أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-12-11
1071
التاريخ: 14-11-2016
1129
التاريخ: 14-11-2016
1055
التاريخ: 14-11-2016
935
|
يتلقب "كرب ايل وتر" بلقب ملك، وباستمرار ما جاء بعده من الحكام على التلقب به، ندخل في عهد جديد من الحكم في سباً، سماه علماء العربيات الجنوبية عهد "ملوك سبأ" تمييزاً له عن العقد السابق الذي هو في نظرهم العهد الأول من عهود الحكم في سبأ، وهو عهد المكربين، وتمييزاً له عن العهد التالي له الذي سمي عهد "ملوك سبأ وذي ريدان".
ويبدأ عهد "ملوك سباً" بسنة "650 ق. م." على تقدير "هومل" ومن شايعه عليه من الباحثين في العربيات الجنوبية. ويمتد إلى سنة "115 ق. م." على رأي غالبية علماء العربيات الجنوبية، أو سنة "109 ق. م." على رأي "ركمنس" الذي توصل إليه من عهد غير بعيد. وعندئذ يبدأ عهد جديد في تأريخ سبأ، هو عهد "ملوك سبا وذي ريدان".
أما "البرايت"، فيرى أن حكم هذا المكرب الملك في حوالي السنة "450 ق. م."، أي بعد قرنين من تقدير "هومل"3، وبناء على ذلك يكون عهد الملوك- على رأيه- قد بدأ منذ هذا العهد.
وقد قدّر بعض الباحثين زمان كحم المكرب والملك "كرب ايل وتر" في القرن الخامس قبل الميلاد. وقد كان يعاصره في رأي "البرايت" "وروايل" ملك أو مكرب قتبان، الذي حكم بحسب رأيه أيضاً في حوالي سنة "450 ق. م."، وكان خاضعاً ل "كرب ايل وتر"، و "يدع ايل" ملك حضرموت.
ويمتاز هذا العهد عن العهد السابق له، وأعني به عهد حكومة المكربين، بانتقال الحكومة فيه من "صرواح" العاصمة الأولى القديمة، إلى "مأرب" العاصمة الجديدة، حيث استقر الملوك فيها متخذين القصر الشهير الذي صار رمز "سبأ"، وهو قصر "سلحن" "سلحين"، مقاماً ومستقراً لهم، منه تصدر أوامرهم إلى أجزاء المملكة في إدارة الأمور.
و "كرب آل وتر" "كرب ايل وتر"، هو أول ملك من ملوك سبأ افتتح هذا العهد. لقد تحدثت عنه في الفصل السابق، حديثاً أعتقد انه واف، ولم يبق لدي شيء جديد أقول عنه. وليس لي هنا الا أن أنتقل إلى الحديث عن الملك الثاني الذي حكم بعده، ثم عن بقية من جاء بعده من ملوك.
أما الملك الثاني الذي وضعه علماء العربيات على رأس قائمة "ملوك سبأ" بعد "كرب ايل وتر"، فهو الملك "سمه على ذرح". وقد ذهب "فلبي" إلى احتمال أن يكون ابن الملك "كرب ايل وتر". وقد كان حكمه على حسب تقديره في حوالي السنة "600 ق. م."5.
وقد وقفنا من النص الموسوم ب CIH 374 على اسمي ولدين من أولاد "سمه على ذرح"، ما "الشرح" "اليشرح"، و "كرب ايل". وقد ورد فيه: أن "الشرح" أقام جدار معبد "المقه" من موضع الكتابة إلى أعلاها، ورمم أبراج هذا المعبد، وحفر الخنادق، ووف بجميع نذره الذي نذره لإلهه" "المقه" على الوفاء به إن أجاب دعاءه، وقد استجاب إلهه لسؤاله، فيسر أمره واعطاه كل ما اراد، فشكراً له على آلائه ونعمائه، وشكراً لبقية آلهة سبأ، وهي: "عثتر" ، و "هبس" "هوبس"، و "ذات حمم" "ذات حميم"، و "ذت بعدن" "ذات بعدان"، وتمجيداً لاسم والده "سمه على ذرح" أن أمر بتدوين هذه الكتابة ليطلع عليها الناس. وقد سجل فيها مع اسم شقيقه "كرب آل" "كرب ايل".
أما "كرب ىل" "كرب ايل" أحد أولاد "سمه على ذرح" فلا نعرف شيئاً من أمره. وشد صيره "هومل" خليفة والده، وجاراه "فلبي" في ذلك، وقدر زمان حكمه بحوالي السنة "580ق. م."2.
ووضع "هومل" اسم "الشرح" "اليشرح"، وهو ولد من أولاد "سمه على ذرح" بعد اسم شقيقه "كرب ايل وتر"، وجاراه "فلبي" في هذا الترتيب، ولا نعلم شياً عنه يستحق الذكر.
وانتقل عرش سباً إلى ملك آخر، هو "يدع آل بين" "يدع ايل بين" وهو ابن "كرب آل وتر" "كرب ايل وتر". وقد ورد اسمه في النص الموسوم ب Glaser 105، ودونه رجل اسمه "تيم". وقد حمد فيه الإلَه "المقه" بعل "أوم" "أوام"، لأنه ساعده وأجاب طلبه، وتيمن بهذه المناسبة بتدوين اسم الملك، كما ذكر فيه اسم "فيشن" أي "فيشان"، وهي الأسرة السبئية الحاكمة التي منها المكربون وهؤلاء الملوك، كما ذكر اسم "بكيل شبام".
وقد ورد في الكتابة المذكورة اسم حصن "الو". وهو حصن ذكر في كتابات أخرى. ويرى بعض الباحثين أن هذه الكتابات هي من ابتداء القرن الرابع قبل الميلاد، أي أن حكم "يدع آل بين"، كان في هذا العهد.
والنص Glaser 529 من النصوص التي تعود إلى أيام "يدع آل بين" "يدع ايل بين" كذلك " وقد ورد فيه اسم عشيرته: "فيشن" "فيشان". وانتقل عرش سبأ إلى "يكرب ملك وتر" من بعد "يدع آل بين" على رأي "هومل"، وهو ابنه. وقد ذكر اسمه في الكتابة الموسومة ب Halevy 51، وهي عبارة عن تأييد هذا الملك لقانون كان قد صدر في أيام حكم أبية لشعب سبأ ولقبيلة "يهبلح" في كيفية استغلال الأرض واستثمارها في مقابل ضرائب معينة تدفع إلى الدولة، وفي الواجبات المترتبة على سبأ وعلى "يهبلح" في موضوع الخدمات العسكرية، وتقديم الجنود لخدمة الدولة في السلم وفي الحرب. وقد وردت في هذا انص أسماء قبائل أخرى لها علاقة بالقانون، منها قببلة "أربعن" "أربعان"، وكانت تتمنع باستقلالها، يحكمها رؤساء منها، يلقب الواحد منهم بلقب "ملك".
وقد شهد على صحة هذا القانون، وأيد صدق صدوره من الملك، ووافق عليه جماعة من الأشراف وسادات القبائل، قبائل سباً وغيرها، ذكرت أسماؤهم في النص بعد جماعة: "سمعم ذت علم"، أي "سمع هذا الإعلام" أي شهد على صحة هذا البيان، وأيده، ووافق على ما جاء فيه، وهم: "يكرب ملك" و "عم أمر" ابنا "بهلم"، و "سمه كرب بن كريم" "سمه كرب بن كرب"، و "هلك أمر بن حزفرم"، و "عم أمر بن حزفرم"، و "أب كرب بن مقرم"، و "سمه أمر بن هلكم"، و "معد كرب ذ خلفن" "معد كرب ذ خلفن"، و "سمه كرب ذ ثورنهن"، و "نبط آل" ملك قبيلة "أربعن" .
وقد أعلن هذا القانون وأثبت "مثبتم" في السنة الثامنة "ثمنيم" من سني "ذنيلم" "ذي نيل" من سني تقويم "نشاًكرب بن كبر خلل"، وهو من بحفر خنادق وإنشاء بروج تعبيراً عن شكرهم لآلهة سبأ "المقه" و "عثر" و "هوبس" و "ذات حميم"، و "ذات بعدان" و "ذات غضران"، لأنها أنعمت عليه اذ كان قائداً عسكرياً بالتوفيق في عقد صلح بين حكومة سبأ وحكومة قتبان، وقد وضع شروطاً للصلح بين الطرفين على الملك "يثع أمر بين" في مدينة "مأرب"، فوافق عليها، وذلك بعد حرب ضارية استمرت خمس سنوات، كانت قتبان هي التي أشعلت نارها بهجومها على ارض سباً وتعرضها لمدن سبأ بالشرّ. وقد عهد إلى هذا الكاهن و "القين" والقائد أمر محاربة القتبانيين والدفاع عن المملكة، فاستطاع على ما يتبين من النصر وقف هجوم القتبانيين وصدّه، وإجلاء القتبانيين عن الأرضين التي استولوا عليها إلى مدينة "تهرجب" "تهركب".
والكتابة المذكورة، هي من جملة الكتاباًت التي عثر عليها في معبد المقه المعروف عند السبئيين ب "معبد أوام بيت المقه"، في مدينة مأرب. ويظهر من ذكرها أسماء الملوك الثلاثة أن "تيع كرب" "تبعكرب" الكاهن "رشو" والقائد، كان قد خدم هؤلاء الملوك، وكان من المقربين إليهم. وقد نجح في مهمته في عهد الملك "يثع أمر بين" في عقد الصلح بين سبأ وقتبان، وقدم شكره وحمده إلى الإله "المقه" إله سبأ الكبير، ببناء ذلك الجزء من جدار المجد الذي نصبت الكتابة عليه. وقد ساعده في ذلك أهله وعشرته، وذكر أسماء الملوك الثلاثة على الطريقة المتبعة في التمين بذكر أسماء الآلهة وأسماء الحكام الذين في عهدهم تم العمل، وربما على سبيل توريخ الحادث أيضاً. ولما كان "تبعكرب" "تيع كرب" كاهناً "رشو"، فلا استبعد احتمال كونه كاهن معبد "اوام"، لأن كاهناً عادياً لا يمكن أن يقوم بمثل هذا العمل، وأن يتولى قيادة الجيش وإجراء المفاوضات.
وفي هذا النصر إشارة إلى حرب وقعت بين القتبانيين والسبئيين، ظلت مستمرة خمس سنين، وهي حرب من جملة حروب نشبت قبل هذه الحرب ونشبت بعدها بين السبئيين والقتبانيين. وقد انتهت هذه الحرب المتقدمة بتمكن السبئيين من استعادة ما خسروه وبطرد القتبانيين من الأرضين التي استولوا عليها. وفي في النص الموسوم ب Glaser 1693 خبر حرب وقعت أيضاً بين قتبان وسبأ في أيام الملك "يدع أب يجل بن ذمر على" ملك قتبان. وقد دوّْ هذا النص "يذمر ملك" سيد قبيلة "ذرن" "ذران" "ذرأن". وقد قص فيه أعماله وغزواته وحروبه، فذكر أنه تغلب على قبيلة "ذبحن" "ذبحان" صاحبة أرض "حمرر". وعلى قبائل وعشائر أخرى، منها: "ناس" "ناًس"، و "ذودن" "ذودان"، و "صبرم" "صبر"، و "سلمن" "سلمان"، وعلى مدنها ومزارعها وأملاكها. وقد وهبها وحبسها على الإلَه "عم" إلَه قتبان الرئيس و "اني".
وقد أشار "يذمر ملك" في نصه إلى حرب وقعت بين إن وسبأ، واستمرت في أيام "ملوك سباً": "يدع ايل بين" و"سمه على ينف" و "يثع أمر وتر". وحرب تجري في عهد ثلاثة ملوك لا بد أن تكون حرباً طويلة الأجل استمرت سنين، وكان فيها لصاحب النصر شأن خطير فيها، فانتصر على قبائل سبئية عديدة، وانتزع منها أملاكها وسجلها باسم حكومة قتبان.
وحارب مع السبئيين "شعب رعنن"، أي قبيلة "رعن" "رعين". وكان حكامها يلقبون أنفسهم في هذا العهد بلقب "ملك"، كما جاء في نص "يذمر ملك".
وحكم بعد "يثع أمر بين" ابنه "كرب ايل وتر" "كرب آل وتر" واليه تعود الكتابة الموسومة ب Glaser 1571، وهي أمر ملكي أصدره هذا الملك إلى كبار الموظفين وسادات القبائل ومن كان قد خول حق جمع الضرائب، مثل رؤساء "نزحت" و "فيشان" و "أربعن" و "كبر" كبير "صرواح" "يثع كرب بن ذرح على" وأعيان صرواح. وقد صدر هذا الأمر الملكي في شهر "فرع ذنيلم" "فرع ذي نيل" من سنة "هلك أمر". وقد وقع عليه وشهد بصحته: "كرب ايل يهصدق" من قبيلة "ذي يفعان" و "أب أمر بن حزفرم" و "أب كرب" من قبيلة "نزحتن" و "عم يثع بن مونيان" و "لحى عث بن ملحان" من قبيلة "أربعنهان"، و "أسد ذخر بن قلزان" و "نشأكرب بن نزخنان".
وقد حكم الملك "سمه على ينف" "سمه على ينوف" بعد "كرب ايل وتر" على رأي "هومل" و "فلبي". وقد جعل "فلبى" "كرب ايل" أباً له، غير أنه وضع أمام الاسم "كرب ايل" علامة استفهام دلالة على أنه غير متأكد من دعواه هذه كل التأًكد 2.
وقد ورد اسم "كرب ايل وتر" في الكتابة الموسومة ب Berlin VA 5324 وصاحبها "بعثتر ذو وضأم"، وكان كبيراً على كل قبيلة "أريم" "أريام"، وقد سجلها لقيامه بأعمال زراعية، وبأمور تتعلق بالتروية، مثل حفر أنهار وأغيلة "غيلان" "غيلن"، وبناء سدود لها بحجارة "البلق". وقد ورد فيها أسماء الأماكن التي أجريت فيها هذه الأعمال، وهي: "أثبن" "أثأبن" "أثأبان"، و "مطرن" "مطران"، و "مأتمم"، و "ذفنوتم" "ذوفنوتم" و "سمطانهان"، وهي من مزارع الملك. وغوطة "ذو ضأم" في "سرر أمان". وذكر في آخر النص اسم "ذمر على" وقد سقط لقبه فيه.
وقد ورد اسم "كرب ايل" و "سمه على" في النص المعروف ب REP. EPIG. 4226، وصاحبة رجل اسمه "عم أمر بن معد يكرب". وقد تيمن في نصه بذكر الآلهة. "المقه" و "عثتر"، و "ذات حميم"، و "ذات بعدان"، و "ود". وذكر بعد أسماء هذه الآلهة: "كرب ايل" و "سمه على"، و "عم ريام" "عم ريمم"، و ""يذرح ملك".
وكان "فالبي" وضع اسم "الشرح" "اليشرح" في كتابه "سناد الإسلام" بعد اسم أبيه "سمه على ينف"، وذكر انه اصبح ملكاً بعده، وذلك على تقديره حوالي سنة "460 ق. م.". ثم ذكت ة هده اسم "ذمر على بين" شقيق "الشرح" الذي حكم على رأي "فلبي" أيضاً حوالي سنة "445 ق. م." ووضع بعده "يدع ايل وتر"، وهو ابن "ذمر على بين"، وقد تولى العرش على تقديره أيضاً حوالي عام "430 ق. م.". ثم وضع بعده "ذمر على بين" وهو- على رأيه- ابن "يدع ايل وتر"، وجعل حكمه في سنة "410" قبل الميلاد، ووضع بعده "كرب ايل وتر"، وكان حكمه في سنة "390" قيل الميلاد.
أما قائمته التي نشرها في مجلة: Le Museon فقد وضع فيها بعد "سمه على ينف" اسم "يدع إيل بين"، وجعله ابن "سمه على"، وجعل حكمه حوالي عام "470 ق. م."، ثم وضع بعده اسم شقيقه "ذمر على"، ولم يجعل "الشرح" ملكاً في هذه القائمة.
وقد ورد في الكتابة الموسومة ب REP. EPIG. 4198 اسم الملك "ذمر على" ملك سباً "ابن ي دع ايل وتر". واسم ابن له بعده، غير أنه أصابه تلف مما أثره. وقد ذكرت فيها أسماء آلهة سبأ، كما ذكر اسم الإلَه "ودّ ذو ميفعان" و "دم ذ ميفعن"، وهو إلَه معيني، كما ورد اسم إلهة معينية، هي "هرن" "هران". وفي ذكر الآلهة السبئية والآلهة المعينية في هذه الكتابة دلالة على اختلاط صاحبها بالمعينيين.
وصاحب الكتابة رجل من "ريمان"، وكان له بيت اسمه "نمرن" نمران و "ريمان" عشيرة من سباً، ويظهر أن جماعة منها نزحت إلى أرض معين، فسكنت بالقرب من "نشق" في مدينة "نمران" التي تعرف اليوم ب "بيت نمران"، ولذلك ذكر آلهة معين مع آلهة سبأ، لاختلاطه بالمعينين. ويرى يعض الباحثين أن ملك سبأ كان قد أسكن هذه الجماعة من الريمانيين عند "نشق" لحماية معين وللدفاع عنها بعد أن خضت لحكم السبئيين.
ولا يستبعد "فون وزمن"، كون الابن الذي عفى أثر اسمه من الكتابة المرقمة ب ERP. EPIG. 4198 هو "سمه على ينف" "سمعهلى ينوف"، المقصود في الكتابة: ERP. EPIG. 4085. وهي كتابة يرى "فون وزمن" إنها تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، وإلى الأيام التي قام بهد "أوليوس غالوس" بحملته على اليمن.
ولدينا جمهرة أخرى جديدة من ملوك سبأ، تتألف من ملكين، هما: "الكرب يهنعم"، و "كرب ايل وتر". وقد عدّها "فلبي" السلالة الثالثة من سلالات الملوك. أما "الكرب يهنعم" فقد ورد اسمه في الكتابة Glaser 291، وقد ذكر أنه كان ملكاً على سبأ، وان اسم أبيه "هم تسع". وأما "كرب وتر"، فقد ورد اسمه في الكتابة المعروفة ب Glaser 302 وهي من "حدقان" شمال "صنعاء". ويكوّن هذ الملك مع الملك "الكرب"- على رأي "هومل"- جمهرة قائمة بذاتها من جمهرات الملوك.
ووضع "فلي" بعد "كرب ايل وتر" ملكاً اسمه "وهب ايل"، ولم يتأكد من اسم أبيه فوضعه بين قوسين، ووضع أمام اسم الأب علامة الاستفهام دلالة على عدم تأكده، ووضع بعد علامة الاستفهام "ابن سرو"، تعبيراً عن عدم تأكده من صحة اسم هذا الأب، وجعل حكم هذا الملك في حوالي السنة "310 ق. م." ولم يعرف "فلبي" لقب "وهاب ايل".
وتولى الحكم بعد "وهب ايل" ملك اسمه "انمر يهامن" "أنمار يهأمن" "انمر يهنعم" "أنمار يهنعم". أما أبوه، فهو "وهب آل" "وهب ايل" ولا نعرف لقبه الذي عرف به. وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن أباه هو الملك المتقدم، ولذلك وضعوه بعده. وقد اختلف الباحثون في كيفية كتابة لقب "أنمار"، فكتبه بعضهم "يهأمن" وكتبه بعض آخر "يهنعم"، ودوّنه بعض آخر على الشكل الأول في موضع، وعلى الشكل الثاني في موضع آخر. ولعدم وجود صور أصول الكتاباًت ب "الفوتوغراف" في المطبوعات التي نشرت الكتابات التي تعود إلى أيامه، ولأنها أخذتها من استنساخ العلماء لها، أتوقف عن البت في تثبيت لقبه في هذا المكان حتى يتهيأ لي الظفر بصور "فوتوغرافية" لأصول تلك الكتابات، ولهذا السبب كتبت اللقب بالشكلين المذكورين.
وقد نبه مؤلفا كتابا "Sab. Inschr"على ظفرهما بنعت والد "أنمار" من الكتابات: " CIH I.وCIH 517 و CIH642، فجعلاه "يحز". وقد راجعت النص CIH I، فلم أجد علافة بين الملكين، فالملك في هذا النص هو الملك "كرب ايل وتر يهنعم" مللك سبأ، وأبوه هو "وهبا ايل يحز". وأما الملك الذي نتحدث عنه ونقصده هنا، فانه "انمار يهنعم"، ووالده "وهب ايل". وراجعت النص: CIH 517، فوجدته كالنص السابق لا علاقة له بالملك "أنمار" ولا بأبيه، اذ كتب في زمان "كرب ايل وتر يهنعم بن وهب ايل يحز" أيضاً، ولا علافة له مثل شقيقه بالملك "انمار".
وقد ورد اسم الملك "انمار يهأمن" "يهنعم" في الكتابة الموسومة بCIH 244، وقد سقط منها اسم صاحبها الذي تضرع إلى الآلهة بأن تمنّ عليه بالصحة، وأن تبارك له في نفسه وفي أمواله، وأن ترفع من منزلته ومقامه ومقام ملكه في أيام الملك أنمار يهأمن "يهنعم" ملك سباً. وقد وردت في آخر النص الحروف "ب ت ب"، وأكملها ناشره بإضافة حرف "اللام" إلى الحروف المكسورة، فصارت "ب ت ل ب"، أي "بتالب" ومعناها "بالإله تالب" أو "بحق الإله تالب". ولم يرد في النص بعد اسم الأب نعته، ولم يذكره ناشر النص في كتاب:CIH. أما "ميتوخ" و "مورد تمن" فقد كتباه وجعلاه "يحز".
وأما الكتابة الموسومة ب CIH 642، فلم يرد فيها اسم الملك "أنمار"، ولا اسم "كرب ايل وتر يهنعم"، فلا ادري لِمَ أشار إليها مؤلفا كتاب: Sab. Inschr. على أنه من النصوص التي ورد في نعت "وهب ايل". وصاحب هذه الكتابة "مرثد آل بن فسول" "مرثد ايل بن فسول"، وكان "قول" أي قَيْلاً على عشيرة "سمعي"1.
ولدينا كتابة ناقصة، سقط من أولها اسم الآمر بتدوينها، خلاصتها أن صاحب هذه الكتابة قدم تمثالاَ إلى الإلَه "تالب ريم" "تالب ريام" "بعل شصرن" "ش ص ر ن"، أي رب معبد الإلَه المذكور المقام في موضع "شصرن"، لأنه مَنَّ عليه فيردًهُ سالماً من الحرب، وتيمن فيها أيضاً بذكر ملكه الملك "أنمار يهأمن" ملك سبأ. وقد سقطت كلمات من هذه الكتابة سببت تشويهها وغموضها، فلا ندري ما المقصود بهذه الحملة أو الحرب. أهي حملة قام بها الملك "أنمار يهأمن" أم حملة قام بها ملك آخر، أعلنها على الملك "أنمار" ? ويرى مؤلفا كتاب Sab Inschr أن الذي قام بها رجل من "بتع" وقد أمده الملك بمساعدة عسكرية.
وورد اسم الملك "أنمار يهأمن" واسم أبيه، في نص دوّنه أحد سادات "ذ مليحم" "ذي مليحم" "ذي مليح"، اسمه "وهب ذ سموى اليف" "وهب ذو سموى أليف"، تقرباً إلى الإله: "تألب ريام بعل كبد"، لأنه أجاب دعاءه، فحفظه وساعده، وساعد ابنه وأتباعه، وذلك في أيام الملك المذكور.
وقد جعل "فلبي" حكم "أنمار يهأمن" في حدود سنة "290"، حتى سنة "270 ق. م.". أما "فون وزمن"، فقد جعل حكمه في القرن الأخير قبل الميلاد، فذكر انه كان يحكم في حوالي السنة "60 ق. م.".
وتولى عرش سبأ بعد "أنمار يهأمن" ابنه "ذمر على ذرح"، وقد وصلت إلينا كتابة قصيرة أصيبت في بكسور في مواضع منها، سقط منها اسم "أنمار"، وبقيت كلمة "يهأمن"، وجاء بعدها اسم "ذمر على ذرح" مسبوقاً بالواو حرف العطف، مما يدل على إنها كتبت في أيام أبيه "أنمار يهأمن"، وقد ورد فيها مضافاً إلى اسمي الملكين اسما "ودم" "ود" و "تزاد" "تزأد". وقد قرأ بعض الباحثين اللقب الباقي من اسم "أنمار" على هذه الصورة "يهنعم"، وقد ذكرت إن مردّ هذا الاختلاف إلى اختلاف النساخ.
وانتقل العرش إلى الملك "نشأكرب يهأمن" بعد وفاة "ذمر على ذرح" والده. وقد جعل "هومل" نعته "يهنعم". وقد وصلت الكتابة منه دوّنها عند تجديده وإصلاحه أصنام "أصلم" معبد "عثتر ذ ذب" "عثتر ذي ذب". ويظهر إن أصنام هذا المعبد أصيبت بتلف، فأمر الملك بتجديدها وإصلاح مواضع التلف منها تقرباً إلى الإله "عثتر" الذي خصص به هذا المعبد.
ووصلت إلينا كتابة أخرى من أيام هذا الملك، جاء فيها: أن "نشأكرب يهأمن" قدم إلى "تنف بعلت ذ غضون"، أي إلى "تنف بعلة ذي غضرن" "تنف ربّة ذي غضران" أربعة وعشرين وثناً، لسلامته ولسلامة بيته "سلحن" "سلحين"، ولعافيته وعافية أهله، ولتبعد عند الشر وكل ضر يريده به الشانئون. وذلك بحق "عثتر" و "المقه" ومحق "شمسهو تنف بعلت ذ غضرن" فيظهر من ذلك أن هذا المعبد الذي قدم الملك الأصنام إليه، كان قصد خصص بالآلهة "الشمس النائفة"، وكلمة "تنف" نعت لها، وموضعه في مكان "ذي غضران".
وقد جاء اسم الملك "نشأكرب يهأمن" في نص دوّنه "بنو جرت" "بنو كرت"، "أقول شعبن ذمري وشعبهمو سمهري"6، "ذمرى" وقبيلتهم "سمهر"، دوّنوه تقرباً إلى الإلَه "المقه" "بعل اوم"، أي: رب "أوّام"، ووضعوه في معبده هذا، وهو "معبد أوّام"، حمداً له وشكراً على نعمه وأفضاله لأنه، أي الإلَه "المقه" أسعد ومَنَّ بالشفاء ووفى لسيدهم "نشأكرب يهأمن ملك سباً ابن ذمر على ذرح". ووفقه وأنعم عليه بحاصل وافر وغلة جزيلة قدمت إلى قصره "سلحن" "سلحين"، في أيام الضرّ، أي الحرب وفي أيام السلم. وقدموا من أجل ذلك تمثالين من البرونز، وضعوهما في. مبعده "معبد اوام". ودعوا "المقه" أن يبارك لسيدهم دوما، وأن يمنحه العافية والصحة والقوة، وأن يسعد قصره قصر "سلحين" وكل أتباع "ادم" الملك و "بني جرف" وأقيالهم: وذلك بحق الآلهة: عثتر شرقن، وعثتر ذ ذبن، وهوبس والمقه وذات حميم وذات بعدان وبشمس ملك تنف، وعزيز، وذات ظهرن ربّا "عركنن" وقدما نذرهما إلى عثتر شرقن والمقه رب اوام.
وقد ورد اسم هذا الملك في نص دوّنه "غوث" و "اسلم" وابنه "ابكرب" "أبوكرب" من "بني جميلن عرجن"، أي. "بني آل الجميل العرج"، وهم "كبراء" قبيلة "ميدعم" "ميدع"، وذلك حمداً للإلَه و "المقه تهوان بعل أوّام"، الذي أجاب نداءهم وأغاثهم ومنَّ " عليهم وعلى بيتهم "سلحين" "سلحن" في "جميلن" "الجميل"، وحماهم في الغارة التي أمر بها الملك "نشأكرب يهأمن" على "اًرض عربن"، أي ارض الأعراب لانقاذ أصدقائهم ومواطنيهم من أهل مأرب، وكذلك الجنود والحيوانات التي كانت معهم وإعادتهم إلى مأرب. و اعادوا في نهاية النص حمدهم الإله "المقه" وذلك بحق بقبة الآلهة: عثتر، وهوبس، وذات حميم، وذات بعدان، و "بشمس ملكن تنف".
ويظهر من هذا النص إن أعراباً كانوا قد أغاروا على جماعة من السبئيين، أو انهم هاجموا ارض سبا، فأرسل الملك "نشاكرب يهأمن" قوة من الجيش ومن الأهلين للإغارة عليهم في أرضهم: "ارض العرب" ولاسترجاع ما أخذوه من غنائم واسلاب وأسرى. وكان في جملة من اشترك في هذه الغارة "ابوكرب بن أسلم". فلما عاد رجالها إلى مأرب سالمين، قدم "أبو كرب" وابوه اسلم وشخص آخر اسمه "غوث" إلى الإلَه "المقه ثهوان" تمثالين وضعوهما في معبده معبد "أوّإم"، تخليداً لهذا الحادث، وتعبيراً عن شكرهم له.
وهذا النص من أقدم نصوص المسند التي تشير إلى الأعراب والى غاراتهم على السبئيين أو على قوافلهم، ومن اقدم النصوص التي ورد فيها اسم "عربن" أي "الأعراب" و "ارض عربن" أي ارض الأعراب. ولم يعين النص موضع "ارض العرب"، فلا ندري أكان قصد أرضاً معينة، ام اراد البادية. والبوادي هي في كل مكان. والأعراب هم في كل مكان من جزيرة العرب، وفي جملتها اليمن بالطبع، وسترى بعد وفي إثناء كلامنا على أيام "يرم أيمن" وأخيه "برج يهرجب"، إخبار غارات وحملات عسكرية أرسلها الملك على الأعراب الساكنين في محاذاة ارض قبيلة "حاشد" وعلى أعراب آخرين "وثبوا على ساداتهم وأمرائهم ملوك سبأ".
وقد وردت في هذا النص جملة "ارضت عربن". فيظهر من ذلك أن اللغة السبئية كانت تعد لفظة "أرض" اسماً مذكراً، وإذا أرادت تأنيثه، قالت: "أرضت"، على حين أن "الأرض" في عربيتنا اسم مؤنث فقط.
وقد عثر على نص آخر، أمر الملك "نشأكرب يهأمن"، بتدوينه، عند تقديمه ستة تماثيل إلى الإلَه "المقه"، لسلامته وسلامة قصره "سلحين"، وسلامة أمواله وأملاكه، وليمنَّ عليه بالسعادة. وعثر على اسمه في نصوص أخرى، كلها في مضمون هذا النص، إذ تخبر عن تقديم هذا الملك تماثيل إلى معابد آلهته، حمداً لها وشكراً، إذ منّت عليه، ولتديم أغداق نعمها وألطافها وبركتها عليه.
وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن الملك "نشأكرب يهأمن" هو من قبيلة "همدان"، ذلك لأن اسمه من الأسماء الهمدانية المعروفة. وخالف غيرهم هذا الرأي، وقالوا إلْه لم يكن من همدان، وإنا كان من "بني جرت". من قبيلة "سمهر" "سمهرام". وهم يبعدونه بذلك عن "همدان". ويعارضون في كونه آخر ملك من ملوك الأسرة السبئية الحاكمة، بل يشكون في كون أبيه كان ملكاً فعلياً على سبأ.
ويظهر من النصوص المتقدمة أن "نشأكرب يهأمن" كان يقيم في قصر "سلحين" بمأرب، وهو مقر ملوك سبأ ومركز حكمهم. وقد كان حكمه فيما بين السنة "75 ا" والسنة "60 ا" قبل الميلاد على رأي "جامه".
ويلاحظ أن الملك كان يتقرب إلى "شمس تنف بعلت غضرن"، أي إلى الآلهة الشمس تنف ربة موضع "غضرن"، تقرب إليها حتى في أثناء أقامته في عاصمته "مأرب" وفي بيت حكمه قصر "سلحين". ويدل هذا على إن الملك لم ينس آلهة قبيلته وعلى رأسها الآلهة "الشمس"، فقدمها على بقية الآلهة وذكرها مع الإلَه "المقه" إ اسَه سبأ الخاص. والآلهة "شمس تنف"، هي إلهة "بني جرت" من قبيلة "سمهرم" "سمهرام".
ولسنا على علم بمن حكم بعد "نشأكرب"، ولهذا ترك الباحثون بموضوع ترتيب ملوك سبأ فراغاً بعده، يشر إلى عدم معرفتهم باسم من حكم فيه. وقد تصور "فلبي" انه دام ثلاثين عاماً، بدأ سنة "30" وانتهى في سنة "200" قبل الميلاد. وقد وضع "هومل" اسم "نصرم يهأمن" على رأس جمهرة جديدة، رأى إنها حكمت "سبأ"، بعد هذه الفجوة التي لا نعلم من حكم فيها ولا مدتها، ووضع مقابله علامة استفهام للدلالة على انه لا يقول ذلك على سبيل التأكيد، وإنما هو احتمال يراه ولمجرد رأي هو نفسه غير واثق به.
وقد وضع "فلبي" "نصرم يهنعم" "ناصر يهنعم" على رأس الجمهرة الجديدة التي حكمت سبأ في هذا العهد، وجعله رأساً على الجمهرة الرابعة من جمهرات حكام السبئيين، وجعل حكمه في حوالي السنة "200 ق. م."، وجعل له شقيقاً هو "صدق يهب". وقد كتب "فلبي" النعت على هذه الصورة: "يهنعم". أما "هومل" وغيره، فقد كتبوه على هذه الصورة "يهأمن".
واستند "هومل" في وضعه "نصرم يهأمن" هذا الموضع إلى النص الموسوم ب Glaser 265،وقد ورد في عدد من الأشياء كانوا مقربين عند "ناصر يهأمن" منهم "أوسلة بن أعين" "أوسلت بن أعين" الذي هو في نظر بعض الباحثين "أوسلة رفشان" الهمداني. ولما كان "أوسلة" هذا يعاصر "وهب ايل يحز" وكان من جملة المقربين إلى "ناصر يهأمن"، رأى "هومل" أن مكان "ناصر يهأمن" يجب أنْ يكون إذن بعد الفجوة المذكورة مباشرة وقبل اسم "وهب ايل يحز"، فوضعه في هذا المحل.
والنص المذكور، مكتوب على صخرة ناتئة في وسط مرتفعات وعرة مسننة في "جبل ثنين". وذكر "خليل يحيى نامي" أنه رآه ونقشه في "هجر ثنين" وهي تبعد عن غربي "ناعط" زهاء ساعتين على البغال، وهي بين قبيلة "حاشد" و "أرحب". وقد كتب لمناسبة الانتهاء من إنشاء بناءٍ. وقد تيمن فيه على العادة بذكر "ناصر يهأمن" وأخيه "صدق يهب"، وبذكر أسماء من ساعد في إتمام البناء، ومن قام بتسقيفه، وهم من الأشراف وسادات القبائل. ويلاحظ أن النص قد أهمل لقب "ملك" الذي يكتب عادة بعد اسم كل ملك، فلم يذكر بعد اسم "ناصر يهأمن" ولا بعد اسم "صدق يهب".
وقد ورد اسم "ناصر يهأمن" في النص المنشور برقم "7" من كتاب: "نشر نقوش سامية من جنوب بلاد العرب وشرحها". وقد أخبر "ناصر يهأمن" فيه أنه قدم إلى حاميه "تالب ريم بعل حدثن": أي "تالب ريام" رب معيد "حدثان" صنماً، ابتهاجاً بسلامته وعافيته. وفي النص المرقم برقم "21" المنشور في الكتاب نفسه، وقد دوّنه جماعة من "همدان"، لمناسبة إنشائهم بيتاً اسمه "وترن" "وترن" "وتران"، وجعلوه في حماية حاميهم الإلَه "تالب ريام"، وتيمناً بهذه المناسبة دوّنوا اسم "ناصر يهأمن" و "صدق يهب"، وليزيد الإلَه "تالب ريام" من نفوذ قبيلة "همدان" التي ينتسب إليها هؤلاء. ويلاحظ أن هذا النص وكذلك النص الآخر لم يذكر لقب "ملك" بعد اسم "ناصر يهأمن".
وأصحاب هذا النص، هم: "برج يحمد" "بارج يحمد"، ونجوه "يرم نمرن" "يريم نمران"، و "نشأكرب"، و " كربعثت"، بنو "أنضر يهرجب" من "بني ددن" "بني دادان". وقد ورد اسم هذه الجماعة، وهم من أسرة واحدة، في نص آخر، يظهر منه أنهم كانواُّ يقيمون في موضع "اكنط" "أكنط"، المعروف في عهدنا باسم "كانط". وقد ذكر "الهمداني" بيتاً من بيوت "أكانط" سماه "زادان"، قد يكون اسم عشيرة هذه الأسرة المسماة "دادان"، حُرف فصار "زادان".
ولم يلقب "ناصر يهأمن" ولا "صدق يهب" في نص آخر بلقب "ملك" وأصحاب هذا النص من "همدان" كذلك. وقد دوّنوا فيه هذه الجملة: "وبمقم مرايهمو" قبل اسم "نصرم يهأمن"، أي "رحق أمريهم"، أو "وبمقام أمريهم"، أو "وبجلالة أو رئاسة أميريهم"، ولم نجد في هذا النص أيضاً ما يشير إلى انهما كانا ملكين، أو إن أحدهما كان ملكاً على سبأ أو همدان.
وأرى إن في أعمال هذه النصوص للقب "ملك"، وفي عدم تدوينها له بع اسم "نصرم يهأمن" "ناصر يهامن"، دلالة قوية على إن "ناصر يهأمن" لم يكن ملكاً، وإنما كان أميرأ، يؤيدها ويؤكدها استعمال النصوص قبل الاسم لفظة "امراهمو" "مرايهمو"، التي تعني "أميريهم". ولو كان "ناصر" أو شقيقه "صدق يهب" ملكين لما نعتا في بعض هذه النصوص ب "أميرين"، ولما أهملت النصوص لفظة "ملك" هذا الإهمال. ولا حجة لرأي من قال انه كان ملكاً، لأنه كان صاحب لقب، وهذا اللقب هو "يهأمن"، وهو نعت خاص بالملوك، ذلك لأننا لا نملك دليلاً قاطعاً يثبت إن كل من كان ينعت نفسه بنعت كان ملكاً، وان نوعاً خاصاً من النعوت كان قد حرم على الناس، لأنه خصص بالملوك. وآية بطلان هذا الرأي أننا نجد كثيراً من سادات القبائل وسائر الناس يحملون ألقاباً أيضاً من نوع ألقاب الملوك، فليس في الألقاب تخصيص وتنويع في نظري.
وبناء على ما تقدم، لا نستطيع إدخال "ناصر يهأمن" ولا أخيه "صدق يهب" في عداد ملوك سباً، ونرى وجوب اعتدادهما سيدين كبيرين من سادات قبيلة "همدان"، كان لهما سلطان واسع على قبيلتها وفي سباً، ولذلك ذكر أشراف القبيلة اسميها في كتاباتهم، ولقبوهما بلقب "أمرائهم" فالواحد منهم هو بمنزلة "أمير"، ومعنى ذلك إن "ناصر يهأمن" كان أميراً على همدان، وكذلك كان أخوه. والظاهر إن تقديم اسم "ناصر يهأمن" على اسمم أخيه، يشير إلى إن "ناصر يهأمن" كان أكبر سناً من شقيقه، لذلك كان هو المقدم عليه.
ويظهر من بعض النصوص التي ذكرت اسم "ناصر يهأمن" انه كان قوياً، وله قوة عسكرية ضاربة، وتحت إمرته عدد من القادة، بدليل ورود لفظة "مقتت"، جمع "مقتوى"، ومعناها "الضباط" و "القادة"، وقد اشتركت قواته في بعض المعارك، في عهد الملك "نشأكرب يهأمن"، وكان من المعاصرين له. والظاهر انه بقي حياً إلى أيام "وهب ايل يحز". وبناء على هذا يكون قد عاش في حوالي السنة "75 ا" والسنة "150" قبل الميلاد، وذلك على افتراض إن حكم "نشأكرب يهأمن" كان فيما بين السنة "175" والسنة "160" قبل الميلاد، وان حكم "وهب ايل يحز" كان بين السنة "160" والسنة "145" قبل الميلاد، على حسب تقدير "جامه".
وليس في استطاعتنا تحديد العمل الذي قام به "صدق يهب" في همدان، فليس في النصوص التي بين أيدينا ما يكشف الستار عن ذلك. ولا نعرف كذلك زمان وفاة "صدق يهب"، والظاهر إن وفاة كانت في أيام "وهب ايل يحز" اذ انقطعت أخباره منذ ذلك الحين 1.
وليس بين الباحثين في العربيات الجنوبية أي خلاف في أصل "ناصر يهأمن" وأخيه، فقد اتفقوا جميعاً على انه من قبيلة "همدان"، ذلك لأنهما نصّا صراحة في أحد النصوص المدونة باسمهما على انهما من همدان. ويظهر من ذلك إن قبيلة همدان كانت قد أخذت تؤثر في هذه الأيام تأثيراً كبيراً، حتى لقبّ ساداتها أنفسهم بلقب "ملك"، متحدين بذلك سلطة ملوك سبأ الشرعيين.
ووضع "هومل" "وهب آل يحز" "وهب ايل يحز"، بعد "ناصر يهأمن"، وسار "فلبي" على خطاه. وقد كان زمان حكمه في حدود سنة "180 ق، م." على تقدير "فلي". وكان يعاصره "أوسلت رفش" "أوسلة رفشان"، أمير "همدان"، وهو والد الأمرين "يرم أيمن" و "برج يهرحب" "بارج يهرحب".
ويظهر من النص: Glaser 1228أن "وهب ايل يحز"، تحارب هو و "الريدانيون" ورئيسهم إذ ذاك "ذمر على". وقد ساعد "وهب ايل يحز" في هذه الحرب "هوف عم" "هو فعم" و "مخطرن" "مخطران" و"سخيم" و "ذو خولان" و "بنو بتع"، وانضم إلى جانب الريدانيين "سعد شمس" و "مرثد". وتشر هذه الكتابة وكتابات أخرى إلى مساع بذلها رؤساء "ريدان" في منافسة ملوك سبأ وانتزاع العرش منهم.
وقد ورد في النص المذكور: "سعد شمس ومرثدم" وقبيلته "ذو جرت" بمدينة "صنعو". وهذه هي المرة الأولى التي يرد فيها اسم "صنعو" "صنعاء". وقد ورد اسمها بعد ذلك بقليل في الكتابتين: Jamme 692 و Jamme644. ويظهر من ذلك أن "صنعو" كانت في ضمن أرض قبيلة "جرت"، غير إنها كانت قريبة جداً من حدود أرض قبيلة "بتع". وأما "شعوب" التي لا تبعد سوى كيلومتر واحد أو كيلومترين عن الجهة الشمالية الغربية من "صنعاء"، فقد كانت في أرض قبيلة "بتع".
وقد أشير إلى حرب "وهب ايل يحز" مع الريدانيين، في النص الموسوم ب Jamme 561 Bis، وهو نص دوّنه "يرم أيمن" "يريم أيمن"، وأخوه "برج يهرحب" وابنه "علهان" أبناء "أوسلت رفشان"، وهم من "همدان" أقيال "أقول" قبيلة "سمعي" ثلث "حاشد"، وذلك عند تقديمهم تمثالاً إلى الإله " المقه ثهون": بعل "اوام" لأنه من عليهم وعلى عبيده "ادم هو" "ادمهو" أبناء همدان: وعلى قبيلتهم حاشد، وأغدق عليهم نعماءه وأعطاهم غنائم كثيرة في الحرب التي وقعت بين ملوك سبأ وبين "بني ذي ريدان"، واشتركوا فيها، إذْ ترأسوا بعض القوات. وكذلك في غاراتهم على أرض العرب المجاورين لقبيلة حاشد والنازلين على حدودها، أولئك العرب الذين أخطأوا خطأ تجاه أمرائهم وساداتهم ملوك سبأ "املك سبا"، وتجاه بعض قبائل ملك سبأ، ولأن الإلَه "المقه"، أنعم عليهم بأن جعل الملك "وهب ايل يحز" "ملك سبأ" راضياً عنهم، مقرباً لهم، ولأنه أعطاهم ذرية ذكوراً وحصاداً جيداً، ولكي يديم نعمه عليهم ويبارك فيهم ويعطيهم الصحة والقوة وذلك بحق عثتر و "المقه" وبحق حاميهم "شيمهم" وشفيعهم "تالب ريام".
ويتبين من هذا النص إن "يرم أيمن" وشقيقه كانا تابعين لملك سبأ، وانهما كانا مع "علهان بن برج" من الأقيال على عشيرة "سمعي" التي تكون ثلث مجموع قبيلة "همدان" في هذا العهد، وانهم كانوا في خدمة ملك سبا. ويظهر انهم إنما أشاروا إلى مهاجمتهم لأرض العرب، والعرب المخالفين لأمر ملك سبأ لأن هؤلاء العرب كانوا على حدود أرض قبيلة همدان، وقد تعرضت أرض هذه القبيلة وارض قبائل أخرى لغارات هؤلاء الأعراب، الذين كانوا ينتهزون الفرص لغزو الحضر كما هو شأنهم في كل زمان ومكان. وقد نجحوا في تأديب هؤلاء الأعراب، كما نجحوا في الاشْتراك مع بقية قوات "وهب ايل يحز" في تكيد "بني ذي ريدان" خسائر فادحة في الحرب التي نشبت بينهم وبين هذا الملك. وقد كان الريدانيون أسلاف الحميريين من سكان اليمن البارزين في هذا العهد.
وقد ميّز أهل اليمن وبقية العربية الجنوبية أنفسهم عن أهل الوبر، أي القبائل المتنقلة التي تعيش في الخيام، أن دعوا قبائلهم بأسمائها، وهي قبائل مستقرة تسكن قرى ومدناً ومستوطنات ثابتة وسموا القبائل البدوية المتنقلة، ولا سيما القبائل الساكنة في شمال العربية الجنوبية "عربن" أي أعراب، وسمّوا أرضهم "أرض عربن" و "ارضت عربن"، أي أرض العرب.
ويظهر من ورود جملة "أملك سبا"، أي "ملوك سبأ" الواردة في هذا النص وفي نصوص أخرى، وجود ملوك عدة كانوا يحكمون سبأ في زمان تدوين هذه النصوص. ولكننا نرى إن هؤلاء الملوك لم يكونوا ملوكاً فعليين، حكموا سبا بالاشتراك مع ملك سبأ الحاكم، وإنما كانوا رؤساء وسادة قبائل خاضعين لحكم المك، وقد كانوا أصحاب امتيازات، يحكمون أرضهم حكماً مباشراَ مع اعترافهم بحكم ملك سبأ عليهم، ويجوز انهم كانوا يلقبون أنفسهم بلقب ملك، على سبيل التعظيم والتفخيم ليس غير، فهم ملوك مقاطعات وأرضين، لا ملوك حكومات كبيرة كحكومة سبأ.
وقد ورد اسم "وهب ايل يحز" في الكتابة الموسومة ب:CIH 360، وصاحبها "سعد تألب يهئب" من موضع "سقهن" "سقرن" "سقران"، ذكر فيها أنه قدم إلى الإلَه "تالب ريام" نذراً: تمثالاً وضعه في معبد الإلَه في "رحين"، في أيام سيده "مراسموا" الملك "وهب ايل يحز". وقد ورد اسم صاحب هذه الكتابة في النص الموسوم ب MM33+34، وقد دونه جماعة من "بني بتع" و "سخيم" و "ذي نعمان" تقرباً إلى الإله "عثتر شرقن"، لأنه نجى "سعد تألب يهثب"، ومد في عمره في الحروب التي أشعلها في "ردمان" وفي أماكن أخرى. ولا يعقل بداهة قيام مدوّني النص، وهم سادات القبائل، ببناء "نطعت" وذلك تقرباً إلى الإله "عثتر شرقن" إذ منّ على "سعد تألب يهئب" باًلحياة والنجاة في الحروب التي خاضها، لو لم يكن لهذا الرجل علاقة بهذه العشائر ولو لم يكن من أهل الجاه والمكانة والسلطان، ويتبين من كتابات أخرى أنه كان محارباً اشترك في حروب عدة، فلعته كان من كبار قواد الجيش في أيام "وهب ايل يحز"، وقاد جملة قبائل في القتال منها، هذه التي دونت تلك الكتابة.
وذكر اسم الملك "وهب ايل يحز" في كتابة ناقصة قصيرة، أشير فيها إلى "كبر خلل"، اي "كبير" قبيلة أو موضع "خليل" والى اسم الملك "وهب ايل يحز" "ملك سبأ". والظاهر أن صاحب تلك الكتابة أو أصحابها كانوا من أتباع "كبير خليل".
ولم نعثر حتى الآن على اسم والد "وهب ايل يحز". ولم ترد في نصوص المسند الشارةٌ ما إلى مكانته ومنزلته، لذلك رأى بعض الباحثين أن أباه هذا لم يكن من الملوك، بل ولا من الأقيال البارزين، وإلا أشير في النصوص إليه، إنما كان من سواد الناس، وأن ابنه "وهب ايل يحز" هذا أخذ الحكم بالقوة، ثار على ملوك سبأ في زمن لا نعلمه، وانتزع الملك منهم، ولقب نفسه بلقب "ملك سباً" 0 أما ابنه الذي جاء من بعده، فقد لقب نفسه بلقب "ملك" كما لقب والده بلقب ملك. ولو كان والد "وهب ايل يحز" ملكاً، لذكر إذن في النصوص، ولأشير إلى لقبه.
وقد جعل "جامه" حكم "وهب ايل يحز" بين السنة "160" والسنة "145" قبل الميلاد.
وانتقل الحكم بعد وفاة "وهب ايل يحز" إلى ابنه "انمرم يهأمن" "أنمار يهأمن"، على رأي "جامه"، في حين أغفله أكثر من بحثوا في هذا الموضوع وقرروا إن الحكم انتقل إلى "كرب ابل وتر يهنعم"، وهو ابن "وهل ايل" مباشرة بعد وفاة أبيه. ويرى "جامه" إن حكم "انمار يهأمن" ابتدأ بسنة "145" قبل الميلاد، وهي سنة وفاة أبيه وانتهى بسنة "130" قبل الميلاد، حيث انتقل الحكم إلى شقيقه من بعده.
وقد ورد اسم هذا الملك في النص الموسوم ب Jamme 562 وقد دوّنه "سخمان يهصبح" من "بني بتع"، وكان "ابعل بيتن وكلم أقول شعين سمعي"، أي "سيد بيت وكل"، وقيل عشرته "سمعي" التي تكوّن ثلث قبيلة "حملان"، عند تقديمه "صلمن" تمثالاّ إلى الإلَه "المقه رب أوّام"، وضعه في معبده "معبد آوّام"، لوفائه لكل ما طلبه منه، ولاستجابته لدعائه، ولأنه وفقه ووفق أهله وعشيرته في مرافقة الملك "أنمار يهأمن ملك سباً" ابن "وهب ايل يحز ملك سبأ" في عودته من "بيت بني ذي غيمان" إلى قصره "سلحين" مقر ملكه بمدينة مأرب، ووفق مرافقيه وأقباله وجيشه في عودته هذه، ولأنه منّ على صاحب النص بأن منحه أنماراً كثيرة وغلة وافرة وحصاداً جيداً، وليديم نعمه عليه، وذلك بحق الآلة: عثتر، وهوبس، والمقه، وذات حميم، وذات ة بعدان، و "شمس ملكن تنف"، وبحاميه، وشفيعه تالب ريام بعل شصر. وقد وضع التمثال والكتابة المدونة تحت حماية "المقه" في معبده "أوّام" ليحميها من كل من يحاول تغيير موضعهما أو أخذهما.
وقد كان "سخمان يهصبح" من الأقيال الكِبار في هذا العهد. كان قيلاً على "سمعي" كما كان سيداً من سادات "بيت وكل". أي من أصحاب الرأي المطاعين في عشيرة "سمعي". والظاهر أنه كان في موضع "وكل" ناد، أي دار للرأي والاستشارة، يحضره كبار العشيرة ويتشاورون فهيما يحدث من حادث هذه العشيرة. فهو بمنزلة "دار الندوة" عند قريش.
ويظن أن الملك "أنمار" المذكور في النص: REP. EPIG 3992 والذي لم يذكر نعته، هو هذا الملك. وقد دوّن هذا النصر رحل اسمه "وهب ذي سمي أكيف ذو مليح" "م ل ي ح": وذلك عند تقربه إلى الإلهَ "تالب ريام بعل كبدم"، بتقديمه تمثالاً إليه، تعبيراً عن شكره وحمده له، لأنه منّ عليه وساعده وأجاب كل ما طلبه منه، ومكنه من خصم له خاصمه في عهد الملك "أنمار".
وانتقل الحكم بعد وفاة "أنمار يهأمن" إلى شقيقه "كرب ايل وتر يهنعم"، وقد ذكر. اسمه في كتابات عديدة لا علاقة لها به، وإنما دوّنته فيها تيمناً باسمه وتخليداً لتاريخ الكتابة ليقف على زمانها الناس. وأهم ما فيَ هذه الكتابات من جديد، ورود اسم إلَه فيها لم يكن معروفاً قبل هذا العهد ولا مذكوراً بين الناس، هو الإلَه "ذ سموي"، أي "صاحب السماء" "صاحب السماوات" أو "رب السماء". وسأتحدث عنه وعن هذا التطور الجديد الذي حدث في ديانة العرب الجنوبيين فيما بعد.
وقد ذكر اسم الملك "كرب ايل وتر يهنعم" في النص الموسوم ب Jamme 568 وقد دوّنه أناس من "بني عثكلن" "عثكلان"، حمداً وشكرا للإله "المقه ثهوان" الذي أنعم عليهم وحباهم بنعمه، وأعطاهم حصاداً جيداً وغلة وافرة، وليزيد في توفيقه لهم ونعمه عليهم، وليبعد عنهم أذى الحسّاد وشر الشانئين. وقد كتب في عهد الملك "كرب ايل وتر يهنعم بن وهب ايل يحز"، ليبارك الإلَه "المقه" فيه.
كما جاء اسم هذا الملك في نص آخر دوّنه قبل من أقيال "غيمان" وسم -Jamm 564، دوّنه عند تقديمه "صلهن" تمثالاً إلى الإلهَ "المقه" حمداً به وشكراً على إنعامه عليه وعلى جيش وأقيال الملك "كرب ايل وتر يهنعم"، ولأنه من عليه وأعطاه حاصلاً طيباً وغلة وافرة وأثماراً كثيرة، وليمنّ عليه وعلى قومه في المستقبل ايضاً، وذلك بحق المقه وفي الألة عثتر ذي ذبن، وبحر حطبم، وهوبس، وثور بعلم، وبالمقه بمسكت، ويثو برآن، وذات حميم، وذات بعدان، وبحاميهم وشفيعهم حجرم قمحمم بعل حصنى "تنع"، ولمس بعل بيت نهد، وعثتر الشارق، والمقه بعل أوّام.
ويظهر من هذا النص إن صاحبه كان يتولى وظيفة مهمة في "مأرب"، وانه كان مقدماً في بيت الحكم قصر "سلحين"، وكان يساويه في هذه المنزلة رجل اسمه "رثدم" "رثد" من "مأذن"، اذ كان يحكم مأرباً أيضاً، ويتمتع بمنزلة كبيرة في دار الحكم "قصر سلحين". وقد حكما مأرباً معاً بتفويض من الملك وبأمر منه، حكما من القصر نفسه، اذ كانت دائرة عملها فيه ". ويظهر منه أيضاً إن اضطراباً وقع في مأرب في زمان حكمهما، دام خمسة أشهر كاملة، أثّر تأثيراً كبيراً في العاصمة، وقد سأل، الحاكمان الملك أن يخولهما حق التدبير للقضاء على الفتنة، فأصدر الملك أمراً أجابها فيه إلى ما سألآه الحاكمين، غير إن نار الفتنة لم نخمد بل بقيت مشتعلة خمسة أشهر كاملة، كان الملك في خلالها يلح على الحاكمين بوجوب قمع الفتنة وإعادة الأمن، واستطاعا ذلك بعد مرور الأشهر المذكورة باشتراك الجيش في القضاء عليها.
ولم يذكر النص الأسباب التي دعت أهل مأرب إلى العصيان، ولكن يظهر إن من جملة عواملها تعيين صاحب النص، واسمه "أنمار"، وهو من "غيمان" حاكماً على مأرب، وكان أهل العاصمة يكرهون أهل غيمان، وكانوا قد حاربوهم في عهد الملك "أنمار يهأمن" شقيق "كرب ايل وتر يهنعم"، فساءهم هذا التعيين ولم يرضوا به. ولما أبى الملك عزله، ثاروا وهاجوا مدة خمسة أشهر حتى تمكن الجيش من إخماد ثورتهم.
وقد ذكر "كرب ايل وتر" في النص: Jamme 565 بعد اسم "يرم أيمن"، وفيه نعته، وهو "يهنعم"، وعبر عنهما بلفظة "ملكي سبأ"، أي "ملكا سبأ"، واستعمل لفظة "واخيهو"، أي "وأخيه"، وقد ترجمها "جامه" بمعنى "حليفه"، فالتآخي في نظره بمعنى التحالف والحلف. وإذا أخذنا بهذا المعنى، فنستنتج من ذلك أن العلاقات بين الحاكمين لم تكن سيئة. يوم كتب هذا النص وان ادعى كل منها أنه ملك سبا، وإنما يظهر أنهما كانا يحكمان متعاونين، بدليل ما ورد في النص من أن "املك سبا"، أي ملوك سبا كلفوا صاحبي النص أن يخوضا معارك أمروهما بخوضها، فخاضاها ورجعا منها بحمد الإلَه "المقه" سالمين.
ويرى "جامه" أن حكم الملك "كرب ايل وتر يهنعم" امتد من سنة "130" حتى السنة "115" قبل الميلاد، أو من سنة "115" حتى السنة "00 ا" قبل الميلاد. وبذلك يكون حكم "وهب ايل يحز" وحكم ابنيه "أنمار يهأمن" و "كرب ايل وتر يهنعم" قد امتدا من سنة "160" حتى السنة "115" أو "100" قبل الميلاد.
وليس لنا علم عن ذرة الملك "كرب اُّل وتر يهنعم"، فليس في أيدينا نص ما يتحدث عن ذلك. وكل ما نعرفه أن الحكم انتقل بعد أسرة "وهب ايل يحز" إلى مللك آخر هو الملك "يرم أيمن"، وهو من "همدان"، وهمداّن كما قلت فيما سلف من القبائل التي اكتسبت قوة وسلطاناً في هذا العهد، وقد سبق أن تحدثت عن "ناصر يهأمن" وعن شقيقه "صدق يهب". وقلت إنهما من همدان، وقد حان الوقت للكلام على هذه القبيلة التي ما تزال من قبائل اليمن المعروفة، ولها شاًن خطير في المقدرات السياسية حتى الآن.
الآن وقد انتهيت من الكلام على آخر مللك من ملوك "سبأ" وختمت به عهداً من عهود الحكم في سبأ، أرى لزاماً علي أن أشير إلى ملك قرأت اسمه في نص قصير، نشر في كتاب CIH وكتاب REP. EPIG. يتألف من سطر واحد، هو: "وهب شمسم بن هلك أمر ملك سبا"، ولم أجد اسمه فيما بين يدي من قوائم علماء العربيات الجنوبية لملوك "سبأ"، ولم أعثر على نصوص أخرى من عهده، فتعسّر عليّ تعيين مكانه بين الملوك. وقد يعثر على نصوص جديدة تكشف عن شخصية وهويته ومحله بين الملوك.
وأود أيضاً إن أشر إلى ورود اسم مللك ذكر في النص:Jamme 551، واسمه "الشرح بن سمه على ذرح" "الشرح بن سمهعلى ذرح"، وقد نعت فيه ب "مللك سبأ" وهو صاحب هذا النص والآمر بتدوينه، ذكر فيه إنه شّيد ما تبقى من جدار المعبد من الحافة السفلى للكتابة المبنية في الجدار حتى أعلى المعبد، تنفيذاً لارادة المقه التي ألقاها في قلبه، فحققها على وفق مشيئة ذلك الإلَه وارادته، ليمنحه "المقه" ما أراد وطلب، وذلك في الآلة: "عثتر" و "هوبس" و "المقه" وبحق "ذات حميم" و "ذات بعدان"، وبحق أبيه "سمه على ذرح" "ملك سبأ"، وبحق شقيقه "كرب ايل".
وورد اسم الملك "يدع ايل بن كرب ايل بين" "مللك سبأ" في النص:Jamme 558، الذي دوّنه قوم من عشيرة "عبلم" "عبل" "عبال"، عند تقديمهم ثمانية "امثلن" "أمثلن"، أي تماثيل إلى معبد الإلَه "المقه" "بعل" أوّام ليحفظهم ويحفظ أولادهم وأطفالهم ويعطيهم ذرية، وليبارك في أموالهم، وليبعد عنهم كل بأس وسوء ونكاية، وحسد حاسد وأذى عدوّ. وقد ذكر في النص بعد اسم الملك "كرب ايل بين" اسم "الشرح بن سمه على ذرح"2.
الانتقادات الموجه لهذه الفترة :
من الملاحظ ان الناس في عهد المكربين وفي عهد الملوك الأول إلى عهد "كرب ايل وتر بن يثع أمر بين" المعروف ب "الثاني" في قائمة "هومل" لملوك سباً، قد صرفوا تمجيدهم إلى إلَه سبأ الخاص وهو "المقه" تليه بقية الآلهة، وجدنا الكتابات التي تلت هذا العهد، تمجيّد معه أرباباً آخرين لم يكن لهم شأن في العهدين المذكورين، مثل الإلَه "تألب ريام"، وهو إلَه "همدان" خاصة، ومثل الإلَه "ذ سموى" "فهو سماوي"، أي الإلَه "رب السماء" "رب السماوات". وفي تمجيد بعض الناس لآلهة جديدة، دلالة صريحة على حدوث تطورات سياسية وفكرية في هذا العهد.
وتفسير ذلك أن بروز اسم إلَه جديد، معناه وجود عابدين له، متعلقين به، هو عندهم حاميهم والمدافع عنهم، ففي تدوين اسم "تالب ريام" بعد "المقه" أو قبله في الكتابات، دلالة على علو شأن عابديه، وهم "همدان"، ومنافستهم للسبئيين، وسنرى فيما بعد أنهم نافسوا السبئيين حقاً على الملك، وانتزعوه حيناً منهم. وطبيعي إِذن أن يقدم الهمدانيون إلى إلههم "تألب ريام" الحمدَ والثناء، لأنه هو إلههم الذي يحميهم ويقيهم من الأعداء، ويبارك فيهم وفي أموالهم، وكلما ازداد سلطان هَمدان، أزداد ذكره، ونعدد تدوين اسمه في الكتابات.
أما الناحية الفكرية، فإِن في ظهور اسم الإلهَ "ذ سموى"، دلالة على حدوث تطور في وجهة نظر بعض الناس بالنسبة إلى الألوهية وتقربهم من التوحيد وعلى ابتعاد عن فكرة الألوهية القديمة التي كانت عند آبائهم وأجدادهم وعن "المقه" إلهَ شعب سبأ الخاص.
ويلاحظ أيضاً ظهور لقب "يهأمن" و "يهنعم" منذ هذا الزمن فما بعده عند ملوك سبأ. وقد رأينا أن ألقاب مكربي سبأ وملوك الصدر الأول من سبأ لم تكن على هذا الوزن: وزن "يهفعل"، وهو وزن عرفناه في ألقاب مكربي وملوك قتبان فقط، اذ رأينا الألقاب: "يهنعم" و "يهرجب" و "يهوضع" تقترن بأسماء الحكام. وفي تلقب ملوك سبأ بها دلالة على حدوث تطور في ذوق الملوك بالنسبة إلى التحلي بالألقاب.
ويتبن من دراسة الأوضاع في مملكة سبأ أن أسراً أو قبائل كانت صاحبة سلطانّ، وكانت تتنافس فيما بينها، وتزاحم بعضها بعضاً. منها الأسرة القديمة الحاكمة في مأرب، ثم الأسرة الحاكمة في حمير، ثم "سعي"، وهي قبيلة كبيرة صاحبة سلطان وقد كونت مملكة مستقلة، منها "بنو بتع" وفي أرضهم وهي في الثلث الغربي من "سمعي" تقع أرض "حملان" وعاصمتها "حاز" و "مأذن". ثم الهمدانيون، ومركزهم في "ناعط". ثم "مرثدم" "مرثد" وهم من "بكلم" "بكبل"، ومواطنهم في "شبام أقيان". ثم "كرت" "جرت" "جرة" ومنها "ذمر على فرح".
مأرب
وإذا كانت صرواح عاصمة المكربين ومدينة سبأ الأولى، فإن "مرب" "م رب" "مريب"، أي مأرب هي عاصمة سبأ الأولى في أيام الملوك، ورمز الحكم في سبأ في هذا العهد. وهي وان خربت وطمرت في الأتربة إلاً أن اسمها لا يزال سبأ معروفا، ولا يزال موضعها مذكوراً، ويسكن الناس في "مأرب" و"مأرب" الحاضرة هي غير مأرب القديمة، فقد أنشئت الحاضرة حديثاً على أنقاض المدينة الأولى، على مرتفع تحته جزء من أنقاض المدينة القديمة وتقع في القسم الشرقي من مدينة "مأرب" الأولى.
وقد كانت مأرب كأكثر المدن اليمانية الكبيرة مسورة بسور قوي حصين له أبراج، يتحصن به المدافعون اذا هاجم المدينة مهاجم. وقد بني السور بجحر "البلق" كما نص عليه في الكتابات، وهو حجر صلد قُدَّ من الصخور، أقيم على أساس قوي من الحجر ومن مادة جيرية تشد أزره، وفوقه صخور من الغرانيت. ويحيط السور بالمدينة، بحيث لا يدخل أحد إليها الا من بابين. فقد كانت مأرب مثل "صرواح" ذات بابين فقط في الأصل.
وأعظم أبنية مأرب وأشهرها، قصر ملوكها ومعبدها الكبير. أما قصور ملوكها فهو القصر المعروف بقصر "سلحن" "سلحين" "سلحم". وقد ورد ذكره في الكتابات، وعمر ورمم مراراً. وقد ورد في لقب النجاشي "ايزانا" Ezana، ملك "أكسوم"، وذللك في حوالي السنة "350 م" ليدل بذلك على امتلاكه لأرض سبأ واليمن. وقد عرف في الإسلام، وذكره "الهَمْداني" في جملة القصور الشهيرة الكبيرة في اليمن.
ويقع مكانه في الخرائب الواسعة الواقعة غرب المدينة، والى الجنوب من خرائبه خرائبُ أخرى على شكل دائرة، تحيط بها أعمدة، يظهر إنها لم تكن مبنية في الأصل. وتشاهد أعمدة وأتربة متراكمة هي بقايا معبد "المقه" إلَه سبأ، المعروف ب "المقه بعل برآن" "المقه بعل بران" أي معبد "المقه" "رب برأن". وفي الناحية الشمالية والغربية من المدينة وفي خارج سورها، تشاهد بقايا مقبرة جاهلية، يظهر إنها مقبرة مأرب قبل الإسلام. وتشاهد آثار قبورها، وقد تبين منها ان بعض الموتى وضعوا في قبرهم وضعاً، وبعضهم دفنوا وقوفاً، وقد حصل "كلاسر" وغيره من السياح والباحثين على أحجار مكتوبة، هي شواهد قبور وعلى مسافة خمسة كيلومترات تقريباً من مأرب، تقع خرائب معبد شهير، كانت له شهرة كبيرة عند السبئيين، يعرف اليوم ب "حرم بلقيس" وب "محرم بلقيس"، وهو معبد "المقه بعل أوم"، أي معبد الإله "المقه" رب "أوام". ويرى بعض الباحثين أن هذا المعبد هو مثل معبد "المقه" في "صواح" والمعبد المسمى اليوم ب "المساجد" من المعابد التي بنيت في القرن الثامن قبل الميلاد. وقد بناها المكرب "يدع ايل ذرح". وقد يكون المعبد الخرب في "روديسيا" والمعبد الآخ في "اوكاندا" "أوغاندا"، من المعابد المتأثرة بطراز بناء معبد "حرم بلقيس"، فان بينهما وبين هذا المعبد شبهاً كبيراً في طراز البناء وفي المساحة والإبعاد. وعلى مسافة غير بعيدة من "حرم بلقيس"، خرائب تسمى "عمائد" "عمايد" في الزمن الحاضر، منها أعمدة مرتفعة بارزة عن التربة، ويظهر إنها بقايا معبد "برأن" "برن" "بران" خصص بعبادة الإله "المقه" الذي ذكر في الكتابة الموسومة ب Glaser 479 وفي الجهة الغربية من هذا المعبد، تشاهد أربعة أعمدة أخرى هي من بقايا معبد آخر.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|