أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-11-2016
371
التاريخ:
4182
التاريخ: 12-11-2016
3503
التاريخ: 12-11-2016
513
|
كان العرب منذ قديم الزمان يهاجرون إلى تخوم شبه الجزيرة العربية الشرقية، حتى إذا ما وصلوا إلى وادي الفرات أقاموا في ربوعه، وفي أوائل القرن الثالث الميلادي، وإبان الاضطرابات التي أعقبت سقوط الأسرة البارثية وقيام الأسرة الساسانية في حوالي عام 226م، تحت زعامة "أردشير بن بابك بن ساسان" وفدت طلائع عربية جديدة من قبائل تنوخ اليمنية، وسكنت في المنطقة الخصبة الواقعة إلى الغرب من الفرات، وما أن يمضي حين من الدهر حتى تحولت الخيام إلى مدينة عرفت "بالحيرة"، تحولت بمرور الأيام إلى إمارة الحيرة- وراء نهر الفرات عند منعطفه نحو دجلة، واقترابه منه على مبعدة خمسين كيلو مترا- التي أصبحت بمثابة حصن للملك الفارسي حيال العرب الرحل(1).
على أن هناك من يرجع بتاريخ المدينة إلى أيام الملك البابلي "نبوخذ نصر" "605-562ق. م" طبقا لرواية سبق لنا مناقشتها في هذه الدراسة(2)- بينما يرى آخرون أن مؤسس الحيرة إنما هو "الأردوان" ملك الأنباط(3)، بينما يذهب فريق ثالث إلى أنها من بناء "تبع أب كرب"(4)، وأخيرًا فهناك من يرى أنها مدينة بارثية(5).
وليس هناك من شك في أن "الحيرة" مدينة قديمة، وإن كنا لا نعرف تاريخها على وجه التحقيق، ولعل أقدم ما وصلنا عنها إنما هي كتابة ترجع إلى عام 132م، ذكرت فيها المدينة تحت اسم "حيرتا"، فإذا كانت "حيرتا" هذه، إنما هي "الحيرة" حقا، فإن أقدم ما نعرفه عنها إنما يرجع إلى عام 132م(6)، ولعل مما تجدر ملاحظته هنا أن الحفريات لم تقدم لنا شيئا يمكن الاعتماد عليه فيما يتصل بموقع المدينة وتاريخها، وأن كل ما وصلنا لا يعدو نقوشا من الجبس مما تكسى به الجدران، فضلا عن مجموعة من الجرار وآثار صغيرة، بعضها يرجع إلى ما قبل الإسلام، ويرجع بعضها الآخر إلى العصر الإسلامي(7).
وقد اختلف المؤرخون في تفسير اسم "الحيرة" ومصدر اشتقاقه، فهناك رواية تذهب إلى أن "تبان أسعد أب كرب" كان قد خرج من اليمن يريد الأنبار، فلما انتهى إلى موضع الحيرة ليلا تحير، فأقام مكانه، ومن ثم فقد سمي ذلك الموضع "الحيرة"(8)، وتذهب رواية أخرى إلى أن "تبعا الأكبر" قد ترك ضعاف جنود في ذلك الموضع، وقال لهم "حنروابه" أي أقيموا به(9). هذا ويذهب العلماء المحدثون إلى أن كلمة "الحيرة" إنما هي كلمة "أرامية" وأنها "حرتا" "حرتو" السريانية الأصل، بمعنى "المخيم أو المعسكر" وأنها تقابل "المعسكر" عند المسلمين، و"حاصير" عند العبرانيين(10).
على أن هناك من يرى أن الحيرة الآرامية، والحير العربي، إنما هما من أصل سامٍ واحد، ذلك أن المضرب والمعسكر والحمى، إنما هي ألفاظ يدل أصلها على معنى واحد(11)، ويميل أستاذنا الدكتور عبد العزيز سالم إلى هذا الرأي، معتمدا في ذلك على وصف "اليعقوبي" على خطط "سر من رأى" والحير الذي أقيم بها، وجعل حظيرة للوحش من الظباء والحمير الوحشي والأيايل والأرانب والأنعام(12).
وتقع الحيرة قريبا من مدينة بابل القديمة، وعلى مبعدة ثلاثة أميال إلى الجنوب من الكوفة(13)، في نهاية طريق يجتاز شبه الجزيرة العربية، ومن ثم فقد غدت بحكم موقعها الجغرافي هذا، مركزا هاما جدا للقوافل، لم يسع الساسانيين إهماله، ومن ثم فما تكاد تقيم فيه سلالة عربية حتى يضعوها تحت حمايتهم(14).
هذا وقد اشتهرت المدينة باسم "حيرة النعمان" عند المؤرخين العرب، و"الحيرة مدينة العرب" عند المؤرخين السريان، و"حيرته" في المجمع الكنسي الذي عقد في عام 410م، كما سميت كذلك باسم "حيرة النعمان التي في بلاد الفرس" في تاريخ يوحنا الأفسوسي -من القرن السادس الميلادي- وأما "التلمود" فقد أطلق عليها اسم "حيرتا دي طيبة" أي "معسكر العرب وحيرة العرب"(15)، وقد أطنبت المؤلفات العربية في وصف هوائها النقي، وصفاء جوها، وعذوبة مائها، حتى قيل "يوم وليلة بالحيرة خير من دواء سنة" وقيل "إنها منزل بريء مريء صحيح من الأدواء والأسقام" و "أن هواءها وترابها أصح من الكوفة"، ولعل كل هذه الأوصاف ربما كانت السبب في أن تقول العرب "لبيتة ليلة بالحيرة أنفع من تناول شربة"، بل إن "حمزة الأصفهاني" ليزعم أنه لم يمت بالحيرة بسبب هوائها النقي أحد من الملوك إلا قابوس بن المنذر"(16).
هذا وقد كان لعرب الحيرة لهجة من اللسان العربي يتحدثون بها في حياتهم العادية، وأما في الكتابة فقد كانوا يستعملون السريانية، ولعلهم في هذا يشبهون الأنباط والتدمريين الذين كانوا يتكلمون العربية ويكتبون بالآرامية، هذا وهناك من يذهب إلى أن دخول النصرانية إلى اليمن إنما كان بجهود رجال الكنيسة السورية في الحيرة، فضلا عن انتقال الكتابة من الحيرة إلى الحجاز(17)، وعلى أية حال، فلقد أصبحت الحيرة في القرن السادس الميلادي، وعلى أثر اتساع نفوذ سلالة اللخميين نقطة التقاء للتيارات الإيرانية والآرامية على حدود المحيط العربي الفاصلة، حتى لقد ظهرت المدينة بمظهر العاصمة الفكرية(18).
______________
(1) آرثر كريستنس: المرجع السابق ص82.
(2) انظر: تاريخ الطبري 1/ 558-560، ياقوت 2/ 329.
(3) ياقوت 2/ 329.
(4) ياقوت 2/ 329-330، البكري 2/ 478-479.
(5) عبد العزيز سالم: المرجع السابق ص318، وكذا
A. Musil, the Middle Euphrates, P.102
(6) جواد علي 3/ 157، وكذا Cis, Ii, P.156, Iii, P.3073
(7) جواد علي 3/ 160 وكذا
D. Talbot Rice, the Oxford Excavation at Hira, In Ars. Islamica I, Part, I, P.51.
(8)ابن الأثير 1/ 276-277، تاريخ الطبري 1/ 566-567، ملوك حمير وأقيال اليمن ص132، ياقوت 2/ 329 البكري 2/ 479، جواد علي 3/ 162.
(9) البكري 2/ 478، ياقوت الحموي: معجم البلدان 2/ 329.
(10) ريجيس بلاشير: المرجع السابق ص85، وكذا A. Musil, Palmyrena, P.289
وكذا F. Altheim, Geschichte Der Hunnen, I, 1959, P.130
وكذا G. Rothstein, Die Dynastie Der Lakhmiden, IU Ol Hira, Berlin, 1899. P.12
وكذا Zdmg, 32, P.753. وكذا Ei, Ii, P.314
(11) يوسف رزق الله غنيمة: الحيرة المدينة والمملكة العربية ص11.
(12) عبد العزيز سالم: المرجع السابق ص320، كتاب البلدان ص263.
(13) P.K. Hitti, Op. Cit., P.81
(14) ريجيس بلاشير: المرجع السابق ص58.
(15) جواد علي 3/ 156، وكذا Zdmg, 43, P.388 وكذاA. Musil, Op. Cit., P.20
وكذا John Of Ephesus, 10, 13, 352
وكذا J. Obermeyer, Die Landschaft Babylonien, P.234
وكذا F. Altheim and R.Stiehl, Op. Cit., I, P.275, Ii, P.225
(16) جواد علي 3/ 156-157.
(17) انظر: المزهر 2/ 349، صبح الأعشى 3/ 10، مقدمة ابن خلدون ص349، الجهشياري: كتاب الوزراء والكتاب ص2 وما بعدها، كتاب المصاحف للسجستاني 1/ 4-5، الأعلاق النفيسة لابن رسته ص192، 217 "طبعة ليدن 1892م" قارن: المعارف ص247 وما بعدها، ثم انظر:
F.A Itheim and R. Stiehl, Op. Cit., I, P.198
P.K. Hitti, Op. Cit., P.84
(18) ريجيس بلاشير: المرجع السابق ص62.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|