المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2742 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تأثير الأسرة والوراثة في الأخلاق
2024-10-28
تأثير العشرة في التحليلات المنطقيّة
2024-10-28
دور الأخلّاء في الروايات الإسلاميّة
2024-10-28
ترجمة ابن عبد الرحيم
2024-10-28
ترجمة محمد بن لب الأمي
2024-10-28
من نثر لسان الدين
2024-10-28

المشهد- المشاهد المشرفة
27-9-2016
استراتيجيـات التـغيير في الشـركات والهيئـات
9-8-2019
مفهوم التنور العلمي
2-2-2021
افة الصرصر الامريكي Periplaneta americana
31-1-2016
articulatory phonetics
2023-05-31
قتال الاقرب فالأقرب
8-10-2014


تعدد المعنى واللفظ (المشترك، الترادف، التضاد)  
  
2811   12:09 مساءً   التاريخ: 16-8-2017
المؤلف : د. فايز الداية
الكتاب أو المصدر : علم الدلالة، النظرية التطبيق
الجزء والصفحة : ص77- 90
القسم : علوم اللغة العربية / علم الدلالة / الدال و المدلول /

 

أثار التقابل بين الدال والمدلول عند علماء اللغة العربية نشاطاً لغوياً لترصد بعض الظواهر، التي أتخذت لا أسماء ذهب معها الدارسين بدلاً من أن ترتب لديهم وتتصاعد في درس دلالي، وهي قضايا الترادف والأضداد والمشترك اللفظي.

وقد ركز ابن فارس في عبارات العلاقات بين الأسماء والمسميات، ذلك أنه يسمى الشيئان المختلفان بالاسمين المختلفين ؛ وذلك أكثر الكلام، كرجل وفرس. وتسمى الأشياء الكثيرة باسم واحد (المشترك اللفظي) نحو عين الماء، وعين المال، وعين السحاب. ويسمى الشيء الواحد بالأسماء المختلفة (المترادفة) نحو السيف والمهند والحسام (1) ".

الوضوح المطلوب ي هذا المجال من التعامل مع التراث اللغوي هو في تقدير ذاك الرصيد الدلالي، الذي يمكن أن نفيد منه اليوم بشيء من التحليل الحديث، إضافة الى عدم الاضطراب في جزئيات المناقشات بين بعض علمائنا القدامى، فإن ما قدمه هؤلاء الأسلاف ثمين ويمثل خطوة في العمل الدلالي، ولا يفترض فيه كذلك أن يسمى القضايا بما نصطلح عليه اليوم. فالمصطلح يتشكل مع نمو الاهتمام في أبواب العلم وبالاحتكاك الثقافي من مثل ما جدّ في درس الدلالة العربية.

سنستعرض بكلمات مفهوم المشترك اللفظي والأضداد والترادف كما ورد عند الباحثين العرب القدامى، ثم نقف عند ظاهرة منها ذات أثر كبير في التحليل الدلالي وهي المشترك اللفظي، وبعد ذلك نتابع عدداً من النقاد في تعاملهم مع تلك الظواهر في الأدب (فقرة 6/2).

" فالمشترك حده أهل الأصول بأنه اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين

ص77

فأكثر دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة واختلف الناس فيه، فالأكثرون على أنه ممكن الوقوع (2) ".

وأما التضاد فقد عد جزءاً من مفهوم المشترك، ذلك أن " المشترك يقع على شيئين ضدين، وعلى مختلفين غير ضدين، فما يقع على الضدين كالجون (للأبيض والأسود) وجلل (للعظيم وللحقير) ؛ وما على مختلفين غير ضدين كالعين (3) ".

‏وفي المزهر تعريف مختصر للترادف " فهو الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد (4)، وتفصيل لآراء اللغويين والأصوليين فيه غن للباحث. ثم قال السيوطي: " ممن ألف في المترادف العلامة الفيروزآبادي صاحب القاموس فله كتاب ساه: الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف. وأفرد خلق من الأئمة كتباً في أسماء أشياء مخصوصة (5) ".

لقيت ظاهرة المشترك اللفظي الدلالية عناية الفلاسفة والمفكرين، عندما ناقشوا المسائل اللغوية في إطار بحث (العبارة) المنطقي، كما ‏في جهود ابن سينا في (الشفاء) و(النجاة)، ومن قبله وقف الفارابي مشيرا إليها، وقف ثم الغزالي في عرفاً في (معيار العم) و (المستصفى).

‏وصنفت جهرة من اللغويين والكتاب مصنفات تجمع فيما يشبه المعجم ألفاظ المشترك اللفظي تفاوتت اتساعا واختصاراً، نذكر منها: رسالة للأصمعي 215هـ (ما اتفق لفظه واختلف معناه) وكتابا لأبي العميثل (2٤٠ )، وكتابا صغيراً للمبرد (285هـ) حدده (بالقرآن المجيد)، وكتابا مفصلا لكُراع (٣١0 هـ)‏ ، ومصنفاً

ص78

بعنوان الوجوه في اللغة، يقع في ألفي ورفة لإسحاق بن محمد الآسي وصلنا مختصره لأبي يوسف محد بن أحد بن يوسف الخوارزمي الكاتب.

‏وفي ( المزهر) حديث يظهر اهتمام عدد كبير من اللغويين العرب بالمشترك وشرحه والتمثيل له من الكلام العربي (6).

‏حاول هؤلاء المهتمون بالمشترك تفسيره ظاهرة لغوية فقارنوها بمصطلحين هما ( المنقول ) و ( المستعار)، وإننا نرى أن التطور الدلالي ينطبق على عظم ما ورد من حالات المشترك اللفظي، و ما تردد الدارسين أمامه إلا لأنه موغل في الماضي، فبعدت العلاقات الرابطة بين أصل وفرع نقل إليه، أو خصص فيه فهم يعبرون عن هذا الإشكال بقولهم: إذ التعدد في الدلالة كان في أصل الوضع اللغوي. والمنطق العلمي لا يقبل هذا إلا في حالات محدودة لالتقاء اللهجات العربية القديمة، وسائر الألفاظ المشتركة إنما اكتسبت دلالاتها الإضافية في أثناء مسيرتها الاجتماعية والفكرية والاقتصادية في أزمنة متلاحقة.

‏ولأهمية هذه القضية الدلالية سأورد أراء للفارابي وابن سينا والغزالي، ثم آتي بشواهد للمشترك موجزة مع إشارات موجهة الى صلتها بحالات التطور الدلالي.

‏يقول الفارابي في كتاب ( العبارة ):

‏" الفرق بن المنقول والمشترك: أن المشترك إنما وقع الاشتراك منذ أول ما وضع من غير أن يكون أحدها أسبق في الزمان بذلك الاسم.

‏والمنقول هو الذي سبق به أحدهما في الزمان، ثم لقب به الثاني، واشترك فيه بينهما بعد ذلك.

‏والاسم المشترك: منه ما يقال على أشياء كثيرة بأن اتفق ذلك فيها اتفاقا،

ص79

مثل اسم العين الذي يقال على العضو الذي به يبصر، وعلى ينبوع الماء، ومنه ما يقال على شيئين لأجل مشابهة أحدهما الآخر، لا في المعنى الذي دل عليه ذلك الاسم من أحدهما، بل في عرض ما مثل الإنسان والفرس، يقال عليهما جميعا ( الحيوان ) (7).

‏ويتناول ابن سينا الاصطلاحات وأبعادها في ( النجاة  ) فيقول:

" فإما أن يكون لفظا مشتركا  ‏وهو الواقع على عدة معان ليس بعضا أحق به من بعض، كالواقع على ينبوع الماء وعل آلة البصر والدينار، وإما أن يكون لفظا منقولا وهو الواقع على عدة بمعان عدة، ولكن وقوعه على أحدها أقدم على أن المتأخر مسمى به على الحقيقة، كلفظة المنافق والفاسق واكافر ولفظة الصوم والصلاة.

‏وإما لفظا مستعارا وهو الذي أخذ للشيء من غيره من غير أن ينقل في اللغة فجعل اسما له على الحقيقة وإن كان في الحال يراد به معناه، كقول القائل: إن الأرض أم للبشر (8) ".

‏والإمام الغزالي يناقش المسائل في  (معيار العلم ) فيقول (9):

‏" وأما المنقول: فهو أن ينقل الاسم عن موضوعه إلى معنى آخر، ويجعل اسما له ثابتا دائما. ويستعمل في الأول فيصير مشتركا بينهما ( الصلاة ) و ( الحج ) ولفظ (الكافر) و (الفاسق).

‏وهذا يفارق ( المستعار) بأنه صار ثابتا في المنقول إليه دائما، ويفارق

ص80

‏(المخصوص باسم المشترك) بأن المشترك هو الذي وضح بالوضع الأول مشتركا للمعنيين، لا على أنه استحقه أحد المسميين، ثم نقل عنه الى غيره، إذ ليس لشيء من (ينبوع الماء) و (الدنيا) و (قرص الشمس) و (العضو الباصر) سبق إلى استحقاق اسم (العين)، بل وضع للكل وضعا متساويا بخلاف (المستعار) و (المنقول).

‏ويستعمل المنقول في العلوم كلها لمسيس الحاجة إليها ؛ إذ واضع اللغة لما لم يتحقق عنده جميع المعاني، لم يفردها بالأسامي، فاضطر غيره الى النقل. ( فالجوهر ) وضعه واضع اللغة لـ (‏ حجر ) يعرفه الصيرفي. والمتكلم نقله الى معنى حصله في نفسه وهو أحد أقسام الموجودات، وهذا مما يكثر استعماله في العلوم والصناعات " إننا بتأمل هذه الآراء نصل الى النقاط المفيدة في تحليلات للألفاظ العربية، واستكشاف حالاتها التطورية القديمة بفاعلية تنشط اللغة لتستوعب الجديد من معطيات المادة والفكر والانفعالات. وتواتر  (النقل، والاستعارة، والمشابهة ) يعني أن وعيا دقيقا بحيويتها تحقق لعلماء العربية ( وهم لغويون واصوليون وفلاسفة ونقاد و أدباء ) ورافقه ذاك الجمع لألفاظ المشترك، ومنها ما ورد في ( مختصر وجوه اللغة )  للخوارزمي اكاتب:

1- الأم: الوالدة، وأصل كل شيء، والملجأ في النوائب، وام الكتاب: فاتحته:وأم الراس: موضع الدماغ، والأرض، ولواء الرمح.

2- الجارية: إحدى الجواري، والسفينة، وعين كل حيوان، وعين الماء، ونعمة الله عز وجل، والشمس، والبكرة ( التي تدور على محور ويرفع الماء  بوساطتها، إذ يربط الدلو بحبل مثبت طرفه بها ).

‏3- الحر: نقيض العبد، والكريم الحسن الخلق، وفرخ الحمام، وساق حر

ص81

‏ذكر القماري، والفرس العتيق، وما يرى من وجنة الوجه، ووسط الشيء وخياره، وولد الحية اللطيف، والرملة الطيبة، وولد الظبية، وسواد في ظاهر أذني الفرس، ورطب الأزاذ، والحران كوكبان وها الذنبان.

٤- الرحى: التي يطحن بها، والضرس، وكركرة البعير ( مقدم صدره )، ورحى الحرب إذا استدار القوم، وجوشن الفيل ( صدره  )، وجماعة الإبل، والسيد رحى القوم، وكبار الصخر، وقطعة من النجف تعظم نحو ميل النجفة: أرض مستديرة مشرفة).

‏ه-  الصلعاء: ضد الفرعاء، والأمر الشديد، والصحراء، والليلة الحارة.

٦- العصفور: الطائر، والكتاب، والملك، وأم الرأس من الدماغ، ومسمار السفينة، والعصافير: العيدان تجمع أحناء الرحل، والذكر من الجراد، وغرة الفرس لا تبلغ الخطم، والشعر، واول الشباب، وعصافير البيت: أوتاده، والعظم الناتئ، من أذن الفرس، والنجيب من الإبل، والجوع.

٧ - الكلب: معروف، والخشبة يعمد بها الحائط. وحديدة الرحى على رأس القطب، وكلب الرحل وهو حجته يعلق بها السقاء، واللسان، وخرز السير بين السيرين، وأول زيادة الماء في الوادي، ومسمار مقبض السيف، وشجر له شوك ينبت في السباخ، والرجل الجافي البذي، وكلب قبيلة.

8- الهلال: غرة القمر حين يهله الناس، والغبار، وحي من أحياء العرب، وحديدة يعرقب بها الوحش، والطاحونة، والحية، وسمة في الفخذ، وشيء من ملابس النساء، و صب النساء، والجد يضم بين قبيلتي أحياء العرب.

‏نشير في إثر المواد التي يتحقق فيها مفهوم المشترك اللفظي الى أن السياق إذا أحكمت أطرافه ظهرت الدلالة المميزة لهذا الرمز اللغوي سواء كانت مجاز قديما باليا، أم مجازات قريبة منا عصرا.

 ص82

وثمة ظواهر دلالية تتصل بمشكلة اللفظ والمعنى نجد لها مكانا في جهد النقاد، وهي تدور حول تعدد الألفاظ للمعنى الواحد: الترادف وتعدد المعاني للفظ الواحد  (المشترك اللفظي والاضداد)، وسنعمل في هذا الحيز من البحث على إجمال صورتها كما ‏وردت في المصنفات النقدية، وسنشير الى إمكانية الاستفادة من هذه الظواهر في هذا النقد الادبي.

1- لقد تميزت مشكلات الترادف و المشترك اللفظي والتضاد، بالتركز في كتب الشروح فنراها عند ابن جني في  (الفسر الكبير، والفسر الصغير، وشرح أرجوزة أبي نواس، والتمام في تفسير بقية أشار هذيل، والفتح الوهبي على مشكلات المتنبي )  وعند ابن الأنباري وابن النحاس في ( شرحهما على القصائد المعلقات ). أما المؤلفات النقدية الأخرى فحظها من هذا الجانب الدلالي قليل، وكاد يكون الآمدي في  (الموازنة) استثناء فهو يلتفت الى بض المسائل ويناقشها.

‏ويرجع اهتمام أصحاب الشروح بالمترادف والمشترك الى أنر يتابعون القصائد شارحين لها مما يجعلهم يقفون عند الأبيات ومكوناتها من عبارات والفاظ مفردة، ويقلبون الوجوه الاحتمالية لدلالات الكلمات فيحتاجون إلى التنبيه على المتعدد كيلا يقع القارئ في لبس أو وهم مما يؤدي إلى اضطراب في غرض الشاعر، وهذه الرؤية القريبة التفصيلية ليست متاحة بقدر كاف للنقاد الآخرين الذين عنوا بتقسيمات لموضوعات الدرس تختلف عما هي عليه مناهج الشروح، ولو كان لنا أن تفترض استفادة يحصلها هؤلاء لكانت مرتبطة بترتيب مرحلي يبدأ بالكتب الشارحة التي تفصل القضايا الدلالية كهذه المناقشة ههنا، ومن ثم يستخلص أصحاب المؤلفات النقدية الأخرى نتائج عامة يتناولونها بالمحاورة والجدل ويذكرون الأمثلة الموضحة لها، فكثرة المشترك اللفظي والترادف والتضاد في شعر شاعر أو مجموعة من الشعراء تستوقف الباحث في الشعر القديم والمحدث، وتثير

‏ص83

‏عددا من المسائل الفرعية في لغة الشاعر، وأسباب بروز هذه الظواهر في نتاجه ( أسباب قبلية، وجغرافية وثقافية بالنسبة الى المتأخر المحدث ) واستخلاص مؤشرات مفيدة في فهم الأعمال القديمة وتلك المحدثة أيضا.

٢ - والاتجاه التطبيقي هو الغالب في الشروح، وفيما ورد في المصنفات الأخرى فنحن نلحظ وقوفا عند لفظة، ومن ثم بسطا لعدد من المرادفات لها، أو ذكر المعنى ( أو المعاني ) الآخر الذي يؤديه اللفظ المشترك  (وفيه التضاد).

‏أ - فمن أمثلة الترادف ما علق ابن الأنباري على بيت عمرو بن كلثوم:

‏ترى اللحز الشحيح إذا  أمرت               ‏عليه لماله فيها مهينا

‏قال أبو عمرو: اللحز السيء الخلق اللئيم، وقال غيره: يقال للسيء الخلق: الشرس، والشكس و اليلندد. والقاذورة: الفاحش السيء الخلق. قال متمم بن نويرة اليربوعي:

‏وإن تلقه في الشرب لا  تلق فاحشا             على الكأس ذا قاذوره متريعا (10)

‏وما جاء لدى ابن جي في الفسر شارحاً المتنبي إذ يقول:

‏مرت بنا بين ترتيها فقلت لها         من أين جانس هذا الشادن العربا ؟

‏" فالترب، والقرن، واللدة شيء واحد، إذا كان سنها واحدا(11)".

‏وكذلك ما أورده ابن النحاس من اسماء الخمر تعقيبا على شرح المدامة في بيت عنترة:

‏ولقد شربت من المدامة بعدما          ‏ركد الهواجر بالمشوف المعلم

ص84

‏فقد خصت الخر بأسماء وصفات، وهذه اسماء الخمر وصفاتها، فبعض ذلك عن البصريين وبعضه عن الكوفيين: " هي الخمر والقهوة والسلافة، والمدام والعقار والراح والشمول والقرقف والإسفنط، والسلسل والسلسال والخرطوم والخندريس، والصرخدية، والمقذية، الخمطية، والكميت والعاتق والماذية، والمزاء والمزة والكلفاء (12) " وابن النحاس يتابع سرده هذا شارحاً كل ما أتى به، وعلى الرغم من أنه نبه الى الاسمية والوصف إلا أنه لم يحرص على تمييز كل قسم من القسم الآخر.

ويكاد الآمدي ينفرد بأنه يورد المترادف مع شيء من الشرح والمناقشة فبيت البحتري:

فمجدل ومرمل وموسّد            ومضرج ومضمخ ومخضب

يعيبه بعضهم بقوله: إن (مضرج ومضخ ومخضب) بمعنى واحد، ولو أراد البحتري رجلاً واحداً أنه مضرج ومضمخ ومخضب جاز، لأن كل لفظة تكون مؤكدة للأخرى، لكن الشاعر إنما أراد: فمنهم مضرج ومنهم مضمخ ومنهم المخضب كما قسم في صدر البيت.

فيرد الآمدي بأن هذا الذي جاء به البحتري ليس بمنكر، ويبين أسباب استعمال الشاعر ذلك " أن المضرج من الضرج وهي الحمرة المشرقة التي ليست بقاضية، والمضمخ يريد به غلظ الدم وأنه قد صار في متانة الطيب الذي يتضمخ به، والمخضب أراد أن الدم قد خضبه كما يخضب بالحناء، ففي كل لفظة ما ليس للأخرى، وإن كانت الحمرة قد شملت الجميع " (13). والناقد هنا يسعى الى نصرة

ص85

شاعره الذي يحابيه في مواضع من موازنته، فيظهر الفروق بين أسماء تبدو واحدة في رأي بعضهم، وليس هذا مذهباً عاماً للآمدي في مسألة الترادف، لأنه يقرّ في مناقشة أخرى بأن ثمة كلمات تترادف وتمحى الفروق والاختلافات بينها بتقدم الزمن، فلأبي تمام أبيات يتخذها الناقد مثلاً لخروجه الرديء:

يد الشكوى أتتك على البريد                  تمد بها القصائد من نشيد

تقلّب بينها أملاً جديداً                         تدرع حلتي طمع جديد

شكوت الى الزمان نحول جسمي           فأرشدني الى عبد الحميد

ويعقب الآمدي: " وقوله " أملاً جديداً... جديد " لفظ رديء جداً، لأن معنى الطمع والأمل والرجاء معنى واحد في مقاصد الناس، واستعمالهم، تقول أنا آمل من الله تعالى الفرج كما تقول أطمع، وإنما ينسق (يعطف) بعضها على بعض لاختلاف اللفظ.

وتقول: قد انقطع من فلان الطمع، وانقطع الرجاء وكذلك خاب، فإن كان بين هذه الألفاظ فرق في أصل وضع الكلام فقد أجريت مجرى واحداً، فلا فائدة إذن في قوله: (أملاً جديداً تدرع حلتي طمع جديد)، ولو كان قال (تدرّع حلتي عزم جديد) كان أولى بالصواب " (14).

وقد تسلك الملحوظة الأخيرة للآمدي ضمن اللمحات النظرية النادرة في الكتب النقدية جميعها، ويقرب منها صنيع ابن النحاس إذ ينقل رأي أبي العباس (الأغلب أنه ثعلب) في المترادف بإيجاز شديد، وإجمال فلا يظهر الجانب التقعيدي، بل إنه يتحرز ولا يقبل الفكرة قبولاً تاماً عندما يروي بصيغة (زعم)، ومؤدى هذا الرأي أنه لا يوجد ترادف إذا ما أردنا بهذا الاصطلاح تطابق المعنى في كل لفظ من المترادف، ويدور الحوار حول البيت:

ص86

أمرتك الخير فافعل ما أمرت به            فقد تركتك ذا مال وذا نشب

فاين النحاس يذكر أنهم قالوا: " المال والنشب واحد ". ويعقب بعبارة " وزعم أبو العباس أنه لا يجوز أن يكرر الشيء، إلا وفيه فائدة "، وقال: النأى ما قل من البعد، والبعد لا يقع إلا لما كثر، وقال: النشب ما ثبت من المال نحو الدور وما أشبهها، نذهب الى أنه من نشب ينشب إذا ثبت، وكذلك في قول الله عزوجل {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً} [المائدة 5/48] قال: الشرعة ما ابتدئ من الطريق، والمنهاج: الطريق المستمر، وقال غيره: الشرعة والمنهاج واحد وهما الطريق، ويعني بالطريق ههنا: الدين (15).

وأما ابن جني فهو يعلل ظاهرة الترادف في شروحه المختلفة، ولا يبدي فيها رأيا إلا في كتابه (الخصائص) ضمن باب لا يعنون باسم الظاهرة الاصطلاحي (في الفصيح يجتمع في كلامه لغتان فصاعداً)، وهو يرى أن مرد التعدد ي الأسماء للمعنى الواحد يرجع الى اختلاف القبائل، واجتماع الكلمات المتباينة للمدلول ألفاظ مختلفة فسمعت في لغة إنسان واحد، فإن أحرى ذلك أن يكون قد أفاد أكثرها أو طرفاً منها من حيث كانت القبيلة الواحدة لا تتواطأ في المعنى الواحد على ذلك كله. هذا غالب الأمر، وإن كان الاحتمال الآخر: أي تعدد الألفاظ في القبيلة في وجه القياس جائزاً، وذلك كما جاء عنهم في أسماء الأسد والسيف والخمر وغير ذلك، كما كثرت الألفاظ على المعنى الواحد كان ذلك أولى بأن تكون لغات لجماعات لإنسان واحد من هنا ومن هنا " (16).

ب) ونطالع من أمثلة المشترك اللفظي لدى ابن الأنباري ما يتصل بلفظ (الإمام) في بيت لّبيد:

ص87

من معشرٍ سنّت لهم آباؤهم                 ولكن قومٍ سنة وإمامها

فالإمام: المثال قال الشاعر:

أبوهُ قبله وأبو أبيه                بنوا مجد الحياة على إمامِ

معناه على مثال. والإمام: الكتاب، والرسول. قال الله عزوجل {يوم ندعو كل أناسٍ بإمامهم} [الإسراء 17/71]، والإمام: الطريق الذي يؤتم به. قال الله تبارك وتعالى {وإنهما لبإمامٍ مبين} [الحجر 15/79] (17).

ومما جاء في (الفسر) لابن جني نعرض المعاني التي تؤديها صيغة (الواجد) على الرغم من اختلاف المصدر الذي اشتق منه، فإن لم يكن واضحاً، وفارقاً بين الوجوه المحتملة فإن التعدد هو الأسبق الى الذهن،. ويثير المسألة بيت المتنبي:

وللواجد المكروب من زفراته                  سكونُ عراءٍ أو سُكون لُغوبِ

(الواجد): الحزين، يقال: وجدت في الحزن وجداً، و(الواجد: واجد الضالة، ومصدره الوجدان، و (الواجد): المعنى، ومصدره الوجدُ والوجد الوِجْد والجدةُ، و(الواجد): الغضبان، والمتعتب، ومصدره: الموجدة، و (الواجد): العالم، تقول: وجدت زيداً أخاك، أي علمته أخاك. قال الشاعر " الحمد لله الغني الواجد " (18).

وتستدعي لفظة في بيت لأبي تمام تناول أكثر من وجه لها في الاستعمال، فالبيت هو:

من كلّ ناجيةِ كأن أديمها                       حيصتْ ظهارته بجلدٍ أطومِ

ص88

وقول الشاعر: (حيصت) يعني خيطت بجلد أطوم. يقال: إن الأطوم: السلحفاء البحري الذي يجعل من جلده الذبل، ويشبه جلد البعير الأملس به، ويقال: الأطوم سمكة في البحر غليظة، وقيل: بل هي بقرة يتخذ من جلدها الخفاف للحمالين (19).

ج- ومن الأضداد (البين) كما يرى ابن الأنباري، إذ يقف أمام بيت لعمرو بن كلثوم:

قفي نسألك هل أحدثت وصلاً                لوشك البين أم خنتِ الأمينا ؟

فالبين: الفراق، والبين: والوصال، قال الله عزوجل: {وجعلنا بينهم موبقاً} [الكهف 18/52]. معناه: جعلنا تواصلهم في الدنيا مهلكاً لهم في الآخرة. وقال الشاعر:

لعمرك لولا البين لا نقطع الهوى           ولولا الهوى ما حنّ للبين آلف

فالبين الأول والثاني بمعنى الوصال (20).

ويذكر ابن جني في الفسر أيضا لفظة (القشيب) على أنها من الأضداد، وقد وردت في بيت المتنبي:

أيا منْ عاد روحُ المجد فيه             وعاد زمانه البالي قشيباً

" فالقشيب الجديد هنا، وهو (الخلق) أيضاً في غير هذا الموضع، وهو من الأضداد، قال الكميت:

ينشق عن حدها الأتي كما              شقت مآلي المأتم القشب

ص89

يعني بالقشب: الجدد. ولم يذكر ابن دريد أنه من الأضداد، وقال: هو الجديد " (21). وهكذا نجد أن النقاد والشراح منهم خاصة، لم يفيدوا من القيم الدلالية في ظواهر الترادف والمشترك اللفظي والأضداد إفادة كبيرة، وإن ما لديهم – وقد عرضنا نماذج ممثلة له – يعد مادة أولية للبحث والدراسة، يمكن معالجتها من وجهتين: الأولى تتم بالبحث في المواضع والمواد اللغوية، وأسباب قابليتها لأن تثير مسائل دلالية خاصة – الترادف.... – والثانية يدرس من خلالها العلاقة بين استعمال الشاعر لمفردات ملبسة وذات قدرة على الاشتجار بأصول لغوية عدة، والعملية الإبداعية. وههنا يساعد الباحث مجمل علاقات الشاعر ببيئته الطبيعية والاجتماعية والثقافية.

وإننا نتبع هذه الفقرة بمسرد للمواضع التي استطعنا إحصاءها فيما يتعلق بهذه الظواهر الدلالية في كتب النقد.

ص90

___________________

‏(1) المزهر، السيوطي (1/369).

(2) المزهر، السيوطي (1/319).

(3) المزهر، السيوطي (1/387).

‏(4) المزهر، السيوطي (1/402).‏

‏(5) المزهر،  (1/407).

(6) المزهر، ( 1/ 369 – 386 ).

(7) العبارة، أبو نصر الفارابي ٢٠ ‏_ ٢١ ‏. تحقيق د. محمد سليم سالم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ٦ 7 ١٩ ‏م، وينظر كذلك ٢٤ ‏.

(8) النجاة، ابن سينا 90‏، ط محي الدين صبري الكردي، ط ٢ ‏، ١٣٥٧ ‏_ ١٩٣٨ ‏م القاهرة.

(9)  معيار العلم، الغزالي ‏.86 - ٨٧ ‏، وكذا في المستصفى (١ ‏/ ٣١ ‏_ ٣٢ ‏).

(10) ابن الانباري، شرح القصائد السبع ٣٧٣ ‏- ٣٧٤ ‏.

‏(11) ابن جني، الفسر الكبير (١ /‏ 25٤ )‏.

(12) شرح القصائد التسع، ابن النحاس 497 فما بعد.

(13) الموازنة (1 ص 400 – 401).

(14) الموازنة (2 / 326-327).

(15) ابن النحاس، شرح القصائد التسع 462.

(16) الخصائص، ابن جني (1/373-374).

(17) شرح القصائد السبع، ابن الأنباري 593.

(18) الفسر الكبير، ابن جني 155.

(19) الموازنة (2/280).

(20) شرح القصائد السبع 377.

(21) الفسر الكبير، ابن جني 326، والإشارة هنا في الأغلب الى (الجمهرة) معجم ابن دريد المعروف.

 




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.