أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-17
480
التاريخ: 2023-05-04
1436
التاريخ: 25-7-2016
5267
التاريخ: 2023-11-10
1045
|
إنَّ اقتحام العقول والنفوس بغية التأثير في الناس، أصعب بكثير من اقتحام المواقع والثغور، وذلك لأن الناس يختلفون اختلافاً بيّناً في طريقة التفكير، وفي مركّب المزاج وفي مستوى الثقافة، ونتيجة لكلِّ ذلك، تصبح عملية التعامل معهم، والتأثير فيهم عملية صعبة وشاقة، وتحتاج إلى قدرات ومتطلبات من نمط خاص، لا تتوفر إلاّ عند الخواص من أهل الصَّبر، والعلم بمواقع الأمر. وأهل البيت في مقدمة هذا الطراز الرّفيع من القادة، الذين تمكنوا من اجتذاب الناس وامتلكوا أزمّة قلوبهم، ومفاتيح عقولهم من خلال القدوة الحسنة والسلوك السويّ، خصوصاً وأنّ الناس ـ عادة ـ لا تتأثر بلسان المقال، بقدر ما تتأثر بلسان الحال. ومن الشواهد الدالة على التزام الأئمة: العملي بحقوق الوالدين، وتأثر الناس بهذا السلوك، ان الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) كان يأبى ان يؤاكل أمّه ، واسْتَلْفَتَ هذا الموقف أنظار أصحاب الإمام والمحيطين به ، وسألوه باستغراب : إنك أبرّ الناس وأوصلهم للرّحم ، فكيف لا تؤاكل أمك ؟! فقال (عليه السلام) : (إني أكره أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها ، فاكون قد عققتها) (1).
هذا الموقف الذي يستحق الإعجاب والتقدير، يكشف العمق السلوكي لروّاد مدرسة أهل البيت (عليهم السلام): ويعطي درساً لا ينسى في وجوب رعاية حقوق وحرمة الوالدين.
وتجدر الاشارة إلى أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان يدعو لوالديه، ويشير إلى عظم حقهما عليه، فيقول: (يا الهي أين طول شغلهما بتربيتي؟ وأين شدة تعبهما في حراستي؟ وأين إقتارهما على أنفسهما للتوسعة عليّ هيهات ما يستوفيان مني حقهما، ولا أدرك ما يجب عليَّ لهما، ولا أنا بقاضٍ وظيفة خدمتهما) .
وفي دعاء آخر تضمنته الصحيفة السجادية ، يقول (عليه السلام) : ( اللّهم اجعلني أهابهما هيبة السّلطان العسوف ، وأبرّهما برّ الأم الرّؤوف ، واجعل طاعتي لوالديّ وبرّي بهما أقرّ لعيني من رقدة الوسنان ، وأثلج لصدري من شربة الظّمآن حتّى أُوثر على هواي هواهما ) (2).
وقد سلك بقية الأئمة (عليهم السلام): هذا المسلك نفسه، وعملوا على استئصال كلّ ما من شأنه الحطّ من مكانة الوالدين، ومن الشواهد الدالة على ذلك: عن ابراهيم بن مهزم قال: خرجت من عند أبي عبد الله (عليه السلام) ليلةً ممسياً فأتيت منزلي بالمدينة وكانت أُمّي معي ، فوقع بيني وبينها كلام فأغلظت لها. فلمّا أن كان من الغد صلّيت الغداة وأتيت أبا عبد الله (عليه السلام)، فلما دخلت عليه ، قال لي مبتدئاً: (يا أبا مهزم ، مالك ولخالدة أغلظت في كلامها البارحة ؟ أما علمت أنّ بطنها منزل قد سكنته، وأنّ حجرها مهد قد غمزته، وثديها وعاء قد شربته ؟! قلت : بلى، قال : (فلا تغلظ لها)(3) وكان لهذه الكلمات فعل السحر على الابن فسارع للاعتذار من أمه. والذي يؤسف له، أنّ الكثيرين من شباب اليوم ـ بسبب التربية الخاطئة، أو البيئة المنحرفة، أو الثقافة الوافدة ـ يكيلون السّباب واللعان للوالدين، على أتفه الأسباب، ويصبّون جام غضبهم عليهم، عندما يُسْدِيان لهم النصيحة المخلصة ، مما يترك أثراً سيئاً على نفسيهما ، فيصابان بخيبة أمل مريرة.
هذا في الوقت الذي يدعو الأئمة (عليهم السلام): إلى مخاطبة الوالدين بعبارات عذبة، ومهذبة، تحمل معاني التقدير والشعور بالعرفان وعدم رفع الصوت على الوالدين.. عن الحكم قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ والدي تصدّق عليَّ بدار، ثمّ بدا له أن يرجع فيها، وان قضاتنا يقضون لي بها، فقال (عليه السلام) : (نعم ما قضت به قضاتكم، وبئس ما صنع والدك، انما الصدقة لله عزّ وجل فما جعل لله عزّ وجل فلا رجعة له فيه ، فان أنت خاصمته فلا ترفع عليه صوتك، وإن رفع صوته فاخفض أنت صوتك).
ونخلص في نهاية هذا المطلب إلى القول بان حقوق الوالدين جسيمة، فقد قرن القرآن حقهما مع حقه تعالى في مستوى واحد مع اختلاف في الرّتبة، فله عزّ وجلّ حقّ العبادة ولهم حقّ الإحسان. ومنح القرآن الكريم الأم حقاً أكبر، لما تُقدِّمه من تضحيات أكثر. وقد تصدّرت هذه المسألة الحيوية سلّم أولويات السيرة النبوية التي اعتبرت عقوق الوالدين من أكبر الكبائر. ثم إنَّ الأئمة (عليهم السلام): ـ وهم القوّامون على الأمة ـ قد عملوا على عدّة محاور لتوعية الناس بمكانة الوالدين، فقاموا بتفسير ما ورد في ذلك من آيات قرآنية، واستثاروا الوازع الأخلاقي والوجداني، وحددوا ـ أيضاً ـ الحكم الشرعي، وهو أن حقّ الوالدين فريضة من أكبر الفرائض، ثم عينوا تفصيلاً بالحقوق المترتبة على الأولاد تجاه والديهم، زد على ذلك كشفوا عن الآثار السلبية الدنيوية والأخروية، لمن عقّ والديه، وشكّل سلوكهم السويّ تجاه والديهم ، قدوة حسنة للأجيال في هذا المجال.
______________
1ـ في رحاب أئمة أهل البيت للسيد محسن الامين ـ 2 : 195.
2ـ بحار الانوار ج4 ، ص6.
3ـ وسائل الشيعة 19 : 204 / 1 باب 11 من كتاب الوقوف والصدقات.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|