أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-01-27
1099
التاريخ: 2024-02-11
995
التاريخ: 2024-05-28
822
التاريخ: 2023-07-04
1622
|
عصر النهضة المؤقتة في مصر:
الأسرة السادسة والعشرون:
تمتعت مصر خلال عهد الأسرة السادسة والعشرين بشيء من الرخاء والنهوض كانت قد حرمت منهما منذ وقت طويل، كما أنها بدأت عهدًا جديدًا في علاقاتها الخارجية وإن كانت هذه العلاقات قد سلكت اتجاهًا مغايرًا لما اعتادته مصر من قبل؛ حيث أخذت تستعين بالمرتزقة اليونانيين، وبدأت توطد علاقاتها مع جزر البحر المتوسط، ومن المحتمل أن بسماتيك الأول طلب المعونة من ملك ليديا لتدعيم سلطانه؛ فأرسل هذا جنودًا من الأيونيين والكاريين. وهكذا نجد أن بسماتيك يقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه الرعامسة مع فارق بسيط هو أن المرتزقة في عهد الرعامسة كانوا من عناصر ليبية ونوبية ومن شعوب البحر؛ بينما كانت العناصر الإغريقية وعناصر جزر البحر المتوسط تمثل الغالبية في عهد بسماتيك، ومن ثم بدأ النفوذ اليوناني يدخل إلى مصر وتأثرت الثقافة المصرية بتأثيرات يونانية مختلفة، وقد عمل المصريون من جانبهم على تيسير إقامة اليونانيين في بلادهم فبنوا لهم بعض المدن الخاصة, وشيدوا لهم مستعمرات أقاموا فيها وتزايد عددهم حتى دب الحسد في نفوس الجنود الآخرين من مصريين وليبيين وغيرهم، وفر بعضهم إلى النوبة؛ لأن هؤلاء لم ينظروا بعين الارتياح لتشجيع بسماتيك للمرتزقة اليونانيين، وقد أطلق هيرودوت على هؤلاء الفارين اسم "أسماخ"(1)؛ ولكن وجود المرتزقة اليونانيين في أعداد كبيرة كان من جهة أخرى سببًا في إنعاش الأحوال الاقتصادية نوعًا ما؛ لأن بسماتيك وجد أنه لا بد من الإنفاق على هذا الجيش الكبير؛ فشجع التجارة مع الدول المجاورة وفي نفس الوقت فرض الضرائب على البضائع الواردة إلى مصر ونظم الإدارة وعاد بها إلى التقاليد القديمة؛ حيث أخذ المصريون في ذلك الوقت يشعرون بأن عظمة مصر في عهد الدولة القديمة كانت أعلى ما وصلت إليه في تاريخها؛ ولذلك اصطبغ عهد الأسرة السادسة والعشرين بصبغة الدولة القديمة في كل شيء, وعاد الناس إلى أسلوب الكتابة القديمة وإلى المعبودات القديمة والفنون القديمة مع شيء بسيط من التحرر, وربما كان هذا من الأسباب التي تحبذ إطلاق اسم عصر النهضة على هذه الفترة من تاريخ مصر القديم.
وتتميز هذه الفترة من تاريخ مصر أيضًا بنهج جديد في السياسة المصرية؛ إذ إن مصر -مع تركيز اهتمامها في علاقاتها الخارجية بالأقطار الشمالية- كانت أكثر ارتباطًا باليونان منها بأي قطر آخر، وفي نفس الوقت لم تحاول مملكة نباتا من جانبها أن تعيد علاقاتها بمصر؛ بل اتجهت بدورها إلى الأقطار التي تقع إلى الجنوب منها حيث وجدت أن لا فائدة ترجى لها من الاتجاه شمالًا. وهكذا نجد أن الوضع السياسي في مصر أصبح يتركز في الوجه البحري؛ حيث أدى هذا إلى ظهور مدن جديدة، ونظرًا لكثرة وجود اليونانيين في مصر بدأ اهتمام العالم اليوناني بأحوال مصر وحضارتها؛ فإلى ذلك العهد ترجع معظم الكتابات اليونانية عنها, ومنها نتبين أن اليونانيين ذهلوا حينما وجدوا أن أمة أخرى غيرهم لها حضارة لا تقل عن حضارتهم إن لم تكن أرقى منها, واعتبروا المصريين شعبًا غاية في الغرابة, ووصفوا أحوالهم وأطوارهم بكل دقة وإن كانوا قد أخطئوا في تفسير بعض مشاهداتهم عن مظاهر الحضارة المصرية.
وقد وجد بسماتيك أن في مقدوره محاولة إعادة السيطرة المصرية على فلسطين وسورية؛ ولكنه اضطر لوقف أعماله لظهور السيثيين(2) على المسرح الدولي؛ إذ استطاع هؤلاء الزحف على أشور وأصبح خطرهم يتهدد مصر؛ ولكن بسماتيك تمكن من إرجاعهم عنها ولا نعرف كيف تم له ذلك؟ وهل لجأ إلى رشوتهم أم أنه استطاع التغلب عليهم؟ هذا وقد حكم بسماتيك حوالي أربعة وخمسين عامًا عادت البلاد أثناءها إلى حالة من النهوض والرخاء, لم تشهدها منذ أيام رعمسيس الثاني وتولى بعده ولده "نكاو".
وفي تلك الأثناء وصلت أشور إلى منتهى الضعف وكانت سورية وفلسطين أضعف من أن تقفا أمام أي غزو أجنبي, وعلى ذلك تقدم نكاو نحوهما للاستيلاء عليهما، ولما تأهب اليهود لمقاومته أسرع بإخضاعهم كما أخضع سورية, وتقدم إلى الفرات خشية أن تسترد آشور ملكها مفضلًا أن يبدأ بمهاجمتها، ولما لم يجدها مستعدة لذلك عاد إلى مصر مفضلًا عدم الاستيلاء على نينوى، وقد نسب نكاو نصره إلى الجنود الميليزيين وهذه هي المرة الأولى التي ينسب فيها الفرعون نصره لغير الإله، ومع أنه كون إمبراطورية على إثر الحملة التي قام بها إلا أن هذه كانت مؤقتة ولم تدم طويلًا؛ لأن الأحداث في غربي آسيا تطورت سريعًا؛ فلم تكد تمضي سنتان حتى اتحد ملك ميديا مع ملك بابل, واستطاعا معًا أن يحطما أشور وأن يقتسما ملكها، وقد وقعت سورية ضمن نصيب بابل, وبذلك أصبحت بابل خطرًا جديدًا يتهدد مصر.
ولما تولى "نبوخذ نصر" -الذي كان وليًّا للعهد في مملكة بابل الجديدة "أي: الإمبراطورية الكلدانية"- قيادة جيوشها ذهب نكاو لملاقاته؛ ولكن نبوخذ نصر انتصر عليه وتعقبه بعض الوقت؛ غير أنه رجع إلى بابل بعد أن اتفق مع نكاو؛ لأن والده كان توفي في ذلك الوقت.
ولم تطمع مصر بعد ذلك في آسيا؛ حتى إنها لم تتدخل حينما حاصرت بابل بيت المقدس, واكتفى نكاو بترقية التجارة وتشجيع الملاحة وقد أمر بعثة فينيقية بالدوران حول إفريقيا فأتمت ذلك في ثلاث سنوات "وربما كانت هذه أول رحلة من نوعها في التاريخ" كما أمر بشق القناة التي تربط بين النيل والبحر الأحمر؛ ولكنه تخلى عن إتمامها لوفاة عدد كبير من العمال؛ ولأن الكهنة تنبئوا بأن فائدتها سوف لا تعود إلا على الأجانب.
ولما توفي تبعه "بسماتيك الثاني" الذي ذهب إلى ببلوس لزيارة معبد آمون هناك وربما كان ينوي الاحتكاك مع بابل, ولكنه اضطر للعودة إلى مصر لعلمه بوجود تكتلات في جنوبها؛ ولذا أرسل حملة إلى الجنوب توغلت إلى الشلال الخامس والسادس(3)، وقد ظلت علاقة بسماتيك طيبة مع اليونانيين وزاد من تشجيعهم واستعان بهم في تكوين أسطول ضخم.
وعندما توفي بسماتيك الثاني تبعه "أبريس" على العرش، وقد استغل هذا الأخير الأسطول الذي كونه سلفه في غزو فينيقيا ونجح في ذلك بسبب انشغال نبوخذ نصر في حروبه مع ميديا وانسلاخ بعض المدن السورية والفلسطينية عن حكمه وثورة بعض المدن الأخرى عليه, وفي أثناء ذلك هاجر كثير من اليهود إلى مصر وكونوا بها جاليات كبيرة، وهكذا نجد أن القلاقل عادت من جديد إلى شرق البحر المتوسط، ووجد أبريس الفرصة؛ فتقدم بجيشه شمالًا واستولى على صيدا؛ ولكن هذه قاومت طويلًا, ولم ينجح أبريس في الاستيلاء على جنوب فلسطين, وأقبلت الجيوش الآسيوية لطرده, فاتجه بأسطوله نحو قبرص واستولى عليها، ومع أن بعض قوى غربي آسيا تحالفت مع مصر ضد نبوخذ نصر إلا أن هذا الأخير هزم هذا التحالف الذي تكون ضده في ربلة وحاصر أورشليم, وبعد عام أسر ملكها صدقيا وقتل أولاده ونهب المعبد وحرق المدينة، ومع ذلك لم تدم مملكة بابل فقد تمزقت بعد موت نبوخذ نصر.
ولم تكن الحالة سيئة في منطقة غرب آسيا وحدها؛ وإنما ساءت الحالة كذلك في مصر؛ حيث حدثت ثورة في صفوف الجيش في عهد أبريس فرت بعض الوحدات على إثرها إلى النوبة؛ ولكن حاكم الشلال استطاع أن يعيد بعض أفرادها، كما حدث عصيان آخر في صفوف الجيش أيضًا؛ لأن أبريس أرسل قوة معظم أفرادها من المصريين إلى قرطاجة, وقد منيت هذه القوة بالهزيمة وبخسائر فادحة؛ فاعتقد هؤلاء أن الملك أرسلهم إلى هناك للتخلص منهم محاباة منه لليونانيين الذين لم يشركهم في هذه الحرب، وحينما ثاروا ضده أرسل أحد أقربائه ويدعى "أمازيس" لتهدئتهم, ولكن هذا الأخير استمال إليه الجنود العاصون فنصبوه ملكًا عليهم مما أحنق أبريس عليه ودارت الحرب بينهما, ولكن النصر كان حليف أمازيس، ورغم ذلك أشركه في الحكم إلا أن أبريس ما لبث أن ثار فقتله أمازيس وانفرد بالحكم.
وظل أمازيس على تشجيع اليونانيين؛ بينما تظاهر بإيقاظ الشعور الوطني، وقد تغالى في تشجيع اليونانيين ومنحهم كثيرًا من الامتيازات, بل وتبرع للمعابد في اليونان نفسها وأهدى لبعض حكامها الهدايا، ومع أن مظاهر النهضة كانت واضحة في عهده؛ إلا أن زيادة عدد الجيش وقوة الأسطول تطلبت كثيرًا من النفقات التي اضطرته إلى الاستيلاء على بعض دخل المعابد فأفادت من ذلك السلطة المركزية بطريق غير مباشر؛ لأنه أضعف نفوذ الكهنة, ومع أنه تمكن من بسط نفوذه على بعض سواحل البحر المتوسط؛ فإنه لم يكن أكبر قوة في الشرق واستمر خطر بابل يتهدده، كما ظهرت قوة جديدة هي مملكة فارس التي تحركت جيوشها وعبرت الفرات لتهاجم ليديا في غربي آسيا الصغرى, وكانت مصر وبابل وإسبرطة قد وعدت بمساعدة هذه المملكة, ولكن مصر كانت هي الوحيدة التي احترمت كلمتها، وبعد أن هزم الفرس مملكة ليديا أخضعوا كلًّا من سورية وفينيقيا أيضًا ولم يبق أمامهم سوى بابل ومصر، وما لبثت بابل أن هزمت وسقطت عاصمتها نينوى على يد كورش ملك الفرس, وبذلك ازداد الخطر على مصر؛ حيث أصبحت وحدها أمام قوة الفرس الهائلة.
________
(1) Herodotus II, 30.
(2) السيثيون "Scythians": قبائل بربرية كانت تتكلم لغة هندو أوروبية, وكانت تعيش في جنوب روسيا شرق بحر آرال, وكانوا حلفاء للأشوريين في أول الأمر ولكنهم خانوهم وانضموا إلى أعدائهم ملك بابل وملك ميديا؛ حيث اشتركوا في إسقاط نينوى 613 ق. م.
(3) كان بعض المؤرخين فيما سبق يظنون أن هذه الحملة لم تصل إلا إلى الشلال الثاني فقط، انظر: BIFAO 50, p. 203.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|