المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6763 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



سبأ في عصورها المبكرة  
  
1049   08:43 صباحاً   التاريخ: 14-11-2016
المؤلف : عبد العزيز صالح
الكتاب أو المصدر : تاريخ شبه الجزيرة العربية في عصورها القديمة
الجزء والصفحة : ص40-47
القسم : التاريخ / احوال العرب قبل الاسلام / مدن عربية قديمة / سبأ /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-11-2016 895
التاريخ: 14-11-2016 1115
التاريخ: 14-11-2016 926
التاريخ: 14-11-2016 1050

مشكلة نشأ دولة سبأ في عصورها المبكرة

توافرت لدولة سبأ بين المؤرخين القدماء والمحدثين شهرة لم تتوافر لما عداها من بقية الدول العربية الجنوبية القديمة. وترجع عوامل هذه الشهرة إلى عدة أسباب، أهمها: ذكر سبأ في أكثر من قصة من قصص العهد القديم، وفي أكثر من آية من آيات القرآن الكريم، وذكر أسماء بعض حكامها صراحة في النصوص المسمارية العراقية منذ القرن الثامن قبل الميلاد، واستمرار كيانها السياسي المتطور إلى ما قبل ظهور الإسلام بقليل، وارتباطها بعدة حوادث دينية وسياسية تأثر بها العرب الشماليون والجنوبيون قبيل ظهور الإسلام بقليل أيضًا، ثم بقاء بعض معابدها ومنشأتها الكبرى ظاهرة فوق سطح الأرض خلال العصور الإسلامية نفسها وحتى الآن.

مشكلة النشأة:

تناول بعض المستشرقين نشأة السبأيين (أو السبئيين كما يكتب اللفظ أحيانًا) من أكثر من زاوية واحدة، ويمكن إيجاز آرائهم فيها في نظريتين رئيسيتين، وهما:

أولًا: نظرية زكاها عدد من الباحثين (مثل شرادر وكيبرت وهارتمان ودلتش وفريتز هومل)، ورأوا فيها أن السبأيين عاشوا أصلًا في شمال شبه الجزيرة العربية قرب منطقة الجوف الشمالي واستمروا فيها على البداوة زمنًا طويلًا، ثم دفعتهم دوافع معينة إلى الاتجاه نحو جنوب شبه الجزيرة قبيل بداية القرن الثامن ق. م بقليل حيث استقروا فيه.

ثانيًا: نظرية ألمح إليها باحثون آخرون (ومنهم مولر وجلاسر وفنكلر ومايرثم ألوا موزيل). ويرون فيها أن السبأيين عاشوا منذ بداية أمرهم في الجنوب العربي، ولكن جالية منهم اتجهت خلال القرن الثامن ق. م أو قبله بقليل إلى الشمال وأقامت قرب واحة تيماء ومنطقة الجوف الشمالي لترعى المصالح التجارية لقومها في شمال شبه الجزيرة وعلى طرق القوافل المتجهة منها إلى الهلال الخصيب.

ومع منطقية كل من هاتين النظريتين، يبدو أن النظرية الثانية منهما هي الأقرب إلى الصواب ولاسيما فيما يختص بأحوال السبأيين في عصورهم التاريخية.

أما النظرية الأولى فثمة شواهد تدعونا إلى الاكتفاء بالخروج منها بما يحتمل من أن السبأيين عاشوا قبل تكوين دولتهم السياسية المستقرة فى منطقتها الخصبة بجنوب شبه الجزيرة العربية، على ما عاش عليه أغلب أهل القبائل القديمة لا يعترفون بحدود إقليمية مفروضة وتتفرق بطونهم بين الشمال والجنوب وبين الشرق والغرب وفقًا لظروفها الخاصة ومصالحها الطارئة وعلاقاتها بجيرانها. ولم يكن هذا هو شأن القبائل القديمة في الشمال والوسط فقط من شبه الجزيرة العربية، بل كان شأنها أحيانًا أيضًا في الجنوب الخصيب نفسه.

ولتوضيح ذلك نعاود عرض ومناقشة قرائن هذه النظرية الأولى التى افترضت بداية حياة السبأيين في شمال شبه الجزيرة، وهي قرائن أوردها أصحابها ممن أسلفنا ذكرهم من الباحثين متفرقة في سياق مؤلفاتهم فخرجت واضحة حينًا وغامضة حينًا آخر. وهي في مجملها قرائن لا تخلو من منطقية وإن كانت في الوقت نفسه لا تخلو من شك. ويمكن أن نجملها من ناحيتنا في ثمان قرائن نعرضها فيما يلي واحدة بعد أخرى، وتعقب على كل منها بما يزكيها أو ما يضعفها.

أولًا: ذكرت التوراة كما ذكر القرآن الكريم أن حاكمة سبأية زارت سليمان عليه السلام في عاصمته أورشليم (خلال منتصف القرن العاشر ق. م)، وهي حاكمة لم تعرف حقيقة اسمها ولم يذكره لها القرآن الكريم. ولكن بعض الروايات العربية والعبرية والحبشية القديمة أطلقت عليها أسماء يلمقه وماقدة وبلقمة وبلقيس، على خلاف فيها بينها. وكلها فيما يرى أغلب اللغويين الحديثين قد تكون أسماء محرفة عن اسم إلمقه المعبود الأكبر لدولة سبأ (وذلك مع وجود احتمالات أخرى لتفسير بعض الأسماء المفترضة آنفًا لهذه الحاكمة بمعنى الزهرة في اللغة العربية القديمة، ومعنى الجارية أو المحظية في اللغة العبرية).

ولا بأس من أن نشير ابتداءً إلى أن الجدل في اسم ومكان حاكمة سبأ هذه لا يتعارض مع الكتاب السماوية في شئ، فكما أن هذه الكتب لم تذكر اسمها صراحة، فهي أيضًا لم تحدد مكان دولتها بالشمال أو الجنوب. وعلى هذا الأساس من حرية البحث نستعرض ما ارتآه فيرتزهومل وأصحابه من أن هذه الحاكمة كانت تحكم منطقة قريبة من مملكة سليمان الفلسطينية وتقديم في منطقة ما من شمال شبه الجزيرة، وذلك بحجة أنه كان من المستبعد أن تسافر بحاشيتها من أقصى جنوب شبه الجزيرة إلى مقر سليمان في أورشليم، وأنه ما من نص عربي جنوبي قد أشار إلى إمرأة حكمت سبأ الجنوبية أو وليت حكم دولة أخرى من دول الجنوب، على حين ذكرت النصوص الآشورية نحو ست ملكات عربيات حكمن في منطقة شمالية من شبه الجزيرة العربية.

ومع منطقية هذا الفرض، نلاحظ أن هناك أربعة شواهد أخرى تدعو إلى إعادة النظر فيه، وهي:

أ) جاء في القرآن الكريم عن حديث الهدهد مع سليمان {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } [النمل: 22] وإذا عنت جملة {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} قصر المدة الزمنية على الرغم من طول المسافة المكانية، وهو المرجح للدلالة على إعجاز الحدث، فإن سياق بقية معجزة الهدهد يدل على أن أرض سبأ كانت بعيدة عن مملكة سليمان بحيث لم يحط علمًا بها، ولهذا لم يقم بينهما من قبل اتصال مباشر، أو على أقل تقدير لم تكن إحداهما تحيط بأحوال الأخرى إحاطة كاملة.

ب) وجاء عن حديث الهدهد أيضًا: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ } [النمل: 23، 24] ومثل هذا الثراء الذى يتوافر فيه كل شيئ أقرب إلى أن يناسب المناطق العربية الجنوبية التى كانت لها في عصورها القديمة مواردها الطبيعية والاقتصادية ذات الوفرة النسبة.

ولو كانت من المناطق العربية الشمالية فعلًا لصح التساؤل عن ثلاث ظواهر وهي: لم تظهر آثار دولتها الثرية هذه في الشمال حتى الآن؟ وهل لقلة البحوث الأثرية هناك دخل في ذلك؟ ولم أهمل الرواة والمؤرخون العرب الشماليون ذكرها ولم يتفاخروا بها؟ وهل كان لبعدها الزمني الكبير عنهم دخل في ذلك؟ وأخيرًا إذا كان السبأيون قد بلغوا مبلغًا عظيمًا من الثراء في الشمال في عهد سليمان أي في القرن العاشر قبل الميلاد، فما الذي دعاهم بعد ذلك إلى النزوح إلى الجنوب؟ وهل كان لتقلبات الظروف المناخية دخل في ذلك؟ أم أنهم كانوا يقومون في عهده بدور الوساطة في نقل المتاجر الجنوبية إلى الشمال ثم طمعوا بعد ذلك في أن يسيطروا على مصادرها بأنفسهم ويقيموا عليها؟ هذه كلها تساؤلات تصعب الإجابة عنها بردود شافية للأسف فى حدود المعلومات التاريخية والأثرية المعروفة لنا حتى الآن على الرغم مما عقبنا به عليها من احتمالات شتى.

ج) ذكر القرآن الكريم جنتي سبأ وسيل العرم، وكل منهما لا شك في قيامه في جنوب شبه الجزيرة العربية دون شمالها، بعد ذكر قصة سليمان ودولته، وذلك مما يمكن أن يدل على ترتيب مقصود للتنبيه إلى الرابطة القديمة بين الدولتين، دولة سليمان ودولة سبأ، وإلى العاقبة التى انتهت إليها أمور هاتين الدولتين.

د) ردت الأساطير الحبشية نسب أسرتها المليكة القديمة إلى سليمان وماقدة ملكة سبأ أو بلقيس ملكة سبأ. وربما تواتر خبر هذه النسبة المزعومة إلى الأحباش عن طريق أسلافهم القدامى، أو عن طريق جيرانهم السبأيين الجنوبيين، أو عن طريق رواة العبرانيين الذين اتصلوا بهم منذ أواخر القرن الرابع ق. م. وهي على أي وجه من هذه الوجوه تشير إلى أن دولة الجدة ما قدة التى انتسب ملوكهم إليها، إن حقًا وإن ادعاء، كانت في أغلب الظن قريبة من بلدهم أي في جنوب شبه الجزيرة العربية.

وعلى أية حال فإنه يبدو أنه إلى جانب الكسب الديني الذي اكتسبه سليمان بتحويل حاكمة سبأ من عبادة الشمس إلى عقيدة التوحيد كما ذكر القرآن الكريم، كان هناك كسب اقتصادي آخر، إذ يسرت الصلة بينه وبين سبأ الانتفاع بطريق قوافل الإبل السبأية الجديدة التى تحمل منتجات البخور الجنوبية إلى دولته، وهو طريق يعتبر أقل نفقة وأخطارًا من طريق نقل المتاجر بأسطول سليمان عبر البحر الأحمر إلى أوفير التى ذكرتها التوراة، كما أنه أقل تكلفة قطعًا من طريق الوساطة عبر الخليج العربي والعراق إلى فلسطين. وقد روت التوراة أن ملكة سبأ حين قصدت سليمان أتت إليه بحاشية كبيرة وجمال تحمل الطيوب وذهبًا كثيرًا وأحجارًا كريمة وقالت كذلك، ولما سمعت ملكة سبأ عن اهتمام سليمان باسم الرب أتت تمتحنه بأسئلة صعبة. وأشار القرآن الكريم إلى هدايا حاكمة سبأ إلى سليمان ورفضه قبولها وتفضيله دعوتها إلى ديانة التوحيد.

وبقي أخيرًا أنه إذا اعتبرت الحجة الأولى لنظرية هومل وأصحابه باستبعاد سفر الحاكمة السبأية من الجنوب العربي إلى فلسطين حجة غير ذات موضوع نظرًا لترجيح استخدام الإبل في السفر في عصرها، فإن الحجة الثانية لها لا تزال بغير رد شاف حتى الآن، وهي: لماذا لم تتضمن النصوص السبأية القديمة المعروفة اسم ملكة وليت عرش قومها في الجنوب؟ ولعل ما يمكن أن يرد به حتى الآن على هذا التساؤل هو أن الأمر قد يرجع إلى محض المصادفة، بمعنى أن أرض سبأ الجنوبية لا تزال تتضمن نصوصًا قديمة لم تكتشف بعد، هذا إذا كانت الكتابة قد عرفت فعلًا في عهد تلك السيدة التى قرئت رسالة سليمان في حضرتها أو تلت هي مضمونها وطلبت التشاور فيها.

ثانيًا: ذكرت النصوص الآشورية السبأيين وحاكمين لهم في ثلاث مناسبات ترجع إلى أعوام 738 و 714 و 685 ق. م. فذكر نص للملك الآشوري تيجلات بيليسر الثالث في عام 738ق. م. أنه تلقى جزى السبأيين من الذهب والإبل والتوابل. وأكد نص للملك سرجون الثاني ملك آشور في عام 724ق. م.

أنه تلقى من إتي أمر السبأي (أو السبئي) جزى من الذهب والأحجار الكريمة والأعشاب والخيول. ثم ذكر نص لولده الملك الآشوري سنحاريب في عام 685 ق. م. أنه حين احتفل بوضع حجر أساس بيت أكيثو (وقد يكون معبدًا أو حصنًا أو قصرًا). استقبل مندوبا عن الحاكم السبأي كريبي إيلو حمل إليه جزاه (أو هداياه) من المعادن الثمينة والأحجار الكريمة والطيوب، ووضع جانبًا منها بأمر مولاه في أساس المبنى الجديد.

ولم يجد الباحثون المحدثون بأسًا في اعتبار اسمي الحاكمين السبأيين اللذين ذكرتهما النصوص الآشورية. محرفين عن بيع أمر وكرب إيل، وهما من حكام سبأ الأوائل. ثم أضافت النظرية الأولى أن السبأيين الذين صورتهم هذه النصوص يدينون بالولاء لدولة آشور لابد وأنهم كانوا يحسون بسطوتها ويخشون بأسها، وبمعنى آخر كانوا قريبين منها في شمال شبه الجزيزة وليسوا بعيدين عنها فى مناطق الجنوب.

ولكن هذا الاستنتاج يضعفه من ناحية أخرى أن هومل وغيره (مثل سان جون فلبي) أرخوا بداية الكيان السياسي لحكام سبأ الجنوبية بعام 800 أو820 ق. م. وإذا صح هذا فلابد أنه حدث بعد فترة طويلة تكفي لاستقرارهم وبسط سيطرتهم على الأراضي التى نزلوها جنوبًا. وهو أمر يتعارض بداهة مع سابق الظن بوجود دولتهم في الشمال وتأثرها المباشر بسطوة الآشوريين حتى عهد سينا خريب في أوائل القرن السابع ق. م.

ولا يكفي في هذا القول بأن الضغط الآشوري على طرق التجارة في شمال شبه الجزيرة هو الذي اضطر السبأيين إلى النزوح إلى الجنوب. فالمصادر الآشورية لم تصور السبأيين كأعداء تعمل جيوشها على طردهم وحرمانهم من التجارة، وإنما صورتهم مهادنين لملوكها تتوافر فيها علامات الود والطاعة، وإن أدوا الجزى إليهم أو أرسلوا هداياهم إلى بلاطهم.

وهكذا يبدو أقرب إلى الاحتمال أن السبأيين الشماليين المتصلين بدولة آشور كانوا مجرد جالية تجارية أقامت قرب تيماء ومنطقة الجوف الشمالي كما رأت النظرية الثانية، لترعى المصالح التجارية لدولتها على طرق القوافل، وكانت تحس بسطوة الآشوريين فعلًا لقربها منهم وترى من مصلحتها أن تنتفع من الإتجار معهم والاحتماء بهم، ولم تجد بأسًا من أن تقدم إلى ملوكهم هداياها بأسماء ملوك دولتها الجنوبية، كما أن الآشوريين لم يجدوا بأسًا من ناحيتهم في أن يروا طاعتها لهم تعبيرًا عن طاعة دولتها الجنوبية لسلطانهم.

ثالثًا: ذكرت عبارة في الإصحاح الأول من سفر أيوب في التوراة أن لصوصًا سبأيين فتكوا برعاة أيوب، وقال قائل: البقر كانت تحرث، والأتن ترعى بجانبها، فسقط عليها السبئيون وأخذوها، وضربوا الغلمان بحد السيف، ونجوت أنا وحدي لأخبرك. ولما كان أيوب فيما يحتمل من أهل الشمال أكثر من أهل الجنوب، فإن ذلك قد عنى في رأي هومل وأصحابه أن السبأيين كانوا يعيشون في عهد أيوب قريبًا من دياره في شمال شبه الجزيرة وليس في جنوبها، وهو استنتاج طريف لولا أنه أقرب إلى أن ينطبق على بعض رجال الجالية السبأية الصغيرة التي أشرنا إليها، دون دولة سبأ الغنية الكبيرة.

رابعًا: ذكرت عبارة أخرى من عبارات العهد القديم اسم سبأ إلى جانب اسم ددان. وكانت ددان هذه دولة شمالية قامت حول واحة العلا في شمال الحجاز. وقد عنى ذلك عند هومل وأصحابه أن سبأ كانت بدورها قريبة منها في الشمال وليست بعيدة عنها. وذلك استنتاج منطقي هو الآخر، ولكن يمكن أن يرد عليه بما انتهينا إليه في القرينة السابقة من حيث أنه أقرب إلى أن ينطبق على الجالية السبأية التى سكبت حول واحة تيماء إلى الشمال الشرقي من واحة العلا أو ددان.

وقبل أن ندع قرائن التوراة لا بأس من أن نشير إلى أنه لما كانت أسفار التوراة قد أقرت في بعض قصصها الأخرى بالأمر الواقع من استقرار السبأيين في الجنوب في دولة سياسية كبيرة، اتجه بعض الباحثين إلى القول بأن هذه القصص عندما تذكر شبا تعني بها سبأ اليمن، وعندما تذكر سبأ تعني بها السبأيين القاطنين في الشمال، وإن كان كتبة التوراة قد خلطوا بين التسميتين في صحفهم ولم يراعوا هذه التفرقة كثيرًا.

خامسًا: سجل كبيران من حكام ددان أيضًا في نص مشترك أنهما توجها بالشكر إلى أرباب معين (وكانت معين دولة جنوبية ارتبطت بها دولتهما بالولاء) على نجاة قافلة تجارية اضطرت إلى المرور في مناطق شملتها الحروب. وتعرضت خلال سيرها لهجوم سبأ (وخولاني) عليها. ورأى هومل أن الأخطار التى تعرضت لها هذه القافلة كانت في شمال شبه الجزيرة العربية، كما أضاف فلبي أنه ليس من المعقول أن يعمل السبئيون على نهب قافلة تجارية في عهود نضجهم السياسي وإنما الأرجح في رأيه أنهم كانوا لا يزالون يعيشون حينذاك على حالة من البداوة.

ومرة أخرى يمكن التعقيب على هذا الاستنتاج بأنه إذا صح أن السبئيين الذين تعرضوا للقافلة المعينية كانوا من أهل الشمال فعلًا فإنه ليس هناك ما يحول دون اعتبارهم من أفراد الجالية السبأية الشمالية الصغيرة لاسيما وأن فشل هجومهم عليها يدل على قلتهم وبساطة شأنهم. ويمكن أن نتجاوز هنا عن أن قبائل خولان التى ذكرت مع المهاجمين السبئيين قد عاشت هي الأخرى على أطراف الجنوب، وأن تاريخ نجاة القافلة متأخر عن تاريخ إنشاء دولة سبأ الجنوبية بأجيال كثيرة.

سادسًا: جمعت بعض النصوص السبئية بين اسم سبأ واسم يقرأه هومل يهبليح ويراه مرادفًا لاسم دقلة وأنه يدل على منطقة الجوف في شمال شبه الجزيرة كما جمعت بينه وبين اسم يقرأه هومل أيضًا بيشان أو فيشان ويراه مرادفًا لاسم وادي الدواسر أحد أودية الشمال أو أودية الجنة على حد تعبيره.

غير أنه يبدو أن هذا الاستنتاج لا يزال هو الآخر قرين الظن إن لم يكن قرين الافتعال، وكل ما يمكن قوله الآن هو أن اسم يهبليح قد استعمل كذلك للدلالة على قبيلة عاشت حول صرواح أقدم عواصم سبأ في الجنوب، وأن اسم بيشان إن دل على وادي الدواسر أو وادي بيشة فهو أقرب إلى حافة الربع الخالي، وإن دل على قبيلة عاشت حول صرواح أيضًا وانتسب إليها أوائل الحكم السبئيين.

سابعًا: يرى هومل أن اسم مأرب (أو مريب) الذي اشتهرت به عاصمة سبأ الجنوبية (بعد صرواح) ذو صلة بلفظ أريبي الذي أطلقه الآشوريون على أعراب شمال شبه الجزيرة وبادية الشام، ولفظ يارب الذى أطلقته عليهم بعض نصوص التوراة، وذلك مما يعني في رأيه أن السبئيين كانوا من الأقوام الشماليين الذين عناهم الآشوريون والعبرانيون، فلما انتقلوا إلى الجنوب أطلقوه على عاصمتهم.

ولكن يلاحظ على هذا الاستنتاج أن السبئيين في الجنوب لم يتخذوا مأرب عاصمة لهم منذ بداية أمرهم أي في الوقت الذي كانوا يستطيعون أن يتذكروا فيه أصلهم ويخلدوا ذكره، وإنما اتخذوا أولى عواصمهم في صرواح قبل أن ينتقلوا إلى مأرب بعشرات السنين. وهم لم يصفوا أنفسهم صراحة في نصوصهم المكتوبة بتسمية عرب أو أعراب المرادفة لتسمية أريبي الآشورية. بل ولم يستعملوها إلا في عهود متأخرة نسبيًا ليصفوا بها أعراب الجبال والوديان التابعين لدولتهم، وذلك في حدود ما هو معروف حتى الآن من نصوصهم.

ثامنًا: نبه هومل وأصحابه إلى أن اللهجة السبأية هي أقرب اللهجات الجنوبية صلة بلغة القرآن العربية الشمالية. وفي ذلك قرينة لطيفة لا تنكر، لولا أن هذه الصلة يمكن أن تفسر من ناحية أخرى باستمرار النصوص السبأية الحميرية حتى عهد نزول القرآن الكريم أكثر مما عداها من بقية النصوص الجنوبية الأخرى، وأن عامل الزمن كان له أثره في التقريب بين لهجات عرب الجنوب ولهجات عرب الشمال نتيجة لاستمرار الصلات التجارية والحضارية والتنقلات القبلية بين الفريقين، وذلك فضلًا عن وحدة الأصل البعيد بينهما.

وعلى أية حال، فقد تعمدنا الإسهاب في مناقشة وجهات النظر المختلفة حول الأصول السبأية كنموذج لما يمكن أن تعالج به مشكلات التاريخ العربي القديم على أساس من أدب النقد، ومقارعة الحجة بالحجة، وعدم التسليم برأي ما إلا بدليل يزكيه، وعدم رفض رأي ما إلا بدليل يضعفه.




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).