أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-06-2015
2263
التاريخ: 7-12-2015
1711
التاريخ: 6-1-2023
1407
التاريخ: 7-12-2015
3627
|
تقدّم أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد فوَّض في كلامه أمر الخلافة إلى الله سبحانه ، فقد كان يترصد أمره سبحانه في ذلك المجال حتى وافاه الوحي ، وخاطبه بقوله سبحانه : {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 67].
نزلت الآية الشريفة يوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة حجة الوداع في العام العاشر من الهجرة ، لما بلغ النبي الأعظم غدير خم فأتاه جبرئيل بها ، فقال : يا محمد إنّ الله يقرئك السلام ويقول لك : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } وكان أوائل القوم قريبين من الجحفة ، فأمرُه أن يرد من تقدّم منهم ، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ، وأن يقيم عليّاً عليه السلام علماً للناس ويبلغهم ما أنزل الله فيه وأخبره بأنّ الله عزّوجلّ قد عصمه من الناس.
وقد اتّفقت الشيعة الإمامية على نزول الآية في يوم غدير خم ، وافقهم على ذلك لفيف من المحدّثين والمؤرِّخين ، فقد ذكر الواقعة الطبري في تفسيره ، كما رواها السيوطي في الدر المنثور عن جماعة من الحفاظ ، منهم :
1. الحافظ ابن أبي حاتم أبو محمد الحنظلي الرازي ( المتوفّى 327 ه ).
2. الحافظ أبو عبد الله المحاملي ( المتوفّى 330 ه ).
3. الحافظ أبو بكر الفارسي الشيرازي ( المتوفّى 407 ه ).
4. الحافظ ابن مردويه ( المتوفّى 716 ه ).
وغيرهم من أعلام الحديث والتاريخ ، وقد جمع المحقّق الأميني أسماء من روى نزول هذه الآية في يوم غدير خم من أصحاب السنّة فبلغ 30 رجلاً. (1)
وعلى كلّ حال فقد قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتحقيق البلاغ في يوم غدير خم ، فخطب خطبة ، وقال : « أيّها الناس ، إنّي أوشك أن أُدعى فأُجِبْتُ ، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ؟ » قالوا : نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت ، وجهدت ، فجزاك الله خيراً.
قال : « ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّ جنته حق ، وناره حق ، وأنّ الموت حقّ ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور ؟ » قالوا : بلى نشهد بذلك.
قال : « اللّهمّ اشهد » ، ثمّ قال : أيّها الناس ، ألا تسمعون ؟
قالوا : نعم .
قال : « فإنّي فرط على الحوض ، فأنظروني كيف تخلّفوني في الثقلين ».
فنادى مناد : وما الثقلان يا رسول الله ؟
قال : « الثقل الأكبر ، كتاب الله ، والآخر الأصغر عترتي ، وإنّ اللطيف الخبير نبَّأني انَّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ».
ثمّ أخذ بيد علي فرفعها ، حتى رؤي بياض آباطهما ، وعرفه القوم أجمعون ، فقال : « أيّها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ ».
قالوا : الله ورسوله أعلم.
قال : « إنّ الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم . فمن كنت مولاه ، فعليّ مولاه » ـ يقولها ثلاث مرات ـثمّ قال : « اللّهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وابغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب ».
ثمّ لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة : 3] الآية ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « الله أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي ، والولاية لعليّ من بعدي ».
ثمّ أخذ الناس يهنِّئون علياً ، وممن هنّأه في مقدم الصحابة الشيخان أبو بكر وعمر ، كلّ يقول : بخ بخ ، لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
وقال حسان : ائذن لي يا رسول الله أن أقول في عليٍّ أبياتاً ، فقال : قل على بركة الله ، فقام حسان ، فقال :
يناديهم يوم الغدير نبيهم بخمٍّ واسمع بالرسول منادياً
فقال فمن مولاكم ونبيكم فقالوا ولم يُبدوا هناك التعامي
إلهك مولانا وأنت نبيّنا ولم تلق منا في الولاية عاصياً
فقال له قم يا عليُّ فإنّني رضيتك من بعدي إماماً وهادياً
فمن كنت مولاه فهذا وليُّه فكونوا له أتباع صدق مواليا
هناك دعا اللّهمّ وال وليّه وكن للذي عادىٰ عليّاً معادياً
فلمّا سمع النبي أبياته ، قال : « لا تزال يا حسّان مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ». (2)
إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن أشار إلى ولاية الإمام علي بن أبي طالب بعد رحيله ، فتارة في بدء الدعوة ، وأُخرى في غزوة تبوك (3) ، غير انّما ذكره متقدماً على حديث الغدير لم يكن بياناً رسمياً لعامة الأُمة بل كانت بلاغات مقطعية ، وأمّا في ذلك اليوم فقد قام بإبلاغ المحتشد العظيم على نحو أخذ منهم الإقرار والاعتراف بولاية علي عليه السلام .
وبذلك أكمل دعائم دينه وأتم نعمة الله عليهم كما سيوافيك.
وأمّا تواتر الحديث فحدّث عنه ولا حرج ، فقد رواه من الصحابة ما يربو علىٰ 120 صحابياً وأمّا من التابعين ما يقارب 84 تابعياً ، وأمّا العلماء الذين نقلوه عبر القرون فيزيد على 360 عالماً ، تجد نصوصهم وأسماءهم وأسماء كتبهم بتفصيل في كتاب الغدير. (4)
ولا أظن انّ ذا مسكة ومن له إلمام بعلم الحديث وقراءة الصحاح والمسانيد ينكر صحة حديث الغدير أو تضافره بل تواتره ، ولو أنكره فإنّما أنكره بلسانه لا بجنانه وقلبه اللّهمّ إلاّ إذا كان غير ملم بعلم الحديث.
وإنّما المهم دلالة الحديث على ولاية الإمام وإمامته.
وقد استخدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لفظة « مولى » وقال : « من كنت مولاه » فهي بمعنى أولىٰ ، كما في قوله سبحانه : {فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [الحديد: 15]
والمعنى أولى بكم النار كما فسره غير واحد من المفسرين ، وهناك قرائن تؤيد على أنّ المقصود من المولى هو الأولى. الوارد في قوله سبحانه : {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] .
وهناك قرائن لفظية محفوفة بالحديث وقرائن حالية تثبت انّ المراد من المولى هو الأولى الوارد في الآية المتقدمة ، وإليك تلك القرائن :
القرينة الأُولى : قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في صدر الحديث : « أَلَسْتُ أولى بِكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ » وهو دليل على أنّ المراد من قوله : « فمن كنت مولاه » هو الأولى وذلك لأنّه رتب الثاني على الأوّل.
القرينة الثانية : دعاؤه في صدر الحديث : « اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه » فلو أُريد منه غير الأولى بالتصرّف فما معنى هذا التطويل ؟ فانّه لا يلتئم ذكر هذا الدعاء إلاّ بتنصيب علي عليه السلام مقاماً شامخاً يؤهله لهذا الدعاء.
القرينة الثالثة : أخذ الشهادة من الناس ، حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : « ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله » فانّ وقوع « من كنت مولاه » في سياق الشهادة بالتوحيد والرسالة والمعاد ، يُحقق كون المراد الإمامة والخلافة الملازمة للأولوية على الناس.
القرينة الرابعة : التكبير على إكمال الدين حيث لم يتفرقوا بعد كلامه حتى نزل إليه الوحي ، بقوله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي ، فبأي معنى يكمل به الدين وتتم به النعم ويرضى به الرب في عداد الرسالة ، غير الإمامة التي بها تمام الرسالة وكمال نشرها وتوطيد دعائمها.
القرينة الخامسة : نعى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه إلى الناس حيث قال : « كأنِّي دعيت فأجبت » ، وفي نقل آخر انّه يوشك أن أُدعى فأُجيب ، وهو يعطي هذا الانطباع انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بلّغ أمراً مهمّاً كان يحذر أن يدركه الأجل قبل الإشارة إليه ، وهو يعرب عن كون ما أشار إليه في هذا المحتشد هو تبليغ أمر مهم يخاف فوته وليس هو إلاّ الإمامة.
القرينة السادسة : الأمر بإبلاغ الغائبين حيث أمر في آخر خطبته بأن يبلغ الشاهد الغائب ، فلو لم يكن هذا الأمر الإمامة فما معنى هذا التأكيد ؟! إلى غير ذلك من القرائن التي استقصاها شيخنا الأميني في غديره. (5)
وقد أفرغ أُدباء الإسلام حديث النبي في قالب الشعر ، فترى أنّهم يعبرون عن حديث الغدير بقرائضهم وقصائدهم ، وفي ذلك دلالة باهرة على أنّ المراد من المولى هي الأولوية ، وها نحن نذكر شيئاً ممّا أنشد في عصر الرسالة أو بعده وراء ما نقلناه عن حسان بن ثابت.
قال علي عليه السلام في أُرجوزته :
وأوجب لي ولايته عليكم رسول الله يوم غدير خم (6)
وقال قيس بن سعد بن عبادة ذلك الصحابي العظيم :
وعليٌّ إمامنا وإمامٌ لسوانا أتى به التنزيلُ
يوم قال النبيُّ من كنت مولا ه فهذا مولاه خطبٌ جليلٌ (7)
إنّ داهية العرب عمرو بن العاص أنشد قصيدة طويلة معروفة بالجلجلية معترضاً فيها على معاوية حيث لم يف بما وعده ، وجاء فيها ما يلي :
وكم قد سمعنا من المصطفى وصايا مخصّصة في علي
وفي يوم خم رقى منبراً يُبلّغ والركب لم يرحلِ
فأنحله إمرة المؤمنين من الله مُستخلف المنحلِ (8)
إلى غير ذلك من القصائد والمنظومات والأراجيز لأُدباء العصر وشعراء الإسلام الَّذين يحتجّ بقولهم وكلماتهم ، فقد صَبُّوا حديث الغدير في قرائضهم ولم يفهم الجميع منها إلاّ الأولوية ، كأولوية الرسول التي هي مناط الإمامة والخلافة ، فلو لم يكن القائد أولى من المقود لما كان لكلامه نفوذ.
وفي الختام نذكر نزول آية إتمام النعمة في حقّ علي عليه السلام ليُعلم أنّ حديث الغدير محفوف بآيتين : آية قبل النزول وهي آية التبليغ ، وآية بعده وهي آية الإكمال ، قال سبحانه : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة : 3].
أصفقت الإمامية عن بكرة أبيهم على نزول هذه الآية الكريمة حول نص الغدير بعد أصحار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بولاية مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بألفاظ درّية صريحة ، فتضمَّن نصّاً جليّاً عرفته الصحابة وفهمته العرب فاحتج به من بلغه الخبر ، وصافق الإماميَّة على ذلك كثيرون من علماء التفسير وأئمة الحديث وحفظة الآثار من أهل السنة ، وهو الذي يساعده الاعتبار ويؤكّده النقل الثابت في تفسير الرازي ( 3 / 529 ) عن أصحاب الآثار : انّه لمّا نزلت هذه الآية على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يُعمّر بعد نزولها إلاّ أحداً وثمانين يوماً أو اثنين وثمانين ، وعيَّنه أبو السعود في تفسيره بهامش تفسير الرازي : (3 / 523 ) وذكر المؤرخون منهم : انّ وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) في الثاني عشر من ربيع الأوّل ، وكأنّ فيه تسامحاً بزيادة يوم واحد على الاثنين وثمانين يوماً بعد إخراج يومي الغدير والوفاة.
وعلى أي حال فهو أقرب إلى الحقيقة من كون نزولها يوم عرفة ، كما جاء في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما لزيادة الأيام حينئذ ، على أنّ ذلك معتضد بنصوص كثيرة لا محيص عن الخضوع لمفادها. (9)
وقد أُثيرت حول الاستدلال بالآية إشكالات من قبل الإمام الفخر الرازي ( 543 ـ 608 ه ) في تفسيره الكبير. (10)
__________________
1. الغدير : 1 / 214 ـ 223.
2. الغدير : 2 / 34 ـ 42.
3. حديث المنزلة : أنت بمنزلة هارونَ من موسىٰ إلاّ أنَّه لا نبيَّ بعدي.
4. الغدير : 1 / 73 ـ 152 ، تحت عنوان « طبقات الرواة من العلماء ».
5. الغدير : 1 / 370 ـ 383.
6 و 7 و 8. الغدير : 2 / 25 و 67 و 115.
9. الغدير : 1 / 230.
10. التفسير الكبير : 12 / 26. وقد أجبنا عن هذه الأسئلة بتفصيل في مقال خاص طبع في كتاب رسائل ومقالات ، لاحظ ص 568 ـ 575 من الكتاب المذكور.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|