المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6763 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
يجوز ان يشترك في الاضحية اكثر من واحد
2024-11-23
العبد وام الولد مخاطبون بالاضحية
2024-11-23
نزول منى وقضاء المناسك
2024-11-23
من وجب عليه الهدي ولا يقدر عليه
2024-11-23
ممن تؤخذ الجزية
2024-11-23
مسنونات الذبح والنحر بالنسبة للحاج
2024-11-23

الأصول العملية المحرزة
9-9-2016
اشخاص يكره امامتهم للجماعة
2024-07-11
عجز المتنعم عن شكر النعمة
2023-04-29
الحسن بن علي الدربي
6-8-2016
الإسراف وَالتبذير ـ بحث روائي
25-7-2016
T Cells
1-11-2015


سقوط أور ونهاية العصر السومري في حضارة بلاد الرافدين  
  
1443   11:26 صباحاً   التاريخ: 3-11-2016
المؤلف : محمد كامل روكان
الكتاب أو المصدر : مجلة القادسية للعلوم الانسانية
الجزء والصفحة : السنة الثانية عشر, العدد4, 2009, ص156- 163
القسم : التاريخ / الامبراطوريات والدول القديمة في العراق / سلالة اور /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-11-2016 671
التاريخ: 4-11-2016 943
التاريخ: 3-11-2016 967
التاريخ: 3-11-2016 797

تمتعت أور أيام حكم سلالة أورنمو  بالاستقرار والرخاء الاقتصادي , وصارت عاصمة لإمبراطورية عظيمة, عمل ملوكها على إعادة الوحدة السياسية الى البلاد  من بعد فترة حكم الكوتيين المظلمة , ووسعوا نفوذهم بفتوحاتهم الخارجية , فاستعادوا رقعة الإمبراطورية الأكدية السابقة بكامل امتدادها واتساعها، التي شملت  أجزاء واسعة من الأقاليم من بينها بلاد آشور وبلاد عيلام وسوريا ووادي الخابور والباليخ والأجزاء الشرقية من آسيا الصغرى ومناطق الخليج , كما عملوا على إحياء كل فروع الفن والأدب السومري؛ لذلك سمي عهدهم بـ :( عصر الإحياء السومري ) . 

إلا أن الأخطار بدأت تحف بهذه الدولة  منذ اواخر عهد الملك شولكي،  حيث كانت  مشكلة القبائل الامورية مستعصية على الدولة , اذ كانوا يدخلون البلاد بشكل مستمر ومتكرر, يسرقون القطعان ويخربون حقول الحبوب؛ مما اضطر الملك شولكي الى تشييد سور بطول 63 كم لمواجهة هذه التدخلات , اكمله من بعده  شوسين  ليبلغ طوله 280كم , إلا ان هذا السور الغربي لم يحل دون استمرار الأموريين  بالإندفاع نحو البلاد .(1)

وفي خضم هذه الظروف الصعبة والمخاطر التي بدأت تحيق بالبلاد, تولى الحكم ابي سين وهو صغير السن, من بعد موت ابيه الملك شوسين , وقد توج أبي سين في ثلاث مدن مهمة في الامبراطورية عند توليه العرش, في أور عاصمة ملكه ونفر المدينة المقدسة والوركاء , وربما أراد بذلك الاشارة الى الوحدة السياسية للدولة في شخصه , او ربما اراد دفع الشؤم الظاهر , أي الضعف في كيان دولته , ولكن الوثائق الكتابية تشير الى ان السلطة كانت موحدة وقت اعتلائه العرش  .(2)

بدأ أبي سين أيام ملكه الاولى بالبناء والتشييد كأسلافه , فبنى سوراً لمدينة أور ونفر , ويبدو أن هذا الاجراء كان احترازيا (3), ثم قام  ببعض الحملات  العسكرية على الأقاليم الشمالية  الشرقية(4), حيث ورد في نصوص مسمارية ان الملك أبي سين قام بحملة عسكرية على سيموروم في السنة الثالثة من حكمه (السنة التي دمر فيها ابي سين ملك أور سيموروم وهي السنة الثالثة من حكمه), وفي السنة التاسعة جهز حملة على بلاد انشان (السنة التي ذهب فيها ابي سين مع القوة الكبيرة لخخنوري للهجوم على مدينة انشان) , وفي السنة الرابعة عشر حقق انتصارات على سوسة وادامدون واوان واسر حكامهم (في السنة التي سحق فيها ابي سين ملك أور سوسة وادامدون واوان مثل العاصفة وقهرهم كلهم في يوم فذ وأسر حكامهم وسكانهم)(5).

 وعلى الرغم من هذه الحملات العسكرية التي قام بها أبي سين الا أن دولته كانت تعاني الضعف والانهيار, ولم تكن سلطة وسطوة الملك ابي سين كما كانت عليه ايام آبائه , فكان كبير الوزراء أوردونانا يتولى عددا كبيراً من المناصب المهمة ويقودها وكان مسؤولاً عن حماية الجانب الشرقي من المملكة , كما كان قائدا عاماً للبلاد من مدينة إربل (اربيل) الى الخليج , وهذا يدل على ان بيده وتحت امرته قوة البلاد الرئيسية , التي ربما كانت قد اثرت على شخص الملك الصغير(6), الذي بدأت أمارات انهيار حكمه منذ السنين الاولى , منذ ان بدأت المدن والأقاليم التابعة لسلطته تعلن انفصالها واستقلاليتها تباعا, كما بدأ حكام المدن والاقاليم يستعملون الحوادث الرسمية الخاصة بهم وبمدنهم وامتنعوا عن استعمال الحوادث الرسمية المؤرخ بها  في العاصمة, وهذا يعني في العرف السياسي أن تلك المدن نبذت اعترافها بالسلطة المركزية(7), فكانت مدينة اشنونا اولى المدن التي اعلنت استقلالها وانفصالها عن السلطة المركزية في زمن حاكمها اتوريا وذلك في السنة الثانية من حكم أبي سين, ثم تبعتها سوسه عاصمة بلاد عيلام في السنة الثالثة, كما نصب نبلانوم أحد شيوخ الأموريين ملكا على لارسا عام 2025 ق.م (8) , تبعتها مدينة لكش في السنة الخامسة  ومدينة أوما في السنة السادسة , ثم مدينة نفر – المدينة المقدسة ومصدر الاعتراف بالسلطة الملكية -  في السنة السابعة من حكمه(9) , كما توقف حكام هذه المدن عن إرسال النذور والقرابين الى معبد الإله القمر ننار منذ السنة السادسة , وتشير النصوص المسمارية التي دونت في العصور التالية الى تمرد السكان على طاعة السلطة المركزية , وظهور العصيان والثورات .(10)

لقد ورث ابي سين دولة تكالبَ عليها الأعداء وحاقت بها المخاطر, فضلاً عما تعانيه من انهيارات داخلية , فمن الشرق خطر العيلاميين الذين كانوا يتربصون الفرصة للانقضاض على أور, ومن الشمال الغربي كان خطر القبائل الامورية التي عاثت في البلاد  فساداً , فضلا عن شبح المجاعة الذي كان يهدد بانهيار اقتصاد الدولة , الى جانب انفصال مدن كثيرة عن الامبراطورية , وخيانة بعض الحكام , وعلى الرغم كل هذه المصاعب استطاع الملك ابي سين ان يحتفظ بالسلطة مدة 24 عاما ( 2028 – 2004 ق.م).

وكان للعامل الاقتصادي دوراً مهماً فيما آلت اليه أوضاع دولة أور, وكان الوضع السياسي يزداد  سوءاً وخاصة بعد اجتياح القبائل الامورية  للبلاد واستيلائها على الحقول والأراضي الزراعية , وقطعهم طرق المواصلات المؤدية الى العاصمة أور, وكان لازدياد نسبة الملوحة في أراضي بلاد سومر وارتفاع مستوى الطمى في نهري دجلة والفرات انعكاساتهما على شحة ونقص المواد الغذائية ,خاصة الحبوب التي تسببت في ارتفاع الأسعار ارتفاعا فاحشا في العاصمة أور .(11)

وفي السنة الخامسة من حكم ابي سين بدأت القبائل الامورية بالاندفاع الى البلاد من جديد, واخترقوا الاسوار ونزلوا على مدن السهل الرسوبي ينهبونها ويدمرونها, فانتهزت معظم المدن الفرصة واعلنت انفصالها عن السلطة المركزية الضعيفة التي ظهر عجزها في صد تقدم هذه القبائل .(12)

وبعد تفاقم الأحداث قرر الملك ابي سين ارسال  قوات الى الحدود الغربية بقيادة  اشبي ايرا احد قواده الكفوئين لطرد الأموريين من البلاد, وخوله صلاحيات واسعة , لكن اشبي ايرا استغل وهن السلطة وضعف الملك  , فسعى الى كسب ود الامراء وحكام المدن وقادة الجيش لتعزيز مكانته وسلطته , مبيتا نية التمرد  على ابي سين والتفرد بالسلطة, حيث عرض نواياه وما يدبر على بعض القادة والحكام واعداً إياهم بالشراكة.

 كان الملك ابي سين قد امر اشبي ايرا ايضا  بشراء كميات كبيرة من القمح للحد من مشكلة المجاعة التي عصفت بالبلاد وتسببت في تمرد الناس عليه, ولم يكن الملك  يعلم  حينها بمؤامرة اشبي ايرا , حيث كشفت رسالة بعثها اشبي ايرا الى ابي سين عن بعض مكره وغدره , وكانت هذه الرسالة تتضمن ابلاغ الملك بشراءه القمح, وهذا نص الرسالة:(( الى ابي سين مليكي, هذا ما يقوله خادمك اشبي ايرا : لقد وليتني مسؤولية حملة الى ايسن وكزالو لشراء القمح , لقد وصل سعر القمح لكل كور واحد شيقل , ...( وحتى هذا التاريخ ) انفقت (تالنت) من الفضة لشراء القمح, ولكن الان بعد ان سمعت الخبر بان الـ (المارتو)المعادين قد دخلوا بلادك, جلبت الى ايسن 72000 كور من القمح , جلبتها كلها, والآن دخل الـ (مارتو) كلهم الى وسط البلاد واستولوا على الحصون العظيمة الواحد بعد الآخر, وبسبب المارتو انني غير قادر على نقل...القمح, انهم  اقوى بكثير مما اقدر عليه وانني مشلول الحركة , ليكن لدى مليكي 600 سفينة مجلفطة( سعة) كل منها120 كور, دعه ...سفينة(من ...) 72..., ودعه...50... وباب او... سفينة, ودعه (يجمع)...كل هذه السفن, ثم دعها تجلب الى...الضيق ...عن (طريق)النهر,( نهر الجبل), والقنوات المحفورة, وانني سوف...امامه. واجعلني مسؤولا عن المواقع التي سترسو السفن فيها , او ... كل القمح سيخزن في حالة جيدة, واذا احتجت الى القمح , فإنني سأجلب القمح لك, يا مليكي , ان العيلاميين قد ضعفوا في المعركة, قمحهم ... قد انتهى فلا تضعف, ولا توافق على ان تكون عبدا لهم ولا تمشِ وراءهم, ان لدي من القمح( ما يكفي )مدة 15عاما( ليسد)جوع قصرك ومدنه, يا مليكي ضعني مسؤولا عن الإشراف على (ايسن) و(نفر) )).(13)

وفي ضوء هذه الرسالة خزن اشبي ايرا القمح بمدينة  ايسن التي طلب من ابي سين ان يجعله حاكما عليها , ثم طلب منه ان يضم له مدينة نفر , وقد اراد بهذا السيطرة على مركز الاعتراف بالسلطة , حيث لا شرعية لاي ملك الا بعد مباركة كهنة معبد الاله انليل في نفر .  

وقد اضطرابي سين للموافقة على مطالب اشبي ايرا وأقره حاكما على ايسن ونفر؛ ليضمن ولائه اولا ولا يصال القمح الى أور ثانيا , وهو بعد لم يكشف خيانة اشبي ايرا , الذي اغتنم فرصة ضعف وانزواء ملكه في أور, اما اشبي ايرا وبعد ان ضمن عوامل القوة كالعامل الاقتصادي المتمثل بالقمح الذي يكفي لمدة خمسة عشرة سنة , والعامل الديني المتمثل بالمدينة المقدسة التي خضعت لسلطانه , والعامل العسكري المتمثل بقادة الجيش الذين استطاع كسبهم لجانبه , فقد أعلن نفسه ملكا واتخذ من ايسن عاصمة لملكه , ولم يكتف بذلك فقط , بل انه سعى جاهداً لاغتصاب عرش سيده ابي سين , وهذا ما كشفته لنا رسالة ( بوزور – نوموشدا )  حاكم مدينة ( كزالو ) الى ملكه ابي سين , التي يقول فيها :

(( الى ابي سين مليكي , هذا ما يقوله خادمك بوزور- نوموشدا ان رسول اشبي ايرا وضع عينه علي ( قائلا ) ان مليكي اشبي ايرا أرسل اليك هذه الرسالة :

ان انليل مليكي اعطاني بأمره رعاية البلاد وأمرني انليل بان أجلب الى حضرة الإلهة( نينسينا) المدن , والآلهة , ومعسكرات ضفاف نهري دجلة والفرات ,وضفاف قناة ( نونسي )وضفاف قناة (مي – انليل ), من بلاد حمازي الى بحر ماجان , واقامة ايسن كمقر لحكم انليل ولجعلها تسمى باسم عظيم , ولجعل ...,ولجعل مدنها( مدن بلاد سومر ) مستوطنة بالناس, فلماذا انت الآن تقاومني ؟ انني اقسم باسم ( داجان) الهي , بانه ليس لي الا النوايا السليمة نحو ( كزالو ),اما بالنسبة للمدن والبلاد التي امرني انليل بتولي شؤونها , ففي وسط ايسن سأبني ... بها, سأجعلها تحتفل بأعيادها, وسأقيم في (جيبار) ها تمثالي, وشعاري , وكاهني العظيم, وكاهنتي العظيمة, وفي حضرة انليل في معبد ( ايكور) وفي حضرة (نانا) في (ايكيشنوجال) ابناء ...سيرتلون ادعيتهم, فلماذا انت...الذي تثق به من بلاده؟ سأشيد سور ايسن وسأسميه(اديليا شونو) .

لقد وقع ما قاله تماما: فقد شيد جدار ايسن وسماه ( اديليا شونو ), واستولى على نفر, ووضع الحراس عليها , واعلن (؟)عن جميع الأوامر (؟) لقد استولى على نفر, لقد اسر (زينوم ) أمير (سوبير), ونهب (حمازي), واعاد (ناراحي) أمير (اشنونا) و (شو انليل) امير (كيش) و(بوزور – توتو ) امير ( بادزي – ابا ) الى أماكنهم , ووقف اشبي ايرا على رأس قواته واستولى على ضفاف دجلة والفرات, وعلى قناتي (نونمي) و( مي – انليل), ودخل الى (ايديل – مالجي) ... [ وعندما ] قاوم ( جيربوبو ) امير ( جيركال ) قطع اشبي ايرا...وقبض عليه, ان الرعب منه يسيطر علي بشدة , لقد ركز عينيه علي ليعرف مليكي بانه لا حليف لي, ولا يسير احد بجانبي, وانه منذ ان ادركني ... أسير وحيداً )). (14)

لقد انقسمت امبراطورية أور بسبب مؤامرة اشبي ايرا الى قسمين , صار ابي سين يحكم  العاصمة أور والمدن القريب منها لمدة ثلاث عشرة سنة او تزيد قليلا  , بينما استطاع  اشبي ايرا ان يفرض سلطته على طول نهري دجلة والفرات من مدينة خمازي في الشمال الشرقي الى الخليج جنوبا , كما انه اسر الحكام الموالين لابي سين , واعاد الحكام  الذين عزلهم ابي سين الى مدنهم التي كانوا يحكمون فيها, وبهذه الفترة اصبحت بلاد سومر تحت حكم  ملكين , ابي سين الذي كان حكمه مقتصرا على عاصمته أور, واشبي ايرا الذي سيطر من عاصمته ايسن على اغلب مدن سومر الأخرى .(15)

ان عجز ابي سين المحزن وتردده الذي يرثى له كشف عنهما جوابه الى ( بوزور- نوموشدا ) , فعلى الرغم من ادراكه بان كان على حافة الخيانة , الا ان ابي سين لم يستطع ان يفعل شيئا اكثر من مناشدته بوزور – نوموشدا البقاء على ولائه وعدا اياه بفشل اشبي ايرا في تحقيق طموحه ان يكون سيدا لبلاد سومر لانه من بذرة غير سومرية , وان العيلاميين سيهزمون على يد الاموريين  بتدبير الاله انليل .

 وهذا نص الرسالة الجوابية التي بعثها ابي سين الى بوزور – نوموشدا حاكم مدينة كزالو :

(( الى بوزور – نوموشدا حاكم كزالو , هذا ما يقوله مليكك ابي سين :

منذ ان اخترت لك قوات ... ووضعتها تحت تصرفك كحاكم كزالو , أليست قواتك , كما في حالتي , هي شهرة لك ؟ لماذا ترسل الي بمثل هذا القول : ان اشبي ايرا ركز عينيه علي (وضع علي عيونا ) , سوف لن آتي إلا بعد ان يكون قد تركني , كيف حصل انك لم تعرف متى سيعود اشبي ايرا الى ( هذه ) البلاد ؟ لماذا لم ترسل بالاتفاق مع  ( جيربوبو ) حاكم ( جيركال ) , القوات التي وضعت بيدك قبل  ( ان يعود ) ؟ كيف حصل انك تؤخر إعادة ... ؟ لقد أرسل انليل الشر على بلاد سومر , ان عدوها هابط من بلاد ... ورفع الى رعاية البلاد . والآن أعطى انليل الملكية لرجل لا قيمة له , اى اشبي ايرا الذي هو ليس من بذرة سومرية , انظر لقد اذلت سومر في مجمع الآلهة , الاب انليل الذي أوامره ... امر بكل تأكيد بما يأتي:(( مادام فاعلوا الشر موجودين في أور فان اشبي ايرا, رجل ماري سيهدم أسسها وسيقسم بلاد سومر )) و ( هكذا ) عندما عينت حاكما للمدن العديدة , انحازت هذه المدن الى اشبي ايرا وفقا لأمر انليل ( حتى بعد ان تسلم انت , مثل ...المدينة الى العدو وبعد ان تصبح خادما له, فان اشبي ايرا لا يعرف ). أما الآن فاجلب الى هنا ( العون ) من اجل إحياء الكلمة الطيبة ولوضع حد للتضليل: ولينجزوا ... بين سكانها. لا تنصرف , ولا تكن ضدي , ان يده لن تنال المدينة , ولن يمارس رجل ماري السيادة وفقا لخطته العدائية , لان انليل قد أثار الآن الـ ( مارتو ) من بلادهم , انهم سيضربون العيلاميين ويأسرون اشبي ايرا. وبإعادة البلاد الى مكانتها ( السابقة ) ستصبح قوتها معروفة في كافة انحاء الاقطار , ان هذا امر ملح , فلا ...)) .(16)

كان العيلاميون يراقبون الأوضاع وما آلت اليه الدولة من انهيارات وانقسامات ,  فاغتنموا الفرصة في السنة الرابعة والعشرين من حكم ابي سين  متحالفين مع قبائل السوباريين (السو) من جبال زاجروس شمالي عيلام , وانقضوا على مدينة أور, ولم يبقوا على شيء فيها , دمروا أسوارها  والمعابد والمباني , تركوا سكانها جثثا في الشوارع والساحات اكواما مكدسة في العراء, والتهمت نيرانهم المخازن والاسواق , وامتهنوا كل شيء مقدس في المدينة , وعملت فؤوسهم الضخمة في معابد المدينة المقدسة , وسيق أبي سين أسيراً الى عيلام, وبقيت على المدينة حامية عيلامية (17), طردت من قبل اشبي إيرا بعد قرابة سبع سنين  , الذي تحفز في الحال أن يصبح سيداً على بلاد سومر وأكد  .(18)ان مأساة  مدينة أور ودمارها وقتل سكانها وخراب معابدها الهم شعراء بلاد الرافدين انذاك , فكتب القصائد  والمراثي  التي تصف ما حَلَ بالمدينة وأهلها , فكانت مرثية  أور* من روائع ما كتب من شعر ينعى المدينة واهلها , حيث يصف كاتب المرثية مدينة أور بحزن عميق, قائلا :

رثاؤك مر اليم ايتها المدينة

مدينة أور التي خُربت رثاؤها مر اليم

كم سيظل رثاؤك الاليم يحزن سيدك الباكي

الرب الذي دمر بيته يشارك مدينته البكاء والندب

ناحت أور وشاركت الرثاء سيدها التي خُربت بلاده

وشاركته ننجال البكاء والنوح من اجل مدينته.(19)

وفي مقطع آخر يصف الشاعر ماحل بالمدينة وكأنه مرّ بها من بعد خرابها , قائلاً :

غادر عهد الحاكم الصالح

اصبحت البلاد خرابا

الحظائر مقفرة , ماهي الا اشلاء

اين البقر السمين خلف الاسوار

اين الشياه التي انجبت حملانا

ماء السواقي صار عسيرا

وعشب محروق يغطي الحقول

لا تنبت البرية سوى عشب الالم

لم تعد الام ترعى صغارها

والزوج لا يدعو زوجته بلطف

ووصف حال الناس ومليكهم, قائلا :

سيق الناس من وطنهم

الى بلدان الاعداء مأخوذين

السوباريون يحقرونهم عند الاصيل

وعيلام في الشرق تشبعهم اهانة

واسفاه ان ملك سومر غادر القصر

وذهب ابي سين الى بلاد عيلام

الى المناطق البعيدة حيث حدود انشان

كانه طير هجر عشه

كغريب لن يرى وطنه ابدا (20)

ووصف الشاعر ننار إله المدينة وكأنه يعاتب مَجمع الآلهة قائلاً:

جرجرت ساقيَّ، فتحت ذراعيَّ،

بحرقة ذرفت الدموع أمام آنو،

وبصدق نُحتُ أمام إنليل.

قلت لهما: عسى أور لا تُدمر،

عسى مدينتي أور لا تُدمر قلت لهما،

وعسى شعبها لا يُسلم إلى الذبح، قلت لهما.

ولكن آنو لم يثلج صدري بكلمة،

بل أصدر الأوامر بهلاك أور،

ووصف الإلهة ننجال وكأنها  تعزي ننار إله المدينة ,قائلة :

اي نانار، لقد آلت المدينة إلى خراب، والناس ينوحون.

وجثث أهلها، مثل كسرات الفخار، ملأت جنباتها.

الجدران المتينة قد تهاوت، والناس ينوحون.

وعند البوابات العالية وفي الطرقات، تكدست الجثث،

وفي جاداتها العريضة التي شهدت الاحتفالات، اختلط الموتى،

وذابت الأجساد من تلقاء نفسها مثل زبدة تحت الشمس.

رجالها الذين لقوا حتفهم بالفأس مطروحون بلا غطاء رأس،

ورجالها الذين صُرعوا بالحراب مطروحون بلا أكفان،

في المكان الذي ولدتهم فيه أمهاتهم مضرجون بدمائهم.

في أور هلك القوي والضعيف من الجوع.

الآباء والأمهات الذين لزموا بيوتهم التهمتهم الحرائق،

والصغار الذين لزموا أحضان أمهاتهم جرفهم الطوفان مثل السمك.

تركت الأمهات بناتهن، والناس ينوحون.

ترك الآباء أبناءهم، والناس ينوحون.

وآلهة المدينة، مثل طائر محلق، هجرت مدينتها.

ننجال، مثل طائر محلق، هجرت مدينتها.

ثروات أور التي تراكمت في الديار وُضعت عليها أيدي مدنسة،

وفي عنابرها المليئة بالخيرات أُضرمت النار.

العيلاميون والسوبارتيون المخربون عاملوها باحتقار،

بالمعاول هدموا أور، البيت البار، والناس ينوحون.

أحالوا المدينة إلى ركام، والناس ينوحون.

إلهتها صرخت: وا أسفاه على مدينتي، وا أسفاه على بيتي.

ننجال صرخت: وا أسفاه على مدينتي، وا أسفاه على بيتي.

ووصف الإلهة ننجال وهي تعزي نفسها بما حَلَ بمدينتها, قائلة :

أنا السيدة، مدينتي آلت إلى خراب، وبيتي آل إلى خراب.

أيها الإله نانار، أور آلت إلى خراب وشعبها قد تشتت.

لقد لعن آنو حقاً مدينتي، ومدينتي حقاً آلت إلى خراب.

لقد أعلن إنليل حقاً عداوته لبيتي، وبيتي حقاً أُعمل فيه المعول.

في حقول مدينتي لم يعد ينبت القمح، وفلاحوها هجروها،

والكروم وبساتين النخيل التي كانت تفيض بالخمر والعسل،

صارت تغل الأشواك الجبلية.

أيها الإله نانار، أور لم تعد موجودة، ولم أعد سيدتها.

الويل لي، المدينة آلت إلى خراب، البيت آل إلى خراب.

أي نانار، أور المقام المقدس، آلت إلى خراب، وشعبها هلك.

الويل لي، أين أجلس، الويل لي أين أقف.

أنا ننجال، مثل راع مهمل راحت خرافه نهباً للسلاح.

الويل لي، أنا التي نُفيتْ من المدينة ولا تجد مكان راحة لها.

أنا ننجال التي نُفيتْ من بيتها ولا تجد لها سكناً.(21)

لقد صورت هذه المرثية ما حل بمدينة أور من خراب وتدمير, ولا يمكننا ان نعطي وصفا افصح حالا من هذه الرائعة المؤلمة , وبعد سقوط أور ونهاية سلالة أورنمو فيها سنة 2004 ق.م اسدل الستار عن العصر السومري في حضارة بلاد الرافدين , بعدها عادت دويلات المدن تحكم من جديد من بعد الوحدة السياسية التي حققتها سلالة أورنمو للبلاد , فحكمت ايسن عاصمة الملك  اشبي ايرا اجزاء واسعة من البلاد وعاصرتها لارسا ومدنا اخرى ,  وظلت أور تتأرجح في تبعيتها لهاتين السلالتين زمنا طويلا , وسمي هذا العصر في تاريخ حضارة العراق القديم بـ ( عصر ايسن ولارسا ) , ثم تبعته سلالات اخرى لكنها لم تتمكن من فرض سيطرتها على كل البلاد  حتى ظهور حمورابي ( 1792 – 1750 ق.م )  الذي تمكن من اعادة توحيد البلاد مرة اخرى .

___________

1. هلموت ,اوليش , السومريون شعب في مطلع التاريخ , مشروع ترجمة مقدم الى كلية اللغات للطالب  ماهر حبيب , بغداد , 2004 , ص 99.

2. ساكز, هاري , عظمة بابل , ترجمة : عامر سليمان , ص 75.

3. هلموت ,اوليش , المصدر السابق , ص 98.

4. Jacobsen, Th. The reign of Ibbi-sin, Journal of Cuneiform studies, 1953, №7, P.41.

5. باقر, المقدمة, المصدر السابق, ص 393.

6. ظاهر, عشتار سمير , دراسة نصوص مسمارية غير منشورة من عصر أور الثالثة , رسالة ماجستير غير منشورة , جامعة بغداد 2007, ص 20.

7. باقر , المقدمة , ص393.

8. المتولي, نوالة , دراسات في نصوص مسمارية غير منشورة من سلالة أور الثالثة " حفريات تل مزيد " , رسالة ماجستير غير منشورة , جامعة بغداد 1986 , ص 35.

9. باقر, المقدمة, ص 393.

10. المصدر نفسه, ص 394.

11. باقر, المقدمة, ص 394, 395.

12. Дьяконов, И.М, История древнего мира, “Города государства Шумер”, Главная        редакция восточной литературы издательства (наука), 1983.C.311.

13. Gomi, T. , “ On Critical Economic Situation at Ur Early in the Region of Ibbi Su-en ,  JCS , № 36 , 1984. P.211.

14. كريمر , صموئيل , السومريون , ترجمة : فيصل الوائلي , الكويت 1973, ص481.

15. المصدر نفسه, ص 482.

16. المصدر نفسه, ص 92-94.

17. المصدر نفسه, ص 483.

18. بوتيرو , الشرق الادنى , ترجمة : عامر سليمان , الموصل 1986, ص 159.

19. Kramer, S.N., the Sumerians, Chicago, 1963, P.72.

* يرجع زمن نظم هذه المرثية  الى العصر البابلي القديم في مطلع الالف الثاني ق.م. ,ويرقى زمن اقدم نسخ لنصوصها التي وصلت الينا الى عهد سمسو-ايلونا ( 1749 – 1712 ق.م ) ,  وهو الملك السابع من سلالة بابل الاولى  , وقد جمع نصها الكامل من نحو 22 لوحا وكسر من الواح , وتتضمن المرثية زهاء 436 بيتا , وانتظمت في احدى عشر مقطعا غير متساوية في عدد ابياتها. ينظر : طه باقر , مقدمة في ادب العراق القديم , ص 213.

20. باقر , طه , مقدمة في ادب العراق القديم , بغداد , 1976 , ص 214.

21. هلموت ,اوليش , السومريون شعب في مطلع التاريخ , المصدر السابق , ص  102-

 

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).