحظة في حياة الحبّة والنّوى هي لحظة الفلق ، وهي أشبه بلحظة ولادة الطفل وانتقاله من عالم إلى عالم آخر ، إذ في هذه اللحظة يحصل أهم تحول في حياته .
وممّا يلفت الانتباه أنّ الحبّة والنّواة غالبا ما تكونان صلبتين ، فنظرة إلى نوى التمر والخوخ وأمثالهما ، وإلى بعض الحبوب الصلبة ، تكشف لنا أنّ تلك النطفة الحياتية التي هي في الواقع صغيرة ، محصنة بقلعة مستحكمة تحيط بها من كل جانب ، وانّ يد الخالق قد أعطت لهذه القلعة العصية على الاختراق خاصية التسليم والليونة أمام اختراق نطفة النبات ، كما منحت النطفة قوة اندفاع تمكنها من فلق جدران قلعتها فتطلع النبتة بقامتها المديدة ، هذه حقّا حادثة عجيبة في عالم النبات لذلك يشير إليها القرآن على أنّها من دلائل التوحيد .
ثمّ يقول : {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ} .
يتكرر هذا التعبير كثيرا في القرآن مشيرا إلى نظام الموت والحياة وتبديل هذا بذاك ، فمرّة ترى الحياة تنبعث من مواد جامدة لا روح فيها في أعماق المحيطات ومجاهل الغابات والصحارى ، فيخلق من تركيب مواد كل واحدة منها سم قاتل مواد حيوية ، وأحيانا ترى العكس ، فبإجراء تغيير بسيط على كائنات حية قوية مفعمة بالحياة تراها قد تحولت إلى كائن لا حياة فيه .
إنّ موضوع الحياة والموت بالنسبة للكائنات الحية من أعقد المسائل التي لم تستطيع العلوم البشرية الوصول إلى كنه حقيقتها ورفع الستار عن أسرارها لتخطو إلى أعماق مجهولاتها ، ولتعرف كيف يمكن لعناصر الطبيعة وموادها الجامدة أن تطفر طفرة عظيمة فتتحول إلى كائنات حية .
قد يأتي ذلك اليوم الذي يستطيع فيه الإنسان أن يصنع كائنا حيا باستخدام التركيبات الطبيعية المختلفة وتحت ظروف معقدة خاصّة ، وبطريقة تركيب أجزاء مصنعة ، كما يفعلون بالمكائن والأجهزة ، غير أن قدرة البشر «المحتملة» في المستقبل لا تستطيع أن تقلل من أهمية مسألة الحياة وتعقيداتها التي تبدأ من المبدع القادر .
لذلك نجد القرآن ـ وفي معرض إثبات وجود الله ـ كثيرا ما يكرر هذا الموضوع ، كما يستدل أنبياء عظام كإبراهيم وموسى ـ على وجود مبدأ قادر حكيم بمسألة الحياة والموت لإقناع جبابرة طغاة مثل نمرود وفرعون .
يقول إبراهيم لنمرود : {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة : 258] ، ويقول موسى لفرعون : {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى} [طه : 53] .
ينبغي ألّا ننسى أنّ ظهور الحي من الميت لا يختص في بداية ظهور الحياة على الأرض فقط ، بل يحدث هذا في كل وقت بانجذاب الماء والمواد الأخرى إلى خلايا الكائنات الحية ، فتكتسي كائنات غير حية بلباس الحياة ، وعليه فإنّ القانون الطبيعي السائد اليوم والقائل بأنّه لا يمكن في الظروف الحالية التي تسود الأرض لأي كائن غير حي أن يتحول إلى كائن حي ، وحيثما وجد كائن حي فثمّة بذرة حية وجد منها هو قانون لا يتعارض مع ما قلناه ، (فتأمل بدقّة) !
ويستفاد من روايات أئمّة أهل البيت عليهم السلام في تفسير هذه الآية والآيات المشابهة لها ، أنّ ذلك يشمل الحياة والموت الماديين كما يشمل الحياة والموت المعنويين أيضا (4) فثمّة مؤمنون ولدوا لآباء غير مؤمنين ، وآخرون مفسدون وأشرار ولدوا لآباء من المتقين الأخيار ، ناقضين قانون الوراثة بإرادتهم واختيارهم .
وهذا بذاته دليل آخر على عظمة الخلاق الذي أعطى الإنسان هذه القدرة والإرادة .
النقطة الأخرى التي ينبغي الالتفات إليها هي أنّ «يخرج» الفعل المضارع و «مخرج» اسم الفاعل ، يدلان على الاستمرار ، أي أنّ نظام ظهور الحي من الميت وظهور الميت من الحي نظام دائم وعام في عالم الخلق .
وفي ختام الآية توكيد للموضوع : {ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} أي هذا هو ربّكم وهذه هي قدرته وعلمه اللامتناهي ، فكيف بعد هذا تنحرفون عن الحق وتميلون إلى الباطل؟ {ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} وفي الآية الثّانية يشير القرآن إلى ثلاث نعم سماوية : فيقول أولا : {فالِقُ الْإِصْباحِ} وذكرنا ، أنّ «الفلق» هو شقّ الشيء وإبانة بعضه عن بعض ، و «الإصباح» و «الصبح» بمعنى واحد .
إنّه تعبير رائع ، فظلام الليل قد شبه بالستارة السميكة التي يشقها نور الصباح شقا ، وهذه الحالة تنطبق على الصبح الصادق والصبح الكاذب كليهما ، لأنّ الصبح الكاذب هو الضوء الخفيف الذي يظهر في آخر الليل عند المشرق على هيئة عمود ، وكأنّه شق يبدأ من الشرق نحو الغرب في قبة السماء المظلمة ، والصبح الصادق هو الذي يلي ذلك على هيئة شريط أبيض لامع جميل يظهر عند امتداد الأفق الشرقي ، وكأنّه يشق عباب الليل الأسود من الأسفل ممتدا من الجنوب إلى الشمال ، متقدما في كل الأطراف حتى يغطي السماء كلها شيئا فشيئا .
كثيرا ما يشير القرآن إلى نعمتي النّور والظلام والليل والنهار ، ولكنّه هنا يتناول «طلوع الصبح» كنعمة من نعم الله الكبرى ، فنحن نعرف أنّ هذه الظاهرة تحدث لوجود جو الأرض ، ذلك الغلاف الضخم من الهواء الذي يحيط بالأرض ، فلو كانت الأرض ـ مثل القمر ـ عديمة الجو ، لما كان هناك «طلوعان» ولا «فلق» ولا «إصباح» ، ولا «غسق» ولا «شفق» بل كانت الشمس تبزغ فجأة ، بدون أية مقدمات ولسطع نورها في العيون التي اعتادت على ظلام الليل ولم تكد تفارقه ، وعند الغروب تختفي فجأة ، وتعم الظلمة الموحشة في لحظة واحدة كل الأرجاء ، غير أنّ الجو الموجود حول الأرض والمؤدي إلى حصول فترة فاصلة بين ظلام الليل وضياء النهار عند طلوع الشمس وغروبها يهيئ الإنسان تدريجيا لتقبل هذين الاختلافين المتضادين والانتقال من الظلمة إلى النّور ، ومن النّور إلى الظلمة ، شيئا فشيئا ، بحيث إنّه يستطيع أن يتحمل كل منهما ، فنحن نشعر بالانزعاج إذا كنّا في غرفة مضاءة وانطفأت الأنوار فجأة وعم الظلام ، ثمّ إذا استمر الظلام ساعة ، وعاد النّور مرّة أخرى فجأة ، عادت معها حالة الانزعاج بسبب سطوع الضوء المفاجئ الذي يؤلم العين ويجعلها غير قادرة على رؤية الأشياء ، وإذا ما تكرر هذا الأمر فإنّه لا شك سيؤذي العين ، غير أنّ {فالِقُ الْإِصْباحِ} قد جنب الإنسان هذا الأذى بطريقة رائعة (5) .
ولكيلا يظن أحد أنّ فلق الصبح دليل على أنّ ظلال الليل أمر غير مطلوب وأنّه عقاب أو سلب نعمة ، يبادر القرآن إلى القول : {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً} .
من الأمور المسلم بها أنّ الإنسان يميل خلال انتشار النّور والضياء إلى العمل وبذل الجهد ، ويتجه الدم نحو سطح الجسم وتتهيأ العضلات للفعالية والنشاط ، ولذلك لا يكون النوم في الضوء مريحا ، بل يكون أعمق وأكثر راحة كلما كان الظلام أشد ، حيث يتجه الدم فيه نحو الداخل ، وتدخل الخلايا عموما في نوع من السكون والراحة ، لذلك نجد في الطبيعة أنّ النوم في الليل لا يقتصر على الحيوانات فقط ، بل إنّ النباتات تنام في الليل أيضا ، وعند بزوغ خيوط الصباح الأولى تشرع بفعاليتها ونشاطها ، بعكس الإنسان في هذا العصر الآلي ، فهو يبقى مستيقظا إلى ما بعد منتصف الليل ، ثمّ يظل نائما حتى بعد ساعات من طلوع الشمس ، فيفقد بذلك نشاطه وسلامته .
في الأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السلام نجد التأكيد على ما ينسجم مع هذا التنظيم ، من ذلك ما جاء في نهج البلاغة عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال يوصي أحد قواده « . . . ولا تسر أوّل الليل فإنّ الله جعله سكنا وقدره مقاما لا ضعنا ، فارح فيه بدنك وروح ظهرك» (6) .
وفي حديث عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : «تزوج بالليل فإنّه جعل الليل سكنا» (7) .
وفي كتاب الكافي عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام أنّه كان يأمر بعدم ذبح الذبائح في الليل وقبل طلوع الفجر ، وكان يقول : «إنّ الله جعل الليل سكنا لكل شيء» (8) .
ثمّ يشير الله تعالى إلى الثالثة من نعمه ودلائل عظمته بجعل الشمس والقمر وسيلة للحساب : {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً} .
«الحسبان» بمعنى الحساب ، ولعل القصد منه أنّ الدوران المنظم لهاتين الكرتين السماويتين وسيرهما الدائب (المقصود طبعا حركتها في أنظارنا وهي الناشئة عن حركة الأرض) عون لنا على وضع مناهجنا الحياتية المختلفة وفق مواعيد محسوبة ، كما ذكرنا في التّفسير .
يرى بعض المفسّرين أنّ الآية تريد أن تقول إن هاتين الكرتين السماويتين تتحركان في السماء وفق حساب وبرنامج ونظام .
وعليه فهي في الحالة الأولى إشارة إلى إحدى نعم الله على الإنسان ، وفي الحالة الثّانية إشارة إلى واحد من أدلة التوحيد وإثبات وجود الخالق ، ولعلها إشارة إلى كلتيهما .
على كل حال ، إنّه لموضوع مهم جدّا أن تكون الأرض منذ ملايين السنين تدور حول الشمس والقمر يدور حول الأرض ، وبذلك تنتقل الشمس في أنظارنا من برج إلى برج بين الأبراج الفلكية الاثنتي عشرة ، والقمر يدور في حركته المنتظمة من الهلال حتى المحاق ، أنّ حساب هذا الدوران من الدقة والضبط بحيث إنّه لا يتقدم ولا يتأخر لحظة واحدة ، ولو لاحظنا أنّ الأرض تدور حول الشمس في مدار بيضوي معدل شعاعه 150 ـ مليون كيلومتر ضمن جاذبية الشمس العظيمة ، والقمر الذي يدور كل شهر حول الأرض في مدار شبه دائرة شعاعه نحو 374 ألف كيلومتر ولا يخرج من جاذبية الأرض العظيمة ، فهو دائم الانجذاب نحوها ، عندئذ يمكن أن ندرك مدى التعادل الدقيق بين قوة الجذب بين هذه الأجرام السماوية من جهة ، والقوة الطاردة عن مراكزها (القوة المركزية) من جهة أخرى ، بحيث لا يمكن أنّ تتوقف لحظة واحدة أو تختلف قيد شعرة .
وهذا ما لا يمكن أن يكون إلّا في ظل علم وقدرة لا نهائيتين يضعان تخطيطه وينفذانه بدقّة ، لذلك تنتهي الآية بقولها : {ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} .
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأنعام : 97] .
بعد شرح نظام دوران الشمس والقمر في الآية السابقة ، تشير هذه الآية إلى نعمة أخرى من نعم الله على البشر ، فجعل النجوم ليهتدي بها الإنسان في ليالي البر والبحر : {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} .
وتختتم الآية بالقول بأنّ الله قد بين آياته لأهل الفكر والفهم والإدراك : و {قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} .
منذ آلاف السنين والإنسان يعرف النجوم في السماء ونظامها ، وعلى الرغم من تقدم البشر في هذا المضمار تقدما كبيرا ، فإنّه ما يزال يتابع وضع النجوم قليلا أو كثيرا ، بحيث كانت له هذه النجوم خير وسيلة لمعرفة الاتجاه في الأسفار البرية والبحرية ، وعلى الأخص في المحيطات الواسعة التي كانت تخلو من كل إمارة تشير إلى الاتجاه قبل اختراع الإسطرلاب .
إنّ النجوم هي التي هدت ملايين البشر وأنقذتهم من الغرق وأوصلتهم إلى بر السلامة .
لو تطلعنا إلى السماء عدّة ليال متوالية لانكشف لنا أنّ مواضع النجوم في السماء متناسقة في كل مكان ، وكأنّها حبات لؤلؤ خيطت على قماش أسود ، وإنّ هذا القماش يسحب باستمرار من الشرق إلى الغرب ، وكلها تتحرك معه وتدور حول محور الأرض دون أن تتغير الفواصل بينها ، إنّ الاستثناء الوحيد في هذا النظام هو عدد من الكواكب التي تسمى بالكواكب السيارة لها حركات مستقلة وخاصّة ، وعددها ثمانية : خمسة منها ترى بالعين المجرّدة ، وهي (عطارد والزهرة ، وزحل ، والمريخ والمشتري) وثلاثة لا ترى إلّا بالتلسكوب وهي (أورانوس ونبتون وپلوتو) بالإضافة إلى كوكب الأرض التي تجعل المجموع تسعة .
ولعل إنسان ما قبل التّأريخ كان يعرف شيئا عن «الثوابت» و «السيارات» لأنّه لم يكن هناك ما يمكن أن يجلب انتباهه أكثر من السماء المرصعة بالنجوم في ليلة ظلماء ، فلا يستبعد أن يكون هو أيضا قد استخدم النجوم في الاستهداء ومعرفة الاتجاه .
يستفاد من بعض روايات أهل البيت عليهم السلام أنّ لهذه الآية تفسيرا آخر ، وهو أنّ المقصود بالنجوم القادة الإلهيين والهداة إلى طريق السعادة ، أي الأئمّة الذين يهتدي بهم الناس في ظلام الحياة فينجون من الضياع ، وسبق أن قلنا أنّ هذه التفاسير المعنوية لا تتنافى مع التفاسير الظاهرية ، ومن الممكن أن تقصد الآية كلا التفسيرين (9) .
{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام : 98-99] .
هاتان الآيتان تتابعان دلائل التوحيد ومعرفة الله ، والوصول إلى هذا الهدف يأخذ القرآن بيد الإنسان ويسيح به في آفاق العالم البعيدة وقد يسير به في داخل ذاته ويبيّن له آثار الله في جسمه وروحه ، فيتيح له أن يرى الله في كل مكان .
فيبدأ بالقول : {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ} .
أي أنّكم ، على اختلاف ملامحكم وأذواقكم وأفكاركم والتباين الكبير في مختلف جوانب حياتكم ، قد خلقتم من فرد واحد ، وهذا دليل على منتهى عظمة الخالق وقدرته التي أوجدت من المثال الأوّل كل هذه الوجوه المتباينة .
وجدير بالملاحظة أنّ هذه الآية تعبر عن خلق الإنسان بالإنشاء ، والكلمة لغويا تعني الإيجاد والإبداع مع التربية ، أي أنّ الله قد خلقكم وتعهد بتربيتكم ، ومن الواضح أنّ الخالق الذي يخلق شيئا ثمّ يهمله لا يكون قد أبدى قدرة فائقة ، ولكنّه إذا استمر في العناية بمخلوقاته وحمايتها ، ولم يغفل عن تربيتها لحظة واحدة ، عندئذ يكون قد أظهر حقّا عظمته وسعة رحمته .
بهذه المناسبة ينبغي ألا نتوهّم من قراءة هذه الآية ، أنّ أمّنا الأولى حواء قد خلقت من آدم (كما جاء في الفصل الثّاني من سفر التكوين من التّوراة) ، ولكن آدم وحواء خلقا من تراب واحد ، وكلاهما من جنس واحد ونوع واحد ، لذلك قال : إنّهما خلقا من نفس واحدة ، وقد بحثنا هذا الموضوع في بداية تفسير سورة النساء .
ثمّ يقول : إنّ فريقا من البشر «مستقر» وفريقا آخر «مستودع» {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} .
«المستقر» أصله من «القر» (بضم القاف) بمعنى البرد ، ويقتضي السكون والتوقف عن الحركة ، فمعنى «مستقر» هو الثابت المكين .
و «مستودع» من «ودع» بمعنى ترك ، كما تستعمل بمعنى غير المستقر والوديعة هي التي يجب أن تترك عند من أودعت عنده لتعود إلى صاحبها .
يتّضح من هذا الكلام أنّ الآية تعني أنّ الناس بعض «مستقر» أي ثابت ، وبعض «مستودع» أي غير ثابت ، أمّا المقصود من هذين التعبيرين ، فالكلام كثير بين المفسّرين ، وبعض التفاسير تبدو أقرب إلى الآية كما أنّها لا تتعارض فيما بينها .
من هذه التفاسير القول بأنّ «مستقر» صفة الذين كمل خلقهم ودخلوا «مستقر الرحم» أم مستقر وجه الأرض ، و «المستودع» صفة الذين لم يكتمل خلقهم بعد وإنّما هو ما يزالون نطفا في أصلاب آبائهم .
تفسير آخر يقول : إنّ «مستقر» إشارة إلى روح الإنسان الثابتة والمستقرة ، و «مستودع» إشارة إلى جسم الإنسان الفاني غير الثابت .
وقد جاء في بعض الرّوايات تفسير معنوي بهذين التعبيرين ، وهو أنّ «مستقر» تعني الذين لهم إيمان ثابت «ومستودع» تعني من لم يستقر إيمانه (10) .
وثمّة احتمال أن يكون هذان التعبيران إشارة إلى الجزئين الأولين في تركيب نطفة الإنسان ، إنّ النطفة ـ كما نعلم ـ تتركب من جزئين : الأوّل هو «البويضة» من الأنثى ، والثاني هو «الحيمن» أو «المني» من الذكر ، أنّ البويضة في رحم الأنثى تكان تكون مستقر ، ولكن حيمن الذكر حيوان حي يتحرك بسرعة نحوها ، وما أن يصل أوّل حيمن إلى البويضة حتى يمتزج بها و «يخصبها» ويصد (الحيامن) الأخرى ، ومن هذين الجزئين تتكون بذرة الإنسان الأولى .
وفي ختام الآية يعود فيقول : {قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} .
عند الرجوع إلى كتب اللغة يتبيّن لنا أنّ «الفقه» ليس كل معرفة أو فهم ، بل هو التوصل إلى علم غائب بعلم حاضر (11) ، وبناء على ذلك فالهدف من التمعن في خلق الإنسان واختلاف أشكاله وألوانه ، هو أن يتوصل المرء المدقق من معرفة الخلق إلى معرفة الخالق .
الآية الثانية هي آخر آية في هذه المجموعة التي تكشف لنا عن عجائب عالم الخلق وتهدينا إلى معرفة الله بمعرفة مخلوقاته .
في البداية تشير الآية إلى واحدة من أهم نعم الله التي يمكن أن تعتبر النعمة الأم وأصل النعم الأخرى ، وهي ظهور النباتات ونموها بفضل النعمة التي نزلت من السماء : {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً} .
وإنّما قال (من السماء) لأنّ سماء كل شيء أعلاه ، فكل ما في الأرض من مياه العيون والآبار والأنهار والقنوات وغيرها منشؤها الأمطار من السماء ، وقلّة الأمطار تؤثر في كمية المياه في تلك المصادر كلها ، وإذا استمر الجفاف جفّت تلك المنابع ، أيضا .
ثمّ تشير إلى أثر نزول الأمطار البارز : {فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ} .
يرى المفسّرون احتمالين في المقصود من {نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ} .
الأوّل : إنّ المقصود من ذلك كل أنواع النباتات وأصنافها التي تسقى من ماء واحد ، وتنبت في أرض واحدة وتتعذى من تربة واحدة ، وهذه واحدة من عجائب الخلق ، كيف تخرج كل هذه الأصناف من النباتات بأشكالها وألوانها وأثمارها المختلفة والمتباينة أحيانا من أرض واحدة وماء واحد!
والاحتمال الثّاني : هو أنّ النباتات يحتاج إليها كل مخلوق آخر من حشرات وطيور وحيوانات في البحر والبر ، وانّه لمن العجيب أنّ الله تعالى يخرج من أرض واحدة وماء واحد الغذاء الذي يحتاجه كل هؤلاء ، وهذا من روائع الأعمال المعجزة كأنّ يستطيع أحد أن يصنع من مادة معينة في المطبخ آلاف الأنواع من الأطعمة لآلاف الأذواق والأمزجة .
والأعجب من كل هذا أنّ نباتات الصحراء واليابسة ليست وحدها التي تنمو ببركة ماء المطر ، بل إنّ النباتات المائية الصغيرة التي تطفو على سطح البحر وتكون غذاء للأسماك تنمو بأشعة الشمس وقطرات المطر .
ولا أنسى ما قاله أحد سكّان المدن الساحلية وهو يشكو قلّة الصيد في البحر ، ويذكر سبب ذلك بأنّه الجفاف وقلّة نزول المطر ، فكان يعتقد أنّ قطرات المطر في البحار أشد تأثيرا منها في اليابسة .
ثمّ تشرح الآية ذلك وتضرب مثلا ببعض النباتات التي تنمو بفضل الماء ، فتذكر أنّ الله يخرج بالماء سيقان النباتات الخضر من الأرض ، ومن تلك الحبّة الصلبة يخلق الساق الأخضر الطري اللطيف الجميل بشكل يعجب الناظرين :
{فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً} (12) .
ومن ذلك الساق الأخضر أخرجنا الحبّ متراصفا منظما : {نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً} (13) .
وكذلك بالماء نخرج من النخل طلعا مغلقا ، ثمّ يتشقق فتخرج الاعذاق بخيوطها الرفيعة الجميلة تحمل حبات التمر ، فتتدلى من ثقلها : {وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ} .
«الطلع» هو عذق التمر قبل أن ينفتح غلافه الأخضر ، وإذ ينفتح الطلع تخرج منه أغصان العذق الرفيعة ، وهي القنوان ومفردها قنو .
و «دانية» أي قريبة ، وقد يكون ذلك إشارة إلى قرب أغصان العذق من بعضها ، أو إلى أنّها تميل نحو الأرض لثقلها .
وكذلك بساتين فيها أنواع الأثمار والفواكه : {وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ} .
ثمّ تشير الآية إلى واحدة أخرى من روائع الخلق في هذه الأشجار والأثمار ، فتقول : {مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ} .
انظر تفسير الآية (141) من هذه السورة في شرح المتشابه وغير المتشابه للزّيتون والرّمان (14) .
إنّ شجرتي الرمان والزيتون متشابهتان من حيث الشكل الخارجي وتكوين الأغصان وهيئة الأوراق تشابها كبيرا ، مع أنّهما من حيث الثمر وطعمه وفوائده مختلفتان ، ففي الزيتون مادة زيتية قوية الأثر ، وفي الرمان مادة حامضية أو سكرية ، فهما متباينان تماما ، ومع ذلك فقد تزرع الشجرتان في أرض واحدة ، وتشربان من ماء واحد ، فهما متشابهان وغير متشابهين في آن واحد .
ومن المحتمل أنّ تكون الإشارة إلى أنواع مختلفة من أشجار الفاكهة التي يتشابه بعضها في الشجر وفي الثمر ، ويختلف بعضها عن الآخر في ذلك ، (أي أنّ كل واحدة من هاتين الصفتين تختص بمجموعة من الأشجار والأثمار ، أمّا حسب التّفسير الأوّل ، فإنّ الصفتين لشيء واحد) .
ثمّ تركز الآية من بين مجموع اجزاء شجرة على ثمرة الشجرة وعلى تركيب الثمرة إذا أثمرت ، وكذلك على نضج الثمرة إذا نضجت ، ففيها دلائل واضحة على قدرة الله وحكمته للمؤمنين من الناس : {انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} .
ما نقرؤه اليوم في علم النبات عن كيفية طلوع الثمرة ونضجها يكشف لنا عن الأهمية الخاصّة التي يوليها القرآن للأثمار ، إذ إنّ ظهور الثمرة في عالم النبات أشبه بولادة الأبناء في عالم الحيوان ، فنطفة الذكر في النبات تخرج من أكياس خاصّة بطرق مختلفة (كالرياح أو الحيوانات) وتحط على القسم الأنثوي في النبات ، وبعد التلقيح والتركيب تتشكل البيضة الملقحة الأولى ، وتحيط بها مواد غذائية مشابهة لتركيبها ، أنّ هذه المواد الغذائية تختلف من حيث التركيب وكذلك من حيث الطعم والخواص الغذائية والطبية . فقد تكون ثمرة (مثل العنب والرمان) فيها مئات من الحبّ ، كل حبّة منها تعتبر جنينا وبذرة لشجرة أخرى ، ولها تركيب معقد عجيب .
إنّ شرح بنية الأثمار والمواد الغذائية والطبية خارج عن نطاق هذا البحث ، ولكن من الحسن أنّ نضرب مثلا بثمرة الرمان التي أشار إليها القرآن على وجه الخصوص في هذه الآية .
إذا شققنا رمانة وأخذنا إحدى حباتها نظرنا خلالها باتجاه الشمس أو مصدر ضوء آخر نجدها تتألف من أقسام أصغر ، وكأنّها قوارير صغيرة مملوءة بماء الرّمان قد رصفت الواحدة إلى جنب الأخرى . ففي حبّة الرمان الواحدة قد تكون المئات من هذه القوارير الصغيرة جدا ، يجمع أطرافها غشاء رقيق هو غشاء حبّة الرمان الشفاف ، ثمّ لكي يكون هذا التغليف أكمل وأمتن وأبعد عن الخطر ركّب عدد من الحبات على قاعدة في نظام معين ، ولفت في غلاف أبيض سميك بعض الشيء ، وبعد ذلك يأتي القشر الخارجي للرمانة ، يلف الجميع ليحول دون نفوذ الهواء والجراثيم ، ولمقاومة الضربات ولتقليل تبخر ماء الرمان في الحبات إلى أقل حدّ ممكن .
إنّ هذا الترتيب في التغليف لا يقتصر على الرمان ، فهناك فواكه أخرى ـ مثل البرتقال والليمون ـ لها تغليف مماثل ، أمّا في الأعناب والرمان فالتغليف أدق وألطف .
ولعل الإنسان حذا حذو هذا التغليف عند ما أراد نقل السوائل من مكان إلى مكان ، فهو يصف القناني الصغيرة في علبة ويضع بينها مادة لينة ، ثمّ يضع العلب الصغيرة في علب أكبر ويحمل مجموعها إلى حيث يريد .
وأعجب من ذلك استقرار حبات الرمان على قواعدها الداخلية وأخذ كل منها حصتها من الماء والغذاء وهذا كله ممّا نراه بالعين ، ولو وضعنا ذرات هذه الثمرة تحت المجهر لرأينا عالما صاخبا وتراكيب عجيبة مدهشة محسوبة بأدق حساب .
فكيف يمكن لعين باحثة عن الحقيقة أن تنظر إلى هذه الثمرة ثمّ تقول : إنّ صانعها لا يملك علما ولا معرفة!!
إنّ القرآن إذ يقول {انْظُرُوا} إنّما يريد هذه النظرة الدقيقة إلى هذا القسم من الثمرة للوصول إلى هذه الحقائق .
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن المراحل المتعددة التي تمر بها الثمرة منذ تولّدها حتى نضجها تثير الانتباه ، لأنّ «المختبرات» الداخلية في الثمرة لا تنفك عن العمل في تغيير تركيبها الكيمياوي إلى أن تصل إلى المرحلة النهائية ويثبت تركيبها الكيمياوي النهائي ، أنّ كل مرحلة من هذه المراحل دليل على عظمة الخالق وقدرته .
ولكن لا بدّ من القول ـ بحسب تعبير القرآن ـ إنّ المؤمنين الذين يمعنون النظر في هذه الأمور هم الذين يرون هذه الحقائق ، وإلّا فعين العناد والمكابرة والإهمال والتساهل لا يمكن أن ترى أدنى حقيقة .
___________________________
1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 159-172 .
2. الراغب الأصفهاني (المفردات) ، ص 385 .
3. المصدر نفسه ، ص 105 .
4. أصول الكافي ، ج 2 ، باب (طينة المؤمن الكفار) ، تفسير البرهان ، ج 1 ، ص 543 .
5. يقول علماء الفلك : يبدأ طلوع الصبح عند ما تصل الشمس إلى 18 ـ درجة قبل الأفق الشرقي ، ويعم الظلام كل شيء ويختفي الشفق عند ما تصل إلى 18 ـ درجة تحت الأفق الغربي .
6. تفسير الصافي في تفسير الآية .
7. المصدر السابق .
8. المصدر السّابق .
9. تفسير نور الثقلين ، ج 1 ، ص 750 .
10. تفسير نور الثقلين ، ج 1 ، ص 750 .
11. مفردات الراغب ، ص 385 .
12. كلمة «أخضر» تشمل كل أخضر في النبات ، حتى براعم الأشجار ، ولكن بما إنّها متبوعة مباشرة بالحب المتراكب فالمقصود في الآية هو زراعة الحبوب .
13. «المتراكب» من الركوب وما ركب بعضه بعضا ، وأكثر الحبوب بهذا الشكل .
14. يقول الراغب في مفرداته : إنّ «مشتبها» و «متشابها» بمعنى يكاد يكون واحدا .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|