أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-8-2017
3023
التاريخ: 19-8-2017
3353
التاريخ: 12-8-2017
2714
التاريخ: 16-11-2021
3510
|
وكان في عسكر عمر بن سعد رجل يقال له «المارد بن صديف التغلبي» فلما نظر إلى ما فعله العباس من قتل الأبطال، خرق أطماره ولطم على وجهه، ثم قال لأصحابه: لا بارك الله فيكم؛ أما والله لو أخذ كلّ واحد منكم ملأ كفّه تراباً لطمرتموه، ولكنكم تظهرون النصيحة وأنتم تحت الفضيحة.
ثم نادى بأعلى صوته: أقسم على من كان في رقبته بيعة للأمير يزيد، وكان تحت الطاعة إلّا اعتزل عن الحرب وأمسك عن النزال فأنا لهذا الغلام!! الذي قد أباد الرجال، وقتل الأبطال، وأروى الشجعان وأفناهم بالحسام والسنان، ثم من بعده أقتل أخاه الحسين (عليه السلام) ومن بقى من أصحابه معه.
فقال له الشمر: إذ قد ضمنت أنّك تكون كفو الناس أجمع . ارجع معي إلى الأمير عمر بن سعدو أطلعه على أنك تأتيه بالقوم أجمعين إذا كان بك غنىً عنا.
فقال له المارد: يا شمر! أما والله ما فيكم خير لأنفسكم فكيف تعيرون غيركم؟!
فقال له شمر: ها نحن نرجع إلى رأيك وأمرك وننظر فعالك معه.
ثم قال الشمر للناس: اعتزلوا الحرب حتى ننظر ما يكون منهما.
فأقبل المارد بن صديف، وأفرغ عليه درعين ضيقي الزرد، وجعل على رأسه بيضة، وركب فرساً أشقر أعلى ما يكون من الخيل، وأخذ بيده رمحاً طويلاً، فبرز إلى العباس بن علي (عليه السلام) فالتفت العباس فرآه وهو طالب له يرعد ويبرق، فعلم أنّه فارس القوم، فثبت له حتى إذا قاربه صاح به المارد: يا غلام!!! ارحم نفسك واغمد حسامك وأظهر للناس استسلامك، فالسلامة أولى من الندامة، فكم من طالب أمر محيل بينه وبين ما طلبه وغافصه أجله، واعلم أنّه لم يحاربك في هذا اليوم رجل أشدّ قوة مني، وقد نزع الله الرحمة عليك من قلبي، وقد نصحت إن قبلت النصيحة، ثم أنشأ يقول:
إني نصحت إن قبلت نصيحتي ... حذراً عليك من الحسام القاطع
ولقد رحمتك إذ رأيتك يافعاً ... ولعل مثلي لا يقاس بيافع
اعط القياد تعش بخير معيشة ... أولا فدونك من عذاب واقع
قال: فلمّا سمع العباس كلامه وما أتى به من نظامه قال له: ما أراك أتيت إلّا بجميل، ولا نطقت إلّا بتفضيل، غير أني أرى حيلك في مناخ تذروه الرياح، أو في الصخرة الأطمس لا بقتله الأنفس، وكلامك كالسراب يلوح، فاذا قصد صار أرضاً بوراً، والذي أصلته أن استسلم اليك فذاك بعيد الوصول، صعب الحصول، وأنا - يا عدو الله وعدوّ رسوله - فمعوّد للقاء الأبطال، والصبر على البلاء في النزال، ومكافحة الفرسان، وبالله المستعان، فمن كملت هذه فيه فلا يخاف ممن برز اليه، ويلك؛ أليس لي اتصال برسول الله (صلى الله عليه واله)، وأنا غصن متصل بشجرته، وتحفة من نور جوهره، ومن كان من هذه الشجرة فلا يدخل تحت الذمام، ولا يخاف من ضرب الحسام، فأنا ابن علي لا أعجز من مبارزة الأقران، وما أشركت بالله لمحة بصر، ولا خالفت رسول الله (صلى الله عليه واله) فيما أمر، وأنا منهوالورقة من الشجرة، وعلى الأصول تثبيت الفروع، فاصرف عنك ما أملته، فما أنا ممن يأس على الحياة ولا يجزع من الوفاة، فخذ في الجد واصرف عنك الهزل، فكم من صبي صغير خير من شيخ كبير عند الله تعالى، ثم أنشأ يقول:
صبراً على جور الزمان القاطع ... ومنية ما أن لها من دافع
لا تجزعن فكل شيء هالك ... حاشا لمثلي أن يكون بجازع
فلئن رماني الدهر منه بأسهم ... وتفرق من بعد شمل جامع
فكم لنا من وقعة شابت لها ... قمم الأصاغر من ضراب قاطع
قال: فلما سمع المارد كلام العباس وما أتى به من شعره لم يعط صبراً دون أن خفق عليه بالحملة، وبادره بالطعنة، وهو يظن أنّ أمره هيّن، وقد وصل اليه، وقد مكّنه العباس من نفسه، حتى إذا وصل اليه السنان قبض العباس الرمح وجذبه اليه، فكاد يقلع المارد من سرجه، فخلّا له الرمح وردّ يده إلى سيفه، وقد تخلله الخجل عندما ملك منه رمحه.
قال: فشرع العباس الرمح للمارد فصاح به: يا عدو الله؛ إنّني أرجوا من الله - تعالى - أن أقتلك برمحك، فجال المارد على العباس وقحم عليه، فبادره العباس وطعن جواده في خاصرته، فشبّ به الجواد فاذا المارد على الأرض، ولم يكن للعين طاقة على قتال العباس راجلاً؛ لأنه كان عظيم الجثة ثقيل الخطوة، فاضطربت الصفوف وتصايحت الألوف وناداه الشمر: لا بأس عليك، ثم قال لأصحابه: ويلكم ادركوا صاحبكم قبل أن يقتل.
قال: فخرج اليه غلام له بحجرة (فرس) يقال له «الطاوية»، فلما نظر اليه المارد فرح بها وكف خجله وصاح: يا غلام عجّل بالطاوية قبل حلول الداهية، فأسرع بها الغلام اليه، فكان العباس أسبق من عدو الله اليها، فوثب وثبات مسرعات وصل بها إلى الغلام، فطعنه بالرمح في صدره فأخرجه من ظهره، واحتوى على الحجرة فركبها، وعطف على عدو الله، فلما رآه تغيّر وجهه وحار في أمره، فأيقن بالهلاك، ثم نادي بأعلى صوته: يا قوم أغلب على جوادي واقتل برمحي!! يالها من سبّة ومعيرة.
قال: فحمل الشمر فاتبعه سنان بن أنس وخولي بن يزيد الأصبحي وأحمد بن مالك وبشر بن سوط وجملة من الجيش فنفضوا الأعنة، وقدموا الأسنة، وجرّدوا السيوف، وتصايحت الرجال، ومالت نحو العباس، فناداه أخوه الحسين (عليه السلام): ما انتظارك يا أخي بعد - والله - فقد غدر القوم بك.
قال: ونظر العباس إلى سرعة الخيل ومجيئهم كالسيل فعطف عليه برمحه فناده المارد: يا بن علي (عليه السلام) رفقاً بأسيرك يكون لك شاكراً.
فقال له العباس: ويلك أبمثلي يلقى اليه الخدع والمحال. ما أصنع بأسير وقد قرب المسير.
ثم طعنه في نحره، وذبحه من الأذن إلى الأذن، فانجدل صريعاً يخور في دمه، ووصلت الخيل والرجال إلى العباس فعطف عليهم، وهو على ظهر «الطاوية»، وكانت الخيل تزيد عن خمسمائة فارس، فلم يكن إلّا ساعة حتى قتل منهم ثمانين رجلاً، وأشرف الباقون على الهرب، فعندها حمل عمر بن سعد وزحفت في أثره الأعلام ومالت اليه الخيل، فصاح به أخوه الحسين (عليه السلام): يا أخي استند إليّ لأدفع عنك وتدفع، فجعل العباس يقاتل وهو متأخر، وقد أدركته الخيل والرماح كآجام القصب، وصار يضرب فيهم يميناً وشمالاً إلى أن وصل إلى أخيه الحسين عليه السالم، فصاح به الشمر «لعنة الله»: يابن علي؛ إن كنت قد رجّلت المارد عن «الطاوية» وقتلته فهي والله التي كانت لأخيك الحسن (عليه السلام) يوم «ساباط المدائن».
فلما وصل العباس إلى أخيه الحسين (عليه السلام) ذكر له ما قاله الشمر من خبر «الطاوية» فنظر الحسين (عليه السلام) وقال: هذه والله الطاوية التي كانت لملك الري وانه لما قتل أبي علي بن أبيط الب وهبها لأخي الحسن (عليه السلام) وصارت الطاوية تلوذ بمولانا الحسين (عليه السلام)... .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|