أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-2-2017
15993
التاريخ: 9-12-2016
5185
التاريخ: 10-2-2017
27764
التاريخ: 13-2-2017
4162
|
قال تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء : 19] .
لما نهى الله فيما تقدم عن عادات أهل الجاهلية في أمر اليتامى والأموال عقبه بالنهي عن الاستنان بسنتهم في النساء فقال : ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ : أي يا أيها المؤمنون ﴿لا يحل لكم﴾ : أي لا يسعكم في دينكم ﴿أن ترثوا النساء﴾ : أي نكاح النساء ﴿كرها﴾ : أي على كره منهن . وقيل : ليس لكم أن تحبسوهن على كره منهن . طمعا في ميراثهن وقيل ليس لكم أن تسيئوا صحبتهن ليفتدين بما لهن أو بما سقتم إليهن من مهورهن أو ليمتن فترثوهن . ﴿ولا تعضلوهن﴾ : أي وأن لا تحبسوهن وقيل : ولا تمنعوهن عن النكاح ﴿لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن﴾ .
واختلف في المعني بهذا النهي على أربعة أقوال (أحدها) : أنه الزوج أمره الله بتخلية سبيلها إذا لم يكن له فيها حاجة وأن لا يمسكها إضرارا بها حتى تفتدي ببعض مالها عن ابن عباس وقتادة والسدي والضحاك وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (وثانيها) : أنه الوارث نهي عن منع المرأة من التزويج كما كان يفعله أهل الجاهلية على ما بيناه عن الحسن (وثالثها) : أنه المطلق أي لا يمنع المطلقة من التزويج كما كانت تفعله قريش في الجاهلية ينكح الرجل منه المرأة الشريفة فإذا لم توافقه فارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه ويشهد عليها بذلك ويكتب كتابا فإذا خطبها خاطب فإن أرضته أذن لها وإن لم تعطه شيئا عضلها فنهى الله عن ذلك عن ابن زيد (ورابعها) : أنه الولي خوطب بأن لا يمنعها عن النكاح عن مجاهد والقول الأول أصح .
﴿إلا أن يأتين بفاحشة مبينة﴾ : أي ظاهرة . وقيل فيه قولان (أحدهما) : أنه يعني إلا أن يزنين عن الحسن وأبي قلابة والسدي وقالوا إذا اطلع منها على زنية فله أخذ الفدية (والآخر) : أن الفاحشة النشوز عن ابن عباس . والأولى حمل الآية على كل معصية وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) واختاره الطبري .
واختلف في هذا الاستثناء وهو قوله ﴿إلا أن يأتين﴾ من ما ذا هو فقيل هو من أخذ المال وهو قول أهل التفسير وقيل كان هذا قبل الحدود وكان الأخذ منهن على وجه العقوبة لهن ثم نسخ عن الأصم وقيل هو من الحبس والإمساك على ما تقدم في قوله فأمسكوهن في البيوت عن أبي علي الجبائي وأبي مسلم إلا أن أبا علي قال إنها منسوخة وأبى أبو مسلم النسخ .
﴿وعاشروهن بالمعروف﴾ : أي خالطوهن : من العشرة التي هي المصاحبة بما أمركم الله به من أداء حقوقهن التي هي النصفة في القسم والنفقة والإجمال في القول والفعل وقيل المعروف أن لا يضربها ولا يسيء القول فيها ويكون منبسط الوجه معها وقيل هو أن يتصنع لها كما تتصنع له .
﴿فإن كرهتموهن﴾ أي كرهتم صحبتهن وإمساكهن ﴿فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه﴾ أي في ذلك الشيء وهو إمساكهن على كره منكم ﴿خيرا كثيرا﴾ من ولد يرزقكم أو عطف لكم عليهن بعد الكراهة وبه قال ابن عباس ومجاهد .
فعلى هذا يكون المعنى إن كرهتموهن فلا تعجلوا طلاقهن لعل الله يجعل فيهن خيرا كثيرا وفي هذا حث للأزواج على حسن الصبر فيما يكرهون من الأزواج وترغيبهم في إمساكهن مع كراهة صحبتهن إذا لم يخافوا في ذلك من ضرر على النفس أو الدين أو المال ويحتمل أن يكون الهاء عائدا إلى الذي تكرهونه أي عسى أن يجعل الله فيما تكرهونه خيرا كثيرا والمعنى مثل الأول وقيل المعنى ويجعل الله في فراقكم لهن خيرا عن الأصم قال ونظيره وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته قال القاضي وهذا بعيد لأن الله تعالى حث على الاستمرار على الصحبة فكيف يحث على المفارقة .
_______________
1. تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 47-48 .
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً} . ظاهر الآية النهي عن معاملة المرأة معاملة البهائم ، وأخذها على سبيل الميراث ، كما كان عليه أهل الجاهلية . . فلقد كانوا يحسبون زوجة الميت من جملة ما يتركه من ميراث ، فإذا مات جاء وليه - على ما يروى - وألقى عليها ثوبا ، وحازها بذلك كما يجوز السلب والغنيمة ، فإن شاء تزوجها ، وان شاء زوّجها من غيره ، وقبض المهر ، تماما كما يبيع السلعة ، ويقبض ثمنها ، وان شاء أمسكها في البيت ، وضيّق عليها ، حتى تفتدي نفسها بما يرضيه .
وقيل : إن ظاهر الآية غير مراد ، وان هناك مضافا محذوفا ، تقديره لا يحل لكم أن ترثوا أموال النساء كرها ، ومثال الإرث كرها أن تكون المرأة في ولاية قريب لها ، كالأخ - مثلا - وهي تملك شيئا من المال ، فيمنعها أخوها من الزواج طمعا في ميراثها ، لأنها إن تزوجت ورثها زوجها وأولادها دونه ، فأمر الإسلام بإعطاء الحرية للمرأة في الزواج ، ونهى عن منعها منه بصيغة النهي عن إرثها كرها ، لأن الإرث هو المقصود والغاية ، والمنع عن الزواج وسيلة له .
ونحن لا نرى حرجا على من يختار التفسير الأول ، أو الثاني ، أو هما معا ، ما دام الإسلام ينهى عن معاملة المرأة معاملة المتروكات ، ويعطي الحرية للمرأة في الزواج واختيار الزوج .
{ولا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ} . كما لا يجوز للزوج أن يملك المرأة كالبهيمة ، أو يمنعها من الزواج ، كذلك لا يحل للزوج أن يسيء إلى زوجته بقصد أن تبذل له صداقها ، لتفتدي نفسها منه ، ومن سوء معاملته ، فإذا بذلت ، والحال هذه ، وأخذ منه المال فهو آثم ، إذ لا يحل مال امرئ إلا عن طيب نفس .
أجل ، إذا تبين إنها اقترفت فاحشة الزنا جاز له ، والحال هذه ، أن يضيق عليها ويسئ معاملتها ، حتى تعطيه ما يرضيه ، لقوله تعالى : {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} . المراد بالفاحشة الزنا ، ومبينة ، أي ثابتة . وقال جماعة : إن الفاحشة تشمل النشوز أيضا ، ونقل صاحب البحر المحيط المالكي عن مالك إن للزوج أن يعضل زوجته الناشز ، ويأخذ منها جميع ما تملكه . وقال الشيخ محمد عبده : الفاحشة تشمل الزنا والنشوز والسرقة وغيرها من المحرمات .
وفي رأينا إن الزوج لا يحل له إن يعضل زوجته من أجل المال إلا إذا زنت ، ويحرم عليه ذلك فيما عدا الزنا ، مهما كان الذنب وقوفا عند اليقين من المعنى المراد من الآية . . هذا ، إلى إن اقتراف الذنوب لا يحلل ولا يبرر أكل أموال المذنبين ، والا اختل النظام ، وعمت الفوضى . . ولمن يحل مال المذنب ؟ ألمذنب مثله ، أم لمعصوم عن الذنب ؟ والأول ماله حلال ، فكيف يستحل مال الغير ؟
والثاني أين هو ؟ .
وتجدر الإشارة إلى أن القاضي لا يجوز له أن يحكم بسقوط مهر الزوجة التي ثبت عليها الزنا ، لأن جواز العضل والأخذ خاص بالزوج بينه وبين ربه . .
وبتعبير الفقهاء : للزوج أن يأخذ المهر في مثل هذه الحال ديانة لا قضاء .
من طلب المزيد عوقب بالحرمان :
{فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً ويَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} . قد يكره الرجل من زوجته بعض صفاتها ، ولا يصبر عليها ، فيطلقها ويتزوج بأخرى ، فإذا هي أسوأ حالا ، وأقبح أعمالا ، فيندم حيث لا ينفع الندم . .
قال صاحب الأغاني : طلق الفرزدق النوال ، ثم ندم ، وتزوج بعدها امرأة مطلقة ، وكان يسمعها تئن وتحن إلى زوجها الأول ، وتعدد وتردد ، فأنشأ يقول :
على زوجها الماضي تنوح وإنني * على زوجتي الأخرى كذلك أنوح وقد رأيت أكثر من واحد لا يملك قوت يومه ، ويعيش كلا على غيره قد تهيأ له عمل يقيم الأود ، ويسد الحاجة ، ويغني عن الغير ، فرفضه تعاليا عنه ، وطلبا لما هو أعلى وأسمى ، فابتلاه اللَّه بأسوأ مما كان فيه تأديبا له ، وعقابا على ترفعه وتعاليه . . فتقطعت نفسه حسرات على ما ذهب وفات . . ولكن حيث لا ينفع الندم ، ومن الأمثال الشائعة في جبل عامل : ( من طلبه كله فاته كله ) .
كما رأيت الكثير من حملة الشهادات العالية قد رضوا بما تيسر ، وقنعوا بوظيفة
كاتب ، أو دونها ، وانتظروا الفرص متوكلين على اللَّه سبحانه . . وما مضت الأيام ، حتى ارتفعوا شيئا فشيئا إلى أسمى المناصب . وجاء في الحديث : القناعة ملك لا يزول . . وكنز لا يفنى . . والمعنى المقصود إن من يكتفي بما يجد ، ولا يتعالى عليه احتقارا له ، ورغبة فيما لا يجد فإنه في غنى دائم ، تماما كمن يملك كنزا لا يفنى .
__________________________
1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 279-282 .
قوله تعالى { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ } إلى قوله : { كَرْهاً } كان أهل الجاهلية ـ على ما في التاريخ والرواية ـ يعدون نساء الموتى من التركة ـ إذا لم تكن المرأة أما للوارث ـ فيرثونهن مع التركة فكان أحد الوراث يلقي ثوبا على زوجة الميت ويرثها فإن شاء تزوج بها من غير مهر بل بالوراثة وإن كره نكاحها حبسها عنده فإن شاء زوجها من غيره فانتفع بمهرها ، وإن شاء عضلها ومنعها النكاح وحبسها حتى تموت فيرثها إن كان لها مال.
والآية وإن كان ظاهرها أنها تنهى عن سنة دائرة بينهم ، وهي التي ذكرناها من إرث النساء فتكون مسوقة للردع عن هذه السنة السيئة على ما ذكره بعض المفسرين إلا أن قوله في ذيل الجملة : { كَرْهاً } لا يلائم ذلك سواء أخذ قيدا توضيحيا أو احترازيا.
فإنه لو كان قيدا توضيحيا أفاد أن هذه الوراثة تقع دائما على كره من النساء وليس كذلك ، وهو ظاهر ، ولو كان قيدا احترازيا أفاد أن النهي إنما هو إذا كانت الوراثة على كره من النساء دون ما إذا كان على رضى منهن ، وليس كذلك.
نعم الكره أمر متحقق في العضل عن الازدواج طمعا في ميراثهن دائما أو غالبا بعد القبض عليهن بالإرث فالظاهر أن الآية في مقام الردع عن هذا الإرث على كره وأما نكاحهن بالإرث فالمتعرض للنهي عنه قوله تعالى فيما سيأتي : { وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ } الآية وأما تزويجهن من الغير والذهاب بمهرهن فينهى عنه مثل قوله تعالى : { وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ } : [ النساء : 32 ] ويدل على الجميع قوله تعالى : { فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [ البقرة : 234 ] .
وأما قوله بعد : { وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا } « إلخ » فهو غير هذا العضل عن الازدواج للذهاب بالمال إرثا لما في تذييله بقوله : { لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ } من الدلالة على أن المراد به الذهاب ببعض المهر الذي آتاه الزوج العاضل دون المال الذي امتلكته من غير طريق هذا المهر. وبالجملة الآية تنهى عن وراثة أموال النساء كرها منهن دون وراثة أنفسهن فإضافة الإرث إلى النساء إنما هي بتقدير الأموال أو يكون مجازا عقليا.
قوله تعالى : { وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا } إلى قوله : { مُبَيِّنَةٍ } إما معطوف على قوله : { تَرِثُوا } والتقدير : ولا أن تعضلوهن وإما نهي معطوف على قوله : { لا يَحِلُّ لَكُمْ ) لكونه في معنى النهي. والعضل هو المنع والتضييق والتشديد. والفاحشة الطريقة الشنيعة كثر استعمالها في الزنا. والمبينة المتبينة ، وقد نقل عن سيبويه أن أبان واستبان وبين وتبين بمعنى واحد ، تتعدى ولا تتعدى يقال : أبان الشيء واستبان وبين وتبين ويقال : أبنت الشيء واستبنته وبينته وتبينته .
والآية تنهى عن التضييق عليهن بشيء من وجوه التضييق ليضطررن إلى بذل شيء من الصداق لفك عقدة النكاح والتخلص من ضيق العيشة فالتضييق بهذا القصد محرم على الزوج إلا أن يأتي الزوجة بفاحشة مبينة فله حينئذ أن يعضلها ويضيق عليها لتفارقه بالبذل ، والآية لا تنافي الآية الأخرى في باب البذل :{ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } [ البقرة : 229 ] وإنما هو التخصيص. تخصص هذه الآية آية البقرة بصورة إتيان الفاحشة ، وأما البذل الذي في آية البقرة فإنما هو واقع على تراض منهما فلا تخصص بها هذه الآية.
قوله تعالى : { وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } إلى آخر الآية المعروف هو الأمر الذي يعرفه الناس في مجتمعهم من غير أن ينكروه ويجهلوه ، وحيث قيد به الأمر بالمعاشرة كان المعنى الأمر بمعاشرتهن المعاشرة المعروفة بين هؤلاء المأمورين.
والمعاشرة التي يعرفها الرجال ويتعارفونها بينهم أن الواحد منهم جزء مقوم للمجتمع يساوي سائر الأجزاء في تكوينه المجتمع الإنساني لغرض التعاون والتعاضد العمومي النوعي فيتوجه على كل منهم من التكليف أن يسعى بما في وسعه من السعي فيما يحتاج إليه المجتمع فيقتني ما ينتفع به فيعطي ما يستغني عنه ويأخذ ما يحتاج إليه فلو عومل واحد من أجزاء المجتمع غير هذه المعاملة وليس إلا أن يضطهد بإبطال استقلاله في الجزئية فيؤخذ تابعا ينتفع به ولا ينتفع هو بشيء يحاذيه ، وهذا هو الاستثناء.
وقد بين الله تعالى في كتابه إن الناس جميعا ـ رجالا ونساء ـ فروع أصل واحد إنساني ، وأجزاء وأبعاض لطبيعة واحدة بشرية ، والمجتمع في تكونه محتاج إلى هؤلاء كما هو محتاج إلى أولئك على حد سواء كما قال تعالى : { بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } [النساء : 25] .
ولا ينافي ذلك اختصاص كل من الطائفتين بخصلة تختص به كاختصاص الرجال بالشدة والقوة نوعا ، واختصاص النساء بالرقة والعاطفة طبعا فإن الطبيعة الإنسانية في حياتها التكوينية والاجتماعية جميعا تحتاج إلى بروز الشدة وظهور القوة كما تحتاج إلى سريان المودة والرحمة ، والخصلتان جميعا مظهرا الجذب والدفع العامين في المجتمع الإنساني.
فالطائفتان متعادلتان وزنا وأثرا كما أن أفراد طائفة الرجال متساوية في الوزن والتأثير في هذه البنية المكونة مع اختلافهم في شئونهم الطبيعية والاجتماعية من قوة وضعف ، وعلم وجهل ، وكياسة وبلادة ، وصغر وكبر ، ورئاسة ومرؤوسة ، ومخدومية وخادمية ، وشرف وخسة وغير ذلك.
فهذا هو الحكم الذي ينبعث من ذوق المجتمع المتوسط الجاري على سنة الفطرة من غير انحراف ، وقد قوم الإسلام أود الاجتماع الإنساني وأقام عوجه فلا مناص من أن يجري فيه حكم التسوية في المعاشرة وهو الذي نعبر عنه بالحرية الاجتماعية ، وحرية النساء كالرجال ، وحقيقتها أن الإنسان بما هو إنسان ذو فكر وإرادة له أن يختار ما ينفعه على ما يضره مستقلا في اختياره ثم إذا ورد المجتمع كان له أن يختار ما يختار ـ ما لم يزاحم سعادة المجتمع الإنساني ـ مستقلا في ذلك من غير أن يمنع عنه أو يتبع غيره من غير اختيار.
وهذا كما عرفت لا ينافي اختصاص بعض الطبقات أو بعض الأفراد من طبقة واحدة بمزايا أو محروميته عن مزايا كاختصاص الرجال في الإسلام بالقضاء والحكومة والجهاد ووجوب نفقتهن على الرجال وغير ذلك ، وكحرمان الصبيان غير البالغين عن نفوذ الإقرار والمعاملات وعدم توجه التكاليف إليهم ونحو ذلك فجميع ذلك خصوصيات أحكام تعرض الطبقات وأشخاص المجتمع من حيث اختلاف أوزانهم في المجتمع بعد اشتراكهم جميعا في أصل الوزن الإنساني الاجتماعي الذي ملاكه أن الجميع إنسان ذو فكر وإرادة.
ولا تختص هذه المختصات بشريعة الإسلام المقدسة بل توجد في جميع القوانين المدنية بل في جميع السنن الإنسانية حتى الهمجية قليلا أو كثيرا على اختلافها ، والكلمة الجامعة لجميع هذه المعاني هي قوله تعالى : { وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } على ما تبين.
وأما قوله تعالى : { فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } فهو من قبيل إظهار الأمر المعلوم في صورة المشكوك المحتمل اتقاء من تيقظ غريزة التعصب في المخاطب نظير قوله تعالى : { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } : [ سبأ : 25 ] .
فقد كان المجتمع الإنساني يومئذ ( عصر نزول القرآن ) لا يوقف النساء في موقفها الإنساني الواقعي ، ويكره ورودها في المجتمع ورود البعض المقوم بل المجتمعات القائمة على ساقها يومئذ بين ما يعدهن طفيليات خارجة لاحقة ينتفع بوجودها ، وما يعدهن إنسانا ناقصا في الإنسانية كالصبيان والمجانين إلا أنهن لا يبلغن الإنسانية أبدا فيجب أن يعشن تحت الإتباع والاستيلاء دائما ، ولعل قوله تعالى : {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَ} ، حيث نسب الكراهة إلى أنفسهن دون نكاحهن إشارة إلى ذلك.
__________________________
1. تفسير الميزان ، ج4 ، ص 217-220 .
الدّفاع عن حقوق المرأة أيضاً :
قلنا في مطلع تفسير هذه السورة أنّ آيات هذه السورة تهدف إِلى مكافحة الكثير من الأعمال الظالمة والممارسات المجحفة التي كانت رائجة في العهد الجاهلي ، وفي هذه الآية بالذات أُشير إِلى بعض هذه العادات الجاهلية المقيتة وحذر الله سبحانه فيها المسلمين من التورط بها ، وتلك هي :
1ـ لا تحبسوا النساء لترثوا أموالهنّ ، فلقد كانت إحدى العادات الظالمة في الجاهلية ـ كما ذكرنا في سبب نزول الآية ـ أنّ الرجل كان يتزوج بالنساء الغنيات ذوات الشرف والمقام اللاتي لم يكن يحظين بالجمال ، ثمّ كانوا يذرونهن هكذا فلا يطلقونهنّ ، ولا يعاملونهنّ كالزوجات ، بانتظار أن يمتن فيرثوا أموالهن ، فقالت الآية الحاضرة : {يا أيّها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً} وبهذا استنكر الإِسلام هذه العادة السيئة .
2ـ لا تضغطوا على أزواجكم ليهبنّ لكم مهورهنّ ، فقد كان من عادات الجاهليين المقيتة أيضاً أنّهم كانوا يضغطون على الزوجات بشتى الوسائل والطرق ليتخلين عن مهورهنّ ، ويقبلن بالطلاق ، وكانت هذه العادة تتبع إذا كان المهر ثقيلا باهظاً ، فمنعت الآية الحاضرة من هذا العمل بقولها : (ولا تعضلوهنّ لتذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ) أي من المهر.
ولكن ثمّة استثناء لهذا الحكم قد أُشير إليه في قوله تعالى في نفس الآية : (إلا أن يأتين بفاحشة مبيّنة) والفاحشة هي أن ترتكب الزوجة الزنا وتخون بذلك زوجها ، ففي هذه الحالة يجوز للرجل أن يضغط على زوجته لتتنازل عن مهرها ، وتهبه له ويطلقها عند ذلك ، وهذا هو في الحقيقة نوع من العقوبة ، وأشبه ما يكون بالغرامة في قبال ما ترتكبه هذه الطائفة من النساء .
هذا والمقصود من الفاحشة المبينة في الآية هل هو خصوص الزنا ، أو كل سلوك ناشز مع الزوج ؟ فيه كلام بين المفسرين إِلاّ أنّه روي في حديث عن الإِمام الباقر(عليه السلام) التصريح بأنه كل معصية من الزوجة (2) (طبعاً يستثنى من ذلك المعاصي الطفيفة لعدم دخولها في مفهوم الفاحشة التي تشير إِلى أهمية المعصية وخطرها ، والذي يتأكد بكلمة «مبينة»).
3ـ عاشروهن بالمعاشرة الحسنة ، وهذا هو الشيء الذي يوصي به سبحانه الأزواج في هذه الآية بقوله : (وعاشروهن بالمعروف) ، أي عاشروهن بالعشرة الإِنسانية التي تليق بالزوجة والمرأة ، ثمّ عقب على ذلك بقوله : (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً).
فحتى إِذا لم تكونوا على رضا كامل من الزوجات ، وكرهتموهنّ لبعض الأسباب فلا تبادروا إِلى الإِنفصال عنهن والطلاق ، بل عليكم بمداراتهنّ ما استطعتم ، إِذ يجوز أن تكونوا قد وقعتم في شأنهنّ في الخطأ وأن يكون الله قد جعل فيما كرهتموه خيراً كثيراً ، ولهذا ينبغي أن لا تتركوا معاشرتهنّ بالمعروف والمعاشرة الحسنة ما لم يبلغ السيل الزبى ، ولم تصل الأُمور إِلى الحدّ الذي لا يطاق ، خاصّة وإِن أكثر ما يقع بين الأزواج من سوء الظن لا يستند إِلى مبرر صحيح ، وأكثر ما يصدرونه من أحكام لا يقوم على أُسس واقعية إِلى درجة أنّهم قد يرون الأمر الحسن سيئاً والأمر السيء حسناً في حين ينكشف الأمر على حقيقة بعد مضي حين من الزمن ، وشيء من المداراة.
ثمّ إنّه لابدّ من التذكير بأن للخير الكثير في الآية الذي يبشر به الأزواج الذين يدارون زوجاتهن مفهوماً واسعاً ، ومن مصاديقه الواضحة الأولاد الصالحون والأبناء الكرام.
__________________
1- تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 73-75 .
2. تفسير نور الثقلين ، ج1 ، ص 459 ؛ وتفسير درّ المنثور ، ج2 ، ص 132 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|