أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-12-2021
2866
التاريخ: 3-6-2021
1944
التاريخ: 25-12-2015
42869
التاريخ: 17-6-2017
11363
|
الرسول)صلى الله عليه و آله و سلم ) حامل رسالة الإسلام إلى العرب والناس جميعاً، فموقفه من الشعر هو موقف القرآن والإسلام بصورة عامّة، ولا تخرج الأحاديث النبوية الشريفة عن المفهوم الإسلامي العام في النظرة إلى الإنسان، ومحاولة توجيهه الوجهة الخيّرة البنّاءة. هكذا نجد في الأحاديث النبوية الشريفة أقوالاً تسير في إطار الآيات القرآنية الكريمة السابقة إلى تصنيف الشعراء إلى صنفين: خيّر ملتزم بالدين والخلق القويم، ومنحرف لا يقدّم فائدة دينية أو أخلاقية وإذا كان بعضهم قد فهم ظاهر الآيات القرآنية الكريمة أو قرأها مبتورة، واستنتج منها موقفاً متعنّتاً من الشعر والشعراء، فإنّ الأحاديث النبوية الكريمة قد تحمل على ظاهر معانيها، ويساء تفسيرها أيضاً ممّا يوجب المناقشة والتحليل.
روي عن النبي(صلى الله عليه و آله وسلم ): لئن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتّى يريه خير له من أن يمتلأ شعراً).
قد يفهم من هذا الحديث موقف غير مشجّع للشعر والشعراء إلّا أنّ مراجعته في كتب الصحاح تطلعنا على الظرف الذي قيل فيه. فقد ذكره البخاري في باب الأدب فيما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتّى يصرفه عن ذكر الله. وذكر الإمام أحمد أنّ شاعراً عرض للرسول، فوصفه بالشيطان ثمّ قال الحديث.
هذان التعليقان البسيطان يوضّحان أنّ قول الرسولo لم يكن مطلقاً على جميع الشعراء، وإنّما أراد به نوعاً معيّناً منهم، ولابدّ أن يكون الشاعر الذي عرض للرسولo قد أنشده شعراً يخالف مبادئ الإسلام أو يدعو الناس إلى محاربة الرسولo وقتاله. وقد فهم ابن رشيق أنّ تشبيه الرسولo للشعر بالقبح ليس عاماً، وإنّما هو على من غلب الشعر على قلبه، وملك نفسه حتّى شغله عن دينه وإقامة فروضه، ومنعه عن ذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن. [45]
أمّا إذا صحّت تتمّة الحديث الشريف: (لئن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتّى يريه، خير من أن يمتلئ شعراً قيل في هجائي) فإنّ هذه التتمّة تدرج الحديث مع الآية الكريم. والشعراء يتبعهم ...) ولا يحتاج الحديث فيها إلى تأويل أو تعمّق في التفكير فالنهي يكون منصبّاً على الشعر الذي قيل في هجاء الرسولo، والذي هو بحدّ ذاته هجاء للإسلام والمسلمين، معاد للدعوة الإسلامية وقيمها. وهذا ما يدرج ضمن الشعراء الغاوين في الآية الكريمة. وقد قيل انّ السيّد عائشة رفضت هذه الرواية، وقالت: لم يحفظ أبو هريرة الحديث، إنّما قال رسول الله: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ودماً، خير له من يمتلئ شعراً قيل في هجائي.
وهناك قول لهo بشأن الشاعر امرئ القيس يفهم منه على الظاهر موقف قاس إزاء الشعراء خاصّة، وشعراء ما قبل الإسلام عامّة، وهو قولهo:
امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار. أو أشعر الشعراء، وقائدهم إلى النار.
وفي رواية أُخرى فيها تفصيل أكثر لحال هذا الشاعر في الدنيا والآخرة وهي: ذلك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها، سيء في الآخرة، خامل فيها. يجيء يوم القيامة ومعه لواء الشعراء إلى النار.
وإذا اكتفينا بالرواية الأُولى لكونها واردة في واحد من كتب الصحاح، واستبعدنا الروايتين الأخيرتين الواردتين في كتابين أدبيين فإنّ وصف امرئ القيس هذا يجعل القارئ في حيرة قد تقوده إلى فكرة خاطئة عن مفهوم الإسلام للشعر ونظرته إلى كبار الشعراء فامرؤ القيس شاعر شمخ بشعره بين شعراء الجاهلية، ويصفه الرسول الكريم بأنّه قائد الشعراء إلى النار، وتجد شعره شواهد يتمثّل بها في كتب الشعر، وشواهد تمثّل الانموذج الفنّي في كتب الأدب والبلاغة.
هنا لابدّ من وقفة تأمّل وتحليل، فالرسول(صلى الله عليه و آله وسلم) عربي بذوقه الرفيع وبلاغته التي جعلت أقواله، وأحاديثه أعلى نمط أدبي عرفته اللغة العربية بعد القرآن الكريم. فكيف يحطّ من شأن شعر امرئ القيس، ويجعله قائد الشعراء إلى النار؟ لابدّ إذن أن [46]
يكون حكمه منصبّاً على جوانب معيّنة من شعره، أعني بها الصور الوصفية الفاحشة في غزله التي تتنافى مع مبادئ الإسلام، ودعوته إلى العفّة، والخلق القويم، وليس المراد به شعر الشاعر عامّة، أو شخصه على الحقيقة؛ لأنّ الحديث الشريف فيه توجيه آخر لشعراء المسلمين ليسلكوا سبل الخير في أشعارهم. فمن كان على شاكلة امرئ القيس في شعره الماجن، أو غزله الفاحش يكون مصيره النار ولا يفهم منه أنّ امرأ القيس هنا حامل لواء الشعراء إلى النار على الحقيقة؛ لأنّه عاش قبل الإسلام. والإسلام كما يقول الحديث النبوي الشريف (يجبّ ما قبله) أي يقطعه. على أنّه يمكن أن يلمح في هذا الحديث الشريف موقف نقدي من جانب آخر يخصّ شعر امرئ القيس وتفضيله على شعراء عصره أو على الشعراء عامّة دون تحديد لزمان أو مكان، فجعله قائدهم، وإن كان قائداً مؤدّياً إلى النار. علّق دعبل الخزاعي تعليقاً طريفاً، فهم من خلاله رأي الرسول في تقديم شعر امرئ القيس من حيث القوّة والجزالة قائلاً: (ولا يقود قوماً إلّا أميرهم).
ومثل هذا يمكن أن يوجّه الحديث الشريف الآخر (من قال في الإسلام هجاءً مقذعاً، فلسانه هدر)؛ لأنّ طبيعة الهجاء القذف والافتراء، وهو وتعاليم الدين الإسلامي على طرفي نقيض؛ لأنّ الاستقامة في السلوك والعفّة في الحديث من الأُمور المطلوبة في أخلاق المسلم. وقد وصف الرسول(صلى الله عليه و آله وسلم ) نفسه بأنّه لم يكن فاحشاً، ولا متفحّشاً، ولا لعّاناً، ولا سبّاباً. ولا يمكن أن يقبل إنكار الرسول(صلى الله عليه و آله وسلم ) لوجود الظاهرة الشعرية أو منعها في المجتمع العربي، وهو الذي يقول: (لا تدع العرب الشعر حتّى تدع الإبل الحداء).
وقد قال الخليل بن أحمد الفراهيدي: كان الشعر أحبّ إلى رسول اللهo من كثير من الكلام.
فالشعر جزء من حياة العرب، ووجودهم، ولا يمكن أن يهجروه في أي حال من الأحوال كما لا يمكن أن يدعو الرسولo إلى مخالفة الطبيعة العربية والإنسانية لكون الشعر مظهراً من مظاهر الإبداع الفكري الإنساني، وهو العربي الذي يعجب بالكلام [47]
الفصيح، ويهتزّ للشعر الجميل. وعلى هذا تكون أقوال الرسولo السابقة دائرة ضمن التوجيه العام للمهمّة الشعرية التي هي جزء من النشاء الإنساني الذي أراد الرسولo توجيه العرب المسلمين إليه وهو الدعوة إلى الخير، والعمل الصالح، وتجنّب الرديء المسيء قولاً وفعلاً.
لقد ذكر انّهo أعجب بكلام بليغ في قصّة وفد تميم بقوله: إنّ من البيان لسحراً، وإنّ من الشعر لحكمة أو حكماً أي انّ البليغ يبلغ ببيانه ما يبلغه الساحر بلطافة حيلته في سحره. فإذا تذكّرنا أنّ كلام الرسول هذا قد قاله في رجل ذمّ رجلاً ومدحه في آن واحد، عرفنا اعجابهo بالكلام البليغ والقول المبين الحسن، ممّا يؤكّد كون الرسولo لم يمنع العرب من قول الشعر أو إنشاده أو سماعه.
وهناك أقوال أُخرى أكثر وضوحاً لكونها مبيّنة لموقف الرسولo من الشعر، وتقسيمه على ضربين كقوله:
إنّ أقوال الرسولo هذه تخصّ الشعر بمفهومه العامّ لا الخاصّ، فهو لم يخصّ به شعر المسلمين دون غيرهم، ولم يقل انّ الشعر الجيّد هو شعر المسلمين فقط، وإنّما استعمل كلمة الحقّ بمفهومها العام التي يمكن أن يدرج ضمنها كلّ شعر يدعو إلى الحقّ والمثل العليا، بما في ذلك شعر قيل قبل الإسلام وفيه موافقة للحقّ. فالرسولo يوجّه أنظار المسلمين إلى أنّ الشعر نتاج إنساني لكنّه ينقسم على ضربين: الأوّل لا خير فيه، لأنّه لا يوافق أي جانب من جوانب الخير التي يجب أن يدعو إليها الشاعر، أو أن يشيعها في مجتمعه. والثاني: ضرب موافق للخير والحقّ والجمال، وهذا هو النمط الشعري المطلوب، وما سواه لا فائدة منه. هذا التوجيه ينسجم مع قولهo (بعثت لأُتمّم مكارم الأخلاق). فالشعر المتمّم من هذه الناحية لمكارم الأخلاق شعر حقّ، وخير، وما كان منافياً للحقّ بمفهومه العامّ فلا خير فيه. [48]
ونلمح في قول آخر منسوب للرسولo فيه تعريف للشعر، وبيان لمهمّة الشاعر يقول فيه (الشعر كلام من كلام العرب، جزل تتكلّم به في بواديها، وتسلّ به الضغائن من بينها). فالرسولo ميّز الشعر عن كلام العرب بالجزالة التي تعني فيما تعني المتانة والرصانة، وكلّ ما خالف الركّة. ثمّ بيّن غاية الشعر بقوله: (تتكلّم به في بواديها). ويشمل هذا أيضاً عموم الشعر الذي قيل في عصر الإسلام وقبله. فهو الذي عبّرت به العرب عن مشاعرها، وأحاسيسها في باديتها، وهو وسيلة خيرة يمكن أن يسلّ بها الشعراء الضغائن والأحقاد، وأن يرقّقوا النفوس ويهذّبوها. فغاية الشعر إذن التعبير عن الحياة، وإصلاح ذات البين، فالشاعر في نظر الرسولo يحمل رسالة الخير والإصلاح والصلاح، ومهمّته فعّالة وكبيرة في خدمة الرسالة الإسلامية من جهة، وحمل الرسالة الإنسانية في التعبير من جهة أُخرى حيث يصوّر أحاسيسه وأحاسيس جماعته، والتزامه بالدفاع عنهم، ممّا يساعد على تصفية الأجواء الإنسانية التي تربط قومه بالمجموعة العربية، وبذا يؤدّي الشعر مهمّة خاصّة وأُخرى عامّة، فالخاصّة تظهر في تصوير المشاعر الفردية والجماعية، والعامّة تتمثّل بتوخّي الخير والحقّ بمفهومهما العام والدفاع عن الدعوة بشكل خاصّ.
إنّ مهمّة الشاعر من وجهة نظر الإسلام والرسولo تفوق مهمّة الفارس أحياناً إذا أحسن استخدام موهبته الشعرية، فكان عنصراً فعّالاً في مجتمعه ينير سبل الخير والمحبّة والسلام، ويحرّك مشاعر العطف والحنان والعفو إذا اقتضى موقف ما وساطة شاعر. والرسولo نفسه قد قضى حاجات عرضت له شعراً لما أثاره أصحابه من مشاعر المودّة والمحبّة، فشاعر هوازن يستثير عطف الرسولo على أسرى قبيلته بعد معركة حنين بشعر رقيق يستدرّ عطفه وعفوه، ويذكّره بمرضعته التي أرضعته، وهي من بني سعد من هوازن وأخواتها اللاتي ينتظرن عفوه، فيستجيب الرسولo لطلب الشاعر ويعفو عن قومه، ويردّ المسلمون الغنائم والأسرى إلى أهلها.
أمّا تأثّرهo بشعر الشاعرة قتيلة بنت الحارث حين رثت أخاها الذي قتل مشركاً فلما فيه من معاني الأُخوّة الإنسانية، والصدق العاطفي الذي جعل الرسولo يقول: لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته. [49]
وهكذا نجد موقف الرسولo موقفاً واضحاً ينسجم تمام الانسجام مع ما يدعو إليه الإسلام من مثل وخير وحقّ، وهو بهذا يوجّه الشعر والشعراء ولا يقف مثبطاً لهممهم أو حاطّاً من قدرهم كما فهم بعض الباحثين.
وسنجد أنّه عليه الصلاة والسلام قد اتّخذ شعراء معروفين للذود عن العقيدة، وشجّعهم وأثابهم، واستنشدهم وفي هذا يقول ابن رشيق (فلو أنّ الشعر حرام ما اتّخذ النبي شعراء يثيبهم على الشعر ويأمرهم بعمله ويسمعه منه).
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|