أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-12-2019
1693
التاريخ: 23-3-2017
2521
التاريخ: 7-4-2016
2676
التاريخ: 7-4-2016
12299
|
عزمت الدول منذ القدم على إقامة العلاقات فيما بينها بل دأبت دوماً على تعزيزها والبذل من أجل ازدهارها إلا ان لكل شيء في العالم إيجابياته وسلبياته ، فتكونت مع مرور الزمن فترات توتر وأزمات بين الدول الأمر الذي دفعها إلى التفاقم حتى قامت الحروب والأزمات وساد منطق القوة على بعض العلاقات الدولية فأورث البشرية الخسائر والويلات ، والحروب وما يلحق بها من أحداث قتل وتدمير وتخريب لم تقتصر على زمن من الأزمان أو حقبة من الحقبات بل استمرت معها الانتهاكات الجسيمة للبشرية جمعاء مولدة أزمات جديدة ، الأمر الذي دفع نخبة من البشر للعمل على الحد من هذه الحروب ووضع نظام يحاسب مجرميها . من هنا ظهرت أهمية القانون الجنائي الدولي على اعتبار أنه قانون يوقع العقوبة على منتهكي النظام العام الدولي في أشد صور الانتهاك من حيث الجسامة ، حيث أن القانون لا يحاسب فقط على قتل إنسان أو إصابته بل هو قانون يعمل على محاسبة الجرائم التي تتمثل في الحرب وما يحدث فيها من فظائع ضد الإنسانية مثل إبادة جنس بشري معين ، أو تدمير البيئة الطبيعية أو تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين أو ضد مواقع لا تشكل أهدافاً عسكرية أو قتل المقاتل الذي يسلم سلاحه ويستسلم مختار أو استخدام الأسلحة السامة الضارة . إذا السؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هو القانون الجنائي الدولي ؟ أي ما تعريفه ومفهومه ؟
اجتهد العديد من فقهاء القانون على وضع تعاريف عديدة يوضحون من خلالها المقصود بالقانون الجنائي الدولي ، فاتفقت مجموعة منهم على أن القانون الجنائي الدولي هو (( القواعد القانونية الناشئة عن المعاهدات الخاصة بالمساعدات الدولية في شأن تطبيق النصوص الجنائية الوطنية ، مثال القواعد الخاصة بتسليم المجرمين وتنفيذ الأحكام الأجنبية ، والإنابات القضائية ، كاستجواب متهم أو شاهد أو ضابط هارب )) (1) إلا أننا نرى أن مثل هذا التعريف يعتبر تعريفاً ضيقاً للمفهوم الحقيقي للقانون الجنائي الدولي وذلك يعود إلى أن التعريف السابق يركز على المجرمين العاديين أي الذين يقومون بجرائم تسري عليها من حيث الأصل قواعد القانون الداخلي (قانون الدولة) ويدخل فيها اختصاص القانون الدولي عند هروب المتهم أو فراره فيتم إعمال المعاهدة التي دخلت بها الدولة التي تسعى للإمساك بالمتهم وكما أسلفنا سابقاً أن حاجة للقانون الجنائي الدولي ظهرت للحد من الانتهاكات التي تحصل في الحروب كقتل المقاتل المستسلم اختيارا أو استعمال الأسلحة السامة أو إبادة جنس معين من البشر أو بمعنى أصح أن هذا التعريف لا يتعرض للانتهاكات الجسيمة أو الخطيرة على الجنس البشري بل على مجرم فار من العدالة . وبالتالي فإن انتقادنا لهذا التعريف هو أنه تعريف يركز على إتاحة الفرصة لتطبيق القانون الوطني تطبيقاً فاعلاً ومنتجاً أي لا يتناول تنظيم الجرائم الدولية . هذا التعريف دفع فريقاً من الفقهاء إلى وضع تعريف آخر وهو ((القواعد القانونية التي قررتها بعض المعاهدات في شأن الجرائم ذات الخطورة التي لا تقتصر على دولة واحدة ، وإنما تمتد إلى عدد من الدول بالنظر إلى كون مرتكبيها أعضاء في عصابات دولية تباشر نشاطها في أقاليم دول مختلفة ، مثال ذلك جرائم الاتجار في الرقيق وتهريب المخدرات ، وجرائم تزييف العملة والمسكوكات ، وجرائم الاتجار في النساء والأطفال من أجل الفجور والدعارة )) (2) يتناول هذا التعريف الجرائم التي ترد عادة في نصوص القانون الجنائي الدولي أي القانون الوطني الداخلي للدولة فهو يعالج جرائم ينص عليها القانون والتعريف يحاول أن يسهل من إعمال قواعد القانون الوطني وبالتالي فانه لا يعد صحيحا إطلاق صفة القانون الجنائي الدولي على هذه الطائفة من الجرائم بالمعنى الذي نسعى إليه في هذه الدراسة نعم يمكن أن تصبح هذه الجرائم جرائم دولية عند توافر شروط معينة مثال ان يحدث فعل ضار لدولة اخرى كمسألة من مسائل القانون الدولي الخاص ولكن ذلك لا يعني أنه تعريف موضح لمفهوم القانون الجنائي الدولي . إلا أن التعريف الأقرب للصحة هو تعريف الفقيه (Graven) حين قال: (هو مجموعة من القواعد القانونية المعترف بها في العلاقات الدولية والتي يكون الغرض منها حماية النظام الاجتماعي الدولي بالمعاقبة على الأفعال التي تتضمن اعتداء عليه) (3) إذا يمكن لنا تعريف القانون الجنائي الدولي على انه:
القواعد القانونية المحددة للأفعال التي تعد جرائما دولية والموضحة للجزاءات الجنائية المستحقة على مرتكبيها والمعتمدة في نطاق العلاقات الدولية.
من التعريف نستطيع أن نستشف أن القاعدة القانونية حتى نتعرف عليها ونصنفها على أنها قاعدة تنظم مسالة من مسائل القانون الجنائي الدولي فإنها لابد وان تتمتع بخاصتين هما:
1.الخاصية الجنائية.
2.الخاصية الدولية.
والآتي الحديث عن كل منهما:
(الخاصية الجنائية)
لا يغيب عن ذهن أي فقيه أو باحث في الحقل الجنائي المبدأ الأساسي لأي تشريع جنائي وهو مبدأ المشروعية القاضي بأن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني أي أن الفعل لا يدخل تحت طائلة التجريم إلا ان كان مجرما فعلا والأمر سيان في العقوبة حيث أنه لا يجوز أن توقع أية عقوبة من غير أن يكون لها سند من نص القانون .
وعليه فإن القاعدة يجب وأن تحمل خاصية تحديد الجريمة والنص على جزاء من يرتكب الجريمة .
وبمعنى أصح فانه يقصد بمبدأ المشروعية وجوب النص على الجريمة وعلى عقابها في القانون ، فالقانون يتولى مهمة ايضاح السلوكيات التي تعتبر جرائم وهو الذي يحدد العقوبات التي توقع على مرتكبيها.
ومن مسؤوليتنا أن نوضح أن الشريعة الاسلامية الغراء قد سبقت القوانين الوضعية في تقرير هذا المبدأ منذ مايقارب الأربعة عشر قرنا من الزمان ، قال سبحانه وتعالى في سورة القصص الآية 59 : (( وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا )) وفي سورة الاسراء الآية 15 قال تعالى : (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )) و قال سبحانه : ((لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )) . هذه الآيات العظيمة التي وردت في مواطن مختلفة من سور القرآن الكريم تبين لنا حال الناس قبل ارسال الرسل وحالهم بعد ارسال الرسل فالله سبحانه وتعالى يوضح للناس رحمته على عدم محاسبة الناس في الاعمال التي لايعرفون ان كانت آثمة أم جائزة حتى يرسل اليهم رسله ويبين لهم الصواب وعند العلم تتم المحاسبه والحال نفسه عندنا في القوانين والتشريعات الحديثة ان لا جريمة و لا عقوبة الا بنص القانون عليها ، وهذه الآيات الكريمة قد تفرع منها قواعد أصولية عديدة تؤكد مبدأ الشرعية مثل القاعدة الشرعية (( لا حكم لأفعال العقلاء قبل ورود النص )) وتعني أن افعال المكلف لا يمكن وصفها بأنها محرمة ما لم يرد نص يقضي بتحريمها .
(الخاصية الدولية)
ينبغي لمعرفة هذه الخصيصة الإلمام بأمر هام وهو عدم الخلط بين القواعد الخاصة بالقانون الجنائي الدولي وقواعد القانون الدولي الخاص حيث أن الأخيرة تتناول مواضيع تنازع القوانين الوطنية للدول ولا تركز في نصوصها على تجريم الأفعال بل مهمتها قاصرة على تنظيم الاجراءات حسب موضوع كل نزاع، الا انه في حال ما إذا نشأت مشكلة حول جريمة دولية فإن مسألة تنظيم الإجراءات التالية لوقوع الجريمة الدولية يندرج تحت نطاق قواعد القانون الجنائي الدولي فهي قواعد لها جوانب شكلية وأخرى موضوعية أي بمعنى أوضح أن الجريمة الدولية هي أساس الموضوع في القانون الجنائي الدولي .
وكذلك ينبغي عدم الخلط بين القانون الدولي العام والقانون الجنائي الدولي وذلك لان الدولية في الأول تنحصر في العلاقات الدولية بينما الدولية في الثاني تتجاوز الحد الذي يتوقف عنده القانون الدولي العام ليكون هناك الفرد الذي أما يكون جانيا أو مجنيا عليه.
بعد أن عرفنا القانون الجنائي الدولي بأنه القواعد القانونية المحددة للأفعال التي تعد جرائماً دولية والموضحة للجزاءات الجنائية المستحقة على مرتكبيها والمعتمدة في نطاق العلاقات الدولية، وأن القاعدة القانونية حتى تكون منظمة للقانون الجنائي الدولي يجب أن تتسم بخاصتين الجنائية والدولية فإنه يلزم علينا التعرف على أهداف هذا القانون .
(أهداف القانون الجنائي الدولي)
المصالح المشتركة لأعضاء المجتمع الدولي كانت ولا تزال محط اهتمام من قبل حماة المجتمع الدولي ، هذه المصالح جاء ذكرها في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مثل تجريم الإبادة الجماعية التي تهدف إلى إنهاء نسل طائفة معينة مثال ذلك ما قام به الصرب ضد المسلمين في البوسنة والهرسك من عمليات أطلقوا عليها عمليات التطهير العرقي أو ما قام به هتلر النازية من وضع الطائفة اليهودية بأفران حرارية وتركهم للموت أو ما قام به الطاغية المخلوع صدام حسين من إطلاق السلاح الكيميائي على الأكراد فهذه المصلحة (( تحريم الإبادة الجماعية)) تعني (( أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه هلاكاً كلياً أو جزئياً :ـ
أ- قتل أفراد الجماعة .
ب- إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة .
ج- إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً .
د- فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة .
ه- نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى . ))(4)
وكذلك عد من قبيل مصالح المجتمع الدولي احترام قواعد الحرب المتعارف عليها (5) وعدم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية مثل ما يحدث من إبعاد لسكان القرى والمناطق الفلسطينية الأصليين وإخراجهم قسراً وبالقوة من قبل القوات الإسرائيلية ، وكذلك ما قام به النظام العراقي البائد من إخراج عدد من المواطنين الكويتيين من منازلهم وتحويلها إلى ثكنات عسكرية وسط الأحياء المدنية ((مخالفة البند (د) من المادة (7) النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية)) ، ويدخل في إطار الجرائم ضد الإنسانية ما تقوم به القوات الأمريكية لمعتقلي جوانتانامو من حرمان شديد للحرية البدنية كتكبيل اليدين والأرجل وتغطية الأعين ووضعهم في سجون تحت نوع خاص من الأشعة ((مخالفة البند (هـ) من المادة (7) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية)) .
بهذه الانتهاكات والجرائم يأتي القانون الجنائي الدولي لوضع جزاء عادل يتناسب مع جسامة الفعل المرتكب حتى يحقق الهدف الأساسي من القانون وهو تعزيز مفهوم العدالة في المجتمع الدولي .
يتضح جلياُ أن القانون الجنائي الدولي يهدف إلى الوقاية من الجرائم، والوقاية تتوفر عن طريق نصوص المحكمة الجنائية الدولية التي تدفع أعضاء المجتمع الدولي إلى الابتعاد عن ارتكاب الجرائم المنصوص عليها والتي يهدف القانون إلى تجريمها ، في تحقيق هذا الدور الوقائي .
_______________
1- حازم مختار الحاروني – ماهية القانون الجنائي الدولي – مجلة الأمن العام – 1991 – ص 61 .
2- محمد محمود خلف – حق الدفاع الشرعي في القانون الدولي الجنائي – دار النهضة المصرية – 1973م – ص8 .
3- محمد محي الدين عوض – دراسات في القانون الدولي الجنائي - مجلة القانون والاقتصاد 1965 – ص194
4- المادة (6) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
5- أنظر المادة (8) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|