أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-10-2017
7444
التاريخ: 3-10-2017
3965
التاريخ: 3-10-2017
13102
التاريخ: 4-10-2017
8704
|
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} [الممتحنة: 12، 13].
ذكر سبحانه بيعة النساء وكان ذلك يوم فتح مكة لما فرغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من بيعة الرجال وهو على الصفا جاءته النساء يبايعنه فنزلت هذه الآية فشرط الله تعالى في مبايعتهن أن يأخذ عليهن هذه الشروط وهو قوله {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على} هذه الشرائط وهي {أن لا يشركن بالله شيئا} من الأصنام والأوثان {ولا يسرقن} لا من أزواجهن ولا من غيرهم {ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن} على وجه من الوجوه لا بالواد ولا بالإسقاط {ولا يأتين ببهتان يفترينه} أي بكذب يكذبنه في مولود يوجد {بين أيديهن وأرجلهن} أي لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم عن ابن عباس وقال الفراء كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدي منك فذلك البهتان المفتري بين أيديهن وأرجلهن وذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها وليس المعنى على نهيهن من أن يأتين بولد من الزنا فينسبنه إلى الأزواج لأن الشرط بنهي الزنا قد تقدم وقيل البهتان الذي نهين عنه قذف المحصنات والكذب على الناس وإضافة الأولاد إلى الأزواج على البطلان في الحاضر والمستقبل من الزمان.
{ولا يعصينك في معروف} وهو جميع ما يأمرهن به لأنه لا يأمر إلا بالمعروف والمعروف نقيض المنكر وهو كل ما دل العقل والسمع على وجوبه أو ندبه وسمي معروفا لأن العقل يعترف به من جهة عظم حسنه ووجوبه وقيل عنى بالمعروف النهي عن النوح وتمزيق الثياب وجز الشعر وشق الجيب وخمش الوجه والدعاء بالويل عن المقاتلين والكلبي والأصل أن المعروف كل بر وتقوى وأمر وافق طاعة الله تعالى {فبايعهن} على ذلك.
{واستغفر لهن الله} أي اطلب من الله أن يغفر لهن ذنوبهن ويسترها عليهن {إن الله غفور} أي صفوح عنهن {رحيم} منعم عليهن وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بايعهن وكان على الصفا وكان عمر أسفل منه وهند بنت عتبة متنقبة متنكرة مع النساء خوفا أن يعرفها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا فقالت هند إنك لتأخذ علينا أمرا ما رأيناك أخذته على الرجال وذلك أنه بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) ولا تسرقن فقالت هند إن أبا سفيان رجل ممسك وإني أصبت من ماله هنأت فلا أدري أ يحل لي أم لا فقال أبو سفيان ما أصبت من مالي فيما مضى وفيما غبر فهولك حلال فضحك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وعرفها فقال لها وإنك لهند بنت عتبة قالت نعم فاعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) ولا تزنين فقالت هند أ وتزني الحرة فتبسم عمر بن الخطاب لما جرى بينه وبينها في الجاهلية فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) ولا تقتلن أولادكن فقالت هند ربيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا وأنتم وهم أعلم وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قتله علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى وتبسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ولما قال ولا تأتين ببهتان فقالت هند والله إن البهتان قبيح وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق ولما قال ولا يعصينك في معروف فقالت هند ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء.
وروى الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يبايع النساء بالكلام بهذه الآية {أن لا يشركن بالله شيئا} وما مست يد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يد امرأة قط إلا يد امرأة يملكها رواه البخاري في الصحيح وروي أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان إذا بايع النساء دعا بقدح ماء فغمس فيه يده ثم غمسن أيديهن فيه وقيل إنه كان يبايعهن من وراء الثوب عن الشعبي والوجه في بيعة النساء مع أنهن لسن من أهل النصرة بالمحاربة هو أخذ العهد عليهن بما يصلح من شأنهن في الدين والأنفس والأزواج وكان ذلك في صدر الإسلام ولئلا ينفتق بهن فتق لما وضع من الأحكام فبايعهن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) حسما لذلك.
ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم} أي لا تتولوا اليهود وذلك أن جماعة من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود أخبار المسلمين يتواصلون إليهم بذلك فيصيبون من ثمارهم فنهى الله عن ذلك عن المقاتلين وقيل أراد جميع الكفار أي لا تتخذوا كافرا من الكفار أولياء ثم وصف الكفار فقال {قد يئسوا من الآخرة} أي من ثواب الآخرة {كما يئس الكفار من أصحاب القبور} يعني أن اليهود بتكذيبهم محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهم يعرفون صدقه وأنه رسول قد يئسوا من أن يكون لهم في الآخرة حظ وخير كما يئس الكفار الذين ماتوا وصاروا في القبور من أن يكون لهم في الآخرة حظ لأنهم قد أيقنوا بعذاب الله عن مجاهد وسعيد بن جبير وقيل كما يئس كفار العرب من أن يحيا أهل القبور أبدا عن الحسن وقيل كما يئس الكفار من أن ينالهم خير من أصحاب القبور وقيل يريد بالكفار هاهنا الذين يدفنون الموتى أي يئس هؤلاء الذين غضب الله عليهم من الآخرة كما يئس الذين دفنوا الموتى منهم .
____________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص456-458.
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ} . لما فتح رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) مكة بايع الرجال على الطاعة والجهاد ، ثم بايع النساء :
1 - {عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً} . انظر دليل التوحيد في ج 2 ص 344 .
2 - {ولا يَسْرِقْنَ} من أزواجهن ولا من غيرهم . وفي كتب التفسير والحديث ان هند أم معاوية قالت لرسول اللَّه عند هذا الشرط : ان أبا سفيان رجل شحيح ، وقد أصبت من ماله ، فأقرّها النبي (صلى الله عليه واله وسلم) على ان لا تزيد عن حاجتها وحاجة أولادها .
3 - {ولا يَزْنِينَ} . انظر ج 5 ص 42 و397 .
4 - {ولا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ} . كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الفقر كما أشارت الآية 31 من سورة الإسراء : {ولا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وإِيَّاكُمْ} .
5 - {ولا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وأَرْجُلِهِنَّ} . هذا كناية عن البطون ، لأن مكان البطن بين اليدين والرجلين ، والمعنى ان لا تكذب المرأة فيما تخبر به من الحمل والطهر والحيض ، فلا تقول : انها في طهر وهي حائض أو العكس ، ولا تدّعي الحمل وما هي بحامل . . وبعض النسوة تدلس على الزوج ، فتوهمه انها حامل ثم تدعي انها أسقطت أو تأتي بلقيط تنسبه إلى الزوج زورا وبهتانا .
6 - {ولا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} ولا يأمر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) إلا بمعروف ، ولا ينهى إلا عن منكر {فَبايِعْهُنَّ} على الوفاء بما ذكر {واسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهً} ما تقدم من ذنوبهن {إِنَّ اللَّهً غَفُورٌ رَحِيمٌ} يغفر للتائبين والتائبات ، ويشملهم برحمته .
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ} .
خاطب سبحانه المؤمنين في أول هذه السورة بقوله : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ} . وختمها سبحانه بمثل هذا الخطاب ، والغرض تحذير المؤمنين من أعداء اللَّه والحق ، وان لا يأمنوهم على شيء من أخبار الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) والمسلمين ، ولا يركنوا إلى أكاذيبهم ودسائسهم ، لأنهم لا يرجون لقاء اللَّه ، والبعث عندهم تماما كرجوع الموتى إلى الحياة الدنيا ، ومن أجل هذا غضب اللَّه عليهم وأعدّ لهم عذابا أليما .
_____________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، صص308-310.
قوله: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} شرط جوابه قوله: {فبايعهن واستغفر لهن الله}.
وقوله: {على أن لا يشركن بالله شيئا} أي من الأصنام والأوثان والأرباب، وهذا شرط لا غنى عنه لإنسان في حال.
وقوله: {ولا يسرقن} أي لا من أزواجهن ولا من غيرهم وخاصة من أزواجهن كما يفيده السياق، وقوله: {ولا يزنين} أي باتخاذ الأخدان وغير ذلك وقوله: {ولا يقتلن أولادهن} بالوأد وغيره وإسقاط الأجنة.
وقوله: {ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن} وذلك بأن يحملن من الزنا ثم يضعنه وينسبنه إلى أزواجهن فإلحاقهن الولد كذلك بأزواجهن ونسبته إليهم كذبا بهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن لأن الولد إذا وضعته أمه سقط بين يديها ورجليها، ولا يغني عن هذا الشرط شرط الاجتناب عن الزنا لأنهما متغايران وكل مستقل بالنهي والتحريم.
وقوله: {ولا يعصينك في معروف} نسب المعصية إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دون الله مع أنها تنتهي إليه تعالى لأن المراد أن لا يتخلفن بالمعصية عن السنة التي يستنها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وينفذها في المجتمع الإسلامي فيكون ما سنه هو المعروف عند المسلمين وفي المجتمع الإسلامي.
ومن هنا يظهر أن المعصية في المعروف أعم من ترك المعروف كترك الصلاة والزكاة وفعل المنكر كتبرجهن تبرج الجاهلية الأولى.
وفي قوله: {إن الله غفور رحيم} بيان لمقتضى المغفرة وتقوية للرجاء.
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم} إلخ، المراد بهم اليهود المغضوب عليهم وقد تكرر في كلامه تعالى فيهم {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ } [البقرة: 61] ، ويشهد بذلك ذيل الآية فإن الظاهر أن المراد بالقوم غير الكفار.
وقوله: {يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور} المراد بالآخرة ثوابها، والمراد بالكفار الكافرون بالله المنكرون للبعث، وقيل: المراد مشركوا مكة واللام للعهد، و{من} في (من أصحاب القبور) لابتداء الغاية.
والجملة بيان لشقائهم الخالد وهلاكهم المؤبد ليحذر المؤمنون من موالاتهم وموادتهم والاختلاط بهم والمعنى: قد يئس اليهود من ثواب الآخرة كما يئس منكر والبعث من الموتى المدفونين في القبور.
وقيل: المراد بالكفار الذين يدفنون الموتى ويوارونهم في الأرض - من الكفر بمعنى الستر -.
وقيل: المراد بهم كفار الموتى و{من} بيانية والمعنى: يئسوا من ثواب الآخرة كما يئس الكفار المدفونون في القبور منه لقوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ } [البقرة: 161] .
________________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص213-217.
شروط بيعة النساء:
إستمراراً للبحث الذي تقدّم في الآيات السابقة والذي إستعرضت فيه أحكام النساء المهاجرات، تتحدّث هذه الآية عن تفاصيل وأحكام بيعة النساء المؤمنات مع الرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).
لقد ذكر المفسّرون أنّ هذه الآية نزلت يوم فتح مكّة عندما كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) على جبل (الصفا) يأخذ البيعة من الرجال، وكانت نساء مكّة قد أتين إلى رسول الله من أجل البيعة فنزلت الآية أعلاه، وبيّنت كيفية البيعة معهنّ، ويختّص خطاب الآية برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يقول تعالى: {يا أيّها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله ... إلى قوله:... إنّ الله غفور رحيم}.
وبعد هذه الآية أخذ رسول الله البيعة من النساء المؤمنات.
وكتب البعض حول كيفية البيعة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بإناء فيه ماء، ووضع يده المباركة فيه، ووضع النسوة أيديهنّ في الجهة الاُخرى من الإناء. وقيل إنّ رسول الله بايع النساء من فوق الملابس.
وممّا يجدر ملاحظته أنّ الآية الكريمة ذكرت ستّة شروط في بيعة النساء، يجب مراعاتها وقبولها جميعاً عند البيعة وهي:
1 ـ ترك كلّ شرك وعبادة للأوثان، وهذا شرط أساسي في الإسلام والإيمان.
2 ـ إجتناب السرقة، ويحتمل أن يكون المقصود بذلك هو سرقة أموال الزوج، لأنّ الوضع المالي السيء آنذاك، وقسوة الرجل على المرأة، وإنخفاض مستوى الوعي كان سبباً في سرقة النساء لأموال أزواجهنّ، وإحتمال إعطاء هذه الأموال للمتعلّقين بهنّ.
وما قصّة (هند) في بيعتها لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ شاهد على هذا المعنى، ولكن على كلّ حال فإنّ مفهوم الآية واسع.
3 ـ ترك التلوّث بالزنا، إذ المعروف تأريخياً أنّ الإنحراف عن جادّة العفّة كان كثيراً في عصر الجاهلية.
4 ـ عدم قتل الأولاد، وكان القتل يقع بطريقتين، إذ يكون بإسقاط الجنين تارةً، وبصورة الوأد تارةً اُخرى (وهي عملية دفن البنات والأولاد أحياء).
5 ـ إجتناب البهتان والإفتراء، وقد فسّر البعض ذلك بأنّ نساء الجاهلية كنّ يأخذن الأطفال المشكوكين من المعابر والطرق ويدّعين أنّ هذا الطفل من أزواجهنّ (وهذا الأمر محتمل في حالة الغياب الطويل للزوج).
وقد اعتبر البعض ذلك إشارة إلى عمل قبيح هومن بقايا عصر الجاهلية، حيث كانت المرأة تتزوّج من رجال عدّة، وعندما يولد لها طفل تنسبه إلى أيّ كان منهم، إذا ضمنت رغبته بالطفل.
ومع الأخذ بنظر الإعتبار أنّ مسألة الزنا قد ذكرت سابقاً، ولم يكن إستمرار مثل هذا الأمر في الإسلام ممكناً، لذا فإنّ هذا التّفسير مستبعد، والتّفسير الأوّل أنسب بالرغم من سعة مفهوم الآية الشريفة الذي يشمل كلّ إفتراء وبهتان.
كما أنّ التعبير بـ {بين أيديهنّ وأرجلهنّ} يمكن أن يكون إشارة إلى أطفال أبناء السبيل، حيث تكون وضعية الطفل الرضيع عند رضاعته في حضن اُمّه بين يديها ورجليها.
6 ـ الطاعة لأوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي تبني الشخصية المسلمة وتهذّبها وتربّيها على الحقّ والخير والهدى، وهذا الحكم واسع أيضاً يشمل جميع أوامر الرّسول، بالرغم من أنّ البعض اعتبره إشارة إلى قسم من أعمال النساء في عصر الجاهلية كالنوح بصوت عال على الموتى، وتمزيق الجيوب وخمش الخدود وما شابه، إلاّ أنّ مفهوم الطاعة لا ينحصر بذلك.
ويمكن أن يطرح هنا هذا السؤال وهو: لماذا كانت البيعة مع النساء مشروطة بهذه الشروط، في حين أنّ بيعة الرجال لم تكن مشروطة إلاّ بالإيمان والجهاد؟ وللإجابة على ذلك نقول: إنّ الاُمور الأساسية المتعلّقة بالرجال في ذلك المحيط هو الإيمان والجهاد، ولأنّ الجهاد لم يكن مشروعاً بالنسبة للنساء لذا ذكرت شروط اُخرى أهمّها ما أكّدت عليه الآية الشريفة والتي تؤكّد على صيانة المرأة من الإنحراف في ذلك المجتمع.
وقوله تعالى :{يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَولَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الاَْخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَبِ الْقُبُورِ}
بدأت هذه السورة بآية تؤكّد على قطع كلّ علاقة بأعداء الله، وتختتم هذه السورة بآية تؤكّد هي الاُخرى على نفس المفهوم والموقف من أعداء الله: {يا أيّها الذين آمنوا لا تتولّوا قوماً غضب الله عليهم) وبتعبير آخر فإنّ ختام السورة رجوع إلى مطلعها.
ويحذّر القرآن الكريم من أن يتّخذ أمثال هؤلاء أولياء وأن تفشى لهم الأسرار فيحيطون علماً بخصوصيات الوضع الإسلامي.
ويرى البعض أنّ الآية صريحة في أنّ المراد بالمغضوب عليهم فيها هم (اليهود) إذن أنّهم ذكروا في آيات قرآنية اُخرى بهذا العنوان، قال تعالى: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة: 90]
وهذا التّفسير يتناسب أيضاً مع سبب النزول الذي ذكر لهذه الآية، حيث تحدّثنا بعض الرّوايات أنّ قسماً من فقراء المسلمين كانوا يذهبون بأخبار المسلمين إلى اليهود مقابل إعطائهم شيئاً من فواكه أشجارهم، فنزلت الآية أعلاه ونهتهم عن ذلك(2).
ومع ذلك فإنّ للآية مفهوماً واسعاً حيث يشمل جميع الكفّار والمشركين، والتعبير بـ «الغضب» في القرآن الكريم لا ينحصر باليهود فقط، إذ ورد بشأن المنافقين أيضاً كما في الآية (6) من سورة الفتح، بالإضافة إلى أنّ سبب النزول لا يحدّد مفهوم الآية.
وبناءً على هذا فإنّ ما جاء في الآية الشريفة يتناسب مع أمر واسع جاء في أوّل آية من هذه السورة تحت عنوان (موالاة أعداء الله).
ثمّ تتناول الآية أمراً يعتبر دليلا على هذا النهي حيث يقول تعالى: {قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفّار من أصحاب القبور}(3).
ذلك أنّ موتى الكفّار سيرون نتيجة أعمالهم في البرزخ حيث لا رجعة لهم لجبران ما مضى من أعمالهم السيّئة، لذلك فإنّهم يئسوا تماماً من النجاة، وهؤلاء المجرمون في هذه الدنيا قد غرقوا في آثامهم وذنوبهم إلى حدّ فقدوا معه كلّ أمل في نجاتهم، كما هو الحال بالنسبة للموتى من الكفّار.
إنّ مثل هؤلاء الأفراد من الطبيعي أن يكونوا أشخاصاً غير اُمناء ولا يعتد بكلامهم وعهدهم، ولا إعتبار لودّهم وصداقتهم، لأنّهم يائسون تماماً من رحمة الله، ولهذا السبب فإنّهم يرتكبون أقبح الجرائم وأرذل الأعمال، وجماعة هذه صفاتها كيف تثقون بها وتعتمدون عليها وتتّخذونها أولياء؟!
__________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج14 ، ص139-145.
2 ـ مجمع البيان، ج9، ص276.
3 ـ ذهب بعض المفسّرين إلى إحتمالات اُخرى في تفسير هذه الآية من جملتها: أنّهم يئسوا من ثواب الآخرة كما يئس المشركون من إحياء أصحاب القبور، إلاّ أنّ التّفسير الذي ذكرناه أعلاه أنسب (وممّا يجدر الإنتباه إليه أنّه طبقاً للتفسير الأوّل فإنّ (من أصحاب القبور) وصف للكفّار وطبقاً للتفسير الأخير فإنّها متعلّقة بـ (يئس).
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|