أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-9-2017
5501
التاريخ:
4645
التاريخ: 7-8-2017
2919
التاريخ: 3-9-2017
3754
|
لقد كان من نفوذ بصيرة العباس أنّه لم تقنعه هاتيك التضحية المشهودة منه والجهاد البالغ حدّه حتى راقه أن يفوز بتجهيز المجاهدين في ذلك المأزق الحرج والدعوة إلى السعادة الخالدة في رضوان الله الأكبر، وأن يحظى بأجور الصابرين على ما يلم به من المصاب بفقد الأحبة، فدعى أخوته من أمه وأبيه، وهم عبد الله وجعفر وعثمان وقال لهم: تقدّموا حتى أراكم نصحتم لله ولرسوله فانه لا ولد لكم فانه أراد بذلك تعريف اخوته حق المقام، وأنّ مثولهم بهذا الموقف لم يكن مصروفاً إلّا إلى جهة واحدة، وهي المفادات والتضحية في سبيل الدين إذ لم يكن لهم أي شائبة أو شاغلة تلهيهم عن القصد الأسنى من عوارض الدنيا من مراقبة أمر الأولاد بعدهم ومن يرأف بهم ويربيهم، فاللازم حينئذ السير إلى الغاية الوحيدة، وهي الموت دون حياة الشريعة المقدسة، فكانوا كما شاء ظنه الحسن بهم حيث لم يألوا جهداً في الذب عن قدس الدين حتى قضوا كراماً متلفعين بدم الشهادة.
ولكن هلمّ واقرأ العجيب الغريب فيما ذكر ابن جرير الطبري في التاريخ قال: وزعموا أنّ العباس بن علي قال لأخوته من أمه وأبيه عبد الله وجعفر وعثمان: يا بني أمي تقدّموا حتى أرثكم فانّه لا ولد لكم، ففعلوا وقتلوا.
وقال أبو الفرج في «مقاتل الطالبين»: قدم أخاه جعفر بين يديه لأنّه لم يكن له ولد ليحوز ميراثه العباس، فشدّ عليه هاني بني ثبيت فقتله.
وفي مقتل العباس قال: قدم أخوته لأمه وأبيه فقتلوا جميعاً فحاز مواريثهم، ثم تقدم وقتل، فورثهم وإياه عبيد الله ونازعه في ذلك عمه عمر بن علي فصولح على شيء رضى به.
هذا غاية ما عندهما وقد تفردوا به من بين المؤرخين وأرباب المقاتل، ولا يخفى على من له بصيرة وتأمل بعده عن الصواب، وما أدري كيف خفي عليهما حيازة العباس ميراث أخوته مع وجود أُمهم «أم البنين» وهي من الطبقة المتقدمة على الأخ، ولم يجهل العباس شريعة تربى في خلالها.
على أنّ هذه الكلمة لا تصدر من أدنى الناس سيما في ذلك الموقف الذي يذهل الواقف عن نفسه وماله، فأي شخص كان يدور في خلده ذلك اليوم حيازة المواريث بتحريض ذويه واخوته للقتل، وعلى الأخص يصدر ذلك من رجل يعلم أنّه لا يبقى بعدهم، ولا يتهنأ بمالهم، بل يكون فعله لمحض أن تتمتع به أولاده.
بئست الكلمة القبيحة التي راموا أن يلوثوا بها ساحة ذلكل السيد الكريم، فهل ترغب أنت أن يقال لك: عرضت اخوتك وبني أمك لحومة الوغى لتحوز مواريثهم؟! أم أنّ هذا من الدناءة والخسة فلا ترضاه لنفسك! كما لا يرغب به سوقة الناس وأدناهم؟
فكيف ترضى أيها المصنف ذلك لمن علّم النسا الشهامة وكرم الأخلاق وواسى حجة زمانه بنفسه الزاكية؟
وكيف ينسب هذا لخريج تلك الجامعة العظمى والمدرسة الكبرى، جامعة النبوة ومدرسة الامامة، وتربى بحجر أبيه، وأخذ المعارف منه ومن أخويه الامامين؟!
ولو تأمل جيداً في تقديمه إياهم للقتل لعرفنا كبر نفسه وغاية مفاداته عن أخيه السبط، فلذة كبد النبي (صلى الله عليه واله) ومهجة البتول، فانّ من الواضح البين أنّ غرضه من تقديمهم للقتل:
أولاً: إمّا لأجل أن يشتدّ حزنه ويعظم صبره ويرزاً بهم، ويكون هو المطالب بهم يوم القيامة؛ إذ لا ولد لهم يطالبون بهم.
ثانياً: وإمّا لأجل حصول الاطمئنان والثقة من الفاداة دون الدين أمام سيد الشهداء، ويشهد له ما ذكره الشيخ المفيد في «الارشاد» وابن نما في «مثير الأحزان» من قوله لهم: تقدّموا حتى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله فانه لا ولد لكم».
ولم يقصد بهم المخايل وإنّما رام أبو الفضل أن يتعرف مقدار ولائهم لقتيل العبرة، وهذا منه (عليه السلام) إرفاقاً بهم وحناناً عليهم وأداء حق الاخوة بارشادهم إلى ما هو الأصلح لهم.
ثالثاً: وإمّا أن يكون غرضه الفوز بأجر الشهادة بنفسه والتجهيز للجهاد بتقديم اخوته ليثاب أيضاً بأجر الصابرين ويحوز كلتا السعادتين.
وربما يدل عليه ما ذكره أبو الفرج في مقتل عبد الله من قول العباس له: «تقدم بين يدي حتى أراك قتيلاً واحتسبك» فكان أول من قتل من أخوته.
وذكر أبو حنيفة الدينوري: أنّ العباس قال لأخوته: تقدموا بنفسي أنتم وحاموا عن سيدكم حتى تموتوا دونه، فتقدموا جميعاً وقتلوا.
ولو أراد أبو الفضل من تقديمهم للقتل حيازة مواريثهم - وحاشاه - لم يكن لاحتساب أخيه عبد الله معنى، كما لا معنى لتفديتهم بنفسه الكريمة كما في «الأخبار الطوال».
وهناك مانع آخر من ميراث العباس لهم وحده، حتى لو قلنا - على بعد ومنع - بوفاة أم البنين يوم الطف، فان ولد العباس لم يكن هو الحائز لمواريثهم لوجود الأطراف وعبيد الله بن النهشلية، فانهما يشتركان مع العباس في الميراث، كما يشاركهم سيد شباب أهل الجنة وزينب العقيلة وأم كلثوم ورقية وغيرهم من أولاد أمير المؤمنين (عليه السلام).
فكيف - والحال هذا - يختص العباس بالميراث وحده.
هذا كله إن قلنا بوفاة أم البنين يوم الطف، ولكن التاريخ يثبت حياتها يومئذٍ وأنّها بقيت بالمدينة وهي التي كانت ترثي أولادها الأربعة.
والذي أظنه أنّ منشأ ذلك التقوّل على ال عباس أنّه أوقفهم السير على قوله لاخوته «لا ولد لكم» من غير روية وتفكير في غرضه ومراده، فحسبوه أنّه يريد الميراث، فنوّه به واحد باجتهاده أو إحتماله، وحسبه الآخرون رواية، فشوّهوا به وجه التاريخ ولم يفهموا المراد، ولا أصابوا شاكلة الغرض، فان غرضه من قوله «لا ولد لكم» تراقبون حاله بعدكم، فأسرعوا في نيل الشهادة والفوز بنعيم الجنان.
على أنّ العلامة الشيخ عبد الحسين الحلي في «النقد النزيه» احتمل تصحيف «أرثكم» من «أزء بكم» أو «أرزأكم» وليس هذا ببعيد.
وأقرب منه احتمال الشيخ الحجة آغا بزرك مؤلف «كتاب الذريعة» تصحيف «أرثكم» من «أرثيكم» فكأنّه (عليه السلام) أراد:
أولاً: أن يفوز بالارشاد إلى ناحية الحق.
وثانياً: تجهيز المجاهدين.
وثالثاً: البكاء عليهم ورثاءهم فانه محبوب للمولى تعالى.
ويشبه قول العباس لأخوته قول عابس بن أبي شبيب الشاكري لشوذب مولى شاكر: يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟
قال: أقاتل معك دون ابن نبي رسول الله حتى أقتل.
فقال: ذلك الظن لك، فتقدم بين يدي أبي عبد الله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك من الصحابة، وحتى احتسبك أنا فانه لو كان معي الساعة أحد أنا أولى به منك لسرني أن يتقدم بين يدي حتى احتسبه، فانّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكل ما قدرنا عليه، فانّه لا عمل بعد اليوم وإنما هو الحساب .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|