أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-10-2016
1348
التاريخ: 11-10-2016
959
التاريخ: 13-10-2016
1238
التاريخ: 15-10-2016
1549
|
من هم النياندرتاليون؟(*)
تشير أدلة خلافية إلى أن النياندرتاليين تهاجنوا مع أفراد من البشر ذوي البنية التشريحية الحديثة، وأن سلوكهم تَشابَه أحيانا، على نحو مثير للدهشة، مع أساليب الإنسان الحديث.
لقد كانت قصة بارعة ومنمّقة إلى حد كبير. فالنياندرتاليون، الذين يشكلون نوعا منفصلا من البشر والذين لم يكونوا يملكون الصفات التشريحية المتميزة التي يملكها البشر الحديثون، سرعان ما دُفعوا للانقراض حينما غزاهم أفراد الإنسان الحديث بما يملكونه من حضارة وتقانة متقدمتين. ولكن القصص البارعة والمنمقة حول الماضي تنكشف بطريقة ما، ويبدو أن قصص بطولات النياندرتاليين لا تشذ عن هذه القاعدة. لقد احتل النياندرتاليون ذوو الدماغ الكبير كلا من أوروبا وغربي آسيا لمدة تزيد على 200 ألف سنة، حيث صارعوا البرد القارس خلال الفترات الجليدية في أوج تناميها، وكذلك الأخطار اليومية لحياة ما قبل التاريخ. صحيح أنهم لم يعد لهم وجود اليوم، ومع ذلك فإن الباحثين ـ فيما عدا هاتين الحقيقتين (وجود النياندرتاليين وزوالهم) ـ يتناقشون بشدة حول من هم النياندرتاليون؟ وكيف عاشوا وماذا حدث لهم بالضبط؟
ينبثق الجهد الراسخ الموجه لحل هذه القضايا المراوغة من جدال أوسع حول كيفية نشوء أفراد الإنسان الحديث. فبعض الباحثين يفترض أن نوعنا هذا نشأ حديثا (قبل نحو 200000 سنة) في إفريقيا، ثم حل لاحقا محل الأجناس البشرية القديمة archaic hominids في كافة أرجاء العالم؛ في حين يفترض آخرون أن هذه الجماعات القديمة أسهمت في المعين الجيني المبكر للإنسان الحديث(1). ولما كانت معرفتنا بالنياندرتاليين تفوق معرفتنا بتلك الجماعات القديمة، فإنهم يكتسبون أهمية كبرى فيما يخص الجدل حول الأصول origins controversy. ولكن الأمر أكبر من مجرد جدل أكاديمي حول أحداث معينة من ماضينا البدائي؛ إذ يجب على الباحثين، في تقصيهم بيولوجية النياندرتاليين وسلوكهم، أن يعالجوا ذات الفكرة التي تتساءل عما تعنيه بالضبط الصفة الإنسانية الكاملة (ما الذي نعنيه حينما نصف مخلوقا بأنه بشر كامل)، وأن يحددوا ذلك الشيء الذي يجعلنا ـ نحن البشر الحديثين ـ فريدين، هذا إن وجد ذلك الشيء أصلا. وبالفعل، فإن المختصين في علم الإنسان القديم(2) وعلماء الآثار(3) ـ مدفوعين بالاكتشافات الحديثة ـ يتساءلون أكثر فأكثر، إلى أي درجة كان هؤلاء القوم يشبهوننا؟
كان أول ما شد انتباه الباحثين إلى عقد المقارنات بين النياندرتاليين وأفراد فصيلة الإنسان الحديث، اكتشاف هيكل عظمي نياندرتالي غير كامل في وادي نياندر بألمانيا عام 1856. فقد كانت هذه البقايا (المؤلفة من عظام أطراف ضخمة ومن جمجمة مكتنزة تحمل العلامة المميزة ـ حيدا جبهيا browridge مقوسا) تختلف اختلافا بينا، الأمر الذي جعل النياندرتاليين يُنسبون إلى نوع خاص بهم هو الإنسان النياندرتالي Homo neanderthalensis (على الرغم من أن ذلك لم يحظ باتفاق الجميع حينذاك، إذ جادل بضعة من العلماء الألمان بأن هذه البقايا كانت لسائس خيول قوزاقي(4) أعرج). بيد أن الاكتشاف الفرنسي للرجل العتيق The Old Man في موقع لاشاپل-أُو- سانت La Chapelle-aux-Saints بعد نحو خمسين عاما، هو الذي أدى إلى توصيف النياندرتاليين كطلائع بشرية بدائية. فقد أظهرتهم إعادة بناء هياكلهم كبهائم مُحْدَوْدَبين متثاقلي الحركة شبيهين بالقرود، على نقيض صارخ من الإنسان العاقل Homo sapiens المنتصب القامة الرشيق الحركة. وبدا أن النياندرتالي قد مثّل ذلك "الآخَر" other النهائي، الذي هو غول بليد الفهم يتوارى خلف العتبة التطورية للبشرية.
وبعد عقود من الزمن، كشفت إعادة تقييم فرد لاشاپل أن بعض ملامحه التشريحية قد أسيء تفسيرها. ففي الواقع كانت وقفة posture النياندرتالي وحركته مماثلتين لوقفتنا ولحركتنا. ومنذئذ جاهد المختصون في علم الإنسان القديم لمعرفة ما إذا كانت الملامح المورفولوجية التي تميز النياندرتاليين كمجموعة (مثل غلظة هياكلهم العظمية، وأطرافهم القصيرة وصدورهم البرميلية الشكل، وحيود جباههم البارزة وجُبُنِهم(5) المائلة الواطئة، وأواسط وجوههم الناتئة، وفكوكهم العديمة الذقن) تبرر تصنيفهم في نوع منفصل. ويتفق الباحثون على أن بعض هذه السمات تمثل تكيفات بيئية. فعلى سبيل المثال، سمحت الأجسام القصيرة الممتلئة للنياندرتاليين بالمحافظة على حرارة أجسامهم على نحو كفء في ذلك الطقس الشديد البرودة الناجم عن الدورات الجليدية. ولكن معالم أخرى، مثل شكل الحيد الجبهي النياندرتالي، تفتقر إلى مغزى وظيفي واضح، ويبدو أنها تعكس التراوح الجيني(6) النمطي الذي يميز الجماعات المنعزلة.
وبالنسبة إلى أولئك العلماء الذين يتبنون نموذج الإحلال لتفسير أصول الإنسان الحديث، فإنهم يرون أن المورفولوجية النياندرتالية المميزة نجمت بوضوح عن اتباعها مسارا تطوريا منفصلا عن مسار أفراد الإنسان الحديث. ولكن، لسنوات عديدة، تحدت فئة منشقة من الباحثين هذا التأويل، وجادلت بأن العديد من الملامح التي تميز النياندرتاليين تُشاهَد كذلك لدى الأوروبيين الحديثين الأوائل الذين جاءوا بعد النياندرتاليين. وهكذا يجادل (D.فراير) [وهو متخصص في علم الإنسان القديم في جامعة كانساس] قائلا: "إنهم يمتلكون بوضوح مجموعة من الملامح مختلفة بشكل إجمالي، ولكنه اختلاف تواتري frequency difference وليس اختلافا مطلقا." ويضيف قائلا: "وفي واقع الأمر، فإن كل ما يمكن أن تجده لدى النياندرتاليين يمكنك أن تجده لدى غيرهم."
ويشير فراير إلى واحد من أوائل من عُرف من الأوروبيين الحديثين، يتمثل في أحفورة من موقع في جنوب غرب ألمانيا يسمى ڤوگلهيرد Vogelherd، حيث تجمع هذه الأحفورة بين شكل جمجمة أفراد الإنسان الحديث والملامح التي توصف بأنها نياندرتالية نمطية (مثل الفضوة المتميزة بين الرحى الأخيرة last molar والجزء الصاعد من الفك السفلي، والمعروفة باسم الفضوة خلف الرحوية retromoral gap. وكذلك شكل الثقبة الفكية السفلية mandibular foramen، وهي قناة عصبية في الفك السفلي). وبحسب قول )کراير( و (M.ولپوف) [من جامعة متشيگان] تأتي أدلة إضافية من مجموعة هياكل مبكرة للإنسان الحديث تم اكتشافها في موراڤيا بجمهورية التشيك عند موقع يسمى مِلادتش Mladec. ووفقا لقول(فراير) و(وُلْپوف)فإن جماجم شعب ملادتش تحمل سمات يصفها علماء آخرون بأنها ملامح ينفرد بها النياندرتاليون.
ومع أن مثل هذا الدليل كان قد استعمل يوما ما للمجادلة بأن النياندرتاليين يمكن أن يكونوا قد تطوروا بشكل مستقل إلى أوروبيين حديثين، فإن هذه النظرية تغيرت بعض الشيء. "فمن الواضح جدا أن أناسا كانوا قد دخلوا أيضا إلى أوروبا، بحيث إن الناس الذين عاشوا هناك في أزمنة لاحقة يعتبرون مزيجا من النياندرتاليين وتلك الجماعات التي دخلت إلى أوروبا،" بحسب قول (ولپوف) الذي يعتقد بأن المجموعتين اختلفتا فيما بينهما بالقدر نفسه الذي اختلف به الأوروبيون الحاليون عن الأستراليين الأصليين. وكما يقول (F.سميث) [وهو مختص في علم الإنسان القديم في جامعة شمالي إلينوي]، فإنه توجد كذلك أدلة على هذا الامتزاج في أحافير (مستحاثات) نياندرتالية لاحقة. فالبقايا النياندرتالية من كهف ڤينديجا Vindija في شمال غربي كرواتيا تعكس، بحسب قول (سميث)، "تَمثُّل assimilation بعض الملامح الحديثة المبكرة،" في إشارة إلى امتلاك هذه البقايا حيودا جبهية ذات شكل أكثر حداثة، وإلى الوجود الخفيف للذقن في فكوكها السفلية.
ولكن أولئك الذين يعتبرون النياندرتاليين نوعا مستقلا يؤكدون أن أحافير ڤينديجا ناقصة وغير متكاملة إلى حد يتعذر الاعتماد عليها أساسا للتشخيص، وأن أي تشابهات موجودة بالفعل يمكن أن تنسب إلى التطور المتقارب convergent evolution. وكذلك يرفض هؤلاء الباحثون جدلية الامتزاج بالنسبة إلى أفراد ملادتش الحديثين المبكرين. ويرد (Ch.سترنگر) [من متحف التاريخ الطبيعي في لندن] قائلا: "إنني حينما أنظر إلى الشكل الظاهري لهؤلاء الناس، أرى قوة الجسم وشدته ولا أرى نياندرتالية."
ويقول بعض العلماء بأن هناك سببًا آخر للشك في هذه الادعاءات عن التهاجن interbreeding، يتمثل في أنها تناقض النتائج التي توصل إليها (S.پابو) [عندما كان في جامعة ميونيخ] مع زملائه، عندما أعلنوا في الشهر 7/1997 أنهم اكتشفوا دنًا ميتوكوندريًا mtDNA من أحفورة نياندرتالية وقاموا بتحليله. فقد جاء بشكل صريح في غلاف مجلة الخلية Cell التي نشرت ذلك التقرير، أن: "النياندرتاليين لم يكونوا أسلافنا." فمن خلال الشريطة القصيرة للدنا الميتوكوندري الذي حللوا تتالياته sequences، قرر هؤلاء العلماء أن الفرق بين الدنا الميتوكوندري النياندرتالي والدنا الميتوكوندري الخاص بأفراد الإنسان الحديث الحاليين هو أكبر بكثير من الفروق الموجودة لدى الجماعات البشرية الحالية. غير أنه، وإن بدا في الظاهر أن مسألة النوع تم حسمها، بقيت هناك اتجاهات خفية مناهضة تثير الشكوك(7).
لقد عزز دليل أحفوري جديد من أوروبا الغربية الاهتمام بموضوع ما إذا كان النياندرتاليون وأفراد الإنسان الحديث قد تهاجنوا. ففي الشهر 1/1999 أعلن الباحثون اكتشاف هيكل كامل إلى حد كبير لطفل يبلغ من العمر أربع سنوات كان قد دُفن في وادي لاپيدو Lapedo البرتغالي قبل 24500 سنة على الطريقة الگراڤيتية(8) Gravettian المعروفة لدى أفراد أوروبيين حديثين مبكرين آخرين. وطبقا لكل من (E.ترينكاوس) [من جامعة واشنطن] و(C.دوآرته) [من المعهد البرتغالي لعلم الآثار في لشبونة] وزملائهما، فإن هذه العينة المعروفة باسم لاگار ڤلهوLagar Vilho 1 تحمل تركيبة تجمع بين صفات نياندرتالية وصفات للإنسان الحديث لا يمكن أن تكون قد نجمت إلا عن تهاجن واسع النطاق بين الجماعتين كلتيهما .
فإذا صح التأويل القائل بحدوث تهاجن بين الأسلاف فيما يخص عينة لاگار ڤلهو1 بعد إجراء المزيد من التمحيص، فإن فكرة اعتبار النياندرتاليين ضربا variant من نوعنا سوف تكتسب قوة جديدة. ويقبل أنصار نموذج الإحلال بوجود أمثلة منعزلة من التهاجن بين أفراد الإنسان الحديث والأنواع القديمة archaic species، لأن أنواعا أخرى من الثدييات ذات القرابة الحميمة فيما بينها تتهاجن أحيانا. ولكن خلافا للعينات المستخرجة من أوروبا الشرقية والوسطى التي قيل إنها تبدي تركيبة مؤتلفة من الملامح، فإن الطفل البرتغالي يعود في تاريخه إلى زمن يُعتقد أن النياندرتاليين لم يكونوا موجودين فيه. ويقول (ترينكاوس) و (دوآرته) ـ بالنسبة إلى الملامح النياندرتالية التي استمرت آلاف السنين بعد اختفاء أولئك القوم ـ بأن جماعات الإنسان النياندرتالي والإنسان الحديث التي تزامن وجودها جنبا إلى جنب لا بد أن تكون قد تهاجنت إلى حد كبير فيما بينها.
دليل المصطلحات الفنية(**)
يمكن أيضا تهجئة كلمة نياندرتال Neandertal بإضافة الحرف h: Neanderthal، فنحو عام 1900 تغير ضبط الكتابة في ألمانيا وتم إسقاط الحرف h الساكن من بعض الكلمات مثل thal (ومعناها الوادي). ومع ذلك فإن اسم الإنسان النياندرتالي في اللغة اللاتينية Homo neanderthalensis بقي على حاله من دون تغيير، ولكن الاسم الشائع يمكن تهجئته بأي من الشكلين المذكورين.
العصر الپاليوليتي Paleolithicأو العصر الحجري القديم: هو الفترة التي تمتد من بداية الحضارة وحتى نهاية الفترة الجليدية الأخيرة، ويقسم إلى: الپاليوليتي الأسفل والپاليوليتي الأوسط والپاليوليتي الأعلى.
الحضارة الموستيرية Mousterian: وتمثل تقاليد حضارية مبنية على الأدوات الحجرية من العصر الپاليوليتي الأوسط، وارتبطت بالنياندرتاليين وبالأفراد المبكرين من الإنسان الحديث في الشرق الأدنى.
الحضارة الأوريگناسية Aurignacian: وتمثل تقاليد حضارية من العصر الپاليوليتي الأعلى، وارتبطت بالإنسان الحديث وتتضمن أدوات حجرية وأشياء فنية متقدمة.
الحضارة الشاتلپيرّونية Châtelperronian، وتمثل تقاليد حضارية في العصر الپاليوليتي الأعلى أيضا، وارتبطت بالنياندرتاليين. وهي تشبه الحضارتين الموستيرية والأوريگناسية كلتيهما.
لم يمر تأويلهما هذا من دون تحديات. ففي تعليق رافق تقرير الفريق في ثبت الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأمريكية في الشهر 6/1999، جادل مختصان في علم الإنسان (أنثروپولوجيان)، هما (I.تاترسال) [من المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك] و(J.شوارتز) [من جامعة پتسبورگ]، بأن لاگار ڤلهو1 هو، على الأرجح، "طفل گراڤيتي مكتنز الجسم." فالمواصفات الجسمية الغليظة التي رأى فيها (ترينكاوس) وزملاؤه دليلا على سلف نياندرتالي، قد تعكس، وفقا لرأي (سترنگر)، تكيفا adaptation للمناخ البارد الذي ساد البرتغال حينذاك. ولكن هذا التفسير مشكوك فيه بحسب رأي (J.J.هوبلن) [من المركز القومي للأبحاث العلمية الفرنسي CNRS] الذي يشير إلى أنه، على الرغم من أن بعض الأقوام الحديثة المتكيفة للبرد تُبْدي مثل هذه المواصفات، فلسنا نعرف من بينهم من ينتمون إلى تلك الحقبة في أوروبا. وعلى العكس، فإن ما يقلق (هوبلن) أن لاگار ڤلهو1 يمثل طفلا، إذ يقول: "نحن لا نعرف أي شيء عن التباين في أطفال عمرٍ ما في ذلك المدى من الزمان."
مهارات البُقْيا(***)
إذا استبعدنا القضايا التصنيفية، نجد أن السلوك النياندرتالي استقطب أبحاثا كثيرة ظلت غير مفهومة إلى حد كبير حتى يومنا الحاضر. فكثيرا ما وُصف النياندرتاليون بأنهم كانوا غير قادرين على الصيد أو التخطيط المسبق، بحسب ما يذكر عالم الآثار (J.شيا) [من جامعة ولاية نيويورك في ستوني بروك]، فهو يقول: "تُبين لنا إعادة بناء هياكل النياندرتاليين أنهم قوم لم يكونوا ليستطيعوا البقيا شتاء واحدا، ناهيك عن ربع مليون سنة قضوها في أسوأ بيئات عاشها البشر على الإطلاق." ولكن تحليل بقايا حيوانية من موقع كراپينا Krapina الكرواتي يشير إلى أن النياندرتاليين كانوا صيادين مهرة قادرين على قتل الحيوانات، حتى الكبيرة منها، مثل وحيد القرن، بحسب قول عالم الآثار (P.ميراكل) [من جامعة كمبردج]. هذا وتوحي دراسات (شيا) بأن بعض النياندرتاليين استعملوا حِرابا متقنة الصنع ذات رؤوس حجرية في صيد طرائدهم، الأمر الذي تأيد في عام 1999 حينما ذكر باحثون اكتشاف سن حجرية stone point في سورية من صنع نياندرتالي، وكانت مغروسة في عظم رقبة حمار وحشي عاش في ما قبل التاريخ. إضافة إلى ذلك، أظهر بحث إضافي أجراه (شيا)، وكذلك تحريات قام بها عالما الآثار (M.ستاينر) و (S.كون) [من جامعة أريزونا] أن استراتيجيات العيش النياندرتالي تنوعت كثيرا بحسب البيئة والفصول المتغيرة.
ترفض مثل هذه البراهين فكرة أن يكون النياندرتاليون قد انقرضوا بسبب عدم استطاعتهم التكيف. ولكن من الممكن أن أفراد الإنسان الحديث كانوا أقدر منهم على ذلك. وتطرح إحدى النظريات الرائجة أن يكون أفراد الإنسان الحديث امتازوا على النياندرتاليين بميزة استعرافية cognitive advantage من نوع ما، ربما تمثلت في قدرة تعد أهم صفة بشرية على الإطلاق، هي الفكر الرمزي symbolic thought، وبضمنه اللغة. ولقد برزت مثل هذه التعليلات استنادا إلى ملاحظات مفادها أنه بعد مضي أربعين ألف سنة، بقيت الحضارة النياندرتالية راكدة نسبيا، في حين تباهى الأوروبيون الحديثون بمجموعة من السمات الجديدة اتصف العديد منها بالرمزية. وقد اتضح أن أفراد الإنسان الحديث فقط هم الذين مارسوا وقائع دفن متطورة، وعبَّروا عن أنفسهم باستخدام الحلي والتماثيل الصغيرة والرسوم في الكهوف والأدوات الحرفية المعقدة المصنوعة من العظام وقرون الوعل (وهي صناعة وُصفت على نطاق واسع بأنها تعود إلى العصر الحجري القديم الأعلى). وبالمقابل، لم تضم المجموعة النياندرتالية إلا أدوات حجرية من العصر الحجري القديم الأوسط مصنوعة بحسب الأسلوب الموستيري Mousterian style.
ومع ذلك، فقد ظهرت إشارات تلمح إلى أن النياندرتاليين فكروا على نحو رمزي. فالمدافن النياندرتالية، على سبيل المثال، معروفة جيدا في أرجاء أوروبا، وقيل إن بضعة منها احتوت على أمتعة مما يوضع في القبور. (وهناك باحثون آخرون يعتقدون أن الدفن بالنسبة إلى النياندرتاليين كان مجرد وسيلة لإخفاء الجسم المتحلل، الذي لولا ذلك ربما اجتذب إليه الضواري predators غير المرغوبة. وهم يرون الأمتعة القبرية المزعومة بمثابة أشياء متنوعة صدف أن انجرفت إلى داخل القبر.) وثمة تقارير من عدد من المواقع تشير إلى امتلاك النياندرتاليين حظا من الفنون، تمثلت في أسنان منعزلة مثقوبة وقطع عظمية عليها نحوت ومُغْرَة ocher صفراء وحمراء؛ ولكن نظرا لندرتها، يميل الباحثون إلى أن ينسبوا وجود هذه الأشياء إلى تفسيرات بديلة. لقد حظيت إمكانية أن يكون النياندرتاليون قاموا بممارسات حديثة، بمزيد من الاهتمام في عام 1980، حين أبلغ الباحثون عن فرد نياندرتالي (من كهف سانت سيزير Saint-Cesaire في شارِنت ماريتيم Charente-Maritime بفرنسا)، وجدت بصحبته أدوات حجرية مصنوعة بحسب تقليد حضاري (يعرف باسم الشاتلپيرونية Châtelperronian)، كان المفترض أنه يمثل الصناعة اليدوية لأفراد الإنسان الحديث. ومن ثم، أعلن (هوبلين) وزملاؤه في عام 1996 تسليط أضواء المسرح الأركيولوجي على الشاتلپيرونية؛ إذ أسفرت الحفريات excavations التي بدأت في أواخر الأربعينات من القرن العشرين عند موقع يدعى گروت دو رين Grotte du Renne في (أرسي-سور-كور Arcy-sur-Cure) بالقرب من أوكسير بفرنسا، عن اكتشاف نُصول عديدة وحلي وأدوات عظمية؛ كما كشفت أدلة عن أكواخ ومواقد (وجميعها سمات مميزة للعصر الحجري القديم الأعلى). أما البقايا البشرية الشحيحة التي تم العثور عليها وسط هذه المصنوعات اليدوية فقد استحال تشخيصها في البداية. ولكن باستعمال التصوير الطبقي المحوسب computed tomography في فحص منطقة الأذن الداخلية المخفية والمحفوظة داخل قطعة جمجمة، استطاع فريق (هوبلين) تشخيص هذه العينة على أنها تعود إلى شخص نياندرتالي.
الطفل الهجين من البرتغال(****)
(F.ترينكاوس) ـ (C.دوآرته):
في عصر يوم بارد في أواخر الشهر 11/1998، لاحظ اثنان من مستطلعي scouts الآثار ـ بينما كانا يفحصان كهف أبريگو دو لاگار ڤلهو في وادي لاپيدو في وسط البرتغال ـ رواسب مفككة في جُحر أحد القوارض على طول الجدار الخلفي للكهف. ولما كان من المعروف أن الحيوانات الحفارة غالبا ما تجلب مواد من الأعماق إلى السطح، فقد حاول أحد هذين المستطلعين أن يتفحص ما يمكن أن تكون هذه الحيوانات قد جلبته معها من باطن الأرض. وعندما سحب يده وجدها تمسك بشيء غريب: عظم طفل بشري دُفن قبل 25000 سنة تقريبا.
إن التنقيب اللاحق عن القبر الذي قام به أحدنا (وهي (دوآرته)) كشف عن أن الطفل ذا الأربع سنوات كان قد دُفن بصورة طقوسية على حسب الأسلوب الگرافيتي Gravettian المعروف في ذلك الزمن على امتداد أوروبا بين أفراد الإنسان الحديث، حيث غُطي جسده بالمغرة الحمراء ووضع مستلقيا على فراش من النباتات المحروقة، إضافة إلى أسنان أيائل مثقوبة وأصداف بحرية. ومن المحتمل، اعتمادا على التحول الحضاري المفاجئ الذي يظهر من البقايا الآثارية (الأركيولوجية) في شبه جزيرة أيبيربا، أن أفراد الإنسان الحديث عندما وصلوا متأخرين إلى المنطقة قبل نحو 30000 سنة حلوا بسرعة محل سكانها الأصليين من النياندرتاليين. ولذلك من المعقول أن هذه العينة، التي دعيت لاگار ڤلهو 1، كانت تمثل طفلا مبكرا من أفراد الإنسان الحديث. في الحقيقة لم يخطر على بالنا في البداية أنها قد تمثل شيئا آخر غير ذلك.
يتميز هذا الهيكل الكامل، المدهش إلى أبعد الحدود، بمجموعة من الملامح التي تضعه بصورة أساسية مع الأفراد الأوروبيين المبكرين من الإنسان الحديث. وتتضمن هذه الملامح ذقنا بارزا، وبعض التفصيلات الأخرى في الفك السفلي، وأسنانا أمامية صغيرة وأجزاء جسمية متناسبة مميزة، وآثار انطباعات عضلية على الإبهام وتضيق مقدم الحوض pelvis، وبضع سمات تخص لوح الكتف وعظمي الساعد. وبصورة مثيرة للاهتمام، يوحي كذلك عدد من الملامح بقرابات affinities نياندرتالية وبخاصة في مقدم الفك السفلي (الذي يميل نحو الخلف على الرغم من وجود الذقن)، وتفصيلات تخص الأسنان القواطع، وعلامات ارتكاز عضلات الصدر، ونِسَب الركبة وعظمي الساق القصيرين والقويين. وهكذا يعرض الطفل لاگار ڤلهو 1، على ما يبدو، فسيفساء معقدة من ملامح نياندرتالية وملامح تميز الأفراد المبكرين للإنسان الحديث.
لم يكن هذا الخليط التشريحي نتيجة أي شذوذ. فإذا أخذنا أنماط النمو البشري المعتاد في الاعتبار، فإن تحليلنا ـ باستثناء كدمات على الساعد وخطين على العظمين يدلان على الزمن الذي توقف عنده النمو بدرجة بسيطة (لمرض أو لنقص الغذاء)، وحقيقة أنه مات طفلا ـ يشير إلى أن لاگار ڤلهو1 نما نموا طبيعيا. وهذه التشكيلة المؤتلفة من الملامح لا يمكن أن تكون قد نجمت إلا عن اختلاط أسلاف. وهذا أمر لم يوثق سابقا بالنسبة إلى أوروبا الغربية. وعلى هذا الأساس فإننا نستنتج أن الطفل لاگار ڤلهو1 نتج من تهجين تم بين النياندرتاليين الأيبيريين الأصليين والأفراد المبكرين من الإنسان الحديث الذين كانوا ينتشرون في جميع أرجاء شبه الجزيرة الأيبيرية في وقتٍ ما بعد 30000 سنة مضت. ونظرا لأن الطفل عاش بعد عدة آلاف من السنين من التاريخ الذي يظن أن النياندرتاليين اختفوا فيه، فلربما تعكس ملامحه التشريحية اختلاطا حقيقيا لهاتين الجماعتين خلال الفترة التي شهدت تعايشهما، وليس مجرد تزاوج حدث مصادفة بين فرد نياندرتالي وفرد مبكر من الإنسان الحديث.
إن العمل الميداني الذي أُجري في صيف عام 1999 أسفر عن الكشف عن أجزاء رئيسية من الجمجمة ومعظم الأسنان المتبقية، إضافة إلى كثير من المواد الآثارية (الأركيولوجية). وحتى نفهم هذه العينة اللافتة للنظر فهما جيدا، شكلنا فريقا من المتخصصين لفحص الهيكل العظمي فحصا دقيقا. وكان من بين المشروعات إجراء فحص تحليلي لعظام الجمجمة والأطراف بطريقة المسح المقطعي المحوسب الثلاثي الأبعاد CT scan ثم إعادة البناء الافتراضي للجمجمة المهشمة. إن هذه الدراسة الدقيقة ضرورية نظرا للدلالات العميقة التي يوحي بها اكتشاف فرد بشري يحمل مثل هذه الفسيفساء من الملامح. فهو أولا يدحض النموذج المتطرف، الذي يقول بنشوء الإنسان الحديث في إفريقيا والذي يفترض أن الأفراد المبكرين للإنسان الحديث الذين نشأوا أصلا في إفريقيا قد حلّوا فيما بعد محل جميع الأفراد القدامى من البشر في المناطق الأخرى. فعوضا عن ذلك تدعم الملامح التشريحية لطفل لاگار ڤلهو1 سيناريو يجمع بين انتشار أفراد الإنسان ذي البنية التشريحية الحديثة من إفريقيا وبين الاختلاط الذي حدث بين هؤلاء الأفراد والجماعات القديمة التي صادفتها. (يظهر أثر السلف الإفريقي للأفراد الأوروبيين المبكرين للإنسان الحديث في الطول النسبي لعظام الساق، وهو تكيف مع البيئة المدارية. ومع ذلك فإن طفل لاگار ڤلهو1 يمتلك الظنبوبين القصيرين اللذين يميزان النياندرتاليين الذين تكيفوا مع المناخ البارد).
وإضافة إلى ذلك يزودنا لاگار ڤلهو1 بتبصرات عن أوجه التشابه السلوكي بين كل من النياندرتاليين وأفراد الإنسان الحديث. فعلى الرغم من الدليل الأحفوري الذي يشير إلى اختلافات تشريحية بين أفراد هاتين المجموعتين من البشر، فإن طُرزهما التكيفية الإجمالية وسلوكهما الاجتماعي ووسائل تواصلهما (بما في ذلك اللغة) لم تكن متباينة كثيرا. فالنياندرتاليون، بالنسبة إلى معاصريهم، كانوا مجرد مجموعة أخرى تشبههم تماما من بشر العصر الپليستوسيني Pleistocene الصيادين/جامعي الثمار.
إن الفسيفساء المورفولوجية الموجودة على هذا الهيكل العظمي المستخرج من البرتغال والبالغ من العمر 24500 سنة يشير إلى أن النياندرتاليين والبشر الحديثين يمثلون أفرادا من النوع نفسه تهاجنوا فيما بينهم بحرية. وصحيح إن الطفل لاگار ڤلهو 1 هو بصفة عامة إنسان حديث، لكنه يحمل بعض السمات النياندرتالية مثل قِصَر عظم الأطراف السفلية وميل الفك السفلي إلى الوراء.
واستجابة لذلك، رأى عدد من العلماء أن النياندرتاليين اقتنوا هذه الأشياء التي تبدو حديثة إما عن طريق سرقتها وإما عن طريق جمع مصنوعات نبذها أفراد الإنسان الحديث أو ربما عن طريق مقايضتها. ولكن وجهة النظر هذه تعرضت لوابل من الانتقادات حديثا جدا، من قبل اثنين من علماء الآثار، هما: (F.دِرِّيكو) [من جامعة بوردو] و(J.زيلهاو) [من المعهد البرتغالي لعلم الآثار]، اللذين جادلا بأن المصنوعات الشاتلپيرونية التي عُثِر عليها في موقع گروت دو رين وغيره، وإن كانت تشبه ظاهريا مصنوعات أوريگناسية Aurignacian، تعكس طريقة تصنيع مغايرة أقدم منها.
إن معظم الباحثين مقتنعون الآن بأن النياندرتاليين قاموا بتصنيع أدوات وحلي شاتلپيرونية. ولكن السبب الذي حض على هذا التغيير بعد مئات آلاف السنين غير واضح. ويرى (P.ميلارز) [عالم الآثار في كمبردج]: "أنه من الأوفر لنا أن نعتبر الأمر نتيجة تقليد أو تثاقف acculturation مقتبس من أفراد الإنسان الحديث بدلا من أن نفترض اكتشاف النياندرتاليين له بأنفسهم." ويضيف قائلا: "ستكون مصادفة غير عادية أن يبتكروا جميع هذه الأشياء في ذلك الوقت القصير الذي سبق وصول أفراد الإنسان الحديث الذين فعلوا الشيء نفسه." وإضافة إلى ذلك، لا يوافق (ميلارز) على تسلسل الأحداث الذي اقترحه (دِرِّيكو) (وزيلهاو)؛ فهو يؤكد قائلا: "إن الدليل التأريخي يبرهن لي على أن النياندرتاليين لم يباشروا صنع هذه الأشياء إلا بعد أن وصل أفراد الإنسان الحديث إلى أوروبا الغربية أو إلى شمال أسبانيا على الأقل." (ولسوء الحظ، يمكن للباحثين أن يفسروا هذه البيانات بشكل مغاير بسبب عدم استطاعة العلماء تحديد تواريخ هذه المواقع بقدر كاف من الدقة).
شاهد على الحضارة النياندرتالية(*****)
(.Jزيلهاو) - (دِرِّيكو):
منذ اكتشاف العينة التي عرّفت النياندرتاليين قبل 150 سنة، مال الباحثون إلى الإنكار على النياندرتاليين تمتعهم بالمقدرات السلوكية التي لأفراد الإنسان الحديث، مثل استعمال الرموز أو التقنيات المعقدة لتصنيع الأدوات. وبدلا من ذلك فإن النياندرتاليين كانوا يوصفون بأنهم دون البشر، وبأنهم يتشبثون بالتقاليد التقنية البدائية ولا يتقبلون الابتكار. وحينما ارتبطت بقايا حضارية متقنة الصنع بأفراد من النياندرتاليين المتأخرين في مواقع متعددة في غرب أوروبا، قلل العلماء من شأن هذا الدليل. ويمثل الكهف المسمى گروت دو رين Grotte du Renne في شمال وسط فرنسا، الموقع الأكثر إثارة بين هذه المواقع (وهو أحد المواقع من السلسلة المعروفة باسم كهوف أرسي-سور-كور Arcy-sur-Cure)، حيث أعطى وفرة من الأشياء المعقدة: أدوات حجرية وعظمية وحلي جسدية وأشياء مزخرفة، وجدت مرافقة لبقايا نياندرتالية. وقد احتوت مواقع أخرى في فرنسا وعلى امتداد سلسلتي الجبال الكنتبرية(9) والپيرينية(10) على مصنوعات مشابهة صنعت وفق الأسلوب الذي سمي الأسلوب الشاتلپيروني Châtelperronian.
وبسبب تشابه صناعة الأفراد الأوروبيين من الإنسان الحديث المعروفة باسم الأوريگناسية Aurignacian، والتي غالبا ما كانت تظهر في المواقع نفسها التي تحتوي على المواد الشاتلپيرونية، فقد اقترح بعض الباحثين حدوث اضطرابات في الطبقات الآثارية أدت إلى اختلاط المصنوعات الأوريگناسية بالمستويات المصاحبة للنياندرتاليين. ولكن باحثين آخرين عللوا هذا التشابه بأن النياندرتاليين اقتبسوا هذه الأفكار من أفراد البشر الحديثين إما بالجمع أو بالمقايضة مع أدوات صنعها أفراد الإنسان الحديث أو عن طريق تقليد ممارسات القادمين الجدد من دون أي استيعاب حقيقي للطبيعة الرمزية التي ترتكز عليها بعض هذه الأشياء.
إن إعادة تقييمنا للدليل المأخوذ من گروت دو رين تبين أن الأدوات والحلي الشخصية المرافقة للنياندرتاليين والتي عثر عليها هناك لم تنجم عن اختلاط للطبقات الآثارية بحسب ما دل على ذلك وجود الأشياء التامة الصقل جنبا إلى جنب مع مخلفات عملية التصنيع في المستوى الطباقي نفسه. وأكثر من ذلك فإن الأدوات المصنعة الشاتلپيرونية المكتشفة في گروت دو رين والمواقع الأخرى (مثل كوينساي في منطقة پواتو-شارنت في فرنسا) كانت قد صنعت بتقنيات مغايرة للتقنيات التي استخدمها الأوريگناسيون. ففيما يتعلق بالقلائد المؤلفة من أسنان الدببة والذئاب والأيائل وغيرها، حفر النياندرتاليون أخدودا حول جذر السن بحيث يمكن أن يُربط حوله خيط من نوع ما لتعليقه، في حين كان الأوريگناسيون يثقبون أسنان قلائدهم. وإذا أراد النياندرتاليون من وقت لآخر ثقب الأسنان فإنهم كانوا (بحسب ما ذكر عالم الآثار (F.ليڤيك) مع زميل له) يستعملون أسلوبا غير عادي، هو ثقب السن مباشرة. أما أفراد الإنسان الحديث فكانوا يفضلون ترقيق السن بالحت قبل ثقبه.
وبشكل مشابه لم تبين التقانات الجديدة لتشذيب الأحجار الصوانية وأنماط الأدوات التي ظهرت بين النياندرتاليين المتأخرين في مواقع أخرى في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا أنها تأثرت بالحضارة الأوريگناسية. وبدلا من ذلك حافظت على صلاتها بالأساليب المحلية التي سبقتها والتي يبدو أنها تمثل تطورا مستقلا.
فإذا كانت الحضارة الشاتلپيرونية النياندرتالية نتاج التماس مع أفراد الإنسان الحديث لوجب أن تسبق الحضارة الأوريگناسية الحضارة الشاتلپيرونية. ولكن إعادة تحليلنا لتحديد الأعمار (الذي أجريناه بطرائق القياس الإشعاعي) للتسلسل الآثاري تكشف، أنه فيما عدا بضعة أمثلة خلافية من حدوث امتزاج، فإنه حيثما تمثلت الحضارتان معا في الموقع نفسه، كان وجود الشاتلپيرونية دائما تحت الأوريگناسية، وهذا ما يشير إلى أسبقيتها. وإلى جانب ذلك، إذا أُخذت بالحسبان المئات من عمليات تحديد العمر المتاحة عن هذه الفترة في أوروبا والشرق الأدنى ـ تبين أنه في كل مكان تكون فيه ظروف تحديد أعمار العينات معروفة معرفة جيدة ـ فإن الوجود الأقدم للحضارة الأوريگناسية لم يكن يزيد على نحو 36500 سنة. ومع ذلك فإن بيانات القياس الإشعاعي نفسها تشير إلى أن النياندرتاليين كانوا في سبيلهم إلى تحديث خاص بهم. وبتعبير آخر فإن الحضارة الشاتلپيرونية والحضارات النياندرتالية المتأخرة الأخرى، مثل الحضارة الأولوزية Uluzzian في إيطاليا، ظهرت في أوروبا قبل نحو 40000 سنة، أي قبل مدة طويلة من استقرار أفراد الإنسان الحديث في تلك المناطق.
إن هذا التطور المستقل الذي تضمن تصنيع أشياء رمزية واستعمالها ابتدعت لغرض التباهي ولفت الأنظار، على غرار ما يلاحظ كثيرا في المجتمعات التقليدية، يعكس أدوارا اجتماعية متنوعة داخل الحضارات النياندرتالية. وهكذا يبدو أن السلوك "الحديث" قد برز في مناطق مختلفة وبين مجموعات مختلفة من البشر، وهذا ما سوف يحدث لاحقا في التاريخ مع اختراع الزراعة والكتابة ومجتمع الدولة.
ثمة تفسير بديل يأخذ بالحسبان الظهور المتزامن الواسع لأدوات الزينة الشخصية في الكثير من أجزاء العالم القديم يتمثل في أن التماس بين أفراد الإنسان القديم والحديث قد استحث الهوية البيولوجية والاجتماعية والشخصية لكل مجموعة، وأشعل الحماس لإنتاج الأشياء الرمزية لدى جميع هؤلاء المعنيين. ومع ذلك، فإننا نحبذ ـ بالاستناد إلى قوة البيانات المتاحة ـ فرضية الإبداع المستقل.
وبصرف النظر عما تثبت في النهاية صحته، فإن الحاجز السلوكي الذي بدا أنه كان يفصل أفراد الإنسان الحديث عن النياندرتاليين، والذي أعطانا الانطباع بمقدرتنا على إنتاج حضارات رمزية، ومن ثم بأننا نمط بشري فريد موهوب بصورة خاصة قد انهار نهائيا وإلى الأبد.
واستنادا إلى دراسته للحلي المكتشفة في موقع گروت دو رين، يجادل (R.وايت) [عالم الآثار في جامعة نيويورك] بأن هذه المصنوعات، على قلة تكرارها، تعكس طرائق تصنيع معروفة للحلي الأوريگناسية. وإذا ما أُخذ بالحسبان الترتيب الطباقي stratigraphy المعقد في گروت دو رين، فإن هذه الأدوات ذات المظهر الحديث ربما جاءت من طبقات أوريگناسية تعلوها. ولكن ما هو أكثر أهمية في رأي (وايت)، أن الشاتلپيرونية غير موجودة خارج فرنسا وبلجيكا وإيطاليا وشمال أسبانيا. ويقول (وايت): "إذا نظرنا إلى العصر الحجري القديم الأعلى من منظور أوروبي شامل، فإن الشاتلپيرونية تصير ـ من خلال تخمين جامح ـ ما بعد الأوريگناسية post-Aurignacian.
ومع ذلك، فإن عبارة "ما بعد الأوريگناسية" لا تعني بالضرورة بعد التماس بأفراد الإنسان الحديث. فالمواقع الأوريگناسية المبكرة لا تضم أي بقايا بشرية. وقد افترض الباحثون أن هذه المواقع كانت تخص أفراد الإنسان الحديث، لأن هؤلاء الأفراد معروفون في مواقع أوريگناسية أحدث عمرا. ولكن (وايت) يعلق قائلا: "تبقى مسألة من هم الأوريگناسيون (من الناحية البيولوجية) الذين عاشوا بين ما قبل 40000 وما قبل 35000 سنة سؤالا من دون جواب إلى حد كبير."
ويضيف (وايت) إننا إذا نظرنا إلى الشرق الأدنى قبل نحو 90000 سنة فسنجد أن كلا من أفراد الإنسان الحديث (من الناحية التشريحية) والنياندرتاليين كانوا يصنعون أدوات حجرية موستيرية، وهذه ـ وإن كانت أقل إتقانا من الأدوات الأوريگناسية ـ تتطلب في الواقع قدرا من الدراية بكيفية عملها. ويصرح (وايت) قائلا: "لا أستطيع أن أتصور أن النياندرتاليين كانوا ينتجون هذه الأنواع من الأدوات المعقدة تقانيا ويمررونها من جيل إلى آخر من دون التكلم عنها." ويضيف قائلا: "لقد رأيت كثيرا من الناس يصنعون هذه الأشياء، ولا أستطيع أن أُلازم أحدا وأتعلم منه كيفية صنعها من دون تبادل الحديث معه." وبناء على ذلك، لا يقبل (وايت) وآخرون غيره فكرة أن أفراد الإنسان الحديث كانوا على نحو ما متفوقين على النياندرتاليين معرفيا cognitively، وبخاصة إذا كان التدني المعرفي النياندرتالي يعني افتقارهم إلى لغة. ويبدو، عوضا عن ذلك، أن أفراد الإنسان الحديث أبدعوا حضارة اعتمدت، بدرجة أكبر، على رموز مادية.
نهاية النياندرتاليين (******):
في السنوات الأخيرة تجمعت أدلة قوية على أن ظهور أفراد الإنسان الحديث في أوروبا كان في الغالب بسبب هجرة جماعات من البشر إلى هذه القارة، قدمت من الشرق الأدنى على الأرجح، بدءا من زمن يراوح بين ما قبل 40000 و 30000 سنة. ويرى معظم الباحثين أن هذه الجماعات المبكرة من أفراد الإنسان الحديث ارتحلت إلى الأناضول وبلاد البلقان أولا، وصعدت أخيرا عبر سهول ووديان وسط أوروبا إلى شمالي وغربي القارة.
ويُظن أنه في الوقت نفسه كانت جماعات الإنسان الحديث تدفع أمامها بانتظام النياندرتاليين الأصليين إلى أجزاء من الأرض غير مرغوب فيها وتقع على أطراف أوروبا. ويبدو أن آخر معقل للنياندرتاليين كان في شبه الجزيرة الأيبيرية، حيث حُدد عمر أحافير بشرية من موقع أسباني يسمى زافارّايا Zafarraya بنحو ما قبل 32000 سنة، كما حُدِّد عمر أدواتهم بنحو 28000 سنة. ويؤكد كثير من الدارسين اختفاء كل أثر للنياندرتاليين في أوروبا بعد هذا الزمن وعدم تقديمهم أي إسهامات بيولوجية للأفراد المبكرين من الإنسان الحديث. وبدا أن النياندرتاليين دُفعوا إلى انقراض كامل من قبل أفراد من نوع بشري أسمى منهم وهو نوعنا الحالي.
والآن ألقت أدلة جديدة مستقاة من موقع في شمال غرب كرواتيا، بظلال من الشك على هذه المعلومات التقليدية. لقد بينتُ مع زملائي ـ باستخدام طريقة تحديد العمر بالمطياف الكتلوي المسرع(11) مباشرة على عينتين من النياندرتاليين من كهف ڤينديجا Vindija ـ أن هؤلاء النياندرتاليين كانوا يعيشون في بعض أكثر الأراضي المرغوبة في وسط أوروبا في زمن متأخر يعود إلى ما قبل 28000 سنة. وتُبين هذه التواريخ، وهي الأحدث مما عرف عن أحافير النياندرتاليين، أن هؤلاء البشر لم يتم إبعادهم بسرعة إلى أطراف القارة، بل إنهم تنافسوا إلى أبعد الحدود ولمدة طويلة مع الجماعات الغازية من الإنسان الحديث.
إن تداخل الجماعات النياندرتالية مع الجماعات المبكرة من الإنسان الحديث على مدار عدة آلاف من السنين في قلب أوروبا أتاح فرصة كبيرة لتأثرات متنوعة يعكس بعضَها كُهف ڤنديجا.
فقد كشف البحث الذي أجراه الزميلان الكرواتيان (I. كارا ڤاتش) [من جامعة زغرب] و (J. رادو ڤشتش) [من متحف التاريخ الطبيعي الكرواتي] عن تشكيلة مختلطة في أدوات الحضارتين الموستيرية والأوريكناسية في المستوى الطبقي نفسه الذي حوى أحافير النياندرتاليين التي جرى تحديد عمرها، وهذا يشير إلى أن النياندرتاليين إما أنهم صنعوا أدوات متطورة وإما أنهم كانوا يتاجرون بها مع أفراد الإنسان الحديث. ويبدو أن النياندرتاليين الڤنديجيين كانوا أكثر شبها من الناحية المورفولوجية (الشكلية) بأفراد الإنسان الحديث من معظم النياندرتاليين الآخرين، وهذا يشير إلى أن أسلافهم تزاوجوا بالأفراد المبكرين من الإنسان الحديث.
إن ما يدعم احتمال حدوث دَفْق جيني gene flow بين الجماعتين يتمثل فيما خلفه النياندرتاليون من علامات على الأفراد المبكرين من الإنسان الحديث. والتي عثر عليها في مواقع في وسط أوروبا، مثل موقع ڤوگلهيرد Vogelherd في جنوب غرب ألمانيا وملادتش Mladec موارڤيا (الجمهورية التشيكية)، تتميز بملامح يصعب تفسيرها بعيدا عن وجود إسهام نياندرتالي في أسلافها. فعلى سبيل المثال يبدي فعليا كل من النياندرتاليين والأفراد الأوروبيين المبكرين من الإنسان الحديث بروزا في الجزء الخلفي من الجمجمة يسمى العِقْصَة bun القذالية (مع العلم بأن مظاهر العقصات ووضعيتها تختلف بسبب اختلاف شكل الجمجمة الإجمالي بينهما).
إلا أن الأحافير التي عثر عليها في مواقع في الشرق الأدنى فس سخول Skhul وقفزة Qafzeh والتي يفترض أنها تمثل أسلاف الأفراد الأوروبيين المبكرين من الإنسان الحديث، لا توجد في جماجمها هذه السمة المورفولوجية. ويصعب أن نفسر كيف أن ظاهرة النمو المسؤولة عن تشكل هذه العقصة استطاعت أن تظهر مرة أخرى بصورة مستقلة (عن الأسلاف) وأن تنتشر على نطاق واسع لدى الأفراد الأوروبيين المبكرين من الإنسان الحديث. ولكن، عوضا عن ذلك، فإنه من المنطق إلى حد بعيد أن نعترف أن هذه الناحية المورفولوجية تمثل حلقة اتصال بالنياندرتاليين.
ويُقدم الطفل البرتغالي المكتشف حديثا مزيدا من الدالات المثيرة للاهتمام.
إن ما توصلنا إليه يبين، في اعتقادي، أن التأثرات البيولوجية والسلوكية بين الجماعات النياندرتالية والجماعات المبكرة من الإنسان الحديث كانت معقدة للغاية ـ فهي أعقد بكثير من أن تكون أصول أفراد البشر الحديثين في أوروبا قد تضمنت استبدالا كاملا وبسيطا للنياندرتاليين؛ فالنياندرتاليون لم يعودوا موجودين ككائنات حية.
ويمكن ألا تكون الجينات النياندرتالية استدامت حتى الوقت الحاضر، غير أن تلك الجينات كانت موجودة في بداية التاريخ البيولوجي للأفراد الأوروبيين من الإنسان الحديث.
لم يطرد دخول أفراد الإنسان الحديث إلى أوروبا (اللون الأرجواني) النياندرتاليين الذين ظلوا يعيشون في أواسط وغرب أوروبا قبل 28000 سنة. ويحمل عدد من العينات العائدة لأفراد مبكرة من الإنسان الحديث بعضَ الملامح النياندرتالية، مما يوحي بتمازج هاتين الجماعتين في أثناء فترة تداخلهما الطويلة الأمد.
وكذلك تقصَّى الباحثون شكل الدماغ النياندرتالي بحثا عن دالات clues على مقدرتهم المعرفية. وبحسب رأي (R.هولواي) [من جامعة كولومبيا]، فإن جميع اللاتناظرات asymmetries الدماغية التي تميز أفراد الإنسان الحديث موجودة لدى النياندرتاليين. فهو يلاحظ أن القدرة على التفريق بين الاثنين أمر مستحيل في الوقت الحاضر." أما بالنسبة إلى موضوع ما إذا كانت البنية التشريحية النياندرتالية تسمح لصاحبها بالتكلم، فإن الدراسات التي أجراها (J.لايتمان) [من كلية طب ماونت سيناء] والتي تناولت قاعدة الجمجمة توحي بأن للنياندرتاليين (إذا ما كانوا يتكلمون) ذخيرتهم الصوتية vocal repertoire المحدودة إلى درجة ما. ولكن أهمية مثل هذه القيود الفيزيائية أمر غير واضح.
التلاشي(*******):
لو أن النياندرتاليين كانت لديهم أساسا المقدرة المعرفية نفسها التي لدى أفراد الإنسان الحديث، لجعل ذلك من اختفائهم أمرا محيرا بدرجة كبيرة. ولكن إعادة تأريخ البقايا النياندرتالية العائدة لكهف ڤينديجا vindija في كرواتيا، والتي جرت حديثا، تؤكد أن هذا الاختفاء لم يحدث بين عشية وضحاها، فقد بيّن (سميث) وزملاؤه أن النياندرتاليين ظلوا يعيشون في أواسط أوروبا قبل 28000 سنة، وهو زمن تلا دخول أفراد الإنسان الحديث إلى تلك المنطقة بآلاف السنين . وانطلاقا من هذا الرأي، يتصور (سترنگر) أن أفراد الإنسان الحديث (الذين يعتبرهم نوعا جديدا) حلّوا محل النياندرتاليين خلال سيرورة طويلة بطيئة. ويفترض هذا الباحث أن "النياندرتاليين تلاشوا تدريجيا لأن أفراد الإنسان الحديث كانوا أكثر منهم إبداعا، وأقدر منهم على التكيف مع التغير البيئي السريع، ولربما امتلكوا كذلك شبكات اجتماعية أكبر."
ومن جهة أخرى، إذا كان النياندرتاليون ضربا من نوعنا البشري يساوينا في المقدرة، بحسب ما يعتقد (سميث) و (ولپوف)، يكون التداخل overlap الطويل الأمد بين النياندرتاليين والجماعة الجديدة التي دخلت أوروبا قد أتاح وافرا من الزمن للاختلاط، ومن ثم لظهور تلك الأشكال الخليطة التي يراها هذان الدارسان لدى النياندرتاليين المتأخرين وأفراد الإنسان الحديث المبكرين في أوروبا. وإذا كانت هاتان المجموعتان قد تبادلتا جينات، فربما تبادلتا الأفكار الحضارية التي يمكن أن تعلل بعضا من التشابه بين الشاتلپيرونية والأوريگناسية على سبيل المثال. ويقول (ولپوف) بأن النياندرتاليين اختفوا ككيانات، لأن القادمين الجدد تفوقوا عليهم عدديا. ويستشف هذا الباحث أن آلاف السنين من التهاجن بين الجماعة النياندرتالية الصغيرة وجماعة الإنسان الحديث الأكبر منها عددا قد أضعفت الملامح النياندرتالية المتميزة وانتهى بها المطاف إلى التلاشي.
ويجزم (ولپوف) بأننا: "لو نظرنا إلى الأستراليين قبل ألف سنة من الآن، فإننا سنرى أن الملامح الأوروبية قد تغلبت على ملامح الأستراليين الأصليين بفضل التفوق العددي للأوروبيين، لا بفضل التكيف الأقدر، ولا بفضل الحضارة المغايرة، ولا بفضل أي شيء سوى كثرة أعداد الأوروبيين. وإنني أعتقد بحق أن ذلك هو ما يصف ما نراه في أوروبا ـ إننا نرى هيمنة الناس الأكثر عددا."
من بين الخليط المربك من الآراء في هذا المجال المثير للنزاع بصورة شنيعة، يبرز إجماع واحد يتمثل في أن الباحثين تراجعوا عن فكرة النياندرتالي المتعثر غير الحضاري. وفيما عدا ذلك، يبقى مطروحا للتحري موضوع ما إذا كان هؤلاء البشر القدامى ancient hominids هم بين أسلاف الناس الحاليين، أو أنهم نوع وثيق القرابة بهم تنافَسَ بحدة مع نوعنا نحن من أجل القارة الأوروآسيوية، وخلّف، في نهاية المطاف، بقايا يمكن مشاهدتها. وفي كلتا الحالين، ستبقى التفاصيل على الأغلب بالغة التعقيد. وهنا يسرح فكر عالم الآثار (L.ستراوس) [من جامعة نيومكسيكو] قائلا: "كلما عرفنا المزيد ازدادت الأسئلة المثارة وازداد تعقيدها. ولهذا السبب فإن التفسيرات البسيطة لا تحسم الأمر."
__________
(*)WHO WERE THE NEANDERTALS
(**)Guide to Terminology
(***)Survival Skills
(****)Thy Hybrid Child from Portugal
(*****)A Case for Neandertal Culture
(******)The Fate of the Neandertals
(*******)Fading Away
(1) The early modern human gene pool
(2) پاليوأنثروپولوجيون paleoanthropologists.
(3) أركيولوجيون archeologists.
(4) القوزاق Cossacks: شعب يعيش في جنوب روسيا وفي أوكرانيا وسيبريا، اشتهر قديما بالفروسية.
(5) جمع جبين، ويقال أيضا: أَجْبُن وأَجْبِنة. (التحرير)
(6) genetic drift: التأرجح العشوائي للتكرارات الجينية من جيل إلى آخر، ويصادف عند الجماعات الصغيرة.
(7) [انظر: Ancestral Quandary, Kate Wong, News and Analysis;
Scientific American, January 1998].
(8) حضارة تعود إلى العصر الحجري القديم الأعلى في أوروبا، تلي الحضارة الأوريگناسية. (التحرير)
(9)Cantabrian: ينتمي إلى سلسلة جبال تقع في شمال أسبانيا.
(10) Pyreneans: ينتمي إلى سلسلة جبال تمتد على طول الحدود الفرنسية الأسبانية. (التحرير)
(11) .accelerator mass spectrometry
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|