المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16420 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تفاعل انتقال الأسترة بوجود الإيثانول Transesterification with Ethanol
2024-05-13
تفاعل انتقال الأسترة بوجود الميثانول Transesterification with Methanol
2024-05-13
استخلاص زيت الشي
2024-05-13
استخلاص زيت مخلفات الدجاج
2024-05-13
تخزين ثمار الزيتون
2024-05-13
مواصفات تقييم (الوقود الحيوي) Bio Fuel Characterization
2024-05-13

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير آية (56-58) من سورة الانعام  
  
2416   05:28 مساءً   التاريخ: 9-6-2021
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأنعام /

قال تعالى : {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ} [الأنعام : 56 - 58] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [الأنعام : 56] .

أمر الله سبحانه نبيه ، بأن يظهر البراءة مما يعبدونه ، فقال : {قُلْ} يا محمد {إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} يعني : الأصنام التي تعبدونها ، وتدعونها آلهة . {قُلْ} يا محمد {لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ} في عبادتها أي : إنما عبدتموها على طريق الهوى ، لا على طريق البينة والبرهان ، عن الزجاج . وقيل : معناه : لا أتبع أهواءكم في طرد المؤمنين {قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا} أي : إن أنا فعلت ذلك ، عن ابن عباس {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} الذين سلكوا سبيل الدين . وقيل : معناه وما أنا من المهتدين النبيين الذين سلكوا طريق الهدى .

 

- {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ * قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ} [الأنعام : 56 - 58] .

 

لما أمر النبي (صلَّ الله عليه وآله وسلم) بأن يتبرأ مما يعبدونه ؟ عقب ذلك سبحانه بالبيان ، أنه على حجة من ذلك ، وبينة ، وأنه لا بينة لهم ، فقال : {قل} يا محمد لهؤلاء الكفار {إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} أي : على أمر بين ، لا متبع لهوى ، عن الزجاج . وقال الحسن : البينة : النبوة أي : على نبوة من جهة ربي . وقيل : على حجة من معجزة دالة على نبوتي ، وهي القران ؟ عن الجبائي . وقيل : على يقين من ربي ، عن ابن عباس .

{وَكَذَّبْتُمْ بِهِ} أي : بما أتيتكم به من البيان يعني القرآن {مَا عِنْدِي} أي : ليس عندي {مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} قيل : معناه الذي تطلبونه من العذاب ، كانوا يقولون يا محمد آتنا بالذي تعدنا ، وهذا كقوله {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} [الحج : 47] ، عن ابن عباس والحسن . وقيل : هي الآية التي اقترحوها عليه استعجلوه بها ، فأعلم الله تعالى أن ذلك عنده ، فقال : {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} بريد أن ذلك عند ربي . وعن ابن عباس : يعني ليس الحكم في الفصل بين الحق والباطل ، وفي إنزال الآيات إلا لله .

{يَقُصُّ الْحَقَّ} أي : يفصل الحق عن الباطل ، ويقص الحق أي : يقوله ، ويخبر به {وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} لأنه لا يظلم في قضاياه ، ولا يجوز عن الحق . وهذا يدل على بطلان قول من يزعم أن الظلم والقبائح بقضائه ، لأن من المعلوم أن ذلك كله ليس بحق .

{قل} يا محمد لهؤلاء الكفار {لَوْ أَنَّ عِنْدِي} أي : برأي وإرادتي {مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} من إنزال العذاب بكل {لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} أي : لفرغ من الأمر بأن أهلككم فأستريح منكم ، غير أن الأمر فيه إلى الله تعالى {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ} وبوقت عذابهم ، وما يصلحهم . وفي هذا دلالة على أنه سبحانه إنما يؤخر العقوبة لضرب من المصلحة ، إما لأن يؤمنوا ، أو لغير ذلك من المصالح ، فهو يدبر ذلك على حسب ما تقتضيه الحكمة .

____________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 68-70 .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} . في الآية السابقة أشار سبحانه إلى سبيل المجرمين ، وفي هذه بيّن هذا السبيل ، وانه عبادة غير اللَّه {قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} . لأن دعوتهم لا مصدر لها إلا الهوى والضلال ، فكيف يتبعها الرسول الأعظم ؟ . {قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وكَذَّبْتُمْ بِهِ} . أي اني أعبد اللَّه عن علم ، وأنتم كفرتم به ، وعبدتم الأصنام عن جهل ، وفي أي منطق يكون العالم تابعا للجاهل ، والمبطل قائدا للمحق .

{ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} . لما دعاهم رسول اللَّه إلى الايمان قالوا له :

فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ فأمره اللَّه سبحانه أن يقول لهم : {ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} بل هو عند اللَّه ينزله في الوقت الذي يريد ، ولا قدرة لي على تقديمه أو تأخيره {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} في تنزيل العذاب وتقديمه وتأخيره ، وفي كل شيء {يَقُصُّ الْحَقَّ} أي يقول الحق {وهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ} لا يظلم أحدا في فصله وقضائه .

{قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} من العذاب {لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وبَيْنَكُمْ} باهلاك من ظلم منكم غضبا للَّه تعالى {واللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ} يعجل أو يؤجل العذاب على ما تقتضيه حكمته .

___________________________

1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 198-199 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} إلى آخر الآية . أمر بأن خبرهم بورود النهي عليه عن عبادة شركائهم هو نهي عن عبادتهم بنوع من الكناية ثم أشار إلى ملاك النهي عنها بقوله : {قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ} وهو أن عبادتهم اتباع للهوى وقد نهي عنه ثم أشار بقوله : {قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} إلى سبب الاستنكاف عن اتباع الهوى وهو الضلال والخروج عن جماعة المهتدين وهم الذين اتصفوا بصفة قبول هداية الله سبحانه ، وعرفوا بذلك ، فاتباع الهوى ينافي استقرار صفة الاهتداء في نفس الإنسان ، ويمانع إشراق نور التوحيد على قلبه إشراقا ثابتا ينتفع به .

وقد تلخص بذلك كله بيان تام معلل للنهي أو الانتهاء عن عبادة أصنامهم ، وهو أن في عبادتها اتباعا للهوى ، وفي اتباع الهوى الضلال والخروج عن صف المهتدين بالهداية الإلهية .

قوله تعالى : {قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ} إلى آخر الآية . البينة هو الدلالة الواضحة من البيان وهو الوضوح ، والأصل في معنى هذه المادة هو انعزال شيء عن شيء وانفصاله عنه بحيث لا يتصلان ولا يختلطان ، ومنه البين والبون والبينونة وغير ذلك ، قد سميت البينة بينة لأن الحق يبين بها عن الباطل فيتضح ويسهل الوقوف عليه من غير تعب ومئونة .

والمراد بمرجع الضمير في قوله : {وَكَذَّبْتُمْ بِهِ} هو القرآن وظاهر السياق أن يكون التكذيب إنما تعلق بالبينة التي هو (صلَّ الله عليه وآله) عليها على ما هو ظاهر اتصال المعنى ، ويؤيده قوله بعده : {ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} إلخ ، فإن المحصل من الكلام مع انضمام هذا الذيل : أن الذي أيد الله به رسالتي من البينات وهو القرآن تكذبون به ، والذي تقترحونه علي وتستعجلون به من الآيات ليس في اختياري ولا مفوضا أمره إلي فليس بيننا ما نتوافق فيه لما أني أوتيت ما لا تريدون وأنتم تريدون ما لم أوت .

فمن هنا يظهر أن الضمير المجرور في قوله : {وَكَذَّبْتُمْ بِهِ} راجع إلى البينة لكون المراد به القرآن ، وأن قوله : {ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} أريد به نفي التسلط على ما يستعجلون به بالتكنية فإن الغالب فيما يقدر الإنسان عليه وخاصة في باب الإعطاء والإنفاق أن يكون ما يعطيه وينفقه حاضرا عنده أو مذخورا لديه وتحت تسلطه ثم ينفق منه ما ينفق فقد أريد بقوله : {ما عِنْدِي} نفي التسلط والقدرة من باب نفي الملزوم بنفي اللازم .

وقوله : {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} إلخ ، بيان لسبب النفي ، ولذلك جيء فيه بالنفي والاستثناء المفيد للحصر ليدل بوقوع النفي على الجنس على أن ليس لغيره تعالى من سنخ الحكم شيء قط وأنه إلى الله سبحانه فحسب .

 

(كلام في معنى الحكم وأنه لله وحده)

مادة الحكم تدل على نوع من الإتقان يتلاءم به أجزاء وينسد به خلله وفرجه فلا يتجزى إلى الأجزاء ولا يتلاشى إلى الأبعاض حتى يضعف أثره وينكسر سورته ، وإلى ذلك يرجع المعنى الجامع بين تفاريق مشتقاته كالإحكام والتحكيم والحكمة والحكومة وغير ذلك .

وقد تنبه الإنسان على نوع تحقق من هذا المعنى في الوظائف المولوية والحقوق الدائرة بين الناس فإن الموالي والرؤساء إذا أمروا بشيء فكأنما يعقدون التكليف على المأمورين ويقيدونهم به عقدا لا يقبل الحل وتقييدا لا يسعهم معه الانطلاق ، وكذلك مالك سلعة كذا أو ذو حق في أمر كذا كان بينه وبين سلعته أو الأمر الذي فيه نوعا من الالتيام والاتصال الذي يمنع أن يتخلل غيره بينه وبين سلعته بالتصرف أو بينه وبين مورد حقه فيقصر عنه يده ، فإذا نازع أحد مالك سلعة في ملكها كأن ادعاه لنفسه أو ذا الحق في حقه فأراد إبطال حقه فقد استوهن هذا الإحكام وضعف هذا الإتقان ثم إذا عقد الحكم أو القاضي الذي رفعت إليه القضية الملك أو الحق لأحد المتنازعين فقد أوجد هناك حكما أي إتقانا بعد فتور ، وقوة إحكاما بعد ضعف ووهن ، وقوله : ملك السلعة لفلان أو الحق في كذا لفلان حكم يرتفع به غائلة النزاع والمشاجرة ، ولا يتخلل غير المالك وذي الحق بين الملك والحق وبين ذيهما ، وبالجملة الآمر في أمره والقاضي في قضائه كأنهما يوجدان نسبة في مورد الأمر والقضاء يحكمانه بها ويرفعان به وهنا وفتورا ، وهو الذي يسمى الحكم .

فهذه سبيل تنبه الناس لمعنى الحكم في الأمور الوضعية الاعتبارية ثم رأوا أن معناه يقبل الانطباق على الأمور التكوينية الحقيقية إذا نسبت إلى الله سبحانه من حيث قضائه وقدره فكون النواة مثلا تنمو في التراب ثم تنبسط ساقا وأغصانا وتورق وتثمر وكون النطفة تتبدل جسما ذا حياة وحس وهكذا كل ذلك حكم من الله سبحانه وقضاء ، فهذا ما نعلقه من معنى الحكم وهو إثبات شيء لشيء أو إثبات شيء عند شيء .

ونظرية التوحيد التي يبني عليها القرآن الشريف بنيان معارفه لما كانت تثبت حقيقة التأثير في الوجود لله سبحانه وحده لا شريك له ، وإن كان الانتساب مختلفا باختلاف الأشياء غير جار على وتيرة واحدة كما ترى أنه تعالى ينسب الخلق إلى نفسه ثم ينسبه في موارد مختلفة إلى أشياء مختلفة بنسب مختلفة ، وكذلك العلم والقدرة والحياة والمشية والرزق والحسن إلى غير ذلك ، وبالجملة لما كان التأثير له تعالى كان الحكم الذي هو نوع من التأثير والجعل له تعالى سواء في ذلك الحكم في الحقائق التكوينية أو في الشرائع الوضعية الاعتبارية ، وقد أيد كلامه تعالى هذا المعنى كقوله : {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام : 57 يوسف : 67] وقوله تعالى : {أَلا لَهُ الْحُكْمُ} [الأنعام : 62] وقوله : {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ} [القصص : 70] وقوله تعالى : {وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد : 41] ولو كان لغيره تعالى حكم لكان له أن يعقب حكمه ويعارض مشيته ، وقوله : {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [المؤمن : 12] إلى غير ذلك ، فهذه آيات خاصة أو عامة تدل على اختصاص الحكم التكويني به تعالى .

ويدل على اختصاص خصوص الحكم التشريعي به تعالى قوله : {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف : 40] فالحكم لله سبحانه لا يشاركه فيه غيره على ظاهر ما يدل عليه ما مر من الآيات غير أنه تعالى ربما ينسب الحكم وخاصة التشريعي منه في كلامه إلى غيره كقوله تعالى : {يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة : 95] وقوله لداود عليه السلام : {إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ـ ص : 26] وقوله للنبي (صلَّ الله عليه وآله) : {أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ} [المائدة : 49] وقوله : {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ} [المائدة : 48] وقوله : {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} [المائدة : 44] إلى غير ذلك من الآيات وضمها إلى القبيل الأول يفيد أن الحكم الحق لله سبحانه بالأصالة وأولا لا يستقل به أحد غيره ، ويوجد لغيره بإذنه وثانيا ، ولذلك عد تعالى نفسه أحكم الحاكمين وخيرهم لما أنه لازم الأصالة والاستقلال والأولية فقال : {أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ} [التين : 8] وقال {وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ} [الأعراف : 87] .

والآيات المشتملة على نسبة الحكم إلى غيره تعالى بإذن ونحوه ـ كما ترى ـ تختص بالحكم الوضعي الاعتباري ، وأما الحكم التكويني فلا يوجد فيها ـ على ما أذكر ـ ما يدل على نسبته إلى غيره وإن كانت معاني عامة الصفات والأفعال المنسوبة إليه تعالى لا تأبى عن الانتساب إلى غيره نوعا من الانتساب بإذنه ونحوه كالعلم والقدرة والحياة والخلق والرزق والإحياء والمشية وغير ذلك في آيات كثيرة لا حاجة إلى إيرادها .

ولعل ذلك مراعاة لحرمة جانبه تعالى لإشعار الصفة بنوع من الاستقلال الذي لا مسوغ لنسبته إلى هذه الأسباب المتوسطة كما أن القضاء والأمر التكوينيين كذلك ، ونظيرتها في ذلك ألفاظ البديع والبارئ والفاطر وألفاظ أخر يجري مجراها في الإشعار بمعاني تنبئ عن نوع من الاختصاص ، وإنما كف عن استعمالها في غير مورده تعالى رعاية لحرمة ساحة الربوبية .

ولنرجع إلى ما كنا فيه من تفسير الآية فقوله تعالى : {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} أريد بالحكم فيه القضاء التكويني ، والجملة تعليل للنفي في قوله : {ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} والمعنى ـ على ما يعطيه السياق ـ أن الحكم لله وحده وليس إلي أن أقضي بيني وبينكم ، وهو الذي تستعجلون به باستعجالكم بما تقترحون علي من الآية .

وعلى هذا فقوله : {ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} مستعمل استعمال الكناية كأنهم باقتراحهم إتيان آية أخرى غير القرآن كانوا يقترحون عليه (صلَّ الله عليه وآله) أن يقضي بينه وبينهم ولعل هذا هو السر في تكرار لفظ الموصول والصلة في الآية التالية حيث يقول تعالى : {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} وكان مقتضى ظاهر السياق أن يقال : لو أن عندي ذلك ، وذلك أنه أريد بقوله : {ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} في الآية الأولى لازم الآية وهو القضاء بينه وبينهم على ما جرت به السنة الإلهية ، وفي الآية الثانية نفس الآية ، ومن المحتمل أيضا أن يكون أمر الكناية بالعكس من ذلك فيكون المراد بما تستعجلون به هو القضاء بالصراحة في الآية الأولى ، والآية بالتكنية في الآية الثانية .

وقوله : {يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ} قرأ عاصم ونافع وابن كثير من السبعة بالقاف والصاد المهملة من القص وهو قطع شيء وفصله من شيء ومنه قوله تعالى : {وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص : 11] وقرأ الباقون بالقاف والضاد المعجمة من القضاء ، وقد حذف الياء من الرسم على حد قوله تعالى : {فَما تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر : 5] ولكن من القراءتين وجه ، ومآلهما من حيث المعنى واحد فإن قص الحق وفصله من الباطل لازم القضاء والحكم بالحق وإن كان قوله : {وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ} أنسب مع القص بمعنى الفصل .

وأما أخذ قوله {يَقُصُّ الْحَقَ} من القص بمعنى الإخبار عن الشيء أو بمعنى تتبع الأثر على ما احتمله بعض المفسرين فمما لا يلائم المورد :

أما الأول فلأن الله سبحانه وإن قص في كلامه كثيرا قصص الأنبياء وأممهم غير أن المقام خال عن ذلك فلا موجب لذكر هذا النعت له وتوصيفه تعالى به .

وأما الثاني فلأن محصل معناه أن سنته تعالى أن يتبع الحق ويقتفي أثره في تدبير مملكته وتنظيم أمور خليقته ، والله سبحانه وإن كان لا يحكم إلا الحق ولا يقضي إلا الحق إلا أن أدب القرآن الحكيم يأبى عن نسبة الاتباع والاقتفاء إليه تعالى ، وقد قال تعالى فيما قال : {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} [آل عمران : 60] ولم يقل : الحق مع ربك ، لما في التعبير بالمعية من شائبة الاعتضاد والتأيد والإيهام إلى الضعف .

 

(كلام في معنى حقيقة فعله وحكمه تعالى)

فعله وحكمه تعالى نفس الحق لا مطابق للحق موافق له ، بيان ذلك أن الشيء إنما يكون حقا إذا كان ثابتا في الخارج واقعا في الأعيان من غير أن يختلقه وهم أو يصنعه ذهن كالإنسان الذي هو أحد الموجودات الخارجية والأرض التي يعيش عليها والنبات والحيوانات التي يغتذي بها ، والخبر إنما يكون حقا إذا طابق الواقع الثابت في نفسه مستقلا عن إدراكنا والحكم والقضاء إنما يكون حقا إذا وافق السنة الجارية في الكون فإذا أمر الآمر بشيء أو قضى القاضي بشيء فإنما يكون حكم هذا وقضاء ذاك حقا مطلقا إذا وافق المصلحة المطلقة المأخوذة من السنة الجارية في الكون ، ويكون حقا نسبيا إذا وافق المصلحة النسبية المأخوذة من سنة الكون بالنسبة إلى بعض أجزائه من غير نظر إلى النظام العام العالمي .

فإذا أمرنا آمر بالتزام العدل أو اجتناب الظلم فإنما يعد ذلك حقا لأن نظام الكون يهدي الأشياء إلى سعادتها وخيرها ، وقد قضى على الإنسان أن يعيش اجتماعيا ، وقضى على كل مجتمع مركب من أجزاء أن يتلاءم أجزاؤه ولا يزاحم بعضها بعضا ، ولا يفسد طرف منه طرفا ، حتى ينال ما قسم له من سعادة الوجود ، ويتوزع ذلك بين أجزائه المجتمعين ، فمصلحة هذا النوع المطلقة هي سعادته في الحياة ، ويطابقها الأمر بالعدل والنهي عن الظلم فكل منهما حكم حق ، ولا يطابقها الأمر بالظلم والنهي عن العدل فهما من الباطل ، والتوحيد حق لأنه يهدي إلى سعادة الإنسان في حياته الحقيقية ، والشرك باطل لأنه يجر الإنسان إلى شقاء مهلك وعذاب خالد .

وكذلك القضاء بين متخاصمين إنما يكون حقا إذا وافق الحكم المشروع المراعى فيه المصلحة الإنسانية المطلقة أو مصلحة قوم خاص أو أمة خاصة ، والمصلحة الحقيقية ـ كما عرفت ـ مأخوذة من السنة الجارية في الكون مطلقا أو نسبيا .

فقد تبين أن الحق أيا ما كان إنما هو مأخوذ من الكون الخارجي والنظام المنبسط عليه والسنة الجارية فيه ، ولا ريب أن الكون والوجود مع ما له من النظام والسنن والنواميس فعله سبحانه منه يبتدئ وبه يقوم ، وإليه ينتهي ، فالحق أيا ما كان والمصلحة كيفما فرضت يتبعان فعله ويقتفيان أثره ، ويثبتان بالاستناد إليه لا أنه تعالى يتبع الحق في فعله ويقفو أثره فهو تعالى حق بذاته وكل ما سواه حق به .

ونحن معاشر الآدميين لما كنا نطلب بأفعالنا الاختيارية تتميم نواقص وجودنا ورفع حوائج حياتنا ، وكانت أفعالنا ربما طابقت سعادتنا المطلوبة لنا وربما خالفت اضطررنا في ذلك إلى رعاية جانب المصلحة التي نذعن بأنها مصلحة أي فيها صلاح حالنا وسعادة جدنا وأدى ذلك إلى الإذعان بقوانين جارية وأحكام عامة ، واعتبار شرائع وسنن اجتماعية لازمة المراعاة واجبة الاتباع لموافاتها المصلحة الإنسانية وموافقتها السعادة المطلوبة .

وأدى ذلك إلى الإذعان بأن للمصالح والمفاسد ثبوتا واقعيا وظروفا من التحقق منحازا عن العالمين : ـ الذهن والخارج ـ منعزلا عن الدارين : ـ العلم والعين ـ وهي تؤثر أثرها في خارج الكون بالموافقة والمخالفة فإذا طابقت أفعالنا أو أحكامنا المصالح الواقعية الثابتة في نفس الأمر ظهرت فيها المصلحة وانتهت إلى السعادة ، وإذا خالفتها وطابقت المفاسد الواقعية الحقيقية ساقتنا إلى كل ضر وشر ، وهذا النحو من الثبوت ثبوت واقعي غير قابل للزوال والتغير فللمصالح والمفاسد الواقعية وكذا لما معها من الصفات الداعية إلى الفعل والترك كالحسن والقبح وكذا للأحكام المنبعثة منها كوجوب الفعل والترك مثلا لكل ذلك ثبوت واقعي يتأبى عن الفناء والبطلان ، ويمتنع عن التغير والتبدل وهي حاكمة فينا باعثة لنا إلى أفعال كذا أو صارفة ، والعقل ينال هذه الأمور النفس الأمرية كما ينال سائر الأمور الكونية .

ثم لما وجدوا أن الأحكام والشرائع الإلهية لا تفارق الأحكام والقوانين الإنسانية المجعولة في المجتمعات من جهة معنى الحكم ، وكذا أفعاله تعالى لا تختلف مع أفعالنا من جهة معنى الفعل حكموا بأن الأحكام الإلهية والأفعال المنسوبة إلى الله سبحانه كأفعالنا في الانطباق على المصالح الواقعية والاتصاف بصفة الحسن ، فللمصالح الواقعية تأثير في أفعاله تعالى وحكومة على أحكامه وخاصة من حيث إنه تعالى عالم بحقائق الأمور بصير بمصالح عباده .

وهذا كله من إفراط الرأي ، وقد عرفت مما تقدم أن هذه أحكام وعلوم اعتبارية غير حقيقية اضطرنا إلى اعتبارها وجعلها الحوائج الطبيعية وضرورة الحياة الاجتماعية لا خبر عنها في الخارج عن ظرف الاجتماع ، ولا قيمة لها إلا أنها أمور متقررة في ظرف الوضع والاعتبار يميز بها الإنسان ما ينفعه من الأعمال مما يضره ، وما يصلح شأنه مما يفسده ، وما يسعده مما يشقيه .

وقد ساقت العصبية المذهبية الطائفتين الباحثتين عن المعارف الدينية في صدر الإسلام إلى تقابل عجيب بالإفراط والتفريط في هذا المقام فطائفة ـ وهم المفوضة ـ أثبتوا مصالح ومفاسد نفس أمرية وحسنا وقبحا واقعيين هي ثابتة ثبوتا أزليا أبديا غير متغير ولا متبدل وهي حاكمة على الله سبحانه بالإيجاب والتحريم ، مؤثرة في أفعاله تكوينا وتشريعا بالحظر والترخيص فأخرجوه تعالى عن سلطانه ، وأبطلوا إطلاق ملكه .

وطائفة ـ وهم المجبرة ـ نفت ذلك كله ، وأصرت على أن الحسن في الشيء إنما هو تعلق الأمر به ، والقبح تعلق النهي به ، ولا غرض ولا غاية في تكوين ولا تشريع ، وأن الإنسان لا يملك من فعله شيئا ولا قدرة قبل الفعل عليه كما أن الطائفة الأولى ذهبت إلى أن الفعل مخلوق للإنسان وأن الله سبحانه لا يملك من فعل الإنسان شيئا ولا تتعلق به قدرته .

والقولان ـ كما ترى ـ إفراط وتفريط فلا هذا ولا ذاك بل حقيقة الأمر أن هذه ونظائرها أمور اعتبارية وضعية لها أصل حقيقي وهو أن الإنسان ـ ونظيره سائر الحيوانات الاجتماعية كل على قدره ـ في مسيره الحيوي الذي لا يريد به إلا إبقاء الحياة ونيل السعادة ناقص محتاج يرفع جهات نقصه وحاجته بأعماله الاجتماعية الصادرة عن الشعور والإرادة فاضطره ذلك إلى أن يصف أعماله والأمور التي تتعلق بها أعماله في طريق الوصول إلى غاية سعادته والتجنب عن شقائه بأوصاف الأمور الخارجية من حسن وقبح ووجوب وحرمة وجواز وملك وحق وغير ذلك ويجري فيها نواميس الأسباب والمسببات فيضع في إثر ذلك قوانين عامة وخاصة ، ويعتقد لذلك نوعا من الثبوت الذي يعتقده للأمور الحقيقية حتى يتم له بذلك أمر حياته الاجتماعية .

فترانا نعتقد أن العدل حسن كما أن الورد حسن جميل ، والظلم قبيح شاءه كما أن الميتة المنتنة كذلك ، وأن المال لنا كما أن أعضاءنا لنا ، والعمل الكذائي واجب كما أن الآثار واجبة لعللها التامة ، وعلى هذا القياس ، ولذلك ترى أن هذه الآراء تختلف بين الأقوام إذا اختلفت مقاصد مجتمعاتهم فترى هؤلاء يحسنون ما يقبحه آخرون وتجد طائفة تلغي من الأحكام ما تعتبره أخرى ، وتلفى أمة تنكر ما تعرفه أمة أو تعجبها ما يستشنعه غيرها ، وربما تترك سنة مأخوذة ثم تؤخذ ثم تترك في أمة واحدة على نسق الدوران بحسب مراحل السير الاجتماعي ومساسه بلوازم الحياة ، هذا في المقاصد التي تختلف في المجتمعات ، وأما المقاصد العامة التي لا يختلف فيه اثنان كأصل الاجتماع والعدل والظلم ونحو ذلك فما لها من وصف الحسن والقبح والوجوب والحرمة وغيرها لا تختلف البتة ولا يختلف فيه ، هذا فيما يرجع إلينا .

والله سبحانه لما قلب دينه في قالب السنن العامة الاجتماعية اعتبر في بيانه المعارف الحقيقية المسبوكة في قالب السنن الاجتماعية ما نعتبره نحن في مسير حياتنا فأراد منا أن نفكر فيما يرجع إلى معارفه ، ونتلقى ما يلقيه إلينا من الحقائق كما نفكر ونتلقى ما عندنا من سنن الحياة فعد نفسه ربا معبودا ، وعدنا عبادا مربوبين ، وذكرنا أن له دينا مؤلفا من عقائد أصلية وقوانين عملية تستعقب ثوابا وعقابا وأن في اتباعه صلاح حالنا ، وحسن عاقبتنا ، وسعادة جدنا على نحو المسلك الذي نسلكه في آرائنا الاجتماعية .

فهناك عقائد أصلية يجب علينا أن نعتقد بها ونلزمها ، وهناك وظائف عملية وقوانين إلهية في العبادات والمعاملات والسياسات يجب علينا أن نعمل بها ونراعيها كما أن الأمر في جميع المجتمعات الإنسانية على ذلك .

وهذا هو الذي يسوغ لنا أن نبحث عن المعارف الدينية اعتقادية أو عملية كما نبحث عن المعارف الاجتماعية اعتقادية أو عملية ، وأن نستند في المعارف الدينية من الآراء العقلية والقضايا العملية بعين ما نستند إليه في المعارف الاجتماعية فالله سبحانه لا يختار لعباده من الوظائف والتكاليف إلا ما فيه المصلحة التي تصلح شأنهم في دنياهم وآخرتهم ، ولا يأمر إلا بالحسن الجميل ، ولا ينهى إلا عن القبيح الشائه الذي فيه فساد دين أو دنيا ، ولا يفعل إلا ما يؤثره العقل ، ولا يترك إلا ما ينبغي أن يترك .

إلا أنه تعالى ذكرنا مع ذلك بأمرين :

أحدهما : أن الأمر في نفسه أعظم من ذلك وأعظم فإن ذلك كله معارف مأخوذة من مواد الآراء الاجتماعية وهي في الحقيقة لا تتعدى طور الاجتماع ، ولا ترقى إلى عالم السماء كما قال : {إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف : 4] وقال في مثل ضربه : {أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ} الآية [الرعد : 17] وقال (صلَّ الله عليه وآله) : إنا معاشر الأنبياء أمرنا ـ أن نكلم الناس على قدر عقولهم ، إلى غير ذلك مما ورد في الكتاب والسنة .

وليس معنى هذا البحث نفي الحسن والمصلحة مثلا عن أفعاله تعالى بمعنى إثبات ما يقابله حتى يستتبع ذلك إثبات القبح والمفسدة أو سقوط أفعاله عن الاعتبار العقلائي كأفعال الصبيان تعالى عن ذلك كما أن نفي البصر بمعنى الجارحة عن العقل لا يوجب إثبات العمى له أو سقوطه عن مرتبة الإدراك بل تنزيه عن النقص .

وثانيهما : أن جهات الحسن ومزايا المصالح وإن كانت تعلل بها أفعاله تعالى وشرائع أحكامه وتبين بها وظائف العبودية كما تعلل بها ما عندنا من الأحكام والأعمال العقلائية إلا أن بين البابين فرقا وهو أنها في جانبنا حاكمة على الإرادة مؤثرة في الاختيار فنحن بما أنا عقلاء إذا وجدنا فعلا ذا صفة حسن مقارنا لمصلحة غير مزاحمة بعثنا ذلك إلى اقتراف العمل وإذا وجدنا حكما على هذا النعت لم نتردد في تقنينه وحكمنا به وأجريناه في مجتمعنا مثلا .

وليست هذه الوجوه والعلل أعني جهات الحسن والمصلحة إلا معاني أخذناها من سنة التكوين والوجود الخارجي الذي هو منفصل من أذهاننا مستقل دوننا فأردنا في اختيار الأعمال الحسنة ذوات المصلحة أن لا نخبط في مسيرنا وتنطبق أعمالنا على سنة التكوين وتقع في صراط الحقيقة ، فهذه الجهات والمصالح معان منتزعة من خارج الأعيان متفرعة عليه ، وأعمالنا متفرعة على هذه الجهات محكومة لها متأثرة عنها ، والكلام في أحكامنا المجعولة لنا نظير الكلام في أعمالنا .

وأما فعله تعالى فهو نفس الكون الخارجي والوجود العيني الذي كنا ننتزع منه وجوه الحسن والمصلحة وكانت تتفرع عليه بما أنها انتزعت منه فكيف يمكن أن يعد فعله تعالى متفرعا عليها محكوما لها متأثرا عنها ، وكذلك أحكامه تعالى المشرعة تستتبع الواقع لا أنها تتبع الواقع فافهم ذلك .

فقد تبين : أن جهات الحسن والمصلحة وما يناظرها في عين أنها موجودة في أفعاله تعالى وأحكامه ، وفي أفعالنا وأحكامنا بما نحن عقلاء تختلف في أنها بالنسبة إلى أعمالنا وأحكامنا حاكمة مؤثرة ، وإن شئت قلت دواع وعلل غائية ، وبالنسبة إلى أفعاله وأحكامه تعالى لازمة غير منفكة وإن شئت قلت : فوائد مطردة ، فنحن بما أنا عقلاء نفعل ما نفعل ونحكم ما نحكم لأنا نريد به تحصيل الخير والسعادة وتملك ما لا نملكه بعد ، وهو تعالى يفعل ما يفعل ويحكم ما يحكم لأنه الله ، ويترتب على فعله ما يترتب على فعلنا من الحسن والمصلحة ، وأفعالنا مسئول عنها معللة بغاياتها ومصالحها ، وأفعاله غير مسئول عنها ولا معللة بغاية لا يملكها بل مكشوفة بلوازمها ونعوتها اللازمة ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون فافهم ذلك .

وهذا هو الذي يهدي إليه كلامه عز اسمه كقوله تعالى : {لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ} [الأنبياء : 23] وقوله : {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ} [القصص : 70] وقوله : {وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ} [إبراهيم : 27] وقوله : {وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد : 41] .

ولو كان فعله تعالى كأفعالنا العقلائية لكان لحكمه معقب إلا أن يعتضد بمصلحة محسنة ولم يكن له ليفعل ما يشاء بل ما تشير إليه المصلحة المقارنة ، وقوله : {قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ} [الأعراف : 28] وقوله : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ} [الأنفال : 24] وغير ذلك من الآيات التي تعلل الأحكام بوجوه الحسن والمصلحة .

قوله تعالى : {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} إلى آخر الآية ، أي لو قدرت على ما تقترحونه علي من الآية والحال أنها بحيث إذا نزلت على رسول لم تنفك عن الحكم الفصل بينه وبين أمته لقضي الأمر بيني وبينكم ، ونجي بذلك أحد المتخاصمين المختلفين وعذب الآخر وأهلك ، ولم يعذب بذلك ولا يهلك إلا أنتم لأنكم ظالمون ، والعذاب الإلهي إنما يأخذ الظالمين بظلمهم ، وهو سبحانه أنزه ساحة من أن يشتبه عليه الأمر ولا يميز الظالمين من غيرهم فيعذبني دونكم .

ففي قوله تعالى : {وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ} نوع تكنية وتعليل أي إنكم أنتم المعذبون لأنكم ظالمون والعذاب الإلهي لا يعدو الظالمين إلى غيرهم ، وفي الجملة إشارة إلى ما تقدم من قوله تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} [محمد : 47] .

__________________________

1. تفسير الميزان ، ج7 ، ص 95-104 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

الإصرار العقيم :

ما يزال الخطاب في هذه الآيات موجها إلى المشركين وعبدة الأصنام المعاندين ـ كدأب معظم آيات هذه السورة ـ يبدو من سياق هذه الآيات أنّهم دعوا رسول الله (صلَّ الله عليه وآله وسلم) إلى اعتناق دينهم ، الأمر الذي يستدعي نزول الآية : {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} (2) .

جملة «نهيت» التي وردت بصيغة الماضي ومبنية للمجهول تشير إلى أنّ النهي عن عبادة الأصنام ليس أمرا جديدا ، بل كان دائما قائما وسيبقى كذلك .

ثمّ بجملة {قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ} يجيب بوضوح على إصرارهم العقيم ، بالنظر لأنّ عبادة الأصنام لا تتفق مع المنطق ولا مع الأدلة العقلية ، لأنّ العقل يدرك بسهولة أن الإنسان أشرف من الجماد ، فكيف يمكن للإنسان أن يخضع لأي مخلوق آخر فضلا عن المخلوق الأدنى ؟ هذا مع أنّ هذه الأصنام هي من صنع الإنسان نفسه فكيف يتخذ الإنسان ما خلقه بنفسه معبودا يعبده ويلجأ إليه في كل مشاكله ؟ وبناء على ذلك ، فإنّ منشأ عبادة الأصنام ليس سوى التقليد الأعمى والإتّباع المقيت للأهواء والشهوات .

وفي ختام الآية يؤكّد القرآن مرّة أخرى على أنّه إذا فعل ذلك {قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} .

الآية التّالية تتضمّن جوابا آخر ، وهو : {قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ} .

«البيّنة» أصلا ما يفصل بين شيئين بحيث لا يكون بينهما تمازج أو اتصال ، ثمّ أطلقت على الدليل والحجة الواضحة ، لأنّها تفصل بين الحق والباطل .

وفي المصطلح الفقهي تطلق «البيّنة» على الشاهدين العدلين ، غير أنّ معنى الكلمة اللغوي واسع جدا ، وشهادة العدل واحد من تلك المعاني ، وكذلك كانت المعجزة بيّنة لأنّها تفصل بين الحق والباطل ، وإذا قيل للآيات والأحكام الإلهية بينات فلكونها من مصاديق الكلمة الواسعة .

وعليه ، فرسول الله (صلَّ الله عليه وآله وسلم) يؤمر في هذه الآية أن يقول : إنّ دليلي في قضية عبادة الله ومحاربة الأصنام واضح وبيّن ، وان تكذيبكم وإنكاركم لا يقللان من صدق الدليل .

ثمّ يشير إلى حجّة واهية أخرى من حججهم ، وهي أنّهم كانوا يقولون : إن كنت على حق فعلا فعجل بالعقاب الذي تتوعدنا به ، فيقول لهم رسول الله (صلَّ الله عليه وآله وسلم) : {ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} ، لأنّ الأعمال والأوامر كلها بيد الله : {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} .

وبعد ذلك يقول مؤكدا : إنّ الله هو الذي : {يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ} .

بديهي أنّ القادر على أن يفصل بين الحق والباطل على خير وجه هو الذي يكون أعلم الجميع ، ومن السهل عليه التمييز بين الحق والباطل ، ثمّ تكون له القدرة الكافية على استخدام علمه ، وهاتان الصفتان (العلم والقدرة) هما من صفات الذات الإلهية اللامحدودة ، وعليه فإنّه عزوجل خير من يقص الحق ، أي يفصل الحق من الباطل .

الآية التّالية تأمر رسول الله (صلَّ الله عليه وآله وسلم) أن يقول لهؤلاء الجماعة الملحاحة العنيدة الجاهلة : لو أن ما تطلبونه مني على عجل كان في سعتي وقدرتي ، وأجبتكم إليه لانتهى الأمر ، ولم يعد بيني وبينكم شيء : {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} .

ولكيلا يظنوا أن عقابهم قد طواه النسيان ، يقول في النهاية {وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ} وسوف يعاقبهم في الوقت المناسب .

________________________

1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 93-94 .

2. استعمال «الذين» التي هي للجمع المذكر العاقل ، لا للإشارة إلى الأصنام ، يدل على أنّ الكلام يجري وفق وجهة نظر المشركين .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



بالصور: ستفتتحه العتبة الحسينية الاسبوع المقبل.. شاهد ما يحتويه مستشفى الثقلين لعلاج الاورام في البصرة من اجهزة طبية
صممت على الطراز المعماري الإسلامي وتضم (16) قبة.. تعرف على نسب الإنجاز بقاعة علي الأكبر (ع) ضمن مشروع صحن عقيلة زينب (ع)
عبر جناحين.. العتبة الحسينية تشارك في معرض طهران الدولي للكتاب
بالفيديو: بحضور الامين العام للعتبة الحسينية وبالتعاون مع جامعتي واسط والقادسية.. قسم الشؤون الفكرية والثقافية يقيم المؤتمر العلمي الدولي الثالث تحت عنوان (القرآن الكريم والعربية آفاق و إعجاز)