أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-5-2017
509
التاريخ: 18-11-2016
590
التاريخ: 11-12-2018
680
التاريخ: 18-11-2016
618
|
اذكر لمع هن أخباره وسيره خطبته أول ما ولي الخلافة:
خطبته عند تولي الخلافة:
لما أفْضَى الأمر إلى سليمان صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسوله، ثم قال: الحمد لله الذي ما شاء صنع، وما شاء أعطى، وما شاء منع، وما شاء رفع، وما شاء وضع، أيها الناس، إن الدنيا دار غرور وباطل وزينة وتقلُّب بأهلها، تُضْحِك باكيها، وتبكي ضاحكها، وتخْيف آمنها، وتؤمن خائفها، وتثري فقيرها، وتفقر مثريها ميالة بأهلها عباد اللّه، اتخذوا كتاب اللّه إماماً، وارْضُوا به حكماً، واجعلوه لكم هادياً ودليلاً، فإنه ناسخ، ولا ينسخه ما بعده، واعلموا عباد الله أنه ينفي عنكم كيد الشيطان ومطامعه، كما يجلو ضوء الشمس الصبح إذا أسفر، وإدبار الليل إذا عسعس، ثم نزل وأذن للناس بالدخول عليه، وأقر عمال من كان قبله على أعمالهم، وأقر خالد بن عبد اللّه القَسْرِي على مكة.
كان سليمان أكولاً:
وكان سليمان صاحب أكل كثير يجوز المقدار، وكان يلبس الثياب الرقاق وثياب الوَشْي، وفي أيامه عمل الوشي الجيد باليمن والكوفة والإسكندرية، ولبس الناس جميعاً الوشي جباباً وأردِيَةً وسراويل وعمائم وقلانس، وكان لا يدخل عليه رجل من أهل بيته إلا في الوَشي، وكذلك عُمًاله وأصحابه ومَنْ في داره، وكان لباسه في ركوبه وجلوسه على المنبر، وكان لا يدخل عليه أحد من خدَامه إلا في الوَشي، حتى الطباخ، فإنه كان يدخل إليه في صدره وشي وعلى رأسه طويلة وشي، وأمر أن يكفن في الوشي المثقلة وكان شبعه في كل يوم من الطعام مائة رطل بالعراقي، وكان ربما أتاه الطباخون بالسفافيد التي فيها الدجاج المشوية وعليه جبه الوشي المثقلة فلنهمه وحرصه على الأكل يُدْخِل يده في كمه حتى يقبض على الدجاجة وهي حارة فيفصلها.
وذكر الأصمعي قال: ذكرت للرشيد نَهَمَ سليمان وتناوله الفراريج بكمه من السفافيد، فقال: قاتلك الله فما أعلمك بأخبارهم، إنه عرضَت عليً جباب بني أمية، فنظرتُ إلى جباب سليمان وإذا كل جبة منها في كمها أثر كأنه أثر دهن، فلم أدر ما ذلك حتى حدثتني بالحديث، ثم قال: علىِ بجباب سليمان، فأتي بها، فنظرنا فإذا تلك الآثار فيها ظاهرة، فكساني منها جُبة، فكان الأصمعي ربما يخرج أحياناً فيها فيقول: هذه جُبة سليمان التي كسانيها الرشيد.
وذكر أن سليمان خرج من الحمام ذات يوم اشتدً جوعه، فاستعجل الطعام، ولم يكن فرغ منه، فأمر أن يقدم عليه ما لحق من الشواء، فقدم إليه عشرون خروفَاَ، فأكل أجوافها كلها مع أربعين رقاقة، ثم قرب بعد ذلك الطعام فأكل مع ندمائه كأنه لم يأكل شيئاً.
وحكي أنه كان يتخذ سلال الحلوى، ويجعل ذلك حول مرقده، فكان إذا قام من نومه يمدُّ يده فلا تقع إلا على سلة يأكل منها.
لبس سليمان فأعجبته نفسه:
حدث المنقري، عن العتبي، عن إسحاق بن إبراهيم بن الصباح بن مروان - وكان مولى لبني أمية من أرض البلقاء من أعمال دمشق، وكان حافظاً لأخبار بني أمية - قال: لبس سليمان يوم الجمعة في ولايته لباساً شهر به، وتعطر، ودعا بتخت فيه عمائم، وبيده مرآة، فلم يزل يعتمُ بواحدة بعد أخرى حتى رضي منها بواحدة، فأرخى من سُدُولها، وأخذ بيده مخصرة، وعلا المنبر ناظراً في عطفيه، وجمع جمعه، وخطب خطبته التي أرادها، فأعجبته نفسه، فقال: أنا الملك الشاب، السيد المهاب، الكريم الوهاب، فتمثلت له جارية من بعض جواريه وكان يتحظّاها، فقال لها: كيف ترين أمير المؤمنين، قالت: أراه مُنَى النفس وقُرة العين، لولا ما قال الشاعر، قال: وما قال الشاعر. قالت: قال:
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بَقَاء للإِنسان
أنت مَنْ لا يَرِيبنا منك شيء... علم اللَّه غير أنك فإني
ليس فيما بدا لنا منك عيبٌ... يا سليمان غير أنك فان
فدمعت عيناه وخرج على الناس باكياً، فلما فرغ من خطبته وصلاته دعا بالجارية، فقال لها: ما دعاك إلى ما قلت لأمير المؤمنين. قالت: واللّه ما رأيت أمير المؤمنين اليوم ولا دخلت عليه، فأكبره ذلك، ودعا بِقَيِّمَةِ جواريه فصدقتها في قولها، فراع ذلك سليمان، ولم ينتفع بنفسه، ولم يمكث بعد ذلك إلا مُدَيْحَة حتى توفي.
وكان سليمان يقول: قد أكلنا الطيب، ولبسنا اللين، وركبنا ا لْفَارِهَ، ولم يبق لي لذة إلا صديق أطرح معه فيما بيني وبينه مؤنة التحفظ.
بين سليمان وكاتب الحجاج:
أدخل عليه يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج والمستولي عليه، وهو مكبل بالحديد، فلما رآه ازدرَاهُ، فقال: ما رأيت كاليوم قطَ، لعَنَ اللّه رجلاً أجَركَ رَسَنُه، وحكمك في أمره، فقال له يزيد: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإنك رأيتني والأمر عني مُدْبر، عليك مُقْبل، ولو رأيتني والأمر مقبل عليً لاستعظمت مني ما استصغرت، ولا ستجللت مني ما استحقرت، قال: صدقت فاجلس لا أم لك، فلما استقر به المجلس قال له سليمان: عزمت عليك لتخبرني عن الحجاج ما ظنك به أتراه يَهْوِي بعدُ في جهنم أم قد استقر فيها، قال: يا أمير المؤمنين، لا تقل هذا في الحجاج، فقد بذل لكم نصحه، وأحْقَنَ دونكم دمه، وأمَّنَ وليكم، وأخاف عدوكم، وإنه يوم القيامة لَعَنْ يمين أبيك عبد الملك، ويسار أخيك الوليد، فاجعله حيث شئت، فصاح سليمان: اخْرُجْ عني إلى لعنة اللهّ، ثم التفت إلى جلسائه فقال: قبحه اللّه، ما كان أحسن ترتيبه لنفسه ولصاحبه، ولقد أحسن المكافأة، أطلقوا سبيله.
بين سليمان وأبي حازم الأعرج:
دخل عليه أبو حازم الأعرج، فقال: يا أبا حازم، مالنا نكره الموت، قال: لأنكم عمرتم دنياكم وأخربتم آخرتكم، فأنتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب، قال: فأخبرني كيف القدومُ على اللهّ، قال: أما المحسن فكالغائب يأتي أهله مسروراً، وأما المسيء فكالعبد الأبق يأتي مولاه مَحْزوناً، قال: فأي الأعمال أفضل. قال: أداء الفرائض مع اجتناب المحارم، قال: فأي القول اعْدَلُ. قال: كلمة حق عند من تخاف وترجو، قال: فأي الناس أعقل، قال: من عمل بطاعة اللّه، قال: فأي الناس أجهل. قال: من باع آخرته بدنيا غيره، قال: عِظْنِي وأوجز، قال: يا أمير المؤمنين، نَزِّه ربك وعَظمه بحيث أن يراك تجتنب ما نهاك عنه ولا يفقدك من حيث أمرك به، فبكى سليمان بكاءً شديداً، فقال له بعض جلسائه، أسرفت ويحك على أمير المؤمنين، فقال له أبو حازم: اسكت فإن اللّه عز وجل أخَذَ الميثاق على العلماء ليبيننّه للناس ولا يكتمونه ثم خرج، فلما صار إلى منزله بعث إليه سليمان بمالٍ، فرده، وقال للرسول: قل له واللّه يا أمير المؤمنين ما أرضاه لك، فكيف أرضاه لنفسي.
بين سليمان وأعرابي:
ذكر إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: حدثني الأصمعي، عن شيخ من المَهَالِبَة، قال: دخل أعرابي على سليمان فقال له: يا أمير المؤمنين، إني أريد أن أكلمك بكلام فافهمه، فقال له سليمان: إنا نجود بسعة الاحتمال على من لا نرجو نصحه، ولا نأمن غِشّه، وأرجو أن تكون الناصح جَيْباً، المأمون غيباً، فهات، قال: يا أمير المؤمنين، أما إذ أمنتُ بادرة غضبك فسأطلق لساني بما خَرسَتْ به الألسُنُ من عظتك تأدَيةً لحق اللّه رحق أمانتك، يا أمير المؤمنين، إنه قد تَكَنَّفَك رجال أساءُوا الاختيار لأنفسهم، وابتاعوا دنياهم بدينهم، رضاك بسخط ربهم، خافوك في اللهّ ولم يخافوا اللّه فيك، حَرْب للآخرة وسلم للدنيا، فلا تأمنهم على ما يأمنك الله عليه، فإنهم لم يأتوا إلا ما فيه تضييع وللأمة خسف وعسف، وأنت مسؤول عما اجترموا، ولْيسوا مسؤولين عما أجترمت، فلا تُصْلِحْ دنياهم بفساد آخرتك، فإن أعظم الناس غبناً بائع آخرته بدنيا غيره، فقال له سليمان: أما أنت يا أعرابي فقد سَلَلْتَ علينا لسانَكَ، وهو أقطع من سيفك، فقال: أجل يا أمير المؤمنين، لك لا عليك، فقال سليمان: أما وأبيك يا أعرابي لا تزال العربُ بسلطاننا لأكناف العز مُتَبَوِّئَةً، ولا تزال أيام دولتنا بكل خير مُقْبلة، ولئن ساسكم ولاة غيرنا ليُحْمَدَنَّ منا ما أصبحتم تذمُونَ، فقال الأعرابي: أما إذا رجع الأمر إلى ولد العباس عم الرسول صلى الله عليه[وآله] وسلم، وصِنْو أبيه ووارث ما جعله الله له أهلاً فلا، فتغافل سليمان كأنْ لم يسمع شيئاً، وخرج الأعرابي فكان آخر العهد به، هذا الخبر أخبرني به بعض شيوخ ولد العباس بمدينة السلام مدينة أبي جعفر المنصور، وهو ابن ديهة المنصوري، عن أبيه، عن علي بن جعفر النوفلي، عن أبيه، وذلك في سنة ثلثمائة.
سليمان يصف معاوية:
وذُكِرَ معاوية بن أبي سفيان في مجلس سليمان، فصلّى على روحه وأرواح من سلف من آبائه، وقال: كان والله هَزْلُه جِدّاً، وجده علماً، واللّه ما رُئي مثل معاوية، كان واللّه غضبه حلماً، وحلمه حكماً، وقيل: إن هذا الكلام لعبد الملك.
خالد القسري في العراق:
وكتب سليمان إلى خالد بن عبد اللّه القَسْرِي وهو على العراق في رجل استجار به من قريش، وكان هرب من خالد، أن لا يعرض له، فأتاه بالكتاب فلم يَفُضّه حتى ضربه مائة سوط، ثم قرأه، فقال: هذه نقمة أراد الله أن ينتقم بها منك لتركي قراءة الكتاب، ولو كنت قرأته لأنفذت ما فيه، فخرج القرشي راجعاً إلى سليمان، فسأله الفرزدق وأناس ممن كان بالباب عما صنع خالد، فأخبرهم، فقال الفرزدق في ذلك:
سَلُوا خَالداً لا قدس اللَّه خالدا... مَتَى وَليت قَسْرٌ قُريْش تَدِينُهَا
أقَبْلَ رسول اللَه أم بَعْدَ عهده ... فأضْحَتْ قًرَيش قد أغثَّ سَمِينُهَا
رَجَوْنَا هُدَاه لاَ هَدَى اللَّه سَعْيَه... وما أمه بالأم يُهدَى جَنِينهَا
فلما بلغ سليمان ذلك وجَّه إلى خالد مَنْ ضربه مائة سوط، فقال الفرزدق في ذلك أبيات:
لعمري لقد صُبّتُ على ظهر خالدٍ... شآبِيبُ لَيْسَتْ من سَحَاب ولا قَطْرِ
أتضرب في العصيَان من ليس عاصيا ... وتَعْصِي أمير المؤمنين أخَا قَسْر
فلولا يزيد بن المهلب حَلّقَتُ ... بكفك فَتْخَاء إلى الفرخ في الوَكْرِ
لعمري لقد سار ابن شيبة سِيرة ... أرَتك نجومَ الليل مُظَهرَةً تجري
فخذ بيديك الخِزْي حقاً، فإنما ... جُزِيتَ قَصاصاً بالمرجرجة السُّمْرِ
بين سليمان وعمر بن عبد العزيز:
قال سليمان لعمر بن عبد العزيز يوماً وقد أعجبه سلطانه: كيف ترى ما نحن فيه، قال: سرور لولا أنه غرور، وحياة لولا أنه موت، وملك لولا أنه هلك، وحسن لولا أنه حزن، ونعيم لولا أنه عذاب أليم، فبكى سليمان من كلامه.
سليمان على الضد من الوليد:
وكان سليمان بخلاف الوليد، وعلى الضد منه في الفصاحة البلاغة، وقد كان الوليد أفسد في أرضٍ لعبد اللّه بن يزيد بن معاوية، فشكا ذلك أخوهُ خالد بن يزيد إلى عبد الملك، فقال له عبد الملك: إن الملوك إذا دخلوا قريه أفسدوها الآية فقال له خالد: " وإذا أردنا أنْ نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها " الآية، فقال عبد الملك: أفي عبد الله تتكلم وبالأمس دخل عليَ فغير في لسانه ولحن في كلامه، فقال: أفعلى الوليد تعَول. قال: إن كان الوليد يلحن فسليمان أخوه، قال خالد: وإن كان عبد اللّه لحاناً فأخوه خالد، فقال الوليد: أتتكلم ولست في العير ولا في النفير، قال خالد: ألم تسمع ما يقول أمير المؤمنين، أنا والله ابن العير والنفير، ولو قلت جُبَيلات وغُنَيْمَات والطائف ورحم اللّه عثمان، قلنا: صدقت، أراد بذلك أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، نَفَى الحكم بن أبي العاص إلى الطائف فصار راعياً حتى ردَه عثمان.
غضب سليمان على خالد القسري:
غضب سليمان على خالد القَسْرِي، فلما دخل عليه قال: يا أمير المؤمنين، إن القدرة تُذْهِب الحفيظة، وإنك تَجِلُّ عن العقوبة، فإن تعف فأهل لذلك أنت، وإن تعاقب فأهل ذلك أنا، فعفا عنه.
وذم رجل في مجلس سليمان الكلام، فقال سليمان: إنه من تكلم فأحسن قدر على أن يصمت فيحسن وليس مَنْ صمت فأحسن قدر على أن تكلم فيحسن.
ووقف سليمان على قبر ولده أيوب وبه كان يكنى، فقال: اللهم إني أرجوك له، وأخافك عليه فحقق رجائي، وآمن خوفي.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|