أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-6-2020
1749
التاريخ: 11-10-2016
1745
التاريخ: 21-5-2019
11096
التاريخ: 3-3-2021
2373
|
كل نفس في بدء الخلقة خالية عن الملكات بأسرها ، وإنما تتحقق كل ملكة بتكرر الأفاعيل و الآثار الخاصة به بيان ذلك أن كل قول أو فعل ما دام وجوده في الأكوان الحسية لا حظ له من الثبات لأن الدنيا دار التجدد و الزوال ، و لكنه يحصل منه أثر في النفس فإذا تكرر استحكم الأثر فصار ملكة راسخة ، مثاله الحرارة التي تحدث في الفحم فانها ضعيفة أولا و إذا اشتدت تجمرت ثم استضاءت ، ثم صارت صورة نارية محرقة لما قارنها مضيئة لما قابلها ، و كذلك الأحوال النفسانية إذا تضاعفت قوتها صارت ملكات راسخة و صورا باطنة تكون مبادئ للآثار المختصة بها ، فالنفوس الإنسانية في أوائل الفطرة كصحائف خالية من النقوش و الصور تقبل كل خلق بسهولة ، و إذا استحكمت فيها الأخلاق تعسر قبولها لأضدادها ، و لذلك سهل تعليم الأطفال و تأديبهم و تنقيش نفسهم بكل صورة و صفة و يتعسر أو يتعذر تعليم الرجال البالغين و ردهم عن الصفات الحاصلة لهم لاستحكامها و رسوخها.
ثم لا خلاف في أن هذه الملكات و أفعالها اللازمة لها إن كانت فاضلة كانت موجبة للالتذاذ و البهجة و مرافقة الملائكة و الأخيار، و إن كانت ردية كانت مقتضية للألم و العذاب و مصاحبة الشياطين و الأشرار، و إنما الخلاف في كيفية إيجابها للثواب أو العذاب ، فمن قال إن الجزاء مغاير للعمل قال إن كل ملكة و فعل يصير منشأ لترتب ثواب أو عقاب مغاير له بفعل اللّه سبحانه على التفصيل الوارد في الشريعة.
و من قال إن العمل نفس الجزاء قال : إن الهيئات النفسانية اشتدت و صارت ملكة تصير متمثلة ومتصورة في عالم البياض و الملكوت بصورة يناسبها ، إذ كل شيء يظهر في كل عالم بصورة خاصة ، فان العلم في عالم اليقظة أمر عرضي يدرك بالعقل أو الوهم و في عالم النوم يظهر بصورة اللبن فالظاهر في العالمين شيء واحد و هو العلم لكنه تجلى في كل عالم بصورة ، و السرور يظهر في عالم النوم بصورة البكاء ، و منه يظهر أنه قد يسرك في عالم ما يسوؤك في عالم آخر ، فاللذات الجسمانية التي تسرك في هذا العالم تظهر في دار الجزاء بصورة تسوؤك و تؤذيك ، و تركها و تحمل مشاق العبادات و الطاعات و الصبر على المصائب و البليات يسرك في عالم الآخرة مع كونها مؤذية في هذا العالم.
ثم القائل بهذا المذهب قد يطلق على هذه الصورة اسم الملك إن كانت من فضائل الأخلاق أو فواضل الأعمال.
و اسم الشيطان إن كانت من أضدادها و قد يطلق على الأولى اسم الغلمان و الحور و أمثالهما و على الثانية اسم الحيّات و العقارب و أشباههما ، و لا فرق بين الإطلاقين في المعنى ، و إنما الاختلاف في الاسم.
و هذا المذهب يرجع إلى القول بتجسد الأعمال بصورة مأنوسة مفرّحة أو صورة موحشة معذبة و قد ورد بذلك أخبار كثيرة : منها :
ما روى أصحابنا عن قيس بن عاصم عن النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلم) أنه قال : يا قيس «إن مع العز ذلا ، و مع الحياة موتا ، و مع الدنيا آخرة ، و إن لكل شيء رقيبا و على كل شيء حسيبا ، و إن لكل أجل كتابا ، و انه لا بد لك من قرين يدفن معك و هو حي و تدفن معه و أنت ميت ، فإن كان كريما أكرمك ، و إن كان لئيما ألأمك ، ثم لا يحشر إلا معك و لا تحشر إلا معه ولا تسأل إلا عنه ، فلا تجعله إلا صالحا ، فإنه إن صلح أنست به و إن فسد لا تستوحش إلا منه وهو فعلك».
ومنها : ما استفاض من قولهم (عليهم السلام) : «إن من فعل كذا خلق اللّه تعالى ملكا يستغفر له إلى يوم القيامة».
و منها : ما ورد « ان الجنة قيعان و غراسها سبحان اللّه » , و منها : ما روي « ان الكافر خلق من ذنب المؤمن » , و منها : قولهم «المرء مرهون بعمله» , و منها قوله (صلى اللّه عليه و آله و سلم) : «الذي يشرب في آنية الذهب و الفضة إنما يجري في بطنه نار جهنم».
و يدل عليه قوله سبحانه.
{ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49] , و ربما كان في قوله تعالى : {وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [يس : 54] , و قوله تعالى : {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: 16] .
إشارة إليه حيث قال عز و جل : «ما كُنْتُمْ» و لم يقل بما كنتم.
وقال فيثاغورس الحكيم : «ستعارض لك في أفعالك و أقوالك و أفكارك وسيظهر لك من كل حركة فكرية أو قولية أو عملية صورة روحانية ، فان كانت الحركة غضبية أو شهوية صارت مادة لشيطان يؤذيك في حياتك و يحجبك عن ملاقاة النور بعد وفاتك ، و إن كانت الحركة عقلية صارت ملكا تلتذ بمنادمته في دنياك و تهتدى به في أخراك إلى جواز اللّه و كرامته».
وهذه الكلمات صريحة في أن مواد الأشخاص الأخروية هي التصورات الباطنية و النيّات القلبية والملكات النفسية المتصورة بصورة روحانية وجودها وجود إدراكي ، و الإنسان إذا انقطع تعلقه عن هذه الدار و حان وقت مسافرته إلى دار القرار و خلص عن شواغل الدنيا الدنية و كشف عن بصره غشاوة الطبيعة , فوقع بصره على وجه ذاته و التفت إلى صفحة باطنه و صحيفة نفسه و لوح قلبه و هو المراد بقوله سبحانه : {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} [التكوير : 10] و قوله تعالى : {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق : 22].
صار إدراكه فعلا و علمه عينا و سره عيانا ، فيشاهد ثمرات أفكاره و أعماله ، و يرى نتائج انظاره وأفعاله و يطلع على جزاء حسناته و سيئاته ، و يحضر عنده جميع حركاته و سكناته و يدرك حقيقة قوله سبحانه : {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } [الإسراء : 13، 14].
فمن كان في غفلة عن أحوال نفسه و مضيعا لساعات يومه و أمسه يقول :
{مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف : 49].
{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } [آل عمران : 30].
وقد أيد هذا المذهب أعني صيرورة الملكات صورا روحانية باقية أبد الدهر موجبة للبهجة و الالتذاذ و التوحش و التألم ، بأنه لو لم تكن تلك الملكات و النيات باقية أبدا لم يكن للخلود في الجنة أو النار وجه صحيح ، إذ لو كان المقتضى للثواب أو للعذاب نفس العمل و القول ، وهما زائلان لزم بقاء المسبب مع زوال السبب و هو باطل ، و كيف يجوز للحكيم أن يعذب عباده أبد الدهر لأجل المعصية في زمان قصير، فإذا منشأ الخلود هو الثبات في النيات و الرسوخ في الملكات , و مع ذلك فمن يعمل مثقال ذرة من الخير أو الشر يرى أثره في صحيفة نفسه أو في صحيفة أعلى و أرفع من ذاته أبدا كما قال سبحانه : {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } [عبس : 13 - 15].
والسر فيه أن الأمر الذي يبقى مع النفس إلى حين مفارقتها من الدنيا و لم يرتفع عنها في دار التكليف يبقى معها أبدا و لا يرتفع عنها أصلا لعدم تجدد ما يوجب إزالته بعد مفارقته عن عالم التكليف.
ثم الظاهر أن هذا المذهب - عند من قال به من أهل الشرائع - بيان لكيفية الثواب و العقاب الروحانيين مع إذعانه بالجنة و النار الجسمانيين» إذ لو كان مراده قصر اللذة و الثواب و الألم والعقاب و الجنات و القصور و الغلمان و الحور و النار و الجحيم و الزقوم و الضريع و ساير ما ورد في الشريعة القادسة من أمور القيامة على ما ذكر فهو مخالف لضرورة الدين .
(تنبيه) الدنيا و الآخرة متضادتان ، و كل ما يقرب العبد إلى أحداهما يبعد عن الأخرى و بالعكس ، كما دلت عليه البراهين الحكمية و الشواهد الذوقية و الأدلة السمعية ، فكل ملكة أو حركة أو قول أو فعل يقرب العبد إلى دار الطبيعة والغرور يبعده عن عالم البهجة و السرور، و بالعكس ، فأسوأ الناس حالا من لم يعرف حقيقة الدنيا و الآخرة و تضادهما و لم يخف سوء العاقبة و أفنى عمره في طلب الدنيا و إصلاح أمر المعاش و قصر سعيه على جر المنفعة لبدنه من نيل شهوة أو بلوغ لذة أو اكتساب ترفع ، و رئاسة أو جمع المال من غير تصور لما يصل إليه من فائدته ، كما هو عادة أكثر أبناء الدنيا ، و لم يعرف غير هذه الأمور من المعارف الحقيقية و الفضائل الخلقية و الأعمال الصالحة المقربة إلى عالم البقاء فكأنه يعلم خلوده في الدنيا ، و لا يرجو بعد الموت ثواب عمل ، و لا جزاء فعل ، و لا يعتقد بما يرجوه المؤمنون و يؤمله المتقون من الخير الدائم ، و اللذات المخالفة لهذه اللذات الفانية التي يشارك فيها السباع و البهائم ، فإذا أدركه الموت مات على حسرة و ندامة آيسا من رحمة اللّه قائلا : {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر : 56] , أعاذنا اللّه تعالى من سوء الخاتمة و وقفنا لتحصيل السعادة الدائمة.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|